سقراط

فيلسوف إغريقي قديم

سُقْرَاط (باللاتينية: Socrates) (باليونانية: Σωκράτης)‏ كان فيلسوفًا يونانيًا من أثينا ولد نحو 470 وتُوفِّيَ نحو 399 ق.م، يُعتبر مؤسس الفلسفة الغربية وأحد أوائل الفلاسفة الأخلاقيين في مذهب التفكير الأخلاقي. كان سقراط شخصية غامضة، حيث لم يكتب أي نصوص، وهو معروف أساسًا من خلال روايات كتّاب العصور الكلاسيكية التي جاءت بعد وفاته عبر تلامذته أفلاطون وزينوفون خاصَّة. كُتبت هذه الروايات على شكل حوارات، حيث يناقش سقراط ومحدثوه موضوعًا ما بأسلوب السؤال والجواب؛ مما أدى إلى ظهور النوع الأدبي المعروف بالحوار السقراطي. إن التناقضات بين الروايات حول سقراط تجعل من الصعب جدًا إعادة بناء فلسفته، وهو وضع يُعرف بمشكلة سقراط. كان سقراط شخصية مثيرة للجدل في المجتمع الأثيني. اتُهم في عام 399 قبل الميلاد بالإلحاد وإفساد الشباب. وحُكم عليه بالإعدام بعد محاكمة استمرت ليوم واحد. وقد قضى يومه الأخير في السجن، رافضًا عروضًا لمساعدته على الهرب.[4]

سقراط
سقراط
معلومات شخصية
الميلاد 470 ق.م
أثينا  تعديل قيمة خاصية (P19) في ويكي بيانات
الوفاة 399 ق.م
أثينا  تعديل قيمة خاصية (P20) في ويكي بيانات
الإقامة أثينا الكلاسيكية  تعديل قيمة خاصية (P551) في ويكي بيانات
الجنسية يوناني
عضو في بويل[1]  تعديل قيمة خاصية (P463) في ويكي بيانات
مشكلة صحية صرع  تعديل قيمة خاصية (P1050) في ويكي بيانات
الزوجة زنتيب  تعديل قيمة خاصية (P26) في ويكي بيانات
الحياة العملية
التلامذة المشهورون أفلاطون،  وإكسينوفون،  وأنتيستنيس،  وأريستبوس،  وإيسقراط،  وفايدو من إيلس،  وسبياس،  وألكيبيادس  تعديل قيمة خاصية (P802) في ويكي بيانات
المهنة فيلسوف[2]،  ومدرس[2]،  وكاتب[3]،  وأخلاقي  [لغات أخرى]‏  تعديل قيمة خاصية (P106) في ويكي بيانات
اللغات الإغريقية  تعديل قيمة خاصية (P1412) في ويكي بيانات
مجال العمل فلسفة،  ونظرية المعرفة،  وأخلاقيات  تعديل قيمة خاصية (P101) في ويكي بيانات
المواقع
IMDB صفحته على IMDB  تعديل قيمة خاصية (P345) في ويكي بيانات

تُعتبر حوارات أو مُحاورات أفلاطون من بين أكثر النصوص شموليةً عن سقراط التي نجت من العصور القديمة. تعرض هذه الحوارات النهج السقراطي في مجالات الفلسفة، بما في ذلك نظرية المعرفة والأخلاق. يُطلق اسم سقراط الأفلاطوني على مفهوم الطريقة السقراطية، وكذلك على المفارقة السقراطية. تتشكل الطريقة السقراطية في الاستجواب، أو «الإيلنخوس»، في الحوار باستخدام أسئلة وأجوبة قصيرة، وتتجسد في تلك النصوص الأفلاطونية التي يفحص فيها سقراط ومحدثوه جوانب مختلفة من قضية ما أو معنى مجرد، عادةً ما يتعلق بإحدى الفضائل، ويجدون أنفسهم في مأزق، غير قادرين تمامًا على تحديد ما كانوا يعتقدون أنهم يفهمونه. اشتهر سقراط بإعلانه عن جهله التام؛ كان يقول إن الشيء الوحيد الذي كان مدركًا له هو جهله، مما يعني أن إدراك جهلنا هو الخطوة الأولى في التفلسف.

مارس سقراط تأثيرًا قويًا على الفلاسفة في العصور القديمة المتأخرة، واستمر تأثيره حتى العصر الحديث. جرت دراسته من قبل علماء العصور الوسطى والإسلاميين ولعب دورًا مهمًا في فكر عصر النهضة الإيطالية، خاصةً داخل الحركة الإنسانية. استمر الاهتمام به بلا توقف، كما ينعكس في أعمال سورين كيركغور وفريدريك نيتشه. أسهم وصف وتصوير سقراط في الفن والأدب والثقافة الشعبية في جعله شخصية معروفة على نطاق واسع في التقاليد الفلسفية الغربية.

المصادر والمشكلة السقراطية

عدل

لم يوثق سقراط تعاليمه بنفسه. كل ما هو معروف عنه يأتي من روايات آخرين: الفيلسوف أفلاطون والمؤرخ زينوفون، اللذان كانا من تلاميذه؛ والكوميدي الأثيني أريستوفان (المعاصر لسقراط)؛ وتلميذ أفلاطون أرسطو، الذي وُلد بعد وفاة سقراط. هذه القصص المتناقضة غالبًا في تلك الروايات القديمة تزيد من صعوبة قدرة الباحثين على إعادة بناء أفكار سقراط الحقيقية بشكل موثوق، وهي مشكلة تُعرف باسم المسألة أو "المشكلة السقراطية".[5] تُعد أعمال أفلاطون وزينوفون ومؤلفين آخرين يستخدمون شخصية سقراط كأداة تحقيق، المصادر الرئيسية للمعلومات عن حياة سقراط وفكره، وهي مكتوبة على شكل حوار بين سقراط ومحاوريه. استخدم أرسطو مصطلح "الحوارات السقراطية" (لوغوس سقراط) لوصف هذا النوع الأدبي الجديد.[6] وعلى الرغم من أن التواريخ الدقيقة لتأليفها غير معروفة، فمن المحتمل أن بعضها كُتب بعد وفاة سقراط.[7] وكما أشار أرسطو لأول مرة، فإن مدى تصوير الحوارات لسقراط بشكل أصيل هو موضع نقاش.[8]

نبذة عن سقراط

عدل

سقراط يلقب أحيانًا بأنه أكثر الرجال حكمة في العالم القديم، فبعد أن عمل في الفن وقتًا قصيرًا، تحول إلى الفلسفة، وثبتت من فوره شهرته كمفكر على جانب كبير من الأصالة والإبداع. وقد ابتدع طريقة للتحقيق والتعليم هي كناية عن سلسلة من الأسئلة تهدف إلى الحصول على تعبير واضح ومتماسك عن شيء يفترض أنه مفهوم ضمنًا من كل البشر.

وكان دائم السعي وراء الحقيقة والاهتمام بجعل مشاكل الحياة المعقدة أسهل على الفهم، ولتحقيق هذه الغاية كان مضطرًا إلى مناقشة الكثير من المعتقدات والتقاليد المسلم بها. الأمر الذي أكسبه الكثير من العداوات.

في حياة بيريكليس كان سقراط في أمان، لأن هذا السياسي الكبير كان معجبًا به كثيرًا، ولكن بعد وفاته شرع أعداء سقراط في الضغط عليه لكي يسحب معظم ما قاله، ولكن لم يقبل بذلك، واستمر بالعمل في الخط الذي رسمه، وما كان يعتقد أن الحاجة تدعو إلى مناقشته، وأخيرًا اتُّهِمَ بإفساد الشباب، وحُكِم عليه بالموت بتجرع سم الشوكران القاتل.

