مرحبًا، وأهلًا وسهلًا بك في ويكيبيديا العربية. ويكيبيديا هي مشروع موسوعة حرة، يمكن للجميع تحريرها. كي تستطيع تحرير ويكيبيديا بصورة أفضل؛ هذه بعض الإرشادات لبداية جيدة:

لاحظ أنه يجب إضافة المصادر ما أمكن للمعلومات التي تضيفها إلى ويكيبيديا، كما ينبغي أن لا تخرق حقوق النشر. إذا ما أردت إنشاء مقالة جديدة، يفضل أن تبدأها في الملعب أولًا، ثم نقلها إلى النطاق الرئيسي. أخيرًا، لا تتردد في طلب المساعدة إذا ما واجهتك أي مشكلة، وذلك بطرح سؤالك على فريق المساعدة. بالتوفيق.

-- --علاء راسلني 11:09، 16 سبتمبر 2024 (ت ع م)ردّ

السيرة الذاتية/ سلامة دربالة النمر

عدل

السيرة الذاتية الاسم: سلامه إبراهيم محمد إبراهيم (سلامه دربالة النمر) العنوان: مصر، قرية الحلمية، مركز أبو حماد، محافظة الشرقية رقم الهاتف: 00201021515301 00201113045074 الجنسية: مصري الوظيفة: إمام وخطيب بوزارة الأوقاف المصرية

المؤهلات العلمية: ليسانس دراسات إسلامية وعربية، جامعة الأزهر ماجستير في الشريعة الإسلامية بتقدير ممتاز دكتوراه بتقدير مرتبة الشرف الأولى حاصل على الجائزة البحثية في خدمة الدعوة والفقه الإسلامي (وقف المستشار شوقي الفنجري)

المساهمات الأدبية: كاتب وباحث في الشريعة الإسلامية، لدي عدة كتب منشورة ومقالات في مواقع إسلامية معروفة. كاتب لدى شبكة الألوكة مكتبة نور كاتب لدى موقع طريق الإسلام كاتب لدى موقع هداية الحيارى مشارك في ملتقى الشفاء الإسلامي


من الكتب المنشورة: 1-المختصر في السيرة النبوية من المولد إلى البعثة النبوية. 2- كتاب وحيد الدين خان (المرأة بين شريعة الإسلام، والحضارة الغربية) دراسة نقدية. 3- المرأة في كنف الإسلام: أُمَّاً، وأختاً، ‌وَزَوْجَة، وبنتاً. 4- من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في بيته، وأسرته. 5- دور شبكة المعلومات ( الإنترنت) في خدمة الدعوة الإسلامية 6- القدوة وأثرها على الفرد والمجتمع دراسة تحليلية سلامة أبراهيم دربالة النمر (نقاش) 05:06، 17 سبتمبر 2024 (ت ع م)ردّ

الاستقامة في الإسلام

عدل

الاستقامة في الإسلام سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر- الحلمية – أبوحماد - مصر salamaderbala493@gmail.com

الاستقامة في الإسلام

اهتم الإسلام بالاستقامة[1] اهتمامًا كبيرًا، وأولاها عناية خاصة، وأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأتباعه أن يلتزموا بالاستقامة عقيدة وشريعة وأخلاقًا، فهي تجمع الدين كله.

الاستقامة في القرآن الكريم: وجاءت الدعوة إلى الاستقامة في مواطن من القرآن الكريم؛ منها قول الله تعالى: ﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ [هود: 112].

وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أهل الاستقامة، ووعدهم بالأجر الجزيل؛ قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [فصلت: 30].

فقول الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا ﴾ فيه خمسة أوجه: "أحدها: ثم استقاموا على أن الله ربهم وحده. الثاني: استقاموا على طاعته وأداء فرائضه. الثالث: على إخلاص الدين والعلم إلى الموت. الرابع: ثم استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم. الخامس: ثم استقاموا سرًّا كما استقاموا جهرًا" [2].

وهم الذين نالوا "معية الله عز وجل مع الصابرين، وهم الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وخصَّهم بهدايته دون من عداهم"[3].

الاستقامة في السنة النبوية: لمنزلة الاستقامة وجمعها بين أصول الدين وفروعه، أوصى بها النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت دليلًا واضحًا على جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فعن سفيان بن عبدالله الثقفي رضي الله عنه، قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك، قَالَ: «قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ»[4].

فالاستقامة هي "كناية عن التمسك بأمر الله تعالى فعلًا وتركًا" [5]، ومَن لم يكن مستقيمًا في حالته، ضاع سعيه وخاب جهده.

فمن محامد الاستقامة أنها تعلو بالإنسان، فتتحسن أحواله، وتستقيم أموره، وتدفعه إلى الخير، وتحفظ عليه عقله وقلبه من الفساد، وتحمي نفسه من الهلاك في الرذيلة؛ وبذلك تقبل أقواله، ويقتدى بأفعاله، فيجمع بذلك خيرًا وفيرًا، وثوابًا جزيلًا لصدقه وإخلاصه وحُسن نيته، ورغبته فيما عند الله عز وجل.

أقوال السلف الصالح عن الاستقامة: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: ألا تشرك بالله شيئًا، يريد الاستقامة على محض التوحيد، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعالب، وقال عثمان بن عفان رضي الله عنه: استقاموا: أخلصوا العمل لله، وقال علي بن أبي طالب، وابن عباس رضي الله عنهما: استقاموا: أدوا الفرائض[6]، وغاية "الكرامة لزوم الاستقامة"[7].

والاستقامة سبيل النجاة، "فمن هُدي في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسَل به رسله، وأنزل به كتبه، هُدي هناك إلى الصراط المستقيم، الموصل إلى جنته ودار ثوابه" [8].

والاستقامة تتحقق بخمسة أمور: "استقامة اللسان على الذكر والثناء، واستقامة النفس على الطاعة مع الحياء، واستقامة القلب على الخوف والرجاء، واستقامة الروح على الصدق والصفاء، واستقامة السر على التعظيم والوفاء" [9].

وعلامة الذي استقام "أن يكون مثله كمثل الجبل؛ لأن الجبل له أربع علامات أحدها: أنه لا يذيبه الحر، والثاني: لا يجمده البرد، والثالث: لا تحركه الريح، والرابع: لا يذهبه السيل، فكذا المستقيم له أربع علامات" [10].

فالعبد المؤمن مسؤول عن استقامة نفسه، وتهذيبها، وتطهيرها، وغرس الخير فيها بعلم نافع، وعمل صالح خالص لله تعالى، ليصل إلى فلاح نفسه ونُبلها، وقُربها من الله تعالى، فالاستقامة غاية عظيمة، وهدف جليل، وهي مغفرة الله ورحمته وكرامته ورضوانه، ومن أعظم ثمارها أن الله تعالى يرسل لأهلها الملائكة عند الاحتضار، تطمئنهم وتبشرهم، فالاستقامة تجمع بين السعادة في الدنيا والآخرة.


[1] الاستقامة كلمة جامعة آخذة بمجامع الدين، وهو القيام بين يَدي الله تعالى على حقيقة الصدق، والوفاءِ بالعهد، والاستقامة تعلَّق بالأَقوال والأَفعال والأَحوال والنِّيات، فالاستقامة فيها، وقوعها لله وبالله وعلى أَمر الله؛ [انظر: بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز: مجد الدين أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، ج4، ص313؛ تحقيق/ محمد علي النجار، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، لجنة إحياء التراث الإسلامي، القاهرة، 1416ه، 1996م]. والاستقامة هي: طاعة الله، وأداء فرائضه، واتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم؛ انظر: تفسير القرآن: أبو المظفر منصور بن محمد بن عبدالجبار السمعاني، ج5، ص49؛ تحقيق: ياسر بن إبراهيم وغنيم بن عباس بن غنيم، الناشر: دار الوطن - الرياض، 1418هـ- 1997م. [2] النكت والعيون: أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري. ج5 ص179، دار النشر : دار الكتب العلمية - بيروت / لبنان. 1992م. [3] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، ص24، دار التراث، المدينة المنورة، المملكة العربية السعودية، ط3، 1409هـ/ 1989م. [4] صحيح مسلم: كتاب: الإيمان - باب: جامع أوصاف الإسلام، ج1، ص47، رقم ح 168، وفي السنن الكبرى للنسائي: كتاب: التفسير - تفسير سورة الأحقاف، ج10، ص 256، رقم ح 1425، واللفظ لمسلم. [5] فتح الباري شرح صحيح البخاري؛ لابن حجر العسقلاني، ج13، ص257. [6] مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية، ج2، ص104، تحقيق/ محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي – بيروت، ط3، 1416 هـ - 1996م. [7] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية الحراني، ج11، ص298. [8] تفسير القرآن الكريم: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية. ص13. المحقق: مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية. دار ومكتبة الهلال – بيروت. ط1، 1410 هـ. [9] بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية وشريعة نبوية في سيرة أحمدية؛ محمد بن محمد بن مصطفى بن عثمان، أبو سعيد الخادمي الحنفي، ج3، ص154، مطبعة الحلبي - القاهرة، 1348هـ (د - ط). [10] تنبيه الغافلين بأحاديث سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم: أبو الليث نصر بن محمد بن أحمد بن إبراهيم السمرقندي، ص594، حقَّقه: يوسف علي بديوي، دار ابن كثير، دمشق، ط3، 1421 هـ - 2000م. سلامة أبراهيم دربالة النمر (نقاش) 07:17، 20 سبتمبر 2024 (ت ع م)ردّ

ملك الجوارح (القلب)

عدل

ملك الجوارح (القلب) الكاتب/ سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر- الحلمية – أبوحماد - مصر salamaderbala493@gmail.com

ملك الجوارح (القلب)

عدل

للقلب أهمية خاصة حيث أمر الله تعالى بتطهيره، والحفاظ على سلامته، ومنزلته في الجسد منزلة عظيمة جداً فهو الموجه والمخطط، وهو ملك الجوارح ومستقر التوحيد، وباقي الجوارح تبع له، وبصلاحه تصلح الجوارح، وبفساده تفسد، وتحقيق ذلك ما قاله أَبُو هُرَيْرَة t: ( القلب ملك والأعضاء جُنُوده فاذا طَابَ الْملك طابت جُنُوده واذا خبث الْملك خبثت جُنُوده) ([1]).

