معضلة المتعة

يُشار بمعضلة المتعة (بالإنجليزية: The paradox of hedonism)‏ إلى الصعوبات العملية المواجهة في السعي لتحقيق المتعة (اللذة)، فمع الأسف قد لا يسفر السعي الدائم نحو ذلك عن متعة وسعادة فعلية على المدى الطويل -أو حتى على المدى القصير، وذلك عندما يتداخل البحث بصورة واعية عن المتعة في معايشتها، وقد أشار الفيلسوف النفعي هنري سيدجويك لأول مرة في كتابه «مناهج الأخلاق» إلى هذه المفارقة، بأنه لا يمكن الحصول على المتعة بصورة مباشرة، وتظهر الاختلافات حول هذا الموضوع في مجالات الأخلاق والفلسفة وعلم النفس والاقتصاد.[1]

نظرة عامة

عدل

كثيرًا ما يقال أننا نفشل في الوصول إلى الملذات إن كنا نسعى عمدًا إليهم، وقد وُصِفَ هذا بشكلٍ مختلف من قبل الكثيرين: يقول الفيلسوف النفعي جون ستيوارت مل في سيرته الذاتية:

«لكنني صرت أرى الآن أن إدراك السعادة لا يكون ممكنًا إلا إذا لم تُجعَل هدفًا مباشرًا في ذاتها، والسعداء وحدهم (كما ظننت) من تكون أذهانهم متعلقة بموضع آخر غير سعادتهم هم (....) وهكذا فهم يجدون السعادة في طريقهم وهم ماضون صوب شيء آخر (....) يكفي أن تسأل نفسك إن كنت سعيدًا حتى تفقد السعادة![2]»

في كتاب «الإنسان يبحث عن المعنى» لفيكتور فرانكل، يقول:

«لا يمكن السعي وراء السعادة؛ بل يجب أن تكون ناتجًا، وتكون كذلك فقط عندما تكون الأثر الجانبي غير المقصود لتفاني الشخص لسبب أكبر من نفسه، أو عندما تكون الحصيلة الثانوية لاستسلام الشخص لشخص آخر غير نفسه.»
«فبقدر ما يحاول الرجل أن يظهر فحولته الجنسية، أو بقدر ما تحاول المرأة اختبار الرعشة الجنسية، بقدر ما تقل قدرتهما على تحقيق النجاح الذي يبتغيانه، فللابد للذة أن تكون، بل ينبغي أن تكون، أثرًا جانبيًا أو حصيلة ثانوية، وهي تفسد وتتبدد حين تغدو وبقدر ما تغدو غايةً في حدِّ ذاتها.[3]»

يقول الفيلسوف فريدريك نيتشه في كتابيه «المسيح الدجال» و«إرادة القوة»:

«ما هو الخير؟ إنه ما يربي الشعور بالقوة، وإرادة القوة، والقدرة ذاتها داخل الإنسان.


ما هو الشر؟ إنه كل ما يتأتى عن الضعف.
ماهي السعادة؟ الشعور بأن القوة تتنامى، وأن المقاومة تتجاوز.


(....) أنه من الدقة أن نضع بدل فكرة السعادة الفردية (التي يفترض أن تطمح إليها كل حياة)، فكرة القوة (....) الفرح هو علامة الإحساس ببلوغ القوة (...) المرء لا يسعى للفرح (....) الفرح يرافق ولا يكون هو المحرك.[4]»

يقول عالم النفس ألفرد أدلر في كتابه «القوام العصبي (1912)»:

«تحتضن "إرادة القوة" و"إرادة الظهور" لنيتشه العديد من وجهات نظرنا، التي تحاكي مرةً أخرى من بعض النواحي آراء فيريه والكُتّاب الأقدم، وطبقًا لهم، فإن الإحساس بالمتعة ينبع من الإحساس بالقوة، والألم من الإحساس بالضعف.[5]»

يقول السياسي وليام بينيت:

«السعادة تشبه القطة، إن حاولت ملاطفتها أو دعوتها، فإنها ستتجنبك؛ لن تأتي أبدًا، ولكن إن كنت لا تولي اهتمامًا لها، ومنشغل في عملك، فستجدها تتمسح بساقيك وتقفز إلى حضنك.[1][6]»

يقول الروائي جواو كيمارايس روزا:

«لا يُعثَر على السعادة إلا في لحظات الغفلة القصيرة.[7]»

مثال

عدل

لنفترض أن بول يحب جمع الطوابع، ومن المصدق به أن بول يجمع الطوابع لأنه يستمتع بذلك، وذلك وفقًا لمعظم نماذج السلوك، بما فيها النفعية، إضافةً لمعظم المفاهيم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية للسلوك، أي أنّ جمع الطوابع هو وسيلة نحو الحصول على المتعة، ومع ذلك، إذا أخبرت بول بذلك، فمن المحتمل أن يختلف معك، إنه يحصل بالفعل على المتعة من جمع الطوابع، ولكن هذه ليست العملية التي تشرح لماذا يجمع الطوابع، فالأمر ليس وكأنه يقول: «يجب أن أجمع الطوابع لأتمكن أنا، بول، من الحصول على المتعة»، فجمع الطوابع ليست عبارة عن وسيلة مجردة لتحقيق المتعة، إنه ببساطة يحب جمع الطوابع، وبالتالي (بشكل غير مباشر) يحصل على المتعة.