السيرة الذاتية

عدل
 
صورة محفورة لـ "سقراط" من العقيق الأحمر – في روما – ترجع للفترة من القرن الأول قبل الميلاد حتى القرن الأول بعد الميلاد

تعلم أسس الفلسفة على يد بارمينيدس وطور نفسه إلى أن أمسى تحت الأرض ولقد وردت التفاصيل الخاصة بحياة سقراط من ثلاثة مصادر حديثة وهي حوارات كل من «أفلاطون» و"زينوفون" (الاثنان من أنصار «سقراط») ومسرحيات «أريستوفانيس». وقد وصفه بعض تلاميذه، بما فيهم «إيريك هافلوك» و«والتر أونج»، على أنه مناصر لأساليب التواصل الشفوية حيث وقف أمام الإسهاب غير المقصود الذي تتصف به الكتابة.[9][10]

وفي مسرحية السحب التي قام «أريستوفانيس» بتأليفها، وصف «سقراط» على أنه مهرج يعلم تلاميذه كيف يتملصون من الديون. وعلى الرغم من ذلك، فإن معظم أعمال «أريستوفانيس» تتصف بأنها أعمال تحاكي بسخرية أعمال المؤلفين الآخرين. ومن ثم، قد نسلم بأن هذا الوصف لم يكن موضوعيًا وواقعيًا أيضًا. وفقًا لما ذكره «أفلاطون»، اسم والد «سقراط» هو «سوفرونيسكوس» واسم والدته هو «فيناريت» وهي كانت تعمل كقابلة (داية). وعلى الرغم مما ورد عن وصفه بأن شكله كان غير جذاب وأنه كان قصير القامة، تزوج سقراط من «زانثيبي» التي كانت تصغره في السن بكثير. وأنجبت منه ثلاثة أبناء، هم «لامبروكليس» و«سوفرونيسكوس» و«مينيكسينوس». وقد انتقده صديقه كريتو من ألوبيكا لتخليه عن أبنائه عندما رفض محاولة الهروب قبل تنفيذ حكم الإعدام عليه. لم يبد واضحًا كيف كان «سقراط» يكسب قوت يومه. ويبدو أن النصوص القديمة أشارت إلى أن «سقراط» لم يكن يعمل. وفي كتاب الندوة للمؤرخ «زينوفون»، نقل عن «سقراط» أنه كان يقول إنه يكرس نفسه للشيء الذي يعتبره أهم فن أو مهنة وهو مناقشة الفلسفة. وفي مسرحية السحب، يصور «أريستوفانيس» «سقراط» على أنه كان يتقاضى مالًا مقابل تعليم الطلاب وإدارة مدرسة سوفسطائية مع «كريفون»، في حين أنه ورد في حواري «دفاع سقراط» و"المأدبة" لـ «أفلاطون» وفي روايات «زينوفون» إنكار «سقراط» الصريح لقبوله أي أموال مقابل تعليم الطلاب. وفي حوار دفاع سقراط على وجه الخصوص، استشهد سقراط بفقره كبرهان على كونه ليس مدرسًا. ووفقًا لما ذكره "تيمون فليوسي" وما ورد في مصادر أحدث، امتهن «سقراط» مهنة نحت الصخور عن والده. ولقد كان هناك اعتقاد في العصور القديمة بأن «سقراط» نحت تماثيل ربات القدر الثلاث (Three Graces) التي ظلت موجودة بالقرب من معبد «أكروبوليس» حتى القرن الثاني بعد الميلاد، ولكن لم يصدق العلم الحديث على صحة هذا الاعتقاد.[11] تشير العديد من حوارات «أفلاطون» إلى الخدمة العسكرية التي أداها «سقراط». يقول «سقراط» إنه خدم في الجيش الأثيني خلال ثلاث معارك، وهي بوتيديا وأمفبوليس وديليوم. وفي حوار «المأدبة»، وصف «ألكيسيبياديس» شجاعة وبسالة «سقراط» في معركتي «بوتيديا» و«ديليوم» وذكر كيف أن «سقراط» أنقذ حياته في معركة «بوتيديا» (219e – 221b). كما ورد الأداء الرائع الذي أداه «سقراط» في معركة «ديليوم» ضمن حوار "لاكاس" (أو الشجاعة باللغة الإنجليزية) من قبِل الجنرال الذي سُمِّيَ الحوار على اسمه (181b). وفي حوار «دفاع سقراط»، يقارن «سقراط» بين خدمته العسكرية ومعاناته التي واجهها في قاعة المحكمة ويقول إنه إذا كان هناك في هيئة المحلفين من يعتقد أنه يجب أن ينسحب ويتخلى عن الفلسفة، فينبغي لهذا الشخص أن يفكر أيضًا في أنه لا بد للجنود أن تنسحب من المعركة عندما يبدو لهم أنهم سيُقتلون فيها.

في عام 406، كان «سقراط» عضوًا في مجلس الشيوخ اليوناني وكان قومه - قوم Antiochis - هم الذين عقدوا مجلس المحاكمة في اليوم الذي شهد إعدام الجنرالات الذين شاركوا في معركة أرجنوسي لأنهم تخلوا عن القتلى والناجين من السفن الغارقة من أجل مطاردة الأسطول الإسبارطي المنهزم واللحاق به. وكان «سقراط» أحد الأعضاء الرئيسيين بالمجلس وعارض المطلب غير الدستوري الذي اقترحه «كاليكسنيس» بعقد محاكمة جماعية لإدانة جميع الجنرالات الثمانية. في آخر الأمر، رفض «سقراط» أن يذعن للتهديدات التي وجهت إليه بأن يلاقي حتفه في السجن وأن يتم اتهامه بالتقصير، وأعاق التصويت الجماعي حتى انتهى مجلس محاكمته في اليوم التالي والذي شهد إدانة الجنرالات والحكم عليهم بالإعدام. وفي عام 404 سعت حكومة الطغاة الثلاثين لأن تضمن ولاء من عارضوها وذلك بتوريطهم وإشراكهم فيما تقترفه من أفعال، فقد طلبت من «سقراط» وأربعة آخرين أن يُحضروا حاكم مدينة سلاميز من منزله لتنفيذ حكم إعدام غير عادل في حقه. رفض «سقراط» بهدوء، ولم يحل دون إعدامه سوى الإطاحة بحكم الطغاة الثلاثين التي وقعت في وقت لاحق، وقبل أن يحكم عليه القضاة بالإعدام قال سقراط لن أرفض فلسفتي إلى أن ألفظ النفس الأخير.

 
لوحة موت سقراط للرسام جاك لوي ديفيد

لقد عاش «سقراط» في الفترة الانتقالية فيما بين ازدهار الحكم الأثيني وانهياره حينما هُزِمَ أمام مدينة أسبرطة وحلفائها في معركة البلوبونيز. وفي الوقت الذي سعت فيه مدينة "أثينا" وراء الاستقرار واستعادة مكانتها بعد الهزيمة المخزية التي لحقت بها، ربما استمتع الأثينيون بالشكوك التي دارت حول الديمقراطية كصورة فعالة للحكم. ولقد بدا أن «سقراط» من الأشخاص كثيري الانتقاد للديمقراطية وقد فسر بعض تلاميذه المحاكمة التي عقدت له كتعبير عن صراع سياسي محتدم. وعلى الرغم من ادعاء «سقراط» بأنه يبدي الولاء لمدينته لدرجة بلغت تحديه للموت، تعارض كل من سعي «سقراط» وراء الفضيلة والتزامه الصارم بالحقيقة مع النهج الحالي للمجتمع الأثيني وسياساته.[12] لقد أثنى في حوارات عديدة على «أسبرطة» وهي المنافس الرئيسي لـ «أثينا»، سواءً أكان ذلك بصورة مباشرة أم غير مباشرة. ومع ذلك، لقد مثل موقفه كناقد اجتماعي وأخلاقي أكثر المناحي التي تجلت فيها الانتقادات والإساءات التاريخية التي أبداها «سقراط» نحو المدينة. فبدلًا من أن يؤيد الوضع الراهن ويقبل بسيادة الأعمال اللاأخلاقية في منطقته، عمل «سقراط» على تقويض المفهوم الجماعي الذي انتهجه الآخرون والذي شاع للغاية في اليونان خلال تلك الفترة، ألا وهو «إن القوة تصنع العدل». ويشير «أفلاطون» إلى «سقراط» بوصفه ذبابة الخيل في المدينة (فذبابة الخيل تلدغ الخيل فتحثها على القيام بفعل ما، وبالمثل كان «سقراط» يحث «أثينا» على اتخاذ فعل ما عن طريق لدغها بالانتقادات)، لدرجة أنه أرَّق الحكام وكان يحثهم دائمًا بأنهم يجب عليهم مراعاة تحقيق العدل والسعي وراء الخير. فالأمر بلغ أن محاولاته لتغيير مفهوم العدل الذي ينتهجه الأثينيون كانت السبب وراء الحكم عليه بالإعدام.