*أنواع القلوب ([2]):

عدل

قال ابن القيم: القلوب ثلاثة: قلب خال من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلب مظلم قد استراح الشيطان من إلقاء الوساوس إليه لأنه قد اتخذ بيتاً ووطناً وتحكم فيه بما يريد وتمكن منه غاية التمكن.

-القلب الثاني: قلب قد استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه لكن عليه ظلمة الشهوات وعواصف الاهوية، فللشيطان هنالك إقبال وإدبار ومجالات ومطامع، فالحرب دول وسجال.

-القلب الثالث: قلب محشو بالإيمان قد استنار بنور الإيمان، وانقشعت عنه حجب الشهوات، وأقلعت عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدره إشراق، ولذلك الإشراق إيقاد لو دنا منه الوسواس احترق به، فهو كالسماء التي حرست بالنجوم فلو دنا منها الشيطان يتخطاها رجم فاحترق.

*القلب السليم في القرآن الكريم:

عدل

القلب السليم الذي يلقى الله عز وجل وليس فيه شيء غير الله عز وجل([3])،وهو أفضل القلوب وخص بالذكر؛ لأن بسلامته تسلم الجوارح ، قالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}([4]).

وإن من شيعة ( نوح عليه السلام، ومن هو على طريقته في النبوة والرسالة، ودعوة الخلق إلى الله، وإجابة الدعاء، إبراهيم الخليل عليه السلام، {إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من الشرك والشبه، والشهوات المانعة من تصور الحق، والعمل به، وإذا كان قلب العبد سليما، سلم من كل شر، وحصل له كل خير، ومن سلامته أنه سليم من غش الخلق وحسدهم، وغير ذلك من مساوئ الأخلاق، ولهذا نصح الخلق في الله، وبدأ بأبيه وقومه) ([5]).

وقالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}([6]).

قال الشيخ محمد بن العثيمين( ذكر الله تَعَالَى مُبَيِّنًا أَنَّهُ لا ينفعُ الْإِنْسَانَ يومَ القيامةِ إلَّا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ، فالمالُ والبنونَ لا ينفعونَ إلَّا مَن أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ، وفي هَذَا الاستثناء دَليلٌ عَلَى أنَّ المدارَ عَلَى القَلْبِ، وَهُوَ أن يكونَ سَليمًا، وسلامتُهُ ... منْ كلِّ عملٍ أو قولٍ، وللقلبِ قولٌ وعملٌ، أمَّا قولُه فإقرارُهُ، وأمَّا عَمَلُه فهو تَحَرُّكُهُ مِن رجاءٍ، وخوفٍ، ومَحَبَّةٍ، وغيرِ ذلكَ) ([7]).

*من الأحاديث النبوية عن القلب:

عدل

أخبرنا رسولنا -r- عن أهمية سلامة القلب باعتباره السبب في نجاة الإنسان ( فعَنْ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " الحَلاَلُ بَيِّنٌ، وَالحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ: كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً: إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ القَلْبُ " ([8]).

قال النووي: ( المضغة القطعة من اللحم سميت بذلك لأنها تمضغ في الفم لصغرها قالوا المراد تصغير القلب بالنسبة إلى باقي الجسد مع أن صلاح الجسد وفساده تابعان للقلب وفي هذا الحديث التأكيد على السعي في صلاح القلب وحمايته من الفساد واحتج بهذا الحديث على أن العقل في القلب لا في الرأس وفيه خلاف مشهور مذهب أصحابنا وجماهير المتكلمين أنه في القلب وقال أبو حنيفة هو في الدماغ) ([9]).

وعَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَقْوَامٌ، أَفْئِدَتُهُمْ مِثْلُ أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ»([10]).

وقد علق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي على الحديث بقوله: أفئدتهم مثل أفئدة الطير: قيل مثلها في رقتها وضعفها كالحديث الآخر أهل اليمن أرق قلوبا وأضعف أفئدة وقيل في الخوف والهيبة والطير أكثر الحيوان خوفا وفزعا) ([11]).

وعَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: « يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ القُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ»([12]).

قال ابن حجر: (ومقلب القلوب هو المقسم به والمراد بتقليب القلوب تقليب أعراضها وأحوالها لا تقليب ذات القلب) ([13]).

* من أقوال السلف عن القلب:

عدل

عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: «لَوْ فَارَقَ ذِكْرُ الْمَوْتِ قَلْبِي خَشِيتُ أَنْ يَفْسُدَ عَلَيَّ قَلْبِي»([14]).

وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ النيسابوري قَالَ: حَرَسْتُ قَلْبِي عِشْرِيْنَ سَنَةً ثُمَّ حَرَسنِي عِشْرِيْنَ سَنَةً ثُمَّ، وَرَدتْ عَلَيَّ وَعَلَيْهِ حَالَةٌ صرنَا محروسَيْن جَمِيْعاً) ([15]).

وقَالَ الْحَسَنُ لِرَجُلٍ: دَاوِ قَلْبَك فَإِنَّ حَاجَةَ اللَّهِ إلَى الْعِبَادِ صَلَاحُ قُلُوبِهِمْ، يَعْنِي أَنَّ مَطْلُوبَ الرَّبِّ مِنْ الْعِبَادِ، صَلَاحُ قُلُوبِهِمْ مِنْ الْمِحَنِ وَالْفَسَادِ، وَلَا صَلَاحَ لِلْقُلُوبِ، حَتَّى تَسْتَقِرَّ فِيهَا مَعْرِفَةُ عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وَتَمْتَلِئَ مِنْ خَوْفِهِ وَخَشْيَتِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَعَظَمَتِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ وَمَهَابَتِهِ وَالِالْتِجَاءِ إلَيْهِ، وَهَذَا حَقِيقَةُ التَّوْحِيدِ لِلَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ مَعْنَى (لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) فَلَا صَلَاحَ لِلْقُلُوبِ حَتَّى تُفَرِّدَ مَحَبَّةَ الْمَحْبُوبِ) ([16]).

وقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ: أَظُنُّهُ سُلَيْمَانُ الْخَوَّاصُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الذِّكْرُ لِلْقَلْبِ بِمَنْزِلَةِ الْغِذَاءِ لِلْجَسَدِ، فَكَمَا لَا يَجِدُ الْجَسَدُ لَذَّةَ الطَّعَامِ مَعَ السَّقَمِ، فَكَذَلِكَ الْقَلْبُ لَا يَجِدُ حَلَاوَةَ الذِّكْرِ مَعَ حُبِّ الدُّنْيَا) ([17]).

وقال ابن رجب: (صلاح حركات العبد بجوارحه، واجتنابه للمحرمات واتقائه للشبهات بحسب صلاح حركة قلبه) ([18]).

وقال ابن القيم: ( القلب ملكا عظيما جالسا على سرير مملكته يأمر وينهى ويولى ويعزل وقد حف به الأمراء والوزراء والجند كلهم في خدمته إن استقام استقاموا وإن زاغ زاغوا وإن فسد فسدوا فعليه المعول وهو محل نظر الرب تعالى ومحل معرفته ومحبته وخشيته والتوكل عليه والإنابة إليه والرضى به وعنه والعبودية عليه أولا وعلى رعيته وجنده تبعا) ([19]).

* مكانة القلب بين الجوارح:

عدل

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ( العين تقصر عن القلب والأذن وتفارقهما في شيء وهو أنها إنما يرى صاحبها بها الأشياء الحاضرة والأمور الجسمانية مثل الصور والأشخاص فأما القلب والأذن فيعلم الإنسان بهما ما غاب عنه وما لا مجال للبصر فيه من الأشياء الروحانية والمعلومات المعنوية ثم بعد ذلك يفترقان: فالقلب يعقل الأشياء بنفسه إذ كان العلم هو غذاءه وخاصيته أما الأذن فإنها تحمل الكلام المشتمل على العلم إلى القلب فهي بنفسها إنما تحمل القول والكلام فإذا وصل ذلك إلى القلب أخذ منه ما فيه من العلم فصاحب العلم في حقيقة الأمر هو القلب) ([20]).

* من الأمور التي تعين على سلامة القلب:

عدل

1- الدعاء: عَنْ رَجُلٍ مَنْ بَنِي حَنْظَلَةَ، قَالَ: صَحِبْتُ شَدَّادَ بْنَ أَوْسٍ فِي سَفَرٍ، فَقَالَ: أَلاَ أُعَلِّمُكَ مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا أَنْ نَقُولَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَأَسْأَلُكَ عَزِيمَةَ الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَحُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَقَلْبًا سَلِيمًا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ مِمَّا تَعْلَمُ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الغُيُوبِ) ([21]).

2- ذكر الله: فإنه يجلو صدأ القلوب، ويزيد قرب العبد من ربه قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} ([22]).

3-العمل الصالح: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ لِلْحَسَنَةِ نُورًا فِي الْقَلْبِ، وَضِيَاءً فِي الْوَجْهِ، وَقُوَّةً فِي الْبَدَنِ، وَزِيَادَةً فِي الرِّزْقِ، وَمَحَبَّةً فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ) ([23]).

4- مجالسة الصالحين: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ لُقْمَانَ قَالَ لابْنِهِ: يَا بُنَيَّ عَلَيْكَ بِمُجَالَسَةِ الْعُلَمَاءِ، وَاسْمَعْ كَلاَمَ الْحُكَمَاءِ، فَإنَّ الله يُحْيِي الْقَلْبَ الْمَيْتَ بِنُورِ الْحِكْمَةِ، كمَا يُحْيي الَأرْضَ الْمَيْتَةَ بِوَابِلِ الْمَطَرِ". ([24]).

