ديناميكا السلالات الفيروسية

تُعرّف ديناميكا السلالات الفيروسية على أنها دراسة كيفية عمل العمليات الوبائية والمناعية والتطورية والتفاعلات المحتملة لتشكيل السلالات الفيروسية.[1] منذ صياغة المصطلح في عام 2004، ركزت أبحاث ديناميكا السلالات الفيروسية على ديناميكيات الانتقال في محاولة لإلقاء الضوء على كيفية تأثير هذه الديناميكيات على التباين الجيني الفيروسي. يمكن دراسة ديناميكيات الانتقال على مستوى الخلايا داخل مضيف مصاب، أو مضيف فردي داخل مجموعة سكانية، أو مجموعات كاملة من المضيفين.

تتراكم في جينات العديد من الفيروسات، وخاصة فيروسات الحمض النووي الريبي (الرنا) اختلافات جينية سريعة التشكل؛ وذلك نتيجة لفترات الجيل القصيرة ومعدلات الطفرات العالية؛ ولذلك تتأثر أنماط التباين الجيني الفيروسي بشدة بمدى سرعة حدوث الانتقال وبأي من الكيانات تنتقل إلى بعضها البعض. سوف تتأثر أنماط التباين الوراثي الفيروسي أيضًا بالانتخاب الذي يعمل على الأنماط الظاهرية الفيروسية. على الرغم من أن الفيروسات يمكن أن تختلف فيما يتعلق بالعديد من الأنماط الظاهرية، لكن تركز الدراسات الفيزيائية الديناميكية حتى الآن على عدد محدود من الأنماط الظاهرية الفيروسية. وتشمل هذه الأنماط الظاهرية الفوعة، والأنماط الظاهرية المرتبطة بقابلية انتقال الفيروس، والانتحاء النسيجي، والأنماط الظاهرية المستضدية التي يمكن أن تسهل الهروب من مناعة المضيف. نظرًا للتأثير الذي يمكن أن تحدثه ديناميكيات الانتقال والاختيار على التباين الوراثي الفيروسي، يمكن بالتالي استخدام سلالات الفيروس للتحقيق في العمليات الوبائية والمناعية والتطورية المهمة، مثل انتشار الوباء،[2] والديناميكيات المكانية والزمانية بما في ذلك ديناميكيات الاستقلاب،[3] وانتقال الأمراض حيوانية المصدر،[4] والانتحاء النسيجي، والانسياق المستضدي.[3] إن الاستقصاء الكمي لهذه العمليات من خلال النظر في السلالات الفيروسية هو الهدف المركزي لديناميكا السلالات الفيروسية.

مصادر الاختلاف الديناميكي

عدل

أثناء صياغة مصطلح ديناميكا السلالات الفيروسية، افترض غرينفيل والمؤلفون المشاركون أن السلالات الفيروسية «... تجددها مجموعة من الانتقاء المناعي، والتغيرات في حجم المجموعات الفيروسية، والديناميكيات المكانية». أظهرت دراستهم ثلاث سمات للتطور الفيروسي، والتي قد تكون بمثابة قواعد أساسية لتحديد العمليات الوبائية والمناعية والتطورية المهمة التي تؤثر على أنماط التباين الجيني الفيروسي.

ستتأثر الأطوال النسبية للفروع الداخلية بالنسبة للخارجية بالتغيرات في حجم المجموعات الفيروسية بمرور الوقت[1]

سوف ينعكس التوسع السريع للفيروس في مجموعة سكانية من خلال شجرة «تشبه النجمة»، إذ تكون الفروع الخارجية طويلة بالنسبة للفروع الداخلية. تنشأ الأشجار الشبيهة بالنجوم لأنه من المرجح أن تشترك الفيروسات في سلف مشترك حديث عندما يكون عدد المجموعة صغيرًا، ويكون عدد المجموعة المتزايد أصغرًا بالنظر إلى السابق. بالمقارنة مع سلالة الفيروس المتوسع، فإن السلالة من المجموعة الفيروسية التي بقيت ثابتة في الحجم سيكون لها فروع خارجية أقصر بالنسبة للفروع الموجودة على الجزء الداخلي من الشجرة. يقدم سلالة فيروس نقص المناعة البشرية مثالًا جيدًا لشجرة تشبه النجوم، فقد ارتفع انتشار عدوى فيروس نقص المناعة البشرية بسرعة خلال الثمانينيات (النمو الأسي). وتعكس سلالة فيروس التهاب الكبد ب مجموعة فيروسية ظلت ثابتة تقريبًا (حجم ثابت). وبالمثل، يمكن استخدام الأشجار التي أعيد بناؤها من التسلسلات الفيروسية المعزولة من الأفراد المصابين بالعدوى المزمنة لقياس التغيرات في أحجام التجمعات الفيروسية داخل المضيف.