غالبًا ما يُؤخذ التناقض في هذا المثال على نحو عكسي، لتوضيح أن المتعة والسعادة لا يمكن عكس هندستها، على سبيل المثال، إذا سمعت أن جمع الطوابع كان ممتعًا جدًا للبعض، وبدأت عملية جمع الطوابع كوسيلة لتحقيق هذه السعادة، فمن المؤكد أن ذلك سيكون بلا جدوى، ولتحقيق السعادة، يجب ألا تسعى إليها بشكل مباشر، بل يجب أن تدفع نفسك على نحو غريب تجاه أشياء لا علاقة لها بالسعادة، مثل جمع الطوابع.[1]

تفسيرات مقترحة

عدل

غالبًا ما تُساوى السعادة بشكلٍ غير دقيقٍ مع المتعة، فإذا كان المرء -لأي سببٍ كان- يساوي السعادة بالمتعة، فحينئذ سينشأ ما يدعى بمعضلة المتعة، فعندما يهدف المرء نحو المتعة نفسها فقط، يكون هدفه محبطًا، ويعلّق هنري سيدجويك على هذا الإحباط بعد مناقشة حول حب الذات في العمل المذكور أعلاه:

«وعلى أية حال، لا ينبغي أن أستنتج من ذلك أن السعي وراء المتعة هو بالضرورة ذو نتائج عكسية وأمرًا لا طائل منه؛ ولكن بكل بساطة إن مبدأ المتعة الأنانية عندما يُطبَّق مع المعرفة الواجبة لقوانين الطبيعة البشرية، سيكون محدد ذاتيًا من الناحية العملية؛ أي أن الأسلوب العقلاني للوصول إلى النهاية المستهدفة يتطلب منا أن نبعدها إلى حدٍّ ما عن متناول نظرنا وألّا نهدف إليها مباشرةً.[8]»

علّق أرسطو أيضًا على عدم جدوى السعي وراء المتعة على الرغم من عدم معالجته للمعضلة بصورة مباشرة، فالبشر عناصرًا فاعلة تُسفِر مساعيهم عن عواقب من بينها المتعة، ثم يجادل أرسطو على النحو التالي:

«كيف، إذن، هل الأمر أن لا أحد يشعر بالسعادة باستمرار؟ هل الأمر أننا نسأم؟ من المؤكد أن كل الأشياء البشرية عاجزة عن النشاط المستمر، لذلك المتعة ليست مستمرة، لأنها تصاحب النشاط.[9]»

عاجلًا أم آجلًا، ستكون الكائنات المحدودة غير قادرة على اكتساب وإنفاق الموارد اللازمة للحفاظ على هدفها الوحيد المتمثل في المتعة، وبذلك، سيجدون أنفسهم بصحبة البؤس، وتشرح نظرية التطور أن البشر تطوروا من خلال الانتقاء الطبيعي متبعين الضرورات الوراثية التي تسعى لزيادة التكاثر وليس السعادة إلى أقصى حد، وكنتيجة لضغوط الانتقاء هذه، فإنّ مدى السعادة البشرية محدود بيولوجيًا، ولكن ديفيد بيرس في أطروحته «المتعة الحتمية» يشير إلى أن البشر قد يتمكنوا من استخدام الهندسة الوراثية وتقنية النانو وعلم الأعصاب للقضاء على المعاناة في الحياة البشرية، وللوصول إلى أقصى مستويات السعادة والمتعة التي لا يمكن تصورها في الوقت الحالي.[10]

المراجع

عدل
  1. ^ ا ب ج "Paradox of Hedonism". The Sophist Society. 4 مايو 2011. مؤرشف من الأصل في 2017-05-08. اطلع عليه بتاريخ 2013-04-24.
  2. ^ John Stuart Mill, Autobiography in The Harvard Classics, Vol. 25, Charles Eliot Norton, ed. (New York: P. F. Collier & Son Company, 1909 (p. 94)
  3. ^ Viktor Frankl. Man's Search for Meaning.
  4. ^ المسيح الدجال (كتاب), § 2
  5. ^ إرادة القوة (كتاب), § 688
  6. ^ "Quote by William J. Bennett". جود ريدز. 2013. مؤرشف من الأصل في 2018-11-07. اطلع عليه بتاريخ 2013-04-27.
  7. ^ Rosa, Guimarães. Tutaméia – Terceiras Estórias (8.a ed.). Rio de Janeiro: Ed. Nova Fronteira, 2001, p. 60.
  8. ^ Henry Sidgwick. The Methods of Ethics. BookSurge Publishing (1 March 2001) (p. 3)
  9. ^ Aristotle. Nicomachean Ethics, Book X, page 4 نسخة محفوظة 01 مايو 2018 على موقع واي باك مشين.
  10. ^ Raymond Bohlin. "Sociobiology: Evolution, Genes and Morality". مؤرشف من الأصل في 2019-03-10. اطلع عليه بتاريخ 2007-01-03.