ووفقًا لما جاء في حوار «دفاع سقراط» لأفلاطون، بدأت حياة «سقراط» بوصفه "ذبابة الخيل" في أثينا عندما سأل «كريفون» – وهو صديق «سقراط» – مهبط الوحي في مدينة "دلفي": هل في الناس من هو أعقل من سقراط وأكثر حكمة منه؟ فأجاب مهبط الوحي بأنه ما من شخص أكثر حكمة منه. وكان «سقراط» يعتقد بأن ما قاله مهبط الوحي يحوي قدرًا كبيرًا من التناقض (المفارقة)، لأنه كان يعتقد أنه ليس لديه أية حكمة على الإطلاق. فقرر أن يحل هذا اللغز بأن يدنو من الرجال الذين كان أهل مدينة «أثينا» يعتبرونهم من الحكماء مثل رجال الدولة والشعراء والصناع المهرة، وذلك لكي يفند رأي مهبط الوحي. وحينما طرح «سقراط» عليهم مجموعة من الأسئلة، توصل إلى أنه في الوقت الذي كان فيه كل واحد منهم يعتقد أنه ذو شأن وحكيم للغاية هو في الحقيقة قليل المعرفة للغاية وغير حكيم على الإطلاق. حينئذ أدرك «سقراط» أن مهبط الوحي كان محقًا في رأيه، ولأنه أدرك أنه في حين يعتقد هؤلاء الرجال بأنهم حكماء وهم ليسوا كذلك، عرف أنه هو نفسه غير حكيم على الإطلاق، وبالتالي، ومن هذا التناقض، يكون هو الأكثر حكمة لأنه الوحيد الذي أدرك جهله. وهذه الحكمة التناقضية التي توصل إليها «سقراط» أظهرت أبرز الأثينيين الذين تحاور معهم كحمقى، وبالتالي انقلبوا عليه واتهموه بالإثم. وقد دافع «سقراط» عن دوره كذبابة الخيل التي تحث أثينا حتى آخر حياته، فعندما طُلِبَ منه في محاكمته أن يقترح أسلوب العقاب الذي يتلقاه، اقترح أنه لا يستحق العقاب بل يجب أن يُثاب ويرى بأن حقه أن يحصل على مكافأة، وهي أن يعيش بقية أيامه على نفقة الدولة كسبيل لمنحه ما يستحقه لقضائه الوقت سعيًا وراء إفادة الأثينيين.[13] ومع ذلك، أدين بتخريبه لعقول الشباب الأثينيين وتم الحكم عليه بالإعدام عن طريق تناول شراب معد من نبات الشوكران السام.

 
تمثال نصفي لسقراط في متحف الفاتيكان

ووفقًا لما جاء في رواية «زينوفون»، ألقى «سقراط» عن عمد دفاعًا جريئًا أمام هيئة المحلفين، لأنه كان يعتقد أنه من الأفضل له أن يموت. ويواصل «زينوفون» حديثه ليصف دفاع «سقراط» والذي يوضح قسوة العهد القديم وكيف كان «سقراط» سعيدًا لأنه سيهرب من هذه القسوة بإعدامه. كما يفهم ضمنًا من وصف «زينوفون» أن «سقراط» تمنى أيضًا الموت لأنه كان يعتقد فعليًا أن الوقت المناسب قد حان لأن يفارق الحياة.

ويتفق أفلاطون وزينوفون على أن «سقراط» كانت لديه الفرصة للهرب، حيث كان بإمكان تابعيه أن يقدموا رشوة لحراس السجن. لكنه اختار البقاء لعدة أسباب هي:

  1. لأنه كان يعتقد أن الهروب قد يشير إلى خوفه من الموت وهو الخوف الذي اعتقد بأنه لا وجود له لدى أي فيلسوف حقيقي.
  2. لأنه لو هرب من أثينا، لن تلقى تعاليمه أي نجاح في مدينة أخرى لأنه سيستمر في محاورة كل من يقابلهم وسيثير استياءهم بالطبع.
  3. ولأنه وافق- على نحو متعمد- على أن يعيش بالمدينة ويخضع لقوانينها، فهو قد أخضع نفسه ضمنيًا لاحتمالية أن يتهمه أهل المدينة بارتكاب الجرائم وأن يدان من قبل هيئة المحلفين. ولو قام بما ينافي ذلك، فهذا يعني أنّه يخرق العقد الاجتماعي الذي وقّعه مع الدولة وبالتالي سيسبب ضررًا لها ومثل هذا التصرف ينافي المبادئ التي ينتهجها «سقراط».

وكانت الأسباب والحجج التي تكمن وراء رفضه الهروب موضع اهتمام حوار «كريتو» لأفلاطون. وقد تم وصف وفاة «سقراط» في نهاية حوار «فيدون» لـ «أفلاطون»، وفيه رفض «سقراط» الحجج التي قدمها «كريتو» كذريعة لمحاولة الهروب من السجن. وبعد أن تجرع السم، أُصدِرَ له أمر بأن يمشي حتى يشعر بتنميل في القدمين. وبعد أن استقلى على السرير، قام الرجل الذي منحه السم بالضغط بشكل مؤلم على قدميه. لم يعد «سقراط» يشعر بقدميه. وتسرب فقد الإحساس بأعضاء جسمه ببطء خلال جسمه حتى وصل إلى قلبه. وقبل أن يقضي نحبه بفترة قصيرة، تحدث «سقراط» إلى «كريتو» قائلاً: «أنا مدين إلى»أسكليبوس «. رجاءً لا تنس أن تدفع له هذا الدين». و«أسكليبوس» هو إله الطب عند الإغريق ومن المحتمل أن الكلمات الأخيرة لـ«سقراط» كانت تعني أن الموت هو شفاء للروح وتحررها من الجسد. وقد حاول الفيلسوف الروماني "سنيكا" أن يحاكي وفاة «سقراط» بالسم حينما أجبره الحاكم «نيرون» على الانتحار.