وقال مالك بن أنس: (كنت إذا وجدت من قلبي قسوة أتى محمد بن المنكدر فأنظر إليه نظرة فأتعظ بها أياما) ([25]).

أسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا قلوبا سليمة خاشعة ترجو رحمته وتخاف عذابه إنه هو الغفور الرحيم.


([1])الزهد والورع والعبادة (ص: 166)

([2])الوابل الصيب من الكلم الطيب (ص: 24)

([3])صفة الصفوة (2/ 359)

([4]) سورة الشعراء الآيتان: 88 - 89.

([5]) تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: 705)

([6]) سورة الشعراء الآيتان: 88 - 89.

([7]) تفسير العثيمين - الشعراء (ص: 159)

([8])صحيح البخاري (1/ 20)، صحيح مسلم (3/ 1219)

([9]) شرح النووي على مسلم (11/ 29).

([10])صحيح مسلم (4/ 2183)

([11]) المصدر نفسه

([12])سنن الترمذي ت بشار (4/ 16)

([13]) فتح الباري لابن حجر (11/ 527(.

([14])الزهد لأحمد بن حنبل (ص: 300)

([15])سير أعلام النبلاء ط الحديث (10/ 145)

([16])غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (1/ 62)

([17]) الفتاوى الكبرى لابن تيمية (5/ 52)

([18]) تفسير ابن رجب الحنبلي (2/ 53)

([19]) التبيان في أقسام القرآن - (1 / 259)

([20]) مجموع الفتاوى (9/ 310)

([21])سنن الترمذي ت شاكر (5/ 476)، قال الشيخ الألباني : ضعيف.

([22]) سورة الحديد الآية: 16.

([23])مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين (1/ 423)

([24])مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ت حسين أسد (2/ 260)

([25])المستغيثين بالله تعالى عند المهمات والحاجات (ص: 140) 156.210.50.65 (نقاش) 08:27، 2 أكتوبر 2024 (ت ع م)ردّ

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) المقال الأول:

عدل

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) المقال الأول

الكاتب/ سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر- الحلمية – أبوحماد - مصر salamaderbala493@gmail.com

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد

عدل

إن الزواج نعمةٌ من نعم الله تعالى، امتنَّ به على عباده، قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21]

والزواج سنة من سنن المرسلين، وقد خاطب الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً } [الرعد: 38]

ومن حكمة الله تعالى ورحمته بعباده أن جعل الرسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وقدوة طيبة في تطبيق الهدي القولي والعملي في كل مجالات الحياة على وجه العموم ومن هذه المجالات: العلاقات الزوجية القائمة على الاحترام المتبادل، والعشرة الطيبة، وغير ذلك من الحقوق والواجبات التي ينشدها الإسلام.

عن ابن عباس قال، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي))([1]).

قال القاضي عياض :" ... وأما حُسنُ عشرته وأدبه وبسط خلقه صلى الله عليه وسلم مع أصناف الخلق، قال علي بن أبي طالب: في وصفه عليه الصلاة والسلام: كان أوسع الناس صدرا وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة وأكرمهم عشرة" ([2]).

* عدد زوجات النبي صلى الله عليه وسلم:

عدل

عن أنس رضي الله عنه: " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في ليلة واحدة، وله تسع نسوة" ([3]).

قال ابن الأثير: اختلف العلماء في عدة أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وفي ترتيبهن، وعدة من مات منهن قبله، ومن مات عنهن...؛ إلا أن المتفق عليه أنهن إحدى عشرة امرأة: خديجة، وسودة، وعائشة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش، وأم حبيبة، وجويرية، وميمونة، وصفية، مات منهن في حياته: خديجة، وزينب بنت خزيمة، ومات عن الباقيات وهن تسع، هذا لا خلاف فيه"([4]).

والمتأمل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يلحظ نموذجاً نبوياً رائعاً في علاقاته مع زوجاته رضى الله عنهن من: الحكمة، والمحبة، وإظهار المشاعر النبيلة، وإدراكه مشاعرهن، يتجمل لهن، يساعدهن في أعمال بيته، ويستشرهن في أدق الأمور، ويتعامل مع أخطائهن بأسلوب راق ورائع، ولو استرسلنا في ذكر الهدي النبوي في تعامله مع زوجاته ما استطعنا إلى ذلك سبيلا؛ لكن نكتفى بذكر بعضها، ومنها:

أولاً: الجلسة الأسرية ومشاركته صلى الله عليه وسلم لزوجاته بما حدث له:

عدل

يَقُصُّ النبي صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين خديجة ما حدث في الغار، فدخل على خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فقال: (( زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي )) فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: ((لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي)) فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ...([5]).

فتدبر كمال عقل أم المؤمنين خديجة رضي اللَّه عنها وحسن مواساتها لزوجها تقسم بالله تعالى أنه لا يخزيه " وتستدل على ما أقسمت عليه من نفي الخزي عنه صلى الله عليه وسلم بما يلوح من جزالة رأيها وأنوار معرفتها وفراستها، وكيف لا وهي أول من آمن بالحقيقة لم يشاركها فيه أحد، ووصفته بأصول مكارم الأخلاق، وهو يدل على أن من كان هذه صفاته لا يخزيه اللَّه، ولا يسلك به إلا إلى صراط مستقيم، ولا يحزنه بإصابة المكروهات في الدنيا والدين" ([6]).

إن مما يجب على الزوجة المسلمة أن تقتدي بأم المؤمنين خديجة رضي اللَّه عنها في رفع معنويات زوجها في كل أوقاته على وجه العموم، ووقت الشدة على وجه الخصوص فتعمل على طمأنة قلب زوجها وهدوء نفسه، وتخفيف روعه، وتسكين فزعه، ولما اطمأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تتركه؛ بل ذهبت إلى ورقة بن نوفل ابن عمها، لترى حقيقة الأمر وتطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رأى.

ثانياً: يصرح صلى الله عليه وسلم بحبهن:

عدل

كان صلى الله عليه وسلم يظهر مشاعره النبيلة بحب زوجاته ويجاهر بذلك أمام الصحابة رضي الله عنهم، عن عمرو بن العاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم، بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته فقلت: " أي الناس أحب إليك؟ قال: ((عَائِشَةُ))فقلت: من الرجال؟ فقال: (( أَبُوهَا ))قلت: ثم من؟ قال: ((ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ)) فعد رجالا ([7]).

فأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها" أحب النساء إليه من حيث، أن لها من العلم والفضيلة ما استحقت به أن تفضل على سائر النساء " ([8]).

ولم يمنع حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة في أن يصرح بحبه لأم المؤمنين خديجة، ويظهر مكانتها في قلبه، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت: ما غرت على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، إلا على خديجة وإني لم أدركها، قالت: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة، فيقول: ((أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ)) قالت: فأغضبته يوما، فقلت: خديجة فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا))([9]). 

ثالثاً: يراعي مشاعرهنّ، ويتلطّف بهنّ:

عدل

كان صلى الله عليه وسلم يراعي مشاعر زوجاته، ويعلم من كلماتهن، ومن نبرات صوتهن، وتعابير وجههن، وقت رضاهن ووقت غضبهن، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى)) قالت: فقلت: من أين تعرف ذلك؟ فقال: (( أَمَّا إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً، فَإِنَّكِ تَقُولِينَ: لاَ وَرَبِّ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى، قُلْتِ: لاَ وَرَبِّ إِبْرَاهِيمَ )) قالت قلت: أجل، والله يا رسول الله ما أهجر إلا اسمك([10]).

قال الطيبي:" قولها: ((ما أهجر إلا اسمك)) هذا الحصر من اللطف في الجواب؛ لأنها أخبرت أنها إذا كانت في غاية من الغضب الذي يسلب العاقل اختياره، لا يغيرها عن كمال المحبة المستغرقة ظاهرها وباطنها الممتزجة بروحها، وإنما عبرت عن الترك بالهجران؛ لتدل بها علي أنها تتألم من هذا الترك الذي لا اختيار لها فيه" ([11]).

ختاماً:

عدل

إن مما لا شك فيه أن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في المحافظة على العلاقة الزوجية القائمة على الودّ، والتآلف، والرحمة والمعاشرة بالمعروف، وذلك برجاحة العقل، ودقة الملاحظة.

*نسأل الله تعالى بمنه وكرمه الإخلاص والقبول، وأن يصلح لنا ولجميع المسلمين نياتنا، وأزواجنا، وذرياتنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


([1])سنن ابن ماجه (1/ 636) قال الشيخ الألباني: صحيح.

([2]) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (1/ 119).

([3]) صحيح البخاري (7/ 3).

([4]) جامع الأصول (12/ 95).

([5]) صحيح البخاري (1/ 7)، صحيح مسلم (1/ 141).

([6]) لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح (9/ 329).

([7]) صحيح البخاري (5/ 5)، صحيح مسلم (4/ 1856).

([8])الكوكب الوهاج شرح صحيح مسلم (23/ 519).

([9]) صحيح مسلم (4/ 1888).

([10])صحيح البخاري (7/ 36)، صحيح مسلم (4/ 1890)

([11])شرح المشكاة للطيبي الكاشف عن حقائق السنن (7/ 2328). 156.210.50.65 (نقاش) 08:37، 2 أكتوبر 2024 (ت ع م)ردّ

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) المقال الثاني:

عدل

[عدل]

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) المقال الثاني

الكاتب/ سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر- الحلمية – أبوحماد - مصر salamaderbala493@gmail.com

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام المرسلين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. فإن هذا المقال الذي أضعه بين يديك أيها القارئ

وبعد:

عدل

أحيطك أيها القارئ الكريم علمًا قبل أن تبدأ القراءة، أنه قد تقدم الكلام عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته(أمهات المؤمنين)(1)، وفي هذا المقال نكمل الحديث إن شاء اللَّه تعالى عن نفس الموضوع.

