العبودية لدى الإغريق


الرق أو «العبودية» هو ذلك التقليد الذي كان شائعاً وجزءاً لايتجزأ من بلاد الإغريق«اليونان القديمة» وذلك على مر تاريخها الثري بالأحداث. وهذا كان حال بعض المجتمعات الأخرى في ذلك الوقت مثل فلسطين القديمة والمجتمعات المسيحية المبكرة [1][2][3] وتشير التقديرات إلى أن كل مواطن في أثينا كان يمتلك على الأقل عبداً واحداً. كان الرق عنصرا أساسيا في تنمية بلاد الإغريق القديمة طوال تاريخها. لم يعتبر أغلب الكتاب القدماء الرق ليس ضروريا فحسب بل طبيعيا؛ ولم يشكك الرواقيون ولا المسيحيون الاوائل بالعبودية. لكن بدأت بعض النقاشات المتفرقة تظهر ولا سيما في حوارات سقراط منذ القرن الرابع قبل الميلاد.

استخدم الرقيق كثيرا في الزراعة

تطرح دراسة الرق في اليونان القديمة عددا من المشاكل البحثية. فما دون عنها مفكك وجزئي، مع التركيز على مدينة أثينا. وكانت المرافعات القضائية للقرن الرابع قبل الميلاد مهتمة فقط بالرق كمصدر للدخل. ولم تفرق التماثيل كثيرا بين المستعبد والحرفي، بل المصطلحات غامضة في كثير من الأحيان.

شاهد قبر منيساريتي؛ خادمة صغيرة (إلى اليسار) تقف أمام سيدتها الميتة.[4] أتيكا، حوالي 380 ق.م. (متحف جليبتوتيك، ميونخ، ألمانيا)

لقد اعتبر معظم الكتاب القدامى أن العبودية لم تكن ظاهرة طبيعية فحسب، بل ضرورة كذلك إلى أن ظهرت بعض الجدالات التي كانت محجوبة وراء الجدران، ولاسيما الحوارات السقراطية عندما شن بعض الرواقيون أول هجوم يذكر على العبودية.[3] ووفقاً للدراسات التأريخية الحديثة، لن تتناول تلك المقالة سوى العبيد بوصفهم حيازة شخصية، على عكس تلك المجموعات التابعة من العبيد مثل البينستاى ين والثيساليين والهالوتيون المتقشفون الذين كانوا أكثر شبهًا بالعبيد في العصور الوسطى والتي كانت مهمتهم تقتصر على حمايه العقارات. والعبد ذي الحيازة الشخصية هو ذلك الشخص (امرأة أو رجل) الذي سلبت حريته وأجبر على الخضوع لمالكة الذي ربما يشتريه أو يبيعه أو ربما يؤجره مثل أي عبد آخر. وفي الواقع ستطرح دراسة الرق في بلاد الإغريق عددا من المشاكل المنهجيبة الكبيرة، فمع حصر التركيز على مدينة أثيا، سيبدو التوثيق غير متجانس ومفككا للغاية. فلم تكن هناك أدلة دقيقة عن هذا الموضوع، فجميع المرافعات القضائية التي ظهرت في القرن الرابع قبل الميلاد بخصوص الرق لم تكن سوى هدفًاً من أجل الربح، كما قدمت الأعمال الدرامية مثل الكوميديا والتراجيديا العديد من الصور النمطية للعبيد، إلى جانب فن الأيقنة الذي لم يقدم أي تمييز جوهري بين العبيد والحرفيين.

المصطلح

عدل
 
سيد (إلى اليمين) وعبد (إلى اليسار) في رسم أحمر على كأس صقلي، 350 ق.م. متحف اللوفر في باريس

أشار اليونانيون القدماءإلى العبيد بأكثر من كلمة، ومن ثم ينبغي وضع كل منها في سياقها منعا لأي لبس. أشار كل من هوميروس وهيسيود وثيوجنيس ميغارا إلى العبيد بكلمة δμώς / dmôs. ولهذا المصطلح معنى عام، ولكنه يستخدم على الأخص للإشارة إلى سجناء الحرب الذين أخذوا غنيمة، أو بعبارة أخرى، صاروا من المملوكين.