المنهج السقراطي

عدل

على الأرجح تتمثل أكثر إسهامات «سقراط» أهميةً في الفكر الغربي في منهج الجدل والتداول القائم عن طريق الحوار، وهو المنهج المعروف أيضًا بالمنهج السقراطي أو «أسلوب إلينخوس» (والتي تعني مجادلة) وقد قام «سقراط» بتطبيق هذا المنهج في دراسة مفاهيم أخلاقية أساسية مثل الخير والعدالة. وكان أفلاطون أول من وصف المنهج السقراطي في «الحوارات السقراطية». فلحل مشكلة ما، قد يتم تحليلها إلى مجموعة من الأسئلة والتي تعمل إجاباتها تدريجيًا على الوصول إلى الحل المنشود. ويتجلى تأثير هذا المنهج بشدة اليوم في استخدام المنهج العلمي والذي لا تكون مرحلة الافتراض أول مراحله. ويُعَد تطوير هذا المنهج وتوظيفه من أبرز الإسهامات المستمرة لـ«سقراط» كما أنهما شكلا عاملًا رئيسيًا في ارتداء «سقراط» لعباءة مؤسس الفلسفة السياسية أو علم الأخلاق أو الفلسفة الأخلاقية، وفي تميزه كأبرز الشخصيات في كل الموضوعات الرئيسية المتعلقة بالفلسفة الغربية. لتوضيح استخدام المنهج السقراطي، تم طرح مجموعة من الأسئلة لمساعدة شخص أو مجموعة من الأشخاص على تحديد معتقداتهم الأساسية ومدى معارفهم. والمنهج السقراطي هو منهج سلبي قائم على التخلص من الافتراضات، والذي يكون بالعثور على الافتراضات الجيدة عن طريق تحديد الافتراضات غير الجيدة والتي تؤدي إلى التناقضات ثم التخلص منها. وقد تم تصميم هذا المنهج بحيث يجبر المرء على مراجعة معتقداته وتحديد مدى صحتها. وفي الواقع، قال «سقراط» ذات مرة: «أعرف أنكم لن تصدقوني ولكن أبرز صور التفوق الإنساني هي مساءلة الذات ومساءلة الآخرين».[14]

معتقدات «سقراط» الفلسفية

عدل

من الصعب تمييز معتقدات «سقراط» عند فصلها عن معتقدات «أفلاطون». فليس لدى الاستدلال المادي الكثير الذي يمكن به التمييز بين معتقدات هذين الفيلسوفين. فإن «أفلاطون» هو من وضع النظريات المطولة الواردة في معظم حواراته وبعض العلماء يعتقدون أن «أفلاطون» انتهج الأسلوب السقراطي بشدة لدرجة جعلت من المستحيل التمييز بين الشخصية الأدبية والفيلسوف نفسه. وجادل آخرون بأن لـ «أفلاطون» نظريات ومعتقدات خاصة به ولكن أثير جدل كبير حول ماهية هذه النظريات والمعتقدات بسبب صعوبة فصل معتقدات «سقراط» عن معتقدات «أفلاطون» وصعوبة تفسير حتى الكتابات الدرامية المتعلقة بـ «سقراط». لذا، ليس من السهل التمييز بين المعتقدات الفلسفية الخاصة بـ «سقراط» عن تلك التي انتهجها «أفلاطون» و«زينوفون»، ولا بد أن نتذكر أن ما قد يتم نسبه لـ «سقراط» قد يعكس عن كثب الاهتمامات المحددة لهذين المفكرين. وما يزيد الأمر تعقيدًا هو حقيقة أن شخصية «سقراط» التاريخية اشتهرت على نحو سلبي بطرحها للأسئلة دون الإجابة عنها، مدعيَين بذلك أنها تفتقر إلى الحكمة في الموضوعات التي تطرح على الآخرين أسئلة بشأنها.[15] بصفة عامة، إذا كان هناك ما يمكن ذكره عن المعتقدات الفلسفية لـ «سقراط»، فهو أنها كانت تتعارض أخلاقيًا وفكريًا وسياسيًا مع رفقائه الأثينيين. فحينما كانت تتم محاكمته لإدانته بالهرطقة وتخريب عقول شباب «أثينا»، استخدم «سقراط» منهجه السقراطي أو ما يُعرَف بأسلوب «إلينخوس» لكي يشرح لأعضاء هيئة المحلفين أن قيمهم الأخلاقية معتمدة على أفكار غير صحيحة. لقد أخبرهم أنه في الوقت الذي من المفترض أن يهتموا فيه بنقاء أرواحهم، كانوا يبدون الاهتمام فقط بعائلاتهم وأعمالهم ومسئولياتهم السياسية. ولقد بدا أن اعتقاد «سقراط» بافتقار نفوس الأثينيين للأخلاقية واقتناعه بأن الآلهة قد اختارته كرسول سماوي كانا مصدر إزعاج للأثينيين - إن لم يثيران سخريتهم. كما اعترض «سقراط» على المذهب السوفسطائي بأن الفضيلة يمكن تعليمها للآخرين. لقد أحب أن يلاحظ أن الآباء الناجحين (مثل الجنرال العسكري البارز «بريكليز») لا ينجبون أبناءً يماثلونهم في المهارة والتفوق. وجادل «سقراط» بأن التفوق الأخلاقي يُعَد بمثابة شيء فطري وليس مرتبطًا بالرعاية التي يوفرها الوالدان لأبنائهم. وقد يكون هذا الاعتقاد هو الذي ساهم في عدم شعور «سقراط» بالقلق تجاه مستقبل أبنائه. كثيرًا ما ذكر «سقراط» أن أفكاره ليست من نسجه وإنما من نسج معلميه. ولقد ذكر «سقراط» عدة أشخاص كان قد تأثر بهم ومنهم «بروديكوس» مدرس علم البيان والعالم «أناكسوجوراس». وما قد يثير الدهشة هو أن «سقراط» ذكر أنه قد تأثر بشدة بسيدتين إلى جانب تأثره بوالدته، فقد قال إن "ديوتيما" الساحرة والكاهنة في مدينة «مانتيني» قد علمته كل ما يعرفه عن الحب (والمعروف باليونانية باسم eros)، كما علمته "آسبازيا" – وهي معلمة الجنرال العسكري «بريكليز» – علم البلاغة. Plato، وقد جادل "جون بيرنت" بأن المعلم الرئيسي لـ«سقراط» كان «أناكسوجوراين أرشيلوس» ولكن أفكاره كانت كما وصفها.[16] وعلى الجانب الآخر، رأى «إيريك هافلوك» أن ارتباط «سقراط» بالمعلم «أناكسوجوراين» يعد دليلاً على اختلاف المعتقدات الفلسفية لـ «أفلاطون» عن تلك التي ينتهجها «سقراط».

المعرفة

عدل

غالبًا ما كان «سقراط» يذكر أن حكمته مقصورة على إلمامه بما يتصف به من جهل. وكان «سقراط» يؤمن بأن ارتكاب الأخطاء هو نتيجة للجهل وأن من يرتكبون الأخطاء يفتقرون إلى معرفة ما هو صحيح. والشيء الوحيد الذي ادعى «سقراط» باستمرار أن لديه معرفة به هو «فن الحب» والذي ربط بينه وبين مفهوم «حب الحكمة»، أي الفلسفة. إنه لم يَدَّعِ قط أنه حكيم، ولكنه أدرك المسار الذي لا بد أن يسلكه محب الحكمة في سعيه وراء الحكمة. ولقد كان التوصل إلى ما إذا كان «سقراط» يؤمن بأن البشر (في مواجهة الآلهة مثل الإله أبولو) بإمكانهم بالفعل أن يصبحوا حكماء أم لا أمرًا محل جدال. فمن ناحية فرق «سقراط» بين الجهل البشري والمعرفة المثلى. ومن ناحية أخرى، وصف «أفلاطون» في كل من حوار «المأدبة» و«الجمهورية» منهجًا يمكن به الوصول إلى الحكمة. وفي حوار «ثيئيتيتس» (150a) لـ «أفلاطون»، قارن «سقراط» نفسه بصانع الزيجات (والمعروف في اليونانية باسم προμνηστικός promnestikós) كسبيل لتمييز نفسه عن القواد (والمعروف في اليونانية باسم προᾰγωγός proagogos). ولقد لاقى هذا التمييز صداه في حوار «المأدبة» لزينوفون (3.20)، حينما مزح «سقراط» بشأن تيقنه من قدرته على كسب ثروة طائلة إذا اختار أن يمارس مهنة القوادة. وفيما يتعلق بتميز «سقراط» كمحاور فلسفي، فإنه يرشد الشخص الذي يجيب عن أسئلته إلى تصور أوضح للحكمة، وذلك على الرغم من أن «سقراط» نفسه يدعي أنه ليس مدرسًا (حوار «دفاع سقراط»). فكما يدعي، من الأنسب أن ينظر لدوره كدور مماثل للقابلة (ويطلق عليها في اليونانية اسم μαῖα maia. ويوضح «سقراط» أنه نبع ناضب من النظريات ولكنه يعرف كيف يساعد الآخرين على وضع النظريات كما يعرف كيف يحدد ما إذا كانت هذه النظريات مجدية أم غير مجدية والتي تعرف بالإنجليزية باسم wind eggs وتعرف باليونانية باسم ἀνεμιαῖον anemiaion وربما يكون الأمر الأهم هو أنه أوضح أن القابلة (الداية) تكون عاقرة بسبب كبر سنها في حين أن السيدات اللاتي لم تنجبن قط لا تستطعن أن تعملن كقابلات، فالمرأة العاقر حقًا ليس لديها خبرة أو معرفة بعملية الولادة والقرارات التي يجب اتخاذها. وللحكم على ذلك الأمر، لا بد أن تكون لدى القابلة خبرة ومعرفة بما ستصدر أحكامًا بشأنه.