إن مما لا شك فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم، لم تشغله أمور الدعوة، والإصلاح، وتعليم المسلمين والجهاد، وغير ذلك من الأمور العظيمة عن حسن عشرته لزوجاته أمهات المؤمنين، فقد كان صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في جميل المعاشرة ورعاية الحقوق، وهذه بعض مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن:

رابعاً: المبالغة في إكرامهن:

عدل

ومما يدل على إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لزوجاته إكرامه لأم المؤمنين خديجة فلم يتزوج عليها مدة حياتها حتى ماتت، وكان يكثر ذكرها والثناء عليها بعد موتها، وكثرة الذكر دليل على عِظم المحبة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: استأذنت هالة بنت خويلد أخت خديجة على رسول الله صلى الله عليه و سلم فعرف استئذان خديجة فارتاع لذلك فقال: «اللَّهُمَّ هَالَةَ». قَالَتْ: فَغِرْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا([1]).

وفي رواية الإمام أحمد: قَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْرًا مِنْهَا، قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ، وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ، وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ، وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلَادَ النِّسَاءِ» ([2]).

قال ابن حجر:" بيان تصديقها للنبي صلى الله عليه و سلم في أول وهلة ومن ثباتها في الأمر ما يدل على قوة يقينها ووفور عقلها وصحة عزمها ... وكان لأم المؤمنين خديجة من الاستواء ما ليس لغيرها إذ كانت حريصة على رضاه بكل ممكن ولم يصدر منها ما يغضبه قط كما وقع لغيرها"([3]).

خامساً: اعتنائه بصحتهن:

عدل

كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يعوِّذ أهله، عن عائشة، رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعوذ بعض أهله، يمسح بيده اليمنى ، ويقول: « اللَّهُمَّ رَبَّ النَّاسِ أَذْهِبِ الْبَاسَ اشْفِهِ وَأَنْتَ الشَّافِي لاَ شِفَاءَ إِلاَّ شِفَاؤُكَ شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَمًا»([4]).

قال ابن القيم: " ففي هذه الرقية توسل إلى الله بكمال ربوبيته، وكمال رحمته بالشفاء، وأنه وحده الشافي، وأنه لا شفاء إلا شفاؤه، فتضمنت التوسل إليه بتوحيده وإحسانه وربوبيته"([5]).

وفي رواية الإمام مسلم عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِى مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِى»([6]).

قال ابن حجر: " النفث أي تفل بغير ريق أو مع ريق خفيف ... والمعوذات أي الإخلاص والفلق والناس"([7]).

سادساً: يسابقهن، ويداعبهن، ويمرح معهنّ:

عدل

كان صلى الله عليه وسلم يداعب أزواجه ويسابقهن، عن عائشة ، قالت: « خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَأَنَا جَارِيَةٌ لَمْ أَحْمِلِ اللَّحْمَ وَلَمْ أَبْدُنْ ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ لِي: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ، فَسَكَتَ عَنِّي، حَتَّى إِذَا حَمَلْتُ اللَّحْمَ وَبَدُنْتُ وَنَسِيتُ، خَرَجْتُ مَعَهُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: تَقَدَّمُوا فَتَقَدَّمُوا، ثُمَّ قَالَ: تَعَالَيْ حَتَّى أُسَابِقَكِ فَسَابَقْتُهُ، فَسَبَقَنِي، فَجَعَلَ يَضْحَكُ، وَهُوَ يَقُولُ: هَذِهِ بِتِلْكَ» ([8]).

دَلَّ الحديث على أن سفر النبي صلى الله عليه وسلم لم يمنعه من مسابقة أم المؤمنين عائشة مرة بعد مرة، وكان من أهدف المسابقة التودد والتحبب والاهتمام وإدخال السرور على أهله صلى الله عليه وسلم.

سابعاً: يتواضع لهن، ويرفق بهنّ:

عدل

عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: لما رجع صلى الله عليه وسلم من غزوة خيبر وتزوج صفية بنت حيي رضي الله عنها: « رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَوِّي لَهَا وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ، ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ، فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ فَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ» ([9]).

قال الواقدي: "سترها النبي صلى الله عليه وسلم بثوبه، وأدنى فخذه لتضع رجلها عليه، فأبت ووضعت ركبتها على فخذه" ([10]).

فيؤخذ من الحديث: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه بأهله، وشفقته عليهم، وحسن تلطفه لهم أمام أعين الصحابة الكرام، وفيه: ظهور منزلة أم المؤمنين صفية رضي الله عنها العاقلة الحليمة، والتي كانت تعظم أن تضع رجلها على ركبته صلى الله عليه وسلم.

وجملة القول:

عدل

أن من أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين الاكرام، والمراعاة، والاحترام، والبشاشة، والتواضع، وعذوبة الألفاظ.

نسأل الله أن يوفقنا الله وإياكم لحسن التأسي وجميل الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن يبارك لنا ولكم في والدينا وأزواجنا وذرياتنا وجميع المسلمين.


([1])صحيح البخاري (5/ 39)، وصحيح مسلم (4/ 1889).

([2])مسند أحمد مخرجا (41/ 356).

([3])فتح الباري لابن حجر (7/ 138).

([4])صحيح البخاري (7/ 132)

([5])زاد المعاد في هدي خير العباد (4/ 173)

([6])صحيح مسلم (7 / 16)

([7])فتح الباري - ابن حجر - (8 / 131)

([8])مسند أحمد موافقا لثلاث طبعات - (6 / 264). تحقيق الشيخ الألباني: صحيح.

([9])صحيح البخاري (3/ 84).

([10])مغازي الواقدي (2/ 708). 156.210.50.65 (نقاش) 08:40، 2 أكتوبر 2024 (ت ع م)ردّ

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) المقال الثالث:

عدل

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) المقال الثالث:

الكاتب/ سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر- الحلمية – أبوحماد - مصر salamaderbala493@gmail.com

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عدل

أما بعد:

عدل

أخي القارئ الكريم، هذا هو اللقاء الثالث في الحديث عن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين).

ثامناً: يتجمل ويتزين يتطيب لأمهات المؤمنين:

عدل

عن عائشة رضي الله عنها قالت: « طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا » ([1]).

في الحديث:" أن السنة اتخاذ الطيب للنساء والرجال عند الجماع" ([2]).  

وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: « كَانَ إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ»([3]).

قال الصنعاني: " السواك لأجل السلام على أهله فإنه من أسماء الله، وقيل لتطييب الفم؛ لأنه ربما يغير فمه عند مخاطبة الناس فإذا دخل بيته تسوك ، وكان من حسن معاشرة أهله ذلك" ([4]).  

فكان صلى الله عليه وسلم يحب الطيب ويكثر منه، وعُرف بحسن سمته ومظهره، وبطيب رائحته، وبجمال خَلقه وخُلقه، وكان صلى الله عليه وسلم يألف الناس ويألفونه, ويحبون صحبته, والتحدث معه، وقد حث الإسلام الزوج بالتزين لزوجته، كما يحب أن تتزين له.

تاسعاً: يقرع بين أمهات المؤمنين إذا أراد سفراً ويسافر بمن خرجت قرعتها:

عدل

كان صلى الله عليه وسلم  يقرع بين زوجاته إذا أرد السفر ، عن عَائِشَةَ، قَالَتْ:  « كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ، وَكَانَ يَقْسِمُ لِكُلِّ امْرَأَةٍ مِنْهُنَّ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا »([5]).  

فالقرعة سببها ( ليعدل بينهم، وتطمئن قلوبهم وترتفع الظنة عمن تولى قسمتهم، ولا يفضل أحد منهم على صاحبه إذا كان المقسوم من جنس واحد اتباعًا للكتاب والسنة. قال أبو عبيد: وقد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء: يونس وزكريا ومحمد نبينا، قاله ابن المنذر) ([6]). 

عاشراً: يكرِم أهلَ أمهات المؤمنين:

عدل

ومما يدلُّ على إكرام وحسان النبي صلى الله عليه وسلم لأصهاره، واحترامهم، عن عائشة رضي الله عنها، قالت: وقعت جويرية بنت الحارث في سهم ثابت بن قيس، أو ابن عم له فكاتبت على نفسها ، وكانت امرأة ملاحة تأخذها العين، قالت: عائشة رضي الله عنها فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابتها فلما قامت على الباب فرأيتها كرهت مكانها وعرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرى منها مثل الذي رأيت فقالت يا رسول الله: أنا جويرية بنت الحارث وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس وإني كاتبت على نفسي فجئتك أسألك في كتابتي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « فَهَلْ لَكِ إِلَى مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ؟ قَالَتْ : وَمَا هُوَ يَا رَسُولَ اللهِ ؟ قَالَ : أُؤَدِّي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ قَالَتْ : قَدْ فَعَلْتُ ، قَالَتْ : فَتَسَامَعَ - تَعْنِي النَّاسَ - أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ ، فَأَرْسَلُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ السَّبْيِ، فَأَعْتَقُوهُمْ، وَقَالُوا : أَصْهَارُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا، أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ»([7]). 

قال الواقدي :" يقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل صداقها عتق كل أسير من بني المصطلق، ويقال جعل صداقها عتق أربعين من قومها... فلم تبق امرأة من بني المصطلق إلا رجعت إلى قومها. وهذا الثبت " ([8]).

كذلك وصية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل مصر خيراً ، عن أبى ذر قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: «إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا، فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا»([9]).

فأما الرحم " فيكون هاجر أم إسماعيل عليه السلام أبى العرب منهم، وأما الصهر، فيكون مارية أم إبراهيم، ولد النبي صلى الله عليه وسلم منهم، قاله الزهري، وفى هذا الحديث أعلام من نبوته ثلاثة وجدت كلها، منها افتتاحها، ومنها إعطاء أهلها العهد، ودخولهم في الذمة" ([10]).

فمما ينبغي على الزوج أن يكرم أهل زوجته بما يرضيها، وأن يحسن إليهم، ويتأدب معهم، ويثني عليهم، ويبادلهم الزيارات وأن يدعوهم في المناسبات كل هذه الأمور وغيرها مداخل يخطف بها قلب الزوجة، ويفتح بها أبواب السعادة الزوجية.