وفي الفترة الكلاسيكية، استخدم اليونانيون بكثرة مصطلح ἀνδράποδον /andrápodon ، والذي يعني حرفيًا:«من له قدما رجل»، وذلك في مقابل τετράποδον /tetrapodon، «ذوات الأربع» أو الثروة الحيوانية. والكلمة الأكثر شيوعا هي δοῦλος / doûlos، وقد ظهرت صيغة مبكرة منها في نقوش ميسينية على شكل do-e-ro، وذلك في مقابل (ἐλεύθερος / eleútheros) أي «رجل حر». ويمكن أن يستخدم الفعل δουλεὐω ، وهو لا يزال موجودا في اليونانية الحديثة بمعنى: يعمل، مجازيًا للتعبير عن صور أخرى من السيادة، مثل سيادة مدينة على أخرى، أو سيادة الوالد على طفله. وأخيرا، استخدم مصطلح οἰκέτης / oikétês بمعنى «الذي يعيش في منزل»، للإشارة إلى خدم المنازل.

وقد استُخدمت مصطلحات أخرى أعم لا تفهم إلا في سياقها مثل:

- θεράπων / therápôn- وكانت تعني «مرافق» في زمن هوميروس. (فقيل عن باتروكلاس أنه therapôn أخيل، وعن مريونس أنه therapôn ايدومينيوس)؛ كما استخدمت في العصر الكلاسيكي بمعنى:«خادم».

- ἀκόλουθος / akólouthos- وهي تعني حرفيًا «التابع» أو «الذي يصاحب». واستخدمت صيغة التصغير منها ἀκολουθίσκος للإشارة إلى صبيان الخدم.

- παῖς / pais- وتعني حرفيًا «الطفل»، وقد استُخدمت بمعنى «خادم المنزل الصبي»، كما استُخدمت بوصفها صيغة إهانة للإشارة إلى البالغين من الخدم.

- σῶμα / sôma- ومعناها الحرفي «الجسد»، وكانت تستخدم في سياق الحديث عن العتق أو التحرير

نشأة العبودية

عدل

نشأت العبودية كانت نشأة العبودية في أول الأمر في الحضارة المسينية، حيث تؤكد اللوحات الموجودة في مدينة بيلوس على وجود 140عبد (باليونانية: do-e-ro)، ويمكننا التمييزبين فئتين: العبيد العوام وعبيد الآلة (te-o-jo do-e-ro/θεοιο) والإلة المشار إليه هنا هو الإلة بوسيدون والشائع أن عبيد الإلة كانوا ينادون بأسمائهم ويتملكون أراضيهم وموقفهم القانوني أقرب مايكون إلى الأحرار. وعلى الرغم من ذلك، فإن طبيعة وأصل علاقتهم بالإلة ليست واضحة حتى الآن.[5] أما أسماء هؤلاء العبيد العوام، الذين ربما استعبدتهم القرصنة، تبين أن بعضهم قد أتى من كيثيريا، وخيوس، وليمنوس، وهاليكارناسوس. وتوضح اللوحات أيضاً أن الوحدة بين العبيد والأحرار كانت شائعة؛ فالعبيد كانوا يستطيعون أن يتملكوا أراضيهم وأن يصبحوا حرفيين مستقلين. ومن هذا المنطلق، يتضح أن التمييز لم يكن بين العبيد والأحرار، وإنما بين المقربون إلى القصر وغير المقربون.[6]

لم يعقب عصر هوميروس العصر السيمينى مباشرة، فقد فصلت بينهم الهياكل الاجتماعية التي تعكس عصورالظلام في بلادالإغريق؛ فالعبد لم يعد يطلق عليه do-e-ro (doulos) وإنما [7] dmôs، ففي إلياذة هوميروس، كان غالبية العبيد من النساء الذين تم أسرهم باعتبارهم غنيمة حرب[8]، على عكس هؤلاء الرجال الذين كانوا يدفعون الفدية [9] أو يقتلون في المعركة كما أنه في الأوديسية لهوميروس تبين أن العبيد معظمهم كان من النساء [10] الخدم وأحيانا من الجواري، إلى جانب بعض العبيد الذكور، أشهرهم «يومانيوس» راعي الخنازير. وماكان يميز العبد في ذلك الوقت هو كونه جزءًا لا يتجزأ من أهل البيت، (باليونانية: Oikos) فكان ليرتس يأكل ويشرب مع الخدم وفي الشتاء كان ينام في صحبتهم.