 
تمثال نصفي لسقراط في متحف باليرمو الأثري

اعتقد «سقراط» بأن أفضل طريقة يحيا بها البشر هي أن يركزوا على تطوير الذات بدلاً من السعي وراء الثروة المادية.[بحاجة لمصدر] وقد كان دائمًا ما يدعو الآخرين لمحاولة التركيز على الصداقات وعلى الإحساس بالمجتمع الحقيقي، لأن «سقراط» شعر بأن هذه هي الطريقة الفضلى لكي ينمو البشر كمجموعة. وقد وصل تطبيقه لهذه المبادئ إلى درجة أنه قَبِلَ في نهاية حياته الحكمَ بالإعدام في الوقت الذي ظن فيه الجميع أنه سيغادر أثينا هربًا منه، وذلك لأنه شعر بعدم القدرة على الهروب أو معارضة إرادة مجتمعه؛ وكما ذكرنا من قبل كانت بسالته المعروفة في أرض المعركة لا جدال فيها.

إن فكرة أن البشر يملكون فضائل معينة كانت تشكل ميزة مشتركة في كل تعاليم «سقراط». وتمثل هذه الفضائل السمات التي يجب أن يحظى بها كل إنسان، وعلى رأسها الفضائل الفلسفية أو العقلية. وقد أكد «سقراط» على أن «الفضيلة هي أقيم ما يملكه الإنسان؛ والحياة المثالية هي تلك الحياة التي تنقضي في البحث عن الخير. وتكمن الحقيقة وراء ظلال الوجود، ومهمة الفيلسوف هي التي توضح للآخرين مدى ضآلة ما يعرفون بالفعل.» [بحاجة لمصدر]

السياسة

عدل

غالبًا ما يقال أن «سقراط» كان يؤمن بأن «المثاليات تنتمي لعالم لا يستطيع فهمه إلا الإنسان الحكيم»، مما يجعل الفيلسوف هو الشخص الوحيد المناسب للتحكم في الآخرين. وفي حوار أفلاطون «الجمهورية»، لم يكن «سقراط» مرنًا أبدًا بخصوص معتقداته فيما يتعلق بالحكومة. فاعترض بشكل صريح على الديمقراطية التي حكمت «أثينا» في ذلك الوقت. ولكنه لم يعترض فقط على الديمقراطية في «أثينا»: وإنما اعترض على أي شكل من أشكال الحكومات الذي لا يتواءم مع أفكاره المثالية عن جمهورية كاملة يحكمها الفلاسفة، وقد كانت الحكومة في «أثينا» أبعد ما تكون عن هذه الحال. إلا أن من الممكن أن تكون أقوال «سقراط» المذكورة في حوار أفلاطون «الجمهورية» مصبوغة بآراء أفلاطون نفسه. في السنوات الأخيرة من حياة «سقراط»، كانت أثينا تمر بتغيرات مستمرة نتيجة للاضطرابات السياسية. وأخيرًا أطاحت حكومة «الطغاة الثلاثون»، بالديمقراطية. وكان يقود هذه الحكومة «كريتياس» أحد أقرباء «أفلاطون» والذي كان تلميذًا من تلامذة «سقراط». وظلت حكومة الطغاة تحكم «أثينا» قرابة عام قبل أن تعود الديمقراطية لتتقلد الحكم مرة ثانية، وفي هذا الوقت أعلنت هذه الحكومة العفو العام عن جميع الأفعال التي قامت بها مسبقًا.

غالبًا ما تُنكَر معارضة «سقراط» للديمقراطية، كما أن هذه المسألة تعد من الموضوعات الفلسفية المثيرة للجدل عند محاولة تحديد الأفكار التي آمن بها «سقراط» بالفعل. ومن أهم الحجج التي يسوقها هؤلاء الذين يزعمون عدم إيمان «سقراط» بفكرة الحكام الفلاسفة هي أن هذه الفكرة لم يتم التعبير عنها قط قبل حوار «الجمهورية» لـ «أفلاطون»، الذي يعتبر بشكل عام أحد حوارات أفلاطون المتوسطة ولا يمثل آراء «سقراط» التاريخية. علاوة على ذلك، وطبقًا لما ورد في أحد حوارات «أفلاطون» المتقدمة "دفاع «سقراط» أن «سقراط» رفض ممارسة السياسة التقليدية؛ وأقر بشكل متكرر أنه لا يستطيع النظر في شئون الآخرين أو إخبار الناس كيف يعيشون حياتهم في حين إنه لم يستطع حتى الآن فهم كيف يعيش حياته هو. لقد كان «سقراط» يؤمن بأنه فيلسوف همه الأكبر هو السعي وراء الحقيقة، ولم يَدَّعِ أنه عرفها بشكل كامل. كما أن قبول «سقراط» لحكم الإعدام الذي صدر ضده بعد إدانته من مجلس الشيوخ اليوناني، يمكن أيضًا أن يدعم هذا الرأي. ومن المعتقَد غالبًا أن معظم التعاليم المضادة للديمقراطية كانت من «أفلاطون»، الذي لم يتمكن يومًا من التغلب على سخطه عمّا حدث لمعلمه. على أية حال، من الواضح أن «سقراط» كان يعترض على حكم الطغاة الثلاثين تمامًا كاعتراضه على الديمقراطية؛ وعندما استُدعِيَ للمثول أمامهم للمساعدة في القبض على أحد المواطنين من «أثينا»، رفض «سقراط» أن يقوم بهذا وفر من الموت بأعجوبة، وكان هذا قبل أن يطيح الديمقراطيون بجماعة الطغاة. ومع ذلك، فقد تمكن «سقراط» من تأدية واجبه كعضو في مجلس الشيوخ الذي عقد محاكمة لمجموعة من الجنرالات الذين قادوا معركة بحرية مدمرة؛ وحتى عندئذ كان يحتفظ بتوجهه غير المرن؛ إذ كان أحد هؤلاء الذين رفضوا المواصلة بطريقة لا تدعمها القوانين، على الرغم من الضغط الشديد.[17] ومن خلال تصرفاته وأفعاله، نستطيع القول إنه كان ينظر إلى حكم الطغاة الثلاثين بوصفه حكمًا أقل شرعية من مجلس الشيوخ الديمقراطي الذي حَكَم عليه بالإعدام.