وجملة القول:

عدل

* من أراد السعادة الزوجية ينبغي عليه أن يتق الله تعالى، ويتأسى بنبيه صلى الله عليه وسلم.

* ينبغي على الزوج أن يعتني بمظهره ونظافته وسمته ويتجمل لزوجته ويسامرها.

*أن يكون كريماً مع أهل زوجته، يسمعهم الكلام الطيب، ويحفظ لهم المعروف فقد اختاروه من بين الشباب زوجاً لابنتهم.

نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحب ويرضى، وأن يفقهنا في ديننا، وأن يبارك لي ولكم في أزواجنا وأولادنا أعمارنا وأعمالنا.



([1])صحيح البخاري (1 / 450)، صحيح مسلم (2 / 849).

([2])شرح ابن بطال  (1 / 416)

([3])صحيح مسلم (1 / 152)

([4])التنوير شرح الجامع الصغير (8/ 387).

([5])صحيح البخاري (3/ 182).

([6])شرح صحيح البخاري لابن بطال (8/ 75).

([7]) سنن أبي داود  (4 / 22)، قال الشيخ الألباني : حديث حسن.

([8]) مغازي الواقدي (1/ 412).

([9])صحيح مسلم (7 / 190).

([10])إكمال المعلم شرح صحيح مسلم - للقاضي عياض - (7 / 294). 156.210.50.65 (نقاش) 08:42، 2 أكتوبر 2024 (ت ع م)ردّ

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) المقال الرابع

عدل

من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين) المقال الرابع

الكاتب/ سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر- الحلمية – أبوحماد - مصر salamaderbala493@gmail.com

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

أما بعد

عدل

اعلم أخي القارئ وأختي القارئة أن هذا هو اللقاء الرابع  الذي نتناول فيه شيئاً من هدي النبي صلى الله عليه وسلم مع زوجاته (أمهات المؤمنين).

فالحياة الزوجية مشاركة بين الزوجين رأس مالها المودة والرحمة والطمأنينة والسكينة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نموذجًا عمليّا يحتذَى به في حسن معاشرة النساء، أذكر منها ما يلي:

* إذا هوين شيئاً لا محذور فيه تابعهن عليه:

عدل

كان النبي صلى الله عليه وسلم سهلاً ليناً في التعامل مع زوجاته، عن جابر بن عبد الله أن عائشة رضى الله عنها في حجة النبي صلى الله عليه وسلم أهلت بعمرة ... وزاد في الحديث قال: (( وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا سَهْلًا، إِذَا هَوِيَتِ الشَّيْءَ تَابَعَهَا عَلَيْهِ))([1]). 

قال القاضي عياض: " فيه حسن العشرة مع الأزواج ومساعدتهن لاسيما فيما هو من باب الطاعات، وما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم "([2]). 

* يطيب خاطرهن:

عدل

عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش انقطع عقد لي فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماسه وأقام الناس معه وليسوا على ماء فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق فقالوا ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت برسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم واضع رأسه على فخذي قد نام، فقال حبست رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء وليس معهم ماء فقالت عائشة فعاتبني أبو بكر وقال ما شاء الله أن يقول وجعل يطعنني بيده في خاصرتي فلا يمنعني من التحرك إلا مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على فخذي فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أصبح على غير ماء فأنزل الله آية التيمم فتيمموا، فقال أسيد بن الحضير ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر قالت، فبعثنا البعير الذي كنت عليه فأصبنا العقد تحته))([3]). 


قال النووي: " البيداء وذات الجيش موضعان بين المدينة وخيبر، وأما العقد فهو بكسر العين وهو كل ما يعقد ويعلق في العنق فيسمى عقدا أو قلادة  ... وفيه الاعتناء بحفظ حقوق المسلمين وأموالهم وإن قلت ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم على التماسه"([4]).

وفي الحديث فوائد عظيمة منها: اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بأم المؤمنين عائشة يطيب خاطرها، ويزيل حزنها بفقد عقدها، ونوم النبي صلى الله عليه وسلم واضعا رأسه على فخذها دلالة على عظم حبه لها، وقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على التماس العقد والبحث عنه، وأقام الناس معه وتأخر الجيش، لما احتبسوا على طلب العقد، فأنزل الله سبحانه الرخصة في التيمم.

*يواسيهن ويمسح دموعهن:

عدل

عن أنس بن مالك قال : ((كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وكان ذلك يومها فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي وتقول: حملتني على بعير بطيء ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بيديه عينيها ويسكتها...))([5]).

كانت أم المؤمنين صفية مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحج، وفي أثناء الطريق برك جملها فبكت، ولما أُخبر صلى الله عليه وسلم جاء إليها ومسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها، وأمر الناس بالنزول فنزلوا ولم يكن يريد أن ينزل، فنزلوا، مواساة لأم المؤمنين صفية ودعما لعواطفها.

*يؤانسهن ويُدللُهن:

عدل

عن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: (( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم، من مكثه عندنا، وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها)) ([6]).

في الحديث " بيان حسن خلقه - صلى الله عليه وسلم - وكان يفعل ذلك تأنيسًا لهن، وتطيبًا لقلوبهن ؛ حتى ينفصل عنهن إلى التي هو في يومها، ويتركها طيبة القلب"([7]).

عن عائشة: ((أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ بَعْضَ نِسَائِهِ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ )) ([8]).

قال الصنعاني: " الحديث دليل على أن لمس المرأة وتقبيلها لا ينقض الوضوء، وهذا هو الأصل، والحديث مقرر للأصل"([9]).

- مساعدتهنَّ وخدمتهنَّ والعمل علي راحتهن:

عدل

بلغ من تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته لنسائه معاونتهن في البيت وأعماله، عن الأسود، قال: سَأَلتُ عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: ((كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ))([10]).  

قال ابن حجر:" وقد وقع تفسير هذه الخدمة في الشمائل للترمذي من طريق عمرة عن عائشة بلفظ ما كان إلا بشرا من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه ولأحمد وبن حبان من رواية عروة عنها يخيط ثوبه ويخصف نعله وزاد بن حبان ويرقع دلوه  .... وفيه الترغيب في التواضع وترك التكبر وخدمة الرجل أهله" ([11]).

وقال المهلب: "هذا من فعله، عليه السلام، على سبيل التواضع وليسن لأمته ذلك، فمن السنة أن يمتهن الإنسان نفسه في بيته فيما يحتاج إليه من أمر دنياه وما يعينه على دينه، وليس الترفه في هذا بمحمود ولا من سبيل الصالحين، وإنما ذلك من سير الأعاجم" ([12]).

فمن الإحسان إلي الأهل أن يساعد الرجل أهله في شؤون البيت، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد البشر يصبح ويمسي في خدمة أهله، ومما لا شك أن بهذه الأمور تحسن العشرة، وتدوم الصحبة والمودة.

وجملة القول:

عدل

إن المعاشرة بالمعروف هي الأصل الذي تقوم عليه العلاقات الزوجية، وهذه المواقف المعبرة، والقصص المؤثرة من تعاملات النبي صلى الله عليه وسلم مع أمهات المؤمنين تدل على أن هذه التعاملات ينبغي الحفاظ عليها والعناية بها؛ حتى تتحقق السعادة الزوجية.

أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل وغيره خالصاً لوجهه الكريم ، وأن ينفع به جميع المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


([1])صحيح مسلم (2/ 881).

([2])إكمال المعلم بفوائد مسلم (4/ 255)

([3])صحيح البخاري (1 / 91)، صحيح مسلم (1 / 191).

([4])شرح النووي على مسلم (4/ 59).

([5]) السنن الكبرى للنسائي (8 / 261).

([6])سنن أبي داود (2/ 243) قال الشيخ الألباني: حسن صحيح.

([7]) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (13/ 90).

([8])سنن الترمذي ت شاكر (1/ 133) قال الشيخ الألباني: صحيح.

([9]) سبل السلام (1/ 94).

([10]) صحيح البخاري (1/ 136).

([11]) فتح الباري لابن حجر (2/ 163)

([12]) شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 542). 156.210.50.65 (نقاش) 08:44، 2 أكتوبر 2024 (ت ع م)ردّ

مرافقة سيد ولد آدم في الجنة

عدل

الكاتب/ سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر- الحلمية – أبوحماد - مصر salamaderbala493@gmail.com إن الحمد لله نحمده ونستعين به ونستهديه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عيه وسلم، أما بعد:

فإن مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا من نعم الله على عباده، وهي شرف صحبة وعظم مكانة، فكيف بمرافقته صلى الله عليه وسلم في الجنة؟

وعن فضيلة صحبة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا قال القاضي عياض: (من صحب النبي صلى الله عليه وسلم مرة من عمره، وحصلت له مزية الصحبة، أفضل من كل من يأتي بعده، وأن فضيلة الصحبة لا يعدلها عمل، قالوا: وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) [1].

ومن مِنن الله تعالى على من فاته مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، أن هيئ له من الأسباب التي بسببها أن يكون رفيقًا لنبي صلى الله عليه وسلم في أعلى جنان الخلد، ومنها: كثرة السجود: ♦ عن ربيعة بن كعب الأسلمي، قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتيته بوضوئه وحاجته فقال لي: سل فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك قلت: هو ذاك، قال: « فأعني على نفسك بكثرة السجود» [2].

قال النووي: (في الحديث الحث على كثرة السجود والترغيب، والمراد به السجود في الصلاة، وفيه دليل لمن يقول تكثير السجود أفضل من إطالة القيام، ولأن السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى، وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها وهو وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن) [3].