سوف يتأثر تجمع الأصناف على سلالة فيروسية بتركيبة مجموعات المضيف

من المتوقع أن تكون الفيروسات الموجودة داخل مضيفين متشابهين، مثل المضيفين الذين يقيمون في نفس المنطقة الجغرافية، أكثر ارتباطًا وراثيًا إذا كان الانتقال بينهم أكثر شيوعًا. توضح سلالات فيروسات الحصبة وداء الكلب وجود فيروسات ذات مجموعات مضيفة منظمة مكانيًا. تعاكس هذه السلالات سلالة الأنفلونزا البشرية، والتي لا تظهر على ما يبدو بنية مكانية قوية على مدى فترات طويلة من الزمن. لا يمكن بالضرورة ملاحظة تجمع الأصناف عند حدوثها على جميع المقاييس، وقد تبدو المجموعات التي تظهر منسقة على نطاق معين منتشرة على نطاق آخر، مثل على نطاق مكاني أصغر. في حين أن التركيب المكاني هو التركيب السكاني الأكثر شيوعًا في التحليلات الديناميكية، فقد يكون للفيروسات أيضًا اختلاط غير عشوائي من خلال سمات مثل العمر والعرق والسلوك الخطر. وذلك لأن الانتقال الفيروسي يمكن أن يحدث بشكل تفضيلي بين المضيفين الذين يتشاركون أيًا من هذه السمات.[5]

سيتأثر توازن الشجرة بالانتقاء، وعلى الأخص الهروب المناعي

يُمثل تأثير الانتقاء الاتجاهي على شكل السلالة الفيروسية من خلال التباين بين أشجار بروتينات سطح فيروس الأنفلونزا وفيروس نقص المناعة البشرية. يحمل بروتين الهيماغلوتينين الذي يشبه السلم لفيروس الأنفلونزا A / H3N2 السمات المميزة للانتقاء الاتجاهي القوي، مدفوعًا بالهروب المناعي (شجرة غير متوازنة). في المقابل، قد يحدث تطور نسبي أكثر توازنًا عندما لا يخضع الفيروس لانتقاء مناعي قوي أو مصدر آخر للاختيار الاتجاهي. مثال ذلك هو سلالة بروتين غلاف فيروس نقص المناعة البشرية الناتجة عن التسلسلات المعزولة من أفراد مختلفين في مجموعة سكانية واحدة (شجرة متوازنة). تشبه سلالات بروتين غلاف HIVf من مضيف مصاب بالعدوى المزمنة سلالة بروتين الإنفلونزا التي تشبه السلم. يسلط هذا الضوء على أن العمليات التي تؤثر على التباين الجيني الفيروسي يمكن أن تختلف عبر المقاييس. في الواقع، كانت الأنماط المتناقضة للتنوع الجيني الفيروسي داخل وبين المضيفين موضوعًا هامًا في مجال البحث الديناميكي منذ البداية.

على الرغم من أن هذه السمات الثلاثة للتطور الوراثي هي قواعد مفيدة لتحديد العمليات الوبائية والمناعية والتطورية التي قد تؤثر على التباين الوراثي الفيروسي، لكن هناك اعتراف متزايد بأن رسم الخرائط بين العملية ونمط النشوء والتطور قد يكون أمرًا غير قابل للمقارنة. فمثلًا، على الرغم من أن الأشجار التي تشبه السلم يمكن أن تعكس وجود اختيار اتجاهي، لكن يمكن أن تعكس هذه الأشجار أيضًا اختناقات وراثية متسلسلة قد تحدث مع الانتشار المكاني السريع، مثل حالة فيروس داء الكلب. بسبب هذا التعيين متعدد الأطراف بين العملية ونمط النشوء والتطور، سعى البحث في مجال الديناميكا الفيروسية إلى تطوير وتطبيق طرق كمية لاستنتاج العملية بشكل فعال من السلالات الفيروسية المعاد بناؤها (انظر الطرق). قد يساعد النظر في مصادر البيانات الأخرى (مثل أنماط الحدوث) في التمييز بين الفرضيات الديناميكية المتنافسة. ما يزال الجمع بين مصادر البيانات المتباينة من أجل التحليل الديناميكي يمثل تحديًا كبيرًا في هذا المجال وهو مجال بحث نشط.