لم تكن كلمة «عبد» مصطلحًا تحقيرياً؛ فقد ذكرت ليومانيوس راعى الخنازير ألقابٌ عديدة في كتابات هوميروس مثله مثل الأبطال الإغريق. وعلى الرغم من كل هذا، ظلت العبودية عاراً، بل أن يومايوس نفسه أعلن أن زيوس -بالصوت المنقول بعيد – سلب نصف فضائل البشر عندما جاء الددور علية في يوم العبودية.وفي الحقيقة، من الصعب حساب متى ظهرت تجارة العبيد تحديداً في الفترات العتيقة من عصور الإغريق، فقصيدة «العمل والأيام» (القرن الثامن ق.م)، توضح أن هيزيود كان يمتلك العديد من العبيد اللذين لم يتم التعرف على وضعهم. فقد تم التأكد من وجود العبيد عن طريق الشعراء الغنائين من أمثال أرخيلاوس والشاعر الميغاري ثيوجنس. كما أشارت النقوش الموجودة على الجدران (620 ق.م) –التي ناقشت قانون القتل في دراكو- إلى وجود العبيد. كما ذكر المؤرخ بلوتارخ أن الشاعر سولون (539-549 ق م) منع العبيد من ممارسة الرياضة والشذوذ الجنسي. ومع نهاية تلك الفترة، أصبحت المراجع التي تناولت موضوع بالعبيد أكثر شيوعاً، فقد انتشرت العبودية عندما أرسى سولون أساس الديموقراطية في أثينا، وبالمثل لاحظ الباحث الكلاسيكي موسى فينلي أن مدينة شيوس، التي قال عنها المؤرخ شيوبومبوس أنها «أولى المدن التي ظهرت بها تجارة العبيد»، تمتعت أيضا بالديموقراطية في عهد مبكر (القرن السادس قبل الميلاد)، وقد أنهى كلامه بقولة «إن أحد مظاهر التاريخ الإغريقي هو- باختصار- المزج بين الحرية والعبودية».

الدور الاقتصادي

عدل
 
الزراعة بوصفها استخدامًا شائعًا للرقيق، رسم أسود على جرة للفنان أنتيمنس، المتحف البريطاني

كانت جميع الأنشطة متاحة للرقيق باستثناء السياسية منها. فقد كانت السياسة عند اليونانيين النشاط الوحيد الذي يتطلب أن يكون المرء «مواطنًا»، أما الأنشطة الأخرى فقد كانت متاحة بقدر الإمكان لغير المواطنين. حيث كان المركز هو المهم وليس النشاط ذاته.

كانت الزراعة، قاعدة الاقتصاد اليوناني، هي مجال الاستخدام الرئيسي للرقيق. وربما امتلك بعض صغار ملاك الأراضي عبدًا واحدًا أوحتى عبدين. ويدل ادب التعليمات الوفير الموجّه لملاك الأراضي (مثل كتاب «الاقتصاد» لزنوفون، أو ذلك المنسوب خطأ إلى أرسطو) على وجود عشرات العبيد في المزارع الأوسع حجمًا؛ فكانوا إما عمالًا أو رؤساء عمال. وقد اختُلف حول المدى الذي وصل إليه استخدام الرقيق بوصفهم قوة عاملة في الزراعة. ومن المؤكد أن الرق الريفي كان شائعًا جدًا في أثينا، وأن اليونان القديمة لم تكن تعرف التعداد الضخم للعبيد الذي عرفه الإقطاع الروماني.

انتشر عمل العبيد في المناجم والمحاجر، حيث عمل فيها أعداد كبيرة من العبيد، من الذين استأجرهم المواطنين الاثرياء في الغالب. استأجر الستراتيجوس نيشياس ألفًا من العبيد للعمل في مناجم الفضة بلوريوم في أتيكا، واستأجر هيبونيكاس 600 عبدًا، وفيلونيديس 300 عبدًا.وقد أشار زنوفون إلى أنهم كانوا يتلقون أوبلة واحدة مقابل كل عبد في اليوم، مما يصل إلى 60 درخامة في السنة. لقد كان ذلك أحد أعلى الاستثمارات ربحًا بالنسبة للأثينيين. وقد قُدّر عدد العبيد العاملين في مناجم لاريوم أو في مصانع تجهيز الخام بحوالي 30 ألفًا. وقد اقترح زنوفون أن تشتري المدينة عددًا أكبر من العبيد، بما يصل إلى ثلاثة عبيد لكل مواطن، وذلك لضمان إعالة جميع المواطنين.