الدفاع عنه صلى الله عليه وسلم: ♦ عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أُحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه، قال: من يردهم عنا وله الجنة؟ أو هو رفيقي في الجنة، فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قتل، ثم رهقوه أيضًا، فقال: «مَن يردهم عنا وله الجنة؟ أو هو رفيقي في الجنة، فتقدم رجل من الأنصار، فقاتل حتى قُتل، فلم يزل كذلك حتى قُتل السبعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه: ما أنصفنا أصحابنا» [4].

قال محمد فؤاد عبدالباقي: (فلما رهقوه)؛ أي: غشوه وقربوا منه، وأرهقه؛ أي غشيه: قال صاحب الأفعال: رهقته وأرهقته؛ أي: أدركته، قال القاضي في المشارق: قيل لا يستعمل ذلك إلا في المكروه، قال: وقال ثابت كل شيء دنوت منه، فقد رهقته (لصاحبيه)، هما ذانك القرشيان، (ما أنصفنا أصحابنا)، ومعناه ما أنصفت قريش الأنصار لكون القرشيين، لم يخرجا للقتال، بل خرجت الأنصار واحد بعد واحد، وذكر القاضي وغيره أن بعضهم رواه ما أنصفنا بفتح الفاء، والمراد على هذا الذين فروا من القتال، فإنهم لم ينصفوا لفرارهم [5].

محبة الرسول صلى الله عليه وسلم: ♦ عن أنس بن مالك أن رجلًا سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله؟ قال: «ما أعددت لها»، قال: ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: «أنت مع من أحببت»[6]، (قال أنس: "فما فرح المسلمون بعد إسلامهم كفرحهم يومئذ"، إشارة إلى أن أكبر بغيتهم كانت حب الله ورسوله) [7].

وقال القاضي عياض: (فيه أنَّ محبة الله ومحبة نبيه الاستقامة على طاعتهما وترك مخالفتهما، وإذا أحبهما تأدب بأدب شريعتهما، ووقف عند حدودهما، وفي حبه لله ولنبيه ولمن أحبه من الصالحين، وميله بقلبه إليهم، إنما ذلك كله لله تعالى، وطاعة له وثمرة صحة إيمانه، وشرح قلبه، وهو من أعظم الدرجات وأرفع منازل الطاعات) [8].

♦ وعن عبدالله بن الصامت قال: قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله، الرجل يحب القوم ولا يستطيع أن يعمل كعملهم، قال: « أنت يا أبا ذر مع من أحببت، قلت: فإني أحب الله ورسوله، قال: فأنت يا أبا ذر مع من أحببت، قال هاشم: قالها له ثلاث مرات: أنت مع من أحببت» [9].

ولما أخرج أهل مكة زيد بن الدثنة من الحرم بعدما (ابتاعه صفوان بن أمية ليقتله بأبيه، فبعثه مع مولى له يقال له: نسطاس إلى التنعيم، وأخرجه من الحرم ليقتله، واجتمع رهط من قريش فيهم أبو سفيان بن حرب، فقال له أبو سفيان حين قدم ليقتل: أنشدك بالله يا زيد، أتحب أن محمدًا الآن عندنا مكانك نضرب عنقه وأنك في أهلك؟ قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وإني جالس في أهلي، قال: يقول أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدًا كحب أصحاب محمد محمدًا) [10].

الإحسان إلى البنات والأخوات: ♦ عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من عال جاريتين حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه»[11].

قال الصنعاني: (من أعال جاريتين): قام بكفايتهما وتربيتهما ومصالحهما، والمراد بنتان له، أو أعم من ذلك، (حتى يدركا) سن البلوغ، (دخلت أنا وهو الجنة كهاتين)، قارن دخوله الجنة دخوله صلى الله عليه وسلم، وإن تفاوتت المنازل، وفيه فضيلة عظيمة لمن كان له ما ذكر، ولا بد من تقييده بالصبر والاحتساب كما في غيره، فلا يتضجر من تربيتهما، فيحرم من كفالتهما كما يقع كثيرًا للأنام) [12].

كفالة اليتيم وملاطفته والشفقة عليه: ♦ عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كافل اليتيم له أو لغيره أنا وهو كهاتين في الجنة»، وأشار مالك بالسبابة والوسطى [13].

قال ابن حجر: (قال ابن بطال حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به؛ ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ولا منزلة في الآخرة أفضل من ذلك... وفي الحديث إشارة إلى أن بين درجة النبي صلى الله عليه وسلم وكافل اليتيم قدر تفاوت ما بين السبابة والوسطى) [14].

وقال الذهبي: (كفالة اليتيم هي القيام بأموره والسعي في مصالحه من طعامه وكسوته وتنمية ماله إن كان له مال، وإن كان لا مال له، أنفق عليه وكساه ابتغاء وجه الله تعالى، وقوله في الحديث له أو لغيره؛ أي سواء كان اليتيم قرابة أو أجنبيًّا منه، فالقرابة مثل أن يكفله جده أو أخوه أو أمه أو عمه، أو زوج أمه أو خاله، أو غيره من أقاربه، والأجنبي من ليس بينه وبينه قرابة) [15].

التخلق بمكارم الأخلاق: ♦ عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقًا، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلسًا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله، قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون» [16].

الثرثرة كثرة الكلام وترديده: (المتفيهقون) الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم، (المتشدقون) الذين يتكلفون بأشداقهم ويتقعرون في مخاطباتهم، ويتوسعون في الكلام من غير احتياط واحتراز، وقيل: المستهترين بالناس يلوي شدقه بهم وعليهم) [17].

كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: عن عبدالله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة» [18].

قال المناوي: (أقربهم مني في القيامة وأحقهم بشفاعتي، أكثرهم عليَّ صلاة في الدنيا؛ لأن كثرة الصلاة عليه تدل على صدق المحبة وكمال الوصلة، فتكون منازلهم في الآخرة منه بحسب تفاوتهم في ذلك) [19].

طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: ♦ عن عائشة قالت: «جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، والله إنك لأحب إليَّ من نفسي، وإنك لأحب إلي من أهلي، وأحب إلي من ولدي، وإني لأكون في البيت، فأذكرك فما أصبر حتى آتيك، فأنظر إليك، وإذا ذكرت موتي وموتك، عرفت أنك إذا دخلت الجنة رفعت مع النبيين، وإني إذا دخلت الجنة خشيت ألا أراك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزل جبريل بهذه الآية: ﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ ﴾ [النساء: 69] [20].

وفي الختام: نسأل الله تعالى أن يوفِّقنا وإياكم لما فيه رضاه، وأن يرزقنا وإياكم مرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الفردوس الأعلى الجنة، إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير. سلامة أبراهيم دربالة النمر (نقاش) 05:29، 4 أكتوبر 2024 (ت ع م)ردّ

القدوة الحسنة وأهميتها

عدل

القدوة الحسنة وأهميتها. إعداد/ سلامة دربالة النمر

عدل

القدوة الحسنة هي خُلُق من أخلاق الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولأهميتها أورد الله عز وجل في القرآن الكريم صورًا عديدة من الاقتداء فيما بين الأنبياء.

فقد أرشد "القرآن الكريم إلى أهمية القدوة في حياة الأمة، فأرشد نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء بحال الأنبياء السابقين"[1]، فالله سبحانه وتعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين؛ لأنهم صفوة خلق الله، جبلهم على مكارم الأخلاق، وكمال الدين، ولهذا جاء الأمر بالاقتداء بهم واتباعهم، فقال الله تعالى بعد أن ذكر مجموعة من الرسل: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90]، وأرشد الله عز وجل الأمة إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله، وأفعاله، وأحواله، وسلوكيات حياته صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].

فهذه الآية الكريمة دليل على وجوب التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في "أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه عز وجل"[2]. وجميع "الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم، كانوا قدوة حسنة لأقوامهم، وهذا يدل على عِظَمِ وأهمية القدوة الحسنة"[3].

فموضوع القدوة الحسنة من المواضيع المهمة جدًّا في حياة الإنسانية، فهي ركيزة[4]من ركائز المجتمع، وهي عنصر مهم في كل مجتمع، وسبب رئيس في التحول السريع نحو الأفضل، وتنشئة أفراد صالحين نافعين لأنفسهم ولغيرهم في المجتمع، "فالقدوة الحسنة، والنشأة القويمة، والتربية السليمة للإنسان تجعل منه عنصرًا صالِحًا طيبًا ينتفع منه الجميع"[5].

والقدوة الحسنة من الوسائل المهمة في تبليغ الدعوة، "فالتبليغ يكون عن طريق القدوة الحسنة، والسيرة الحميدة، والأخلاق الفاضلة، والتمسك بأهداب الدين"[6].

ومن أهمية القدوة الحسنة أيضًا جذبُ الناس إلى الإسلام، وإطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، فالقدوة الطيبة للداعي وأفعاله وصفاته وأخلاقه الحسنة، تجعله أسوة حسنة لغيره، وقد أثرت القدوة الحسنة بالفعل، وكانت عاملًا مهمًّا في انتشار الإسلام في الكثير من البلاد التي "لم يصلها الفتح الإسلامي؛ إذ دخل في هذا الدين الحنيف شعوب بكاملها لَمَّا رأوا القدوة الحسنة خلقًا حميدًا في أشخاص مسلمين صالحين"[7].

ومما قد فُطِر عليه الناس الحاجة إلى القدوة؛ "لتكون مثالًا حيًّا يُبين لهم كيف يطبِّقون شريعة الله، لذلك لم يكن لرسالات الله من وسيلة لتحقيقها على الأرض إلا إرسال الرسل، يُبينون للناس ما أنزل الله من شريعة بشكل عملي يشاهدونه" [8].

فالحاجة إلى "الأسوة الحسنة من الضرورات الفطرية للبشر، فالإنسان يحتاج إلى النموذج، وفق ما هو معروف بوسائل التربية بالنموذج، وتكمن وراء هذه الحاجة ما جبل عليه الناس من حب الكمال"[9].