التطبيقات

عدل

أصل الفيروسات

عدل

قد تساعد النماذج الديناميكية في تأريخ الأصول الوبائية والجائحية. يسمح المعدل السريع للتطور في الفيروسات بتقدير نماذج الساعة الجزيئية من التسلسل الجيني، وبالتالي توفير معدل سنوي لتطور الفيروس. مع معدل التطور المقاس بوحدات زمنية حقيقية، من الممكن استنتاج تاريخ أحدث سلف مشترك (MRCA) لمجموعة من المتواليات الفيروسية. عمر أحدث سلف مشترك لهذه الفيروسات المعزولة هو الحد الأدنى، إذ يجب أن يكون السلف المشترك لمجموعة الفيروسات بأكملها موجودًا قبل أحدث سلف مشترك لعينة الفيروس. في أبريل 2009، اقترح التحليل الجيني لـ 11 سلسلة من إنفلونزا الخنازير H1N1 أن السلف المشترك كان موجودًا في أو قبل 12 يناير 2009.[6] ساعدت هذه النتيجة في عمل تقدير مبكر لعدد التكاثر الأساسي للجائحة. وبالمثل، يمكن استخدام التحليل الجيني للتسلسلات المعزولة من داخل الفرد لتحديد وقت إصابة الفرد.[7]

المراجع

عدل
  1. ^ ا ب Grenfell BT، Pybus OG، Gog JR، Wood JL، Daly JM، Mumford JA، Holmes EC (يناير 2004). "Unifying the epidemiological and evolutionary dynamics of pathogens". Science. ج. 303 ع. 5656: 327–32. Bibcode:2004Sci...303..327G. DOI:10.1126/science.1090727. PMID:14726583. S2CID:4017704.
  2. ^ Volz EM، Kosakovsky Pond SL، Ward MJ، Leigh Brown AJ، Frost SD (ديسمبر 2009). "Phylodynamics of infectious disease epidemics". Genetics. ج. 183 ع. 4: 1421–30. DOI:10.1534/genetics.109.106021. PMC:2787429. PMID:19797047.
  3. ^ ا ب Bedford T، Cobey S، Beerli P، Pascual M (مايو 2010). Ferguson NM (المحرر). "Global migration dynamics underlie evolution and persistence of human influenza A (H3N2)". PLOS Pathogens. ج. 6 ع. 5: e1000918. DOI:10.1371/journal.ppat.1000918. PMC:2877742. PMID:20523898.
  4. ^ Gray RR، Salemi M، Klenerman P، Pybus OG (2012). Rall GF (المحرر). "A new evolutionary model for hepatitis C virus chronic infection". PLOS Pathogens. ج. 8 ع. 5: e1002656. DOI:10.1371/journal.ppat.1002656. PMC:3342959. PMID:22570609.
  5. ^ Kouyos RD، von Wyl V، Yerly S، Böni J، Taffé P، Shah C، Bürgisser P، Klimkait T، Weber R، Hirschel B، Cavassini M، Furrer H، Battegay M، Vernazza PL، Bernasconi E، Rickenbach M، Ledergerber B، Bonhoeffer S، Günthard HF (مايو 2010). "Molecular epidemiology reveals long-term changes in HIV type 1 subtype B transmission in Switzerland". The Journal of Infectious Diseases. ج. 201 ع. 10: 1488–97. DOI:10.1086/651951. hdl:20.500.11850/28348. PMID:20384495.
  6. ^ Fraser C، Donnelly CA، Cauchemez S، Hanage WP، Van Kerkhove MD، Hollingsworth TD، Griffin J، Baggaley RF، Jenkins HE، Lyons EJ، Jombart T، Hinsley WR، Grassly NC، Balloux F، Ghani AC، Ferguson NM، Rambaut A، Pybus OG، Lopez-Gatell H، Alpuche-Aranda CM، Chapela IB، Zavala EP، Guevara DM، Checchi F، Garcia E، Hugonnet S، Roth C (يونيو 2009). "Pandemic potential of a strain of influenza A (H1N1): early findings". Science. ج. 324 ع. 5934: 1557–61. Bibcode:2009Sci...324.1557F. DOI:10.1126/science.1176062. PMC:3735127. PMID:19433588.
  7. ^ Lemey P، Rambaut A، Pybus OG (2006). "HIV evolutionary dynamics within and among hosts". AIDS Reviews. ج. 8 ع. 3: 125–40. PMID:17078483.