استُخدم العبيد كذلك للقيام بمهنة الحرفيين والتجار. وكما كان الحال في الزراعة، فقد عُني الرقيق بالقيام بالوظائف التي تفوق قدرات الأسرة. واستُخدم العدد الأكبر من العبيد في ورش العمل؛ فعمل 120 من الرقيق في مصنع الدروع الخاص بليسياس، وامتلك والد ديموسثينيس 32 صانع سكاكين و20 صانع أسِرّة.

عمل العبيد في المنازل كذلك. وكان الدور الرئيسي للعبد في المنزل هو النيابة عن سيده في تجارته، ومصاحبته في الرحلات. أما في وقت الحرب، فكان العبد يتحول إلى جندي مراسلة لجنود المشاة. أما الإناث من الرقيق، فكانت وظيفتهن القيام بالأعمال المنزلية، وبالأخص الخَبز وصناعة المنسوجات[؟]. ولم يخلُ من العبيد إلا منازل أفقر المواطنين.

الديموغرافية

عدل

التعداد

عدل
 
عبد إثيوبي يحاول ترويض حصان، التاريخ مجهول، متحف الآثار الوطني في أثينا

من الصعب تقدير تعداد العبيد في بلاد الإغريق نظراً لعدم وجود تعداد دقيق، وأيضاً بسبب اختلاف التعريفات الخاصة بالعبيد في تلك الحقبة. والمؤكد هو أن مدينة أثينا كان بها أكبر عدد من العبيد: حوالى ثمانين ألفاً في القرن الخامس والسادس قبل الميلاد؛ بحيث يحتوى كل منزل على حوالى ثلاثة أو اربعه عبيد في كل بيت. وفي القرن الخامس ق. م لاحظ المؤرخ ثيوسيديدز فرار 20,890 من العبيد خلال حرب ديسيليا وكان معظمهم من التجار. وكانت أقل الإحصائات عشرون ألفا من العبيد في عهد الحاكم ديموستيني بحيث تمتلك كل أسرة عبداً واحداً، ومابين عامي (317-307) أمر الطاغية دميتريوس فاليروس بإجراء تعداد لمدينة أتيكا وكانت التقديرات كالأتى: واحد وعشرون ألفا مواطن، عشرة ألاف أجنبي، وربعمائة ألفا من العبيد. وقد أشار الخطيب هايبيريدس في خطبتة المعروفة باسم «ضد اريستوجيتن» إلى ان المجهود الذي بذل في حشد مائة وخمسون ألفاً من العبيد الذكور في سن الخدمة العسكرية أدت إلى هزيمة الإغريق في معركة شارونيا (338 ق م) وذلك بسبب تطابق أعدادهم بأعداد عبيد الفنان Ctesicles.

وقد إتضح في الأعمال الأدبية أن كل مواطن حر في أثينا كان يمتلك عبداً واحداً، فقد صور اريستوفانوس في مسرحيتة «بلوتوس» الفلاحين الفقراء الذين كانوا يمتلكون أكثر من عبد، كما ذكر أرسطو في تعريف «البيت» بأنة ذلك الكيان المكون من الأحرار والعبيد. وكانت إحدى سمات الفقر هو عدم امتلاك المواطن لعبداً واحداً. ففى إحدى خطب ليسياس المعروفة باسم (إلى غير الصالحين) ظهر رجلُ معوقُ متوسلاً بأن يعطية معاشاً قائلاً «دخلي صغير جدا وأنا الآن مطلوب أن أفعل تلك الأشياء بنفسي وليس لدي حتى وسيلة لشراء عبداً يقوم بعمل تلك الأشياء إلي».

وعلى الرغم من هذا فإن التعداد الضخم للعبيد الرومان[؟] لم يكن معروفاً في بلاد الإغريق، فعندما ذكر اثينياس حال مناسون، صديق أرسطو الذي كان يمتلك الاف من العبيد، كانت تلك حالة استثنائية. فقد وصف افلاطون، الذي كان يمتلك خمسة عبيد حتى وفاتة، الفئة الثرية بأنهم كانوا يمتلكون خمسون عبداً. وبينت الإحصاءات النسبية التي اجراها ثيوسيديدز أن أكثر تعداد للعبيد كان في جزيرة شيوس.

مصادر الإمداد

عدل

توفرت أربعة مصادر رئيسية للعبيد: أولها الحرب. فالمغلوب يصير عبدًا للمنتصر إلا إذا تم التوصل إلى اتفاق أكثر موضوعية؛ أما المصادر الأخرى فهي القرصنة؛ وقطع الطريق، والتجارة الدولية.