ومن الوسائل المؤثرة في التربية: التربية بالقدوة الحسنة، فالطفل ينشأ متأثرًا بما يسمعه من أقوال، وما يشاهده من سلوكيات، فإذا رأى تناقضًا من الأبوين، أو ممن يراهم قدوة له، فإن ذلك يفتح أمامه باب الانحراف والاضطراب، ويعطي الفرصة لوقوع أخطاء، وسلوكيات يصعب معالجتها، فالنشءُ والشباب في حاجة ضرورية لرؤية نماذج تتحلى بالأخلاق الكريمة، يتعاملون معهم بالأخلاق الحسنة، فيرغبونهم في الاستقامة.

ويعد أسلوب الاقتداء من أفضل الأساليب التربوية التي تؤثر في سلوك الآخرين؛ "لأنها تطبيق عملي يثبت القدرة والاستطاعة الإنسانية على التخلي عن الانحرافات، والتحلي بفضائل الأفعال والأقوال، فهي تنقل المعرفة من الحيز النظري إلى الحيز التطبيقي المؤثر، فتلامس بها الأبصار والآذان والأفئدة، فيحصل الاقتناع والإعجاب والتأسي"[10].

ويمكن إجمال أهمية القدوة الحسنة في عدة أمور؛ منها:

1- القدوة الحسنة تحتل في المجتمعات الإنسانية مرتبة من المجد لا يَحظى بها غيرُها، هذه المرتبة محفوفة بالتقدير والثناء والإعجاب من الناس.

2- إن المثال الحي المرتقي في درجات الكمال، يثير في نفس البصير العاقل قدرًا كبيرًا من الاستحسان والإعجاب والتقدير، والمحبة والتطلع إلى الخير.

3- إن القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل الممتازة تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة التي هي في متناول القدرات الإنسانية [11].

وجملة القول في أهمية القدوة الحسنة:

1- وجوب اتباع رسل الله عليهم الصلاة والسلام، والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم، وكريم شمائلهم، فهم صفوة خلق الله عز وجل.

2- أن الطفل لا بد له من قدوة حسنة في الأسرة والمسجد والمدرسة، ووسائل الإعلام، والأصدقاء والشارع، وذلك من خلال التوجيه والإرشاد، والنصح الدائم؛ لكي يتعلم الطفل منذ نعومة أظفاره المبادئ الإسلامية الرفيعة.

3- أهمية الحاجة إلى الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، فهي محط آمال العقلاء، وغاية أمانيهم، وهي الأمل الكبير في إصلاح النشء والمجتمع.

4- القدوة السيئة تهدم القيم، والأخلاق في نفوس الأطفال، وهي من العوامل السيئة الضارة، ولها تأثير خطير على الفرد والمجتمع.


[1] أثر القدوة في المجتمع بين الواقع والمثال؛ د/ أحمد إدريس الطعان، ص 248، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، مجلد 27، عدد2، 2011م.

[2] تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري، ج6، ص350، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت، ط1، 141هـ.

[3] الخُلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة؛ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، ص 49، مطبعة سفير، الرياض، مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض، ( د-ن، د-ت).

[4] الركيزة في اللغة: ما يرتكز عليه مما هو ثابت في الأرض وغيرها، يقال لغة: ركز شيئًا في شيء: إذا أثبته فيه، وركز السهم في الأرض: إذا غرزه فيها، ويقال: ارتكز على الشيء: إذا اعتمد عليه.

[5] المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس: د/ محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود. ص262، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة: السنة الرابعة والثلاثون العدد (114)، 1422هـ/2002م.

[6] الموسوعة الفقهية الكويتية: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت. ج20 ص333، دار السلاسل - الكويت، ط2، 1404 - 1427 هـ.

[7] موسوعة الأخلاق؛ خالد بن جمعة بن عثمان الخراز، ص 42، مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 1430 هـ - 2009 م.

[8] أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع؛ عبدالرحمن النحلاوي، ص205، الناشر: دار الفكر ط 25-2007م.

[9] الأسوة الحسنة في القرآن وتطبيقها في السيرة النبوية: د/ عماد الدين الرشيد. ص419، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، مجلد 26، عدد1، 2010م.

[10] أصول التربية الإسلامية؛ د/ خالد بن حامد الحازمي، ص 378، دار عالم الكتب للطباعة والنشر الرياض ط1 عام /2000.

[11] الأخلاق الإسلامية وأسسها، ج1، ص 214-215 (بتصرف). 196.136.51.13 (نقاش) 07:11، 26 أكتوبر 2024 (ت ع م)ردّ

من مظاهر العنف اللفظي في الحياة الأسرية

عدل

من مظاهر العنف اللفظي في الحياة الأسرية 196.136.55.198 (نقاش) 14:26، 28 أكتوبر 2024 (ت ع م)ردّ

من مظاهر العنف اللفظي في الحياة الأسرية 2

عدل

كتبه/ سلامة إبراهيم محمد دربالة النمر . 196.136.55.198 (نقاش) 14:33، 28 أكتوبر 2024 (ت ع م)ردّ

القوة الحسنة وأهميتها.

عدل

سلامة دربالة النمر- الحلمية أبو حماد- شرقية- مصر

القدوة الحسنة وأهميتها

عدل

القدوة الحسنة هي خُلُق من أخلاق الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، ولأهميتها أورد الله عز وجل في القرآن الكريم صورًا عديدة من الاقتداء فيما بين الأنبياء.


فقد أرشد "القرآن الكريم إلى أهمية القدوة في حياة الأمة، فأرشد نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء بحال الأنبياء السابقين"[1]، فالله سبحانه وتعالى قد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بمن سبقه من الأنبياء والمرسلين؛ لأنهم صفوة خلق الله، جبلهم على مكارم الأخلاق، وكمال الدين، ولهذا جاء الأمر بالاقتداء بهم واتباعهم، فقال الله تعالى بعد أن ذكر مجموعة من الرسل: ﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 90]، وأرشد الله عز وجل الأمة إلى التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أقواله، وأفعاله، وأحواله، وسلوكيات حياته صلى الله عليه وسلم؛ قال الله تعالى: ﴿ وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 22].


فهذه الآية الكريمة دليل على وجوب التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في "أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه عز وجل"[2]. وجميع "الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام من أولهم إلى آخرهم، كانوا قدوة حسنة لأقوامهم، وهذا يدل على عِظَمِ وأهمية القدوة الحسنة"[3].


فموضوع القدوة الحسنة من المواضيع المهمة جدًّا في حياة الإنسانية، فهي ركيزة[4]من ركائز المجتمع، وهي عنصر مهم في كل مجتمع، وسبب رئيس في التحول السريع نحو الأفضل، وتنشئة أفراد صالحين نافعين لأنفسهم ولغيرهم في المجتمع، "فالقدوة الحسنة، والنشأة القويمة، والتربية السليمة للإنسان تجعل منه عنصرًا صالِحًا طيبًا ينتفع منه الجميع"[5].


والقدوة الحسنة من الوسائل المهمة في تبليغ الدعوة، "فالتبليغ يكون عن طريق القدوة الحسنة، والسيرة الحميدة، والأخلاق الفاضلة، والتمسك بأهداب الدين"[6].


ومن أهمية القدوة الحسنة أيضًا جذبُ الناس إلى الإسلام، وإطاعة أوامره، واجتناب نواهيه، فالقدوة الطيبة للداعي وأفعاله وصفاته وأخلاقه الحسنة، تجعله أسوة حسنة لغيره، وقد أثرت القدوة الحسنة بالفعل، وكانت عاملًا مهمًّا في انتشار الإسلام في الكثير من البلاد التي "لم يصلها الفتح الإسلامي؛ إذ دخل في هذا الدين الحنيف شعوب بكاملها لَمَّا رأوا القدوة الحسنة خلقًا حميدًا في أشخاص مسلمين صالحين"[7].


ومما قد فُطِر عليه الناس الحاجة إلى القدوة؛ "لتكون مثالًا حيًّا يُبين لهم كيف يطبِّقون شريعة الله، لذلك لم يكن لرسالات الله من وسيلة لتحقيقها على الأرض إلا إرسال الرسل، يُبينون للناس ما أنزل الله من شريعة بشكل عملي يشاهدونه" [8].


فالحاجة إلى "الأسوة الحسنة من الضرورات الفطرية للبشر، فالإنسان يحتاج إلى النموذج، وفق ما هو معروف بوسائل التربية بالنموذج، وتكمن وراء هذه الحاجة ما جبل عليه الناس من حب الكمال"[9].


ومن الوسائل المؤثرة في التربية: التربية بالقدوة الحسنة، فالطفل ينشأ متأثرًا بما يسمعه من أقوال، وما يشاهده من سلوكيات، فإذا رأى تناقضًا من الأبوين، أو ممن يراهم قدوة له، فإن ذلك يفتح أمامه باب الانحراف والاضطراب، ويعطي الفرصة لوقوع أخطاء، وسلوكيات يصعب معالجتها، فالنشءُ والشباب في حاجة ضرورية لرؤية نماذج تتحلى بالأخلاق الكريمة، يتعاملون معهم بالأخلاق الحسنة، فيرغبونهم في الاستقامة.


ويعد أسلوب الاقتداء من أفضل الأساليب التربوية التي تؤثر في سلوك الآخرين؛ "لأنها تطبيق عملي يثبت القدرة والاستطاعة الإنسانية على التخلي عن الانحرافات، والتحلي بفضائل الأفعال والأقوال، فهي تنقل المعرفة من الحيز النظري إلى الحيز التطبيقي المؤثر، فتلامس بها الأبصار والآذان والأفئدة، فيحصل الاقتناع والإعجاب والتأسي"[10].


ويمكن إجمال أهمية القدوة الحسنة في عدة أمور؛ منها:

1- القدوة الحسنة تحتل في المجتمعات الإنسانية مرتبة من المجد لا يَحظى بها غيرُها، هذه المرتبة محفوفة بالتقدير والثناء والإعجاب من الناس.


2- إن المثال الحي المرتقي في درجات الكمال، يثير في نفس البصير العاقل قدرًا كبيرًا من الاستحسان والإعجاب والتقدير، والمحبة والتطلع إلى الخير.