التصوف

عدل

في حوارات «أفلاطون»، يبدو أن «سقراط» كان دائمًا ما يدعم الجانب المتصوف، إذ يناقش مسألة التقمص والأديان الغامضة؛ إلا أن هذا كان ينسب بشكل عام لـ «أفلاطون». وبغض النظر عن ذلك، فإننا لا نستطيع تجاهل هذا الموضوع، لأنه ليس في وسعنا التأكد من الاختلافات بين وجهات نظر «أفلاطون» و«سقراط»؛ بالإضافة إلى أنه يبدو أن هناك بعض النتائج الطبيعية في أعمال «زينوفون». ففي ذروة الطريق الفلسفي كما هو موضح في حواري «المأدبة» و«الجمهورية» لـ«أفلاطون»، يصل المرء إلى بحر الجمال (وهي مرحلة الوصول إلى أعلى مراتب الحقيقة عند الصوفيين ومن يزعم أنه يصل إلى هذه المرحلة غالبًا ما يقول إن الحقيقة تنصهر في بوتقة واحدة أو بحر واسع تذوب فيه كل الاختلافات وهي مصدر كل جمال) أو يصل إلى رؤية شكل الخير في تجربة أشبه بالكشف الصوفي؛ وعندها فقط يمكن أن يصبح المرء حكيمًا. (في حوار «المأدبة»، يعزي «سقراط» خطابه بخصوص الطريق الفلسفي إلى أستاذته الكاهنة "ديوتيما"، التي لم تكن واثقة حتى من أن «سقراط» يستطيع الوصول إلى الألغاز الكبرى أم لا) أما في حوار «مينون»، فقد أشار «أفلاطون» إلى احتفالات "أثينا" بطقوس عبادة الإلهين "ديميتر" و"بيرسيفون"، مخبرًا «مينون» أنه سيفهم أجوبة «سقراط» بشكل أفضل إذا ما بقي حتى ميعاد هذه المراسم في الأسبوع القادم. وثمة ارتباك ينتج عن طبيعة هذه المصادر، لدرجة أن هناك جدلاً حول ما إذا كانت الحوارات الأفلاطونية هي أحد أعمال فيلسوف فنان، ولا يستطيع القارئ العادي أو حتى المثقف فهم المعنى بسهولة. وقد كان «أفلاطون» نفسه مؤلفًا للمسرحيات قبل أن يتجه إلى دراسة الفلسفة. وتعتبر أعماله، بالفعل، حوارات؛ واختيار «أفلاطون» لهذه الحوارات إلى جانب أعمال «سوفوكليس» و«إيريبيدوس» وأدب المسرح، ربما يعكس الطبيعة التأويلية لأعماله. والأكثر من ذلك هو أن الكلمة الأولى في معظم أعمال «أفلاطون» هي مصطلح وثيق الصلة بهذه الدراسة بعينها، وهي تتوافق مع التعريف المتفق عليه بالإجماع. وأخيرًا، فإن حواري «فايدروس» و«المأدبة» يشيران إلى توصيل «سقراط» للحقائق الفلسفية في المحادثات بشكل غامض؛ ويتضح أيضًا في حوار «فايدروس» أن «سقراط» يتصف بالغموض في كل الكتابات. والتصوف الذي نجده غالبًا في «أفلاطون» والذي يظهر في أكثر من مكان ويتخفى وراء الرمز والسخرية، غالبًا ما يكون مختلفًا مع التصوف الذي يقدمه «سقراط» في كتابات «أفلاطون» في بعض الحوارات الأخرى. إذا ما استعنا بالحلول التصوفية التي أوردها سقراط في الإجابة عن التساؤلات والتحليلات في وقتنا الحالي، فإنها ستفشل في الإجابة عنها وستفشل في إرضاء القراء المتعطشين لمعرفة إجابات عن هذه التساؤلات. ولكن سواء ستفشل هذه الحلول التصوفية في إرضاء القراء الواعين والمدركين لهذه الحلول أم لا تعد مسألة أخرى، ولكن من المحتمل أنها ستفشل أيضًا.

ربما كان من أكثر الأشياء الممتعة في هذا الموضوع هو اعتماد «سقراط» على ما كان يطلق عليه اليونانيون جني سقراط أو «وحي دلفي» (وهو صوت يهتف به جني متلبس بسقراط كي يمنعه من ارتكاب خطأ ما وفي اليونانية، يُعرف باسم ἀποτρεπτικός apotreptikos). وكان هذا هو صوت الجني الذي يمنع «سقراط» من الدخول في السياسة. وفي حوار «فايدروس»، قيل لنا إن «سقراط» كان يعتبر هذا شكلاً من أشكال «الجنون المقدس»، نوع من الجنون الذي يعتبر هبة من الآلهة والذي يمنحنا الشعر والتصوف والحب وحتى الفلسفة. أو يمكننا القول إن هذا الصوت الداخلي غالبًا ما ينظر إليه بوصفه «الحدس»، ومع ذلك فإن تسمية«سقراط» لهذه الظاهرة باسم "جني سقراط" يعني أن أصلها غامض ومنفصل عن أفكاره الخاصة. مقطع فديو عن سقراط على يوتيوب

مؤلفو المسرحيات الهزلية

عدل

سخر الكاتب المسرحي «أريستوفانيس» في مسرحيته الكوميدية "السحب" من «سقراط» بشكل واضح، وقد أنتجت هذه المسرحية حينما كان «سقراط» في منتصف العقد الرابع من عمره؛ وقد قال «سقراط» في محاكمته (طبقًا لما ورد على لسان «أفلاطون») أن ضحك الجمهور في المسرح تعد مهمة أصعب في الرد عليها من ادعاءات هؤلاء الذين اتهموه. وقد اعتقد «سورين كيركغور» أن هذه المسرحية كانت تعتبر بمثابة تمثيل أدق لـ «سقراط» من تلك التي كتبها تلامذته. وقد انتقد «سقراط» في هذه المسرحية على قذارته، التي كانت شائعة بين سكان مدينة لاكونيا في ذلك الوقت، وكذلك في مسرحيات أخرى كتبها "كالياس" و«إيوبوليس» و«تليكليدس». وفي كل هذه المسرحيات، انتقد «سقراط» والسوفسطائيين بشدة على «الأخطاء الأخلاقية المتأصلة في الأفكار والأدب المعاصر».

المصادر النثرية

عدل

يعتبر «أفلاطون» و«زينوفون» و«أرسطو» هم المصادر الأساسية لمعرفة تاريخ «سقراط»؛ إلا أن «زينوفون» و«أفلاطون» كانا من التابعين الذين تتلمذوا على يد «سقراط»، وبالتالي فإنهم يضعونه في صورة مثالية؛ ومع ذلك، فإن ما كتبوه عن «سقراط» يعتبر هو المصدر الوحيد الذي وصل إلينا كأوصاف متواصلة لـ «سقراط». أما «أرسطو» فقد كان يشير من آن لآخر، بشكل عابر، لـ «سقراط» في كتاباته. وجدير بالذكر أن معظم أعمال «أفلاطون» كانت تتمحور حول «سقراط». ولكن يبدو أن أعمال «أفلاطون» الأخيرة كانت فلسفته الخاصة ولكنه وضعها على لسان معلمه.