الحرب

عدل

امتلك المنتصر حقوقًا مطلقة على المهزوم وفقًا لقواعد الحرب آنذاك، سواءً كان جنديًا أو لم يكن. وبالرغم من أن الاسترقاق لم يكن ممنهجًا، فقد كان يعد ممارسة شائعة. ذكر ثيوسيديدز ان نيشياس أخذ 7000 من سكان هيكارا بصقلية أسرى، وبيعوا مقابل 120 وزنة في قرية كاتانيا المجاورة. وبالمثل، تحول جميع سكان أولنثوس إلى رقيق عام 348 ق.م. كما حوّل الاسكندر الأكبر سكان طيبة إلى عبيد في 335 ق.م. وقد فعلت الرابطة الآخية الشيء نفسه مع سكان مانتينيا.

تجارة الرقيق

عدل

كانت هناك تجارة للرقيق بين الممالك والدول واسعة النطاق، حيث توضح القائمة المجزأة- التي صودرت من ممتلكات مشوهى تماثيل الهيرما الشهيرة- أن 32 عبداً تم التأكد من أصولهم: 13 من تراقيا، 7 من كاريا، والأخرون من كابودوكيا، كاريا[؟]، سكيثيا، فريجيا، ليديا، سوريا، إيليريا، المقدون، بيلوبونيز.

وفي الواقع إتبع الإغريق نفس طريقة الأفارقة في تجارة الرقيق؛ فقد باع المهنيين المحليين شعوبهم لتجار الرقيق الإغريق، ومن الواضح أن المراكز الرئيسية لتلك التجارة كانفى مدينة أفسس، بيزنطة، وربما أبعد من ذلك عند مصب نهر دون الذي كان يعرف باسم «تنايس» في ذلك الوقت. لقد كان بعض العبيد «البرابرة» ضحايا حرب أو القرصنة المحلية، أما الأخرون فقد باعهم آبائهم. وفي الحقيقة لاتوجد هناك أدلة مباشرة على أماكن الإتجار بالرقيق، وإنما وجدت بعضاً من الأدلة الداعمة؛ أولاً: ذكرت بعض الجنسيات المعينة بصورة دائمة وبشكل كبير أثناء تعداد العبيد، مثل فيلق الرماة من مدينة سكيثيا والذين وظفتهم آثينا كقوات للشرطة ؛ في باديء الأمر كان عددهم 30 وفي النهاية وصل عددهم إلى مايقرب الألف. ثانيا: إن أسماء العبيد التي ذكرت في الأعمال الادبية الكوميدية كان لها مدلول جغرفي؛ فشخصية «ثراتا» المذكورة في أعمال أريستوفانيس الدرامية من امثال «الدبابير»، «أكارنياس»، و«السلام» ماهى إلا مرآة للمرأة في تراقيا. وأخيراً: كانت جنسية العبد معياراً هاماً لدى المشتريين؛ فقد كانت هناك نصيحة منتشرة بينهم بألا يضعوا عدد كبير من العبيد من نفس الجنسية في مكان واحد وذلك تجنباً لحدوث أية تمرد، ومن المحتمل أيضاً – كما عند الرومانيين- أن بعض الجنسيات كانت أكثر إنتاجاً للعبيد عن غيرها.

أما بخصوص الأسعار، فقد اختلفت أسعار العبيد على حسب قدرات كل عبد؛ كان زينوفون يعطى عامل منجم من (....) 150 دراخماس، بينما كان يعطى دراخماس واحد فقط للعامل الذي يقوم بالأعمال الشاقة وهذا بالطبع لايقارن بالمبلغ الذي كان يعطى لصانعى سكاكين والد الخطيب ديموستيني والذي كان يصل إلى 600 دراخماس لكل فرد. لقد كان سعر العبد أيضا ميسسينج سينتنس لقد فرضت المدن التي تبيع الرقيق الضرائب على عائدات البيع، فعلى سبيل المثال تم تنظيم سوق كبير للرقيق خلال الاحتفالات في معبد أبوللو[؟] في مدينة أكتيوم، وقام اتحاد مدينة اكرانانيا- المسئول عن النقل والإمداد، بتلقى نصف عائدات الضرائب، وقد ذهب النصف الآخر إلى مدينة أناكتوريون التي تعتبر أكتيوم جزءاً منها. وقد تمتع المشتروون بالضمانات ضد أيه عيوب كامنة؛ فالمشترى يمكنه إفساد الصفقة إذا اكتشف أن العبد الذي اشتراه مصاباً بالشلل دون تحذيره من ذلك