3- إن القدوة الحسنة المتحلية بالفضائل الممتازة تعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل من الأمور الممكنة التي هي في متناول القدرات الإنسانية [11].


وجملة القول في أهمية القدوة الحسنة:

1- وجوب اتباع رسل الله عليهم الصلاة والسلام، والاقتداء بأقوالهم وأفعالهم، وكريم شمائلهم، فهم صفوة خلق الله عز وجل.


2- أن الطفل لا بد له من قدوة حسنة في الأسرة والمسجد والمدرسة، ووسائل الإعلام، والأصدقاء والشارع، وذلك من خلال التوجيه والإرشاد، والنصح الدائم؛ لكي يتعلم الطفل منذ نعومة أظفاره المبادئ الإسلامية الرفيعة.


3- أهمية الحاجة إلى الأسوة الحسنة والقدوة الصالحة، فهي محط آمال العقلاء، وغاية أمانيهم، وهي الأمل الكبير في إصلاح النشء والمجتمع.


4- القدوة السيئة تهدم القيم، والأخلاق في نفوس الأطفال، وهي من العوامل السيئة الضارة، ولها تأثير خطير على الفرد والمجتمع.


[1] أثر القدوة في المجتمع بين الواقع والمثال؛ د/ أحمد إدريس الطعان، ص 248، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، مجلد 27، عدد2، 2011م.

[2] تفسير القرآن العظيم: أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي البصري، ج6، ص350، تحقيق: محمد حسين شمس الدين، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون - بيروت، ط1، 141هـ.

[3] الخُلق الحسن في ضوء الكتاب والسنة؛ د. سعيد بن علي بن وهف القحطاني، ص 49، مطبعة سفير، الرياض، مؤسسة الجريسي للتوزيع والإعلان، الرياض، ( د-ن، د-ت).

[4] الركيزة في اللغة: ما يرتكز عليه مما هو ثابت في الأرض وغيرها، يقال لغة: ركز شيئًا في شيء: إذا أثبته فيه، وركز السهم في الأرض: إذا غرزه فيها، ويقال: ارتكز على الشيء: إذا اعتمد عليه.

[5] المداراة وأثرها في العلاقات العامة بين الناس: د/ محمد بن سعد بن عبد الرحمن آل سعود. ص262، الناشر: الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، الطبعة: السنة الرابعة والثلاثون العدد (114)، 1422هـ/2002م.

[6] الموسوعة الفقهية الكويتية: وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية – الكويت. ج20 ص333، دار السلاسل - الكويت، ط2، 1404 - 1427 هـ.

[7] موسوعة الأخلاق؛ خالد بن جمعة بن عثمان الخراز، ص 42، مكتبة أهل الأثر للنشر والتوزيع، الكويت، ط1، 1430 هـ - 2009 م.

[8] أصول التربية الإسلامية وأساليبها في البيت والمدرسة والمجتمع؛ عبدالرحمن النحلاوي، ص205، الناشر: دار الفكر ط 25-2007م.

[9] الأسوة الحسنة في القرآن وتطبيقها في السيرة النبوية: د/ عماد الدين الرشيد. ص419، مجلة جامعة دمشق للعلوم الاقتصادية والقانونية، مجلد 26، عدد1، 2010م.

[10] أصول التربية الإسلامية؛ د/ خالد بن حامد الحازمي، ص 378، دار عالم الكتب للطباعة والنشر الرياض ط1 عام /2000.

[11] الأخلاق الإسلامية وأسسها، ج1، ص 214-215 (بتصرف). 156.210.119.217 (نقاش) 11:28، 14 ديسمبر 2024 (ت ع م)ردّ

العنف الأسري

عدل

من مظاهر العنف الأسري: العنف الجسدي

عدل

سلامة دربالة النمر- الحلمية أبو حماد- شرقية- مصر: https://tinyurl.com/454pcp4c

الحمد لله رب العالمين، ‌والصلاة ‌والسلام ‌على ‌خير ‌الأنبياء ‌والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فيا أيها ‌الإخوة ‌الأكارم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


سبق ‌الحديث عن العنف اللفظي، وفي هذا المقال بمشيئة الله تعالى ‌نواصل الحديث عن المزيد من أنواع العنف الأسري؛ وهو العنف الجسدي، الذي يُعَدُّ أشد وأبرز أنواع العنف خطرًا وإفسادًا.


وعن فضل الرفق والحث على التخلُّق به، وذم ‌العنف، رَوَتْ ‌أمُّ ‌المؤمنين ‌عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((يا عائشةَ، ‌إن ‌الله ‌رفيق ‌يحب ‌الرِّفق، ‌ويعطي ‌على ‌الرفق ‌ما ‌لا ‌يعطي ‌على ‌العنف، ‌وما ‌لا ‌يعطي ‌على ‌ما ‌سواه))[1].


قال ‌القاضي ‌البيضاوي: "الرفق: ضد العنف، وهو اللطف، وأخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها، ومعنى أن الله رفيق: أنه لطيف بعباده، يريد بهم اليسر، ولا يريد بهم العسر ... وكأنه قال: إن يرفُق بعباده في أمورهم، فيعطيهم بالرفق ما لا يعطيهم على ما سواه، وقوله: (ما لا يعطي على العنف) ليدل على أن الرفق أنجح الأسباب كلها، وأنفعها بأسرها"[2].


‌فالبيوت ‌لا ‌ُتبنى إلا على المودة، والرحمة، والرفق، والتأني والطمأنينة، وانتشار ‌العنف من أسباب ‌دمارها إن عاجلًا أو آجلًا.


• تعريف العنف الجسدي هو: "الاعتداء، أو سوء المعاملة التي تودي إلى أذًى بدني، ظاهرًا كان أم خفيًّا، وهو لا ينجم بالضرورة عن رغبة متعمَّدة في إلحاق الضرر بالآخرين"[3].


• سلوكيات العنف الجسدي: يتمثل العنف الجسدي في مجموعة من السلوكيات فـ: "عادة ما يصاحبه كسورٌ، أو رضوض، أو جروح، أو خدوش، أو أي إصابة بدنية أخرى، حتى وإن لم يكن لها أضرار بدنية ظاهرة؛ كاللطم، أو الصفع، أو الرَّفْس، أو الوَكْزِ، أو اللَّكْم[4]"[5].


ومن صور العنف الجسدي:

للعنف الجسدي صور متعددة، ‌كالضرب ‌باليد، أو الرجل، أو الجَلْد،أو استخدام أي أداة، أو الدفع، أو الصفع على الوجه، أو الرفس، أو اللكم، أو الخَنْق، أو الرمي أرضًا، أو شد الشعر، أو الصعق، أو البصق، أو الحرق، أو قذف الضحية بالحذاء، أو بمواد حارقة، أو بالأواني، أو الإجهاض، أو غير ذلك.


فالعنف الجسدي "يتم عن طريق الأقوى بدنيًّا في الأسرة على الأضعف؛ مثل: ضرب الزوجة أو الأولاد، ويصبح هذا الأسلوب العنيف تهديدًا قائمًا في الأسرة، وهو ما يسبب كثيرًا من حوادث الطلاق، وقد يؤدي إلى هروب الأطفال من أسرهم، فيعرضهم هذا للانحراف، وقد يكتسب الأطفال سمة العنف بما تربَّوا عليه من هذا الشكل من الأب أو من الأم، ويشِبُّوا عليها فتبقى صفة العنف في الأسرة على امتداد أكثر من جيل"[6].

‌ من ‌الآثار السلبية ‌المترتبة ‌على العنف:

‌• العنف ‌يؤدي إلى المشاحنة، والشِّقاق، ويأتي بآثار سلبية وردود أفعال غير مرضية.


• العنف ‌يؤدي إلى القطيعة والعقوق، والأذى والتفرق.


• جُبِلت النفوس على كراهة من يسيء إليها.


• العنف يؤدي إلى البعد من منازل الأخيار، والحرمان من الخير.


‌• العنف ‌لو ‌كان ‌خُلُقًا لَما رأى الناس أقبح منه.


• العنف لم يخالط شيئًا إلا ‌شانه، ولم يفارق شيئًا إلا زانه.


[1] صحيح مسلم: كتاب البر والصلة والآداب - باب فضل الرِّفق، (4/ 2003) رقم (2593).

[2] تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة، المؤلف: القاضي ناصر الدين عبدالله بن عمر البيضاوي (ت: 685هـ)، ج3، ص272، المحقق: لجنة مختصة بإشراف نور الدين طالب، الناشر: وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت، عام النشر: 1433 هـ - 2012م.

[3] علم النفس الاجتماعي: أحمد عبداللطيف وحيد، ص198، دار الميسرة، عمان، الطبعة الأولى، عام 2001م.

[4] اللطمة هي: ضربة على الخدين بباطن الراحة؛ [ينظر: شرح الزُّرقاني على مختصر خليل، ج8، ص29]. والصَّفْع: ‌الضرب ‌على ‌القفا؛ [ينظر: شمس العلوم، ج6، ص3774]. والرفس: الصدمة بالرجل في الصدر؛ [ينظر: كتاب العين، ج7، ص246]. والوَكْزُ: ‌الطَّعن، والدَّفع، والضَّرب بجميع الكفِّ؛ [ينظر: المفردات في غريب القرآن، ص882]. واللكم: ‌الضرب ‌باليد ‌مجموعة؛ [ينظر: مجمل اللغة لابن فارس، ص813].

[5] مشكلات الأطفال النفسية وأساليب المساعدة منها: سوس شاكر الجبلي، ص93، دار رسلان، دمشق، الطبعة الأولى، عام 2006م.

[6] العنف في نطاق الأسرة: د/ ‌محمد ‌رأفت ‌عثمان، ص34، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة التاسعة عشرة، إمارة ‌الشارقة - الإمارات، عام 1430 هـ، 2009 م. 156.210.84.8 (نقاش) 19:51، 17 ديسمبر 2024 (ت ع م)ردّ