طارق حربي فالح
عيد الماء (Songkran) في تايلاند
طارق حربي
كتبتْ إليَّ صديقتي العزيزة صباح اليوم من تايلاند
(أهديك أفراح الاحتفال باليوم المقدس للماء، وليتكَ كنتَ موجوداً معي لنحتفل سوية)
مشتق اسم السونكران من السنسكريتية وتعني التحرك، وهي كناية عن حركة المساكن في دائرة الأبراج. أو الانتقال إلى العام الجديد، حسب معتقدات تايلاند وبعض دول جنوب شرق آسيا. ويصادف ذلك مع بدء فصل الصيف الذي تنتقل فيه الشمس إلى برج الحمل، ويُهرعُ السيّاح من أرجاء المعمورة إلى البلد السياحي للراحة والاستجمام، وممارسة أشياء أخرى كتبتُ عنها سابقا!
في تاريخ السونكران أي قبل أن يتوسع العيد ويأخذ شكل المهرجان في الشوارع، كان عبارة عن احتفالات عائلية، يسكب فيها التايلنديون الماء على بعضهم البعض في مهرجانات سعيدة مخصوصة! وعلى صور بوذا لطلب الخير والسلام، وجعل العام الجديد عام سعادة للجميع، ولا ينسون طلب البركة من كبار السن، والترحم على أرواح المتوفين.
الماء الذي يعده العلماء نتاجا ثانويا لولادة النجوم، وهو موجود منذ نشأة الكون قبل 13,8 مليار عام، قدسته الهندوسية باعتباره جزءا من نظام كوني خارق، وأدرجته البوذية في عيد (Songkran) الذي يصادف اليوم 13 أبريل ويستمر حتى يوم 15 منه. وجعلت منه بلاد الإبتسامة عيد رأس السنة التايلاندية.
لعيد (Songkran) الذي يتم الاحتفال به سنوياً، في الدول التي تدين بالبوذية، عالم من بهرجة الألوان وسكب الماء في كل مكان، وحركة جموع المحتفلين سيراً على الأقدام، أو في سياراتهم المكشوفة، ورغوة الماء الممزوج بالصابون لإنتاج رغوة كبيرة، يختبىء في داخلها بعض المحتفلين في الشوارع والساحات العامة، لمزيد من ألعاب التسلية والإثارة.
يا لروح الماء المتشكلة من ذرة أوكسجين وذرتي هيدروجين كم هي عظيمة؟ ثم من أين للماء بحالاته الثلاثة (سائلة وصلبة وغازية) هذه الطاقة العظيمة على الخلق والديمومة؟ فلولا الماء لما كانت الحياة على الأرض، ولما كان التاريخ والحضارات التي اعتمدتْ عليه نشأةً وتطوراً.
للماء المنتشر في كل مكان، حتى في حالة بخار في أغلفة الكواكب، روح مقدسة وخلاقة في الأديان الإبراهيمية، ففي النفخ فيه تكون الرقية لشفاء مريض، ويَتصعَّد إلى نفحات روحانية حسب المعتقدات، وتغسل بقداسته أفواه تماثيل الآلهة في معابد بابل. وله آبار مقدسة مثل العذراء وزمزم ويعقوب، وأنهار يقدسها الهنود والصينيون والهنود الحمر، وبحار ومحيطات وغيوم وسحب، حيث وجد من بخاره كما يقرر العلماء سحابة هائلة بكمّيّات تفوق الكمّيّة الموجودة على الأرض ب 140 تريليون مرّة، في محيط نجم زائف يبعد حوالي 12 مليار سنة ضوئيّة عن الأرض.
طوبى لسونكران وأهل تايلاند الطيبين بعيدهم المجيد، الذي يُحيي روح الماء في ترانيم المعابد، لكن في الشوارع يُحيي التايلنديون والسيّاح العيد السعيد بمسدسات البلاستيك الملونة ورشاشاته، الأمر الذي يجعلهم يحافظون على هواتفهم ونقودهم من البلل، بوضعها في حافظات بلاستيكية شفافة يعلقونها في رقابهم وعلى صدورهم!