النمو الطبيعي

عدل
 
شاهد قبر يمثل طفلين مع مربيهم، ماتوا في زلزال، نيقوميديا، القرن الأول قبل الميلاد، متحف اللوفر

وضع الرقيق

عدل

تعددت درجات الاسترقاق عند الإغريق، فكانت هناك فئات كثيرة بدءًا من المواطن الحر وانتهاءً بالرقيق المملوك، مرورا بالبنستاي أو الهلوت، والمواطنين المحرومين من حقوقهم، والمُعتقون، والاوباش، والمقيمون الأجانب (المتيك). ويربط بين هؤلاء جميعًا أنهم محرومون من الحقوق المدنية. وقد قدّم موسى فينلي مجموعة من المعايير لقياس درجات الاسترقاق المختلفة:

  • الحق في الملكية الخاصة
  • السلطة على عمل شخص آخر
  • سلطة عقاب شخص آخر
  • الحقوق والواجبات القانونية (العرضة للاعتقال و/أو العقوبة التعسفية أو المقاضاة)
  • الحقوق والامتيازات العائلية (الزواج والميراث... إلخ)
  • إمكانية الحراك الاجتماعي (العتق أو التحرير، والحصول على حقوق المواطن)
  • الحقوق والواجبات الدينية
  • الحقوق والاتزامات العسكرية (الخدمة في الجيش كموظف، أو كجندي ثقيل أو خفيف، أو كبحار)

رقيق أثينا

عدل

كان رقيق أثينا ملكًا لسيدهم (أو للدولة)، يتصرف فيهم حسبما يراه مناسبًا. فيمكنه أن يعطيهم لغيره، أو يبيعهم، أو يؤجرهم، أو يورثهم. ويمكن للرقيق أن يتخذ زوجة/زوجًا وأبناء، ولكن الدولة لا تعترف بالاسرة المملوكة، ويحق للسيد تفريقهم في أي وقت شاء. وقد امتلك الرقيق حقوقًا قضائية أدنى من حقوق المواطنين، وكان السيد يمثلهم في جميع الإجراءات القضائية. ولو أن العبد ارتكب جنحة أدت إلى تغريم الحر، فإنه يجلد مقابل ذلك. ويبدو أن النسبة كانت سوطًا واحدًا لكل درخامة. كما أن شهادة الرقيق لم تكن مقبولة إلا إذا كانت تحت وطأة التعذيب، فيما عدا استثناءات قليلة. حيث كان العبيد يعذبون في المحاكمات لأن ولاءهم غالبًا ما يظل لأسيادهم.ومن أمثلة وفاء العبيد القصة الشهيرة لثيميستوكل ومملوكه الإيراني سيكينس (والذي كان النقيض من إفيالتس تراخيس)، حيث خان زيركسيز على الرغم من أصله الإيراني ، واعان الأثينيين في معركة سلاميس. ولكن على الرغم من تعذيبهم في المحاكمات، فقد تمتع رقيق أثينا بحماية غير مباشرة: فلو أن العبد تعرض لمعاملة سيئة، فإنه يحق لسيده الشروع في دعوى قضائية بخصوص الخسائر والفوائد (δίκη βλάβης / dikê blabês). وبالمثل، يحق لأي مواطن محاكمة السيد الذي يسيء معاملة مملوكه (γραφὴ ὕβρεως / graphê hybreôs). إن هذه القوانين لم تسن مراعاة للرقيق، وإنما تجنبا للعنف الزائد (ὕβρις / hubris). ادّعى إيسقراط أن «أقل الرقيق قيمة لم يكن ليُعدم دون محاكمة». فلم تكن سلطة السيد على عبده مطلقة. وقد نص قانون دراكو على أن عقوبة قاتل الرقيق الإعدام؛ حيث كان المبدأ الذي ينطلق منه هو «هل انتشار هذه الجريمة أكثر يمكن أن يؤدي إلى أضرار خطيرة على المجتمع؟» إن الدعوى المرفوعة ضد قاتل الرقيق لم تكن دعوى تعويض عن خسائر، مثلما يكون الحال مع قاتل الماشية، بل δίκη φονική (dikê phonikê)، والتي يُعاقب عليها لانتهاكها الدين عن طريق سفك الدماء. أما في القرن الرابع قبل الميلاد، فقد كانت محكمة البلاديون هي المسئولة عن محاكمة المتهم في هذه الحالة، وهي المحكمة المختصة بجرائم القتل الخطأ. ويبدو أن العقوبة المفروضة كانت أعلى من الغرامة وأدنى من الإعدام-فلعلها كانت النفي، مثلما كانت عقوبة قتل المتيك. ولكن على الرغم من كل ذلك، فقد انتمى الرقيق انتماءً حقيقيًا إلى أسرة سيدهم. وجرت العادة باستقبال العبد الجديد بتقديم المكسرات والفواكه، مثلما هي العادة في استقبال العروس الجديدة بالضبط. كما شارك الرقيق في معظم الطقوس المدنية والاسرية، بل إنهم كانوا يُدعَون صراحة إلى مأدبة الإراقة (Choes)، في اليوم الثاني من عيد أنثستريا، كما سُمح لهم بالشروع في الطقس السري الإليوسيني. وكان بمقدور الرقيق طلب اللجوء إلى معبد أو مذبح، كما يفعل الأحرار تمامًا. وقد اشترك الرقيق في عبادة آلهة أسيادهم، وإن سُمح لهم بالإبقاء على أعرافهم الدينية الخاصة إن وجدت. لم يُكفل للرقيق حق الملكية، ولكن أسيادهم عادة ما كانوا يسمحون لهم بالإدخار حتى يتمكنوا من شراء حريتهم. ولا تزال هناك سجلات باقية حتى اليوم تسجل قيام رقيق بأعمال تجارية بأنفسهم، ولم يكن عليهم أن يدفعوا سوى ضريبة ثابتة لأسيادهم. بالإضافة إلى ذلك، فقد كان في أثينا قانون يجرّم ضرب الرقيق: فلو أن امرءًا ضرب من يبدو له عبدًا في أثينا، قد يفاجأ بأنه ليس سوى مواطن مثله، حيث أن كثيرًا من هؤلاء لم يكن يرتدي ملابس أفضل حالًا من الرقيق. كما درج أهل اثينا على تقبل الردود الفجة من الرقيق بشكل أثار دهشة بقية سكان اليونان. وقد حارب رقيق أثينا جنبًا إلى جنب مع أحرارها في معركة ماراثون، وهو ما تخلد ذكراه الآثار. كما صدر مرسوم رسمي قبل معركة سلاميس ينص على وجوب أن «ينقذ المواطنون أنفسهم، ونساءهم، وأطفالهم، ورقيقهم». فُرضت على الرقيق قيود والتزامات جنسية استثنائية، فعلى سبيل المثال، لم يُسمح للعبد بأن تكون له علاقة شاذة مع صبيان الأحرار («لا يسمح للرقيق أن يكون عاشقا لصبي حر، ولا أن يتتبعه، وإلا عوقب بخمسين جلدة علنية»). كما حُرم العبيد من دخول معهد المصارعة («لا يُسمح للرقيق بممارسة الرياضة أو التدهن بالزيت في معاهد المصارعة»). ويُنسب القانونان السابقان لسولون. وقد وفّر الآباء المعنيون بحماية صبيانهم من أية ممارسات غير مرغوب فيها حارسًا لهم من الرقيق، وسُمّي «المُربي» ليرافق الصبي في أسفاره. وقد جرت العادة باسترقاق أبناء الأعداء المغلوبين، وكثيرًا ما كانوا يُضطرون إلى العمل في بيوت الدعارة الذكورية، كما كان الحال مع فيدون الإليسي، والذي اشتراه أصدقاء سقراط الأثرياء وأعتقوه من ذلك المكان بناء على طلب الفيلسوف. ونص القانون على تجريم اغتصاب الرقيق، مثلما هو الحال مع المواطنين تمامًا.

رقيق جورتين

عدل
 
جزء من قانون جورتين، في جورتين بجزيرة كريت

أما في جورتين بجزيرة كريت، فقد دل قانون منقوش على حجر يعود تاريخه إلى القرن السادس قبل الميلاد على معاناة الرقيق (doulos أو oikeus) من التبعية الشديدة. حيث كان ابناؤهم ملكًا للسيد، والذي كان مسئولًا عن جميع إساءاتهم، وكان بالمثل يتلقى تعويضات عن أي جرائم يرتكبها آخرون في حق رقيقه.كما ضاعف قانون جورتين، والذي كانت معظم العقوبات فيه مالية، الغرامة على الرقيق لارتكاب جنحة أو جناية، وبالمثل، كلّفت الجريمة المُرتكبة في حق رقيق أقل بكثير من تلك المُرتكبة في حق حر. على سبيل المثال، بلغت عقوبة اغتصاب عبد لحرة غرامة مائتي استاتر (ربعمائة درخامة)، في حين لم تزِد عقوبة اغتصاب عبد لأَمة غير عذراء على غرامة أبولة واحدة (سُدس درخامة). وعلى الرغم من ذلك، فقد تمتع الرقيق بحق ملكية المنازل والمواشي وتوريثها إلى ذرياتهم، وكذلك الملابس والأثاث المنزلي. واعترف القانون بأسرة الرقيق، فلهم الحق في الزواج، والطلاق، وكتابة الوصية، والميراث، مثل الأحرار تمامًا.

حالة خاصة: رق الدَين

عدل

قبل أن يحظر سولون رق الدَّين، اعتاد الأثينيون أن يُستعبد صاحب الدين غير القادر على دفعه، بحيث يصير رقيقًا عند الدائن.[11] وقد اختلف المؤخون المُحدثون في طبيعة هذه التبعية، أهي استعباد حقيقي أم صورة أخرى من صور الأسرْ؟ والمعنيون بهذه المسألة في المقام الأول هم الفلاحون المعروفون باسم الإكتيموري (أصحاب السُدس)[12]، والذين كانوا يعملون في أراضٍ مؤجرة يملكها أثرياء المُلاك، ولا يملكون ما يدفعون به الإيجار. وفي هذه الحالة، يتحرر الرقيق عند سدادهم الديون الأصلية. وقد تطور هذا النظام في منطقة الشرق الأدنى بإدخال بدائل أخرى، كما أنه ذُكر في الكتاب المقدس.[13] ولكن سولون وضع حدًا لهذا النوع من الاسترقاق عن طريق قانون سيسكثيا (σεισάχθεια / seisachtheia) أي «رفع الأعباء»، والذي حال دون أن يطالب الدائن بشخص المدين، وجرّم بيع أحرار أثينا، بما في ذلك بيعهم لأنفسهم. وقد استشهد سقراط في كتابه «الدستور الأثيني» بإحدى قصائد سولون، والتي يقول فيهها:

كم من رجل باعته خديعةُ مكرٍ أو قانون

أُبعِد عن أرض الله فأصبح عبدًا منبوذًا
ثم رددته إلى أثينا
كم من منفيَّ أبعده الدَّين عن الأوطان
لا يتكلم إلا بلسان أثينا
لكن صال وجال البلدان
فرددته إلى أثينا
وكم من رجل سام الذل وهان
ثم لدى سيده الساخط أحنى الجبين
فوهبته الحرية[14]

وبالرغم من ان مفردات سولون في الحديث عن الامر هي المفردات «التقليدية» للحديث عن الاسترقاق، إلا أن رق الدَّين كان مختلفًا عن الرق العادي، فعلى الأقل يظل الأثيني أثينيًا، وإن كان معتمدًا على أثيني آخر، كما أنه يظل في موطنه الاصلي.[15] مما يفسر موجة الاستياء ضد رق الدَين التي سرت في القرن السادس قبل الميلاد، فهي لم تكن تطالب بتحرير جميع الرقيق، وإنما اقتصرت على أولئك الذين استُعبدوا بسبب الديون.[16] وكانت هناك حالتان استثنائيتان لم تطلهما إصلاحات سولون: المرأة الغير متزوجة التي فقدت عذريتها، ففي هذه الحالة يحق لوليها أن يبيعها كأمَة،[17] كما أنه يحق لأي مواطن أن «يعرض» (أي يتخلى عن) أي طفل وليد لا يرغب فيه.[18]

العتق

عدل

من المؤكد ان عتق الرقاب كان موجودًا في خيوس[؟] منذ القرن السادس قبل الميلاد. وقد يعود تاريخ العتق إلى مرحلة أبكر من ذلك، حيث أنه كان يتم شفاهة. ومن المؤكد أيضًا أن عتق الرقاب بطريقة غير رسمية كان يحدث في الفترة الكلاسيكية. فلم يكن المواطن يحتاج لأكثر من أن يكون معه شهود يصحبونه ومملوكه إلى تحرير علني، يكون إما في المسرح أو أمام المحكمة العامة. وقد حُظرت هذه الممارسة في أثