Bilal Shobash
بلال شوباش
في عام 1992، وُلد بلال شوباش في قلب مدينة دمشق، المدينة التي كانت دائمًا مصدر إلهام للأدباء والشعراء، لكنها شهدت تغيرات كبيرة في السنوات التي تلت ولادته. من هذه المدينة العريقة، انطلق بلال في رحلة طويلة مليئة بالتحديات، ليصبح رمزًا للعزيمة والإصرار.
منذ صغره، كان بلال شغوفًا بالتكنولوجيا وعالم الكمبيوتر. كان يقتطع وقتًا من دراسته لمتابعة كل ما هو جديد في هذا المجال، حتى قرر أن يتخصص في *هندسة المعلوماتية*. تخرج بلال من الجامعة وهو يحمل حلمًا كبيرًا بأن يصبح أحد المتخصصين في مجال التكنولوجيا، فبدأ بالعمل مدرسًا لمادة المعلوماتية في مدارس دمشق. كان يعشق مهنته ويؤمن أن التعليم هو الأداة الأقوى لبناء المستقبل. لكنه لم يكن يعلم أن الحياة ستحمل له تحديات أكبر بكثير.
مع اندلاع الحرب في سوريا، أصبحت المدارس ليست سوى أماكن فارغة يطغى عليها الحزن. بينما كانت الحرب تجتاح المدن والمناطق السورية، كان بلال يرى بنفسه كيف يتناثر المستقبل من بين يديه ومن بين أيدي العديد من الشباب. وكان موجة النزوح التي اجتاحت دمشق والمناطق المجاورة تترك آثارها العميقة في قلبه. لكن، على الرغم من الصعوبات، كان بلال يشعر أنه يجب أن يفعل شيئًا مختلفًا، شيئًا أكثر تأثيرًا. توجه بلال إلى *مجال العمل التطوعي*، حيث قرر أن يتخذ من قلب المعاناة التي يعيشها الآخرون فرصة لخدمة المجتمع. بدأ بتنظيم الحملات التطوعية والإغاثية في *مراكز الإيواء* في دمشق. هناك، وجد نفسه في مواجهة تحديات جديدة. كان يتعامل مع مئات الأسر والنازحين الذين فقدوا كل شيء: المنازل، الأمل، وأحيانًا الأحبة. لكن بلال، بحماسته وطاقته الكبيرة، استطاع أن يصبح المسؤول عن أكثر من مركز إيواء، حيث كان يكرس كل جهوده لتقديم المساعدة والدعم للأشخاص الذين فقدوا كل شيء.
وفي ظل تلك الظروف العصيبة، قرر بلال أن يتعاون مع *المنظمات الدولية* مثل *المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)*، *صندوق الأمم المتحدة للسكان (UNFPA)*، و*منظمة الهجرة الدولية (IOM)*. أصبح صوتًا مدافعًا عن حقوق اللاجئين والمحتاجين، وشارك في العديد من البرامج الإنسانية التي أثرت في حياة الكثيرين.
لكن بلال لم يتوقف عند ذلك الحد. مع الاستقرار النسبي الذي بدأ يعود إلى بعض المناطق، بدأ في العمل في *المراكز المجتمعية التابعة للجمعية السورية للتنمية الاجتماعية*. وكان دوره في *أنشطة الدعم النفسي* محوريًا. أصبح بلال *معاون مدير المركز*، حيث أثبت جدارته وحبه للعمل التطوعي، وأصبح مرشدًا نفسيًا للكثيرين ممن يعانون من آثار الحرب. حصل على العديد من التدريبات في المنظمات الدولية في مجالات مثل *العلاج من خلال الفن والدمى والموسيقى* و*إدارةالحالات كان بلال لا يتوقف عن كتابة *قصص النجاح*، تلك القصص التي كانت تسلط الضوء على الأشخاص الذين تغلبوا على التحديات الكبرى. عمل مع الأطفال والأمهات وذوي الاحتياجات الخاصة، وساهم في إدخال السعادة والأمل إلى حياتهم.
في نهاية عام 2018، وفي خطوة شجاعة، قرر بلال مع مجموعة من زملائه *تأسيس مؤسسة تمكين* في دمشق، وهي مؤسسة تنموية إغاثية تهدف إلى تقديم الدعم المباشر للأسر المتضررة من الحرب. كان بلال في مطلع عام 2019 قد أصبح *مدير فريق المتطوعين* في جميع مراكز دمشق. لم يتوقف عن تقديم الدعم، بل بدأ أيضًا *ترأس برنامج اليونيسيف* لدعم الأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة في منطقة جرمانا وريف دمشق.
لكن، ومع نهاية عام 2020، وبسبب الظروف الصعبة في سوريا، أصبح بلال أمام مفترق طرق. كان أمامه خيار واحد فقط للبحث عن حياة جديدة، حياة أكثر استقرارًا بعيدًا عن الحروب والمآسي. قرر *الرحيل إلى أوروبا*، لكن الطريق لم يكن سهلًا. اختار *العبور غير الشرعي*، وبدأ رحلة محفوفة بالمخاطر عبر تركيا، حيث تم اعتقاله بتهمة العبور غير الشرعي، وقضى عامًا كاملاً في السجن. لكن عزيمته لم تتزعزع، وأصر على مواصلة سعيه نحو الحرية.
بعد خروجه من السجن، تابع رحلته، عبر *اليونان* و*ألبانيا* و*كوسوفو*، إلى أن وصل أخيرًا إلى *النمسا*. بفضل الوثائق التي قدمها للمحكمة والتي تثبت عمله في المنظمات الإغاثية، حصل على *الإقامة الدائمة* في النمسا.
اليوم، يقيم بلال في *فيينا*، حيث بدأ بداية جديدة. ومنذ عامه الأول هناك، استطاع *إتقان اللغة الألمانية* وبدأ في العمل في مجالات خدمية جديدة، حيث يواصل تقديم الدعم والمساعدة للأشخاص في محيطه. وفي ظل الحياة الجديدة التي بناها، تزوج بلال من فتاة كانت تعمل مترجمة في أحد مكاتب دمشق، بعد أن تعرف عليها عن طريق أخته في ظل الظروف الصعبة للزواج في أوروبا.
وبالرغم من *خسارته لحبيبته السابقة* التي كانت علاقتهما قد دامت لعشر سنوات، إلا أن بلال وجد في الحياة الجديدة ما يعوضه عن الكثير. بعد رحلة من الصعوبات، أصبح بلال مثالًا على الصمود، وعلى أن الأمل لا يموت، مهما كانت التحديات.
*بلال شوباش*، الشاب الذي بدأ من وسط الحرب، استطاع أن يعيد بناء حياته في بلد آخر بعيدًا عن مآسي الحرب، ليُثبت أن الإرادة والتمسك بالأمل قادران على تغيير مجرى الحياة.