الحوارات السقراطية

عدل

إن الحوارات السقراطية هي عبارة عن سلسلة من الحوارات التي كتبها «أفلاطون» و«زينوفون» على شكل مناقشات بين «سقراط» وأشخاص آخرين من زمنه، أو مناقشات بين تابعي «سقراط» حول مفاهيمه وأفكاره. ويعتبر حوار "فيدون" الخاص بـ «أفلاطون» مثالًا على الفئة الأخيرة. وعلى الرغم من أن حوار «دفاع سقراط» يعتبر مونولوج على لسان «سقراط»، فإنه عادةً ما يوضع في زمرة الحوارات. ويُعتبَر حوار «دفاع سقراط» تسجيلًا للخطاب الفعلي الذي ألقاه «سقراط» أثناء دفاعه عن نفسه في المحكمة. ويتكون الدفاع في نظام المحلفون الأثيني من ثلاثة أجزاء: خطاب متبوع بتقييم أو دفاع مضاد عن نفسه ثم بعض الكلمات الأخيرة. إن المرادف الإنجليزي لحوار «دفاع سقراط» هو apology والمرادف اليوناني له هو apologia، ولكنه ليس مصطلحًا مستخدمًا في وقتنا الحالي. بشكل عام، لا يضع «أفلاطون» أفكاره الخاصة على لسان متحدث بعينه؛ وإنما يترك الأفكار لتنبثق من خلال المنهج السقراطي، تحت إشراف «سقراط». وتوضح معظم الحوارات أن «سقراط» يطبق هذا المنهج إلى حد ما، ولا أدل على ذلك من حوار «يوثيفرو». في هذا الحوار، يمر «سقراط» و«يوثيفرو» بتأكيدات متعددة لتنقيح الإجابة عن سؤال «سقراط»: «ما التقي وما العاصي؟» في حوارات «أفلاطون»، يبدو التعلم وكأنه عملية تذكر. إن الروح، قبل أن تتجسد في جسد الإنسان، كانت في عالم الأفكار (وهو عالم شبيه بالأفكار الأفلاطونية). وهناك كانت ترى الأشياء على حقيقتها، وليس الظلال الباهتة أو النسخ التي نراها على الأرض. ومن خلال عملية الاستجواب، يمكن أن نجعل الروح تتذكر الأفكار في شكلها النقي، الأمر الذي يؤدي إلى الحكمة. وبالنسبة لكتابات «أفلاطون» التي تشير إلى «سقراط» بشكل خاص، ليس من الواضح دائمًا أي من الأفكار التي يثيرها «سقراط» (أو اصدقاؤه) هي في الحقيقة تخص «سقراط» وأيها ربما يكون إضافات جديدة أو تفسيرات وضعها «أفلاطون» – ويعرف هذا بالمشكلة السقراطية. وبشكل عام، تعتبر الأعمال الأولى لـ «أفلاطون» قريبة إلى روح وشخصية «سقراط»، في حين أن الأعمال الأخيرة له – بما فيها حواري "فيدون" و"الجمهورية" – من المحتمل أن تكون نتيجة لتفسيرات «أفلاطون».

التراث

عدل

التأثير الفوري

عدل

على الفور انطلق تلامذة «سقراط» إلى العمل على تطبيق تصوراتهم لتعاليم «سقراط» في السياسة وأيضًا على تطوير الكثير من المدارس الفلسفية الجديدة للتفكير. لقد كان بعض طغاة «أثينا» المثيرين للجدل والمعارضين للديمقراطية من تلامذة «سقراط» المعاصرين أو غير المعاصرين له ومن ضمنهم «ألكيبيادس» و«كريتياس». وقد واصل «أفلاطون»، ابن عم «كريتياس» تأسيس مدرسته التي أطلق عليها «الأكاديمية» في عام 385 قبل الميلاد – والتي حظيت بشهرة واسعة لدرجة أن اسمها أصبح كلمة تعني مؤسسة تعليمية في اللغات الأوروبية الحديثة مثل الإنجليزية والفرنسية والإيطالية. أما عن «أرسطو»، تلميذ «أفلاطون» وصديقه، والذي يعد من الشخصيات شديدة الأهمية في العصر الكلاسيكي، فقد ذهب لتعليم «الإسكندر الأكبر» وأسس مدرسة خاصة به في عام 335 قبل الميلاد والتي أطلق عليها الليسيه، وقد أصبح هذا الاسم أيضًا يعني الآن مؤسسة تعليمية. في حين تم إظهار «سقراط» على أنه يقلل من شأن المعرفة المؤسسية مثل الرياضيات أو العلوم مقارنة بالظروف الإنسانية في حواراته، فإن «أفلاطون» أكد عليها مضيفًا إليها معنى تجريدي يعكس ذلك الخاص بـ «فيثاغورس» – الذي سيطر على الفكر الغربي في عصر النهضة. كما أن «أرسطو» نفسه كان فيلسوفًا وكان عالمًا له أعمال بارزة في مجالي الأحياء والفيزياء. إن الفكر السقراطي، وهو في طريقه لتحدي الأعراف والتقاليد وخاصةً عند تأكيده على الطريقة المبسطة للحياة، أصبح منفصلًا عن أكثر مساعي «أفلاطون» الفلسفية استقلالًا ولكنه ورث بشكل كبير من قبل أحد تلامذة «سقراط» الأكبر سنًا، «أنتيستنيس» الذي أصبح مؤسسًا آخر لإحدى الفلسفات في السنوات التي تلت موت «سقراط» ألا وهي الفلسفة الكلبية. وقد هاجم «أنتيستنيس» في كتاباته «أفلاطون» و«ألسيبيادس» على ما اعتبره خيانة لمعتقدات «سقراط». شكلت فكرة الزهد جنبًا إلى جنب مع فكرة الحياة المتسمة بالأخلاق أو التقوى، والتي تجاهلها كل من «أفلاطون» و«أرسطو» بينما تناولها الكلبيون، جوهر فلسفة أخرى في عام 281 قبل الميلاد – ألا وهي الفلسفة الرواقية عندما اكتشف "زينون" من مدينة «كيتيوم» أعمال «سقراط» وبعد ذلك يتعلم من "كراتيس" الفيلسوف الكلبي. ولكن لم ترث أي من المدارس الفلسفية ميله لاحترام المرأة والمواطن العادي والشراكة معهما.

التأثيرات التاريخية اللاحقة

عدل

في حين أن بعض إسهامات «سقراط» اللاحقة لحضارة وفلسفة الحقبة الهلينية وكذلك للحقبة الرومانية قد فقدت بمرور الزمن، فإن تعاليمه قد كانت بمثابة ولادة جديدة لأوروبا في العصور الوسطى وكذلك للشرق الأوسط الإسلامي، هذا إلى جانب تعاليم «أرسطو» والفلسفة الرواقية. لقد ذكر «سقراط» في حوار «كوزاري» على لسان الفيلسوف والحاخام اليهودي «يهوذا الحليفي» والذي كان فيه أحد اليهود يعلم ملك «خازار» مبادئ اليهودية. وقد قام «الكندي»، أحد الفلاسفة العرب المشهورين، بتقديم فلسفة «سقراط» والفلسفة الهلينية للجمهور الإسلامي وحاول أن يوفق بينهما. وقد عادت مكانة «سقراط» في الفلسفة الغربية بكل قوتها في عصري النهضة والعقلانية في أوروبا عندما بدأت النظرية السياسية في الظهور على السطح مرة أخرى على يد الفيلسوفين الإنجليزيين «جون لوك» و«هوبز». بل إن «فولتير» تخطى كل الحدود عندما كتب مسرحية هزلية عن محاكمة "سقراط". وكان هناك عدد من اللوحات عن حياته بما فيها Socrates Tears Alcibiades from the Embrance of Sensual Pleasure للفنان «جين بابتيست رينو» ولوحة موت سقراط للفنان جاك لوي دافيد في أواخر القرن الثامن عشر. ولا يزال المنهج السقراطي يستخدم ليومنا هذا في مدارس القانون كوسيلة لمناقشة الموضوعات المعقدة المتضمنة في الدروس والتي تهم من يطرحها للمناقشة. ولقد حظي «سقراط» بالتكريم الذي تراوح من ذكره بشكل متكرر في ثقافة البوب مثل فيلم المغامرة الممتازة لبيل وتيد وفي إحدى فرق موسيقى الروك اليونانية، إلى التماثيل العديدة له في المؤسسات التعليمية اعترافًا بإسهاماته للتعليم.

النقد

عدل

منذ وفاة «سقراط» وحتى يومنا هذا، يتم تقييم «سقراط» والتفاعل معه من خلال طرح استفسارات فلسفية وتاريخية تتعلق به، لتكون النتيجة متمثلة في عدد هائل من النتائج ووجهات النظر. ومن الانتقادات الأولى التي وجهت لـ «سقراط» في أثناء محاكمته أنه ليس مناصرًا للفلسفة وإنما هو فرد عادي يتبع منهجًا يهدف من ورائه إلى إفساد وضعف بنية المجتمع الأثيني، وذلك الانتقاد شكل التهمة التي أدين بها «سقراط» من قبل هيئة من المحلفين الأثينيين بلغ عددها 500 شخص، والتي من أجلها حُكِمَ عليه بالإعدام. وعلى الرغم من أن حكم الإعدام لم يصدر بسبب صلته بأحد قادة الطغاة الثلاثين الذي يؤيد أسبرطة – وهو «كريتياس» -، فإنه نظر إليه كشخصية مثيرة للجدل قامت بتشويه سمعة الديمقراطية الأثينية وقامت بتعليم المؤيدين لحكم القلة والذين صاروا طغاة فاسدين. لقد ظل الفكر السوفسطائي الذي هاجمه «سقراط» في حياته موجودًا بعد وفاته ولكن سرعان ما تفوقت عليه مدارس الفكر الفلسفي العديدة التي أثر فيها «سقراط» في القرن الثالث قبل الميلاد. نظرًا لأنه تم اعتبار وفاة «سقراط» كحدث رمزي ولأنه احتل مكانة شهيد الفلسفة، لم تجد أحدث الانتقادات والتالية لوفاته في ذلك الوقت سبيلاً لتخلل الأذهان. على الرغم من ذلك، حاول «زينوفون» أن يوضح أن «سقراط» قَبِلَ عن عمد فكرة تناول سم نبات الشوكران بسبب كبر سنه مستخدمًا الشهادة المدمرة للذات التي أدلاها «سقراط» أمام هيئة المحلفين والتي أثارت جدلاً كبيرًا كدليل على ما يقول. وكانت الانتقادات المباشرة لـ «سقراط» قد اختفت تقريبًا في ذلك الوقت، ولكن كان هناك تفضيل ملحوظ حتى في العصور الوسطى لـ «أفلاطون» أو «أرسطو» على عناصر الفلسفة السقراطية المختلفة عن تلك التي يراها تلاميذه. ولأنه ما من معلومات كثيرة متوفرة عن الفيلسوف «سقراط» وربما توفرت معلومات قام «أفلاطون» بتغييرها، يعتقد العلم الحديث بأنه من المستحيل تكوين صورة واضحة لشخصية «سقراط» وسط كل هذه التناقضات الظاهرية. ويتضح ذلك بشكل أكبر حينما يوضع في الاعتبار أن مذهبي الكلبية والرواقية والذَين تأثرا بشدة بأفكار «سقراط» لا يشبهان مذهب الأفلاطونية، بل يعارضانه. ويعد هذا الغموض والافتقار إلى موثوقية المعلومات المتوفرة عن هذا الفيلسوف أساسًا حديثًا للنقد – حيث أنه شبه مستحيل أن نعرف «سقراط» الحقيقي. كما أثير الجدال أيضًا حول الادعاءات التي أبداها «سقراط» بشأن إقصاء نفسه عن العادات اللوطية لليونان القديمة وعدم إيمانه بالآلهة الأولمبية لدرجة أنه صار توحيدي، أم إن تلك الادعاءات كانت محاولة قام بها علماء العصور الوسطى لمصالحة «سقراط» بأخلاقيات العصر. ومع ذلك، لا تزال حقيقة أن «سقراط» هو مؤسس الفلسفة الغربية الحديثة حقيقة يعلمها الجميع إلا القليل وحقيقة يتم تدريسها بشكل شائع، وقد بلغ الأمر أنه يشار إلى الفلاسفة الذين سبقوه باسم الفلاسفة ما قبل «سقراط».

وجهة نظر الجماعة الإسلامية الأحمدية

عدل

لقد جادل «ميرزا طاهر أحمد» (الخليفة الرابع بالجماعة الإسلامية الأحمدية) في كتابه [18] أن «سقراط» كان نبيًا للآلهة الإغريق القدامى. وكانت الصفات الظاهرة للأنبياء التي اتصف بها «سقراط» حقًا موضع جدال. كما من الممكن أن يُنظَر بسهولة لإشارة «سقراط» المستمرة لمهبط الوحي وكيف أنه قام بدور المرشد الأخلاقي له عن طريق الحيلولة دون قيامه بأفعال غير أخلاقية كإشارة للوحي أو كبديل له. وبالمثل، غالبًا ما يشير «سقراط» إلى الإله بصيغة المفرد لا بصيغة الجمع، كما أنه رفض بشدة هيكل البانثيون الإغريقي المكرس للآلهة من الذكور والإناث ولم يستشهد بهم إلا كأمثلة لتوضيح ما يتصفون به من ضلال وخطأ في التفكير.[19]

قالوا عنه

عدل
  • لقد أنزل الفلسفة من السماء إلى الأرض. (شيشرون)
  • ثمة اكتشافان يمكن بحق عزو الفضل فيهما إلى سقراط: المقال الاستقرائي والتعريف العام، وكلاهما للعلم نقطة انطلاق. (أرسطو)
  • ما من أحد رأى قط سقراط أو سمعه يفعل أو يقول شيئًا فيه تدنيس للمقدسات أو كفر، كما أنه ما كان يناقش خلافًا لمعظم الاخرين حول طبيعة الكون، وما كان يبحث كيف ولد ما يسميه الفلاسفة العالم. (كسينوفون)
  • لم يكن أحد يضاهيه قدرةً على الإقناع لما أوتيه من موهبة في الكلام، ولما كان ينطق به محياه من تعابير وبكلمة واحدة لتميز شخصيته وتفردها، ولكن هذا فقط ما دام غير غاضب، أما متى عصفت به صورة هذا الانفعال فإن بشاعته تصبح مخيفة لا تطاق، وعندئذ ما كان يمسك نفسه عن أي قول أو أي فعل. (سبنثاروس) [20][21]

انظر أيضًا

عدل

المراجع

عدل
  1. ^ Istituto dell'Enciclopedia Italiana, Enciclopedia on line (بالإيطالية), QID:Q65921422
  2. ^ أرشيف الفنون الجميلة، QID:Q10855166
  3. ^ Charles Dudley Warner, ed. (1897), Library of the World's Best Literature (بالإنجليزية), QID:Q19098835
  4. ^ "Socrates". 1911 Encyclopaedia Britannica. 1911. مؤرشف من الأصل في 2013-05-31. اطلع عليه بتاريخ 2007-11-14.
  5. ^ Guthrie 1972, pp. 5–7
    Dorion 2011, pp. 1–2
    May 2000, p. 9
    Waterfield 2013, p. 1.
  6. ^ May 2000, p. 20
    Dorion 2011, p. 7
    Waterfield 2013, p. 1.
  7. ^ Döring 2011، صفحات 24–25.
  8. ^ Dorion 2011، صفحات 7–9.
  9. ^ Ong, pp.
  10. ^ 78–79.
  11. ^ The ancient tradition is attested in لقد كان مفلسفا فلسفيا
  12. ^ Here it is telling to refer to
  13. ^ Brun (1978).
  14. ^ Coppens.
  15. ^ Plato,
  16. ^ "أفلاطون"
  17. ^ Kagen (1978).
  18. ^ Revelation, Rationality, Knowledge & Truthنسخة محفوظة 28 أغسطس 2016 على موقع واي باك مشين.
  19. ^ Greek Philosophy نسخة محفوظة 12 يناير 2017 على موقع واي باك مشين.
  20. ^ صانعو التاريخ - سمير شيخاني .
  21. ^ 1000 شخصية عظيمة - ترجمة د.مازن طليمات.

روابط خارجية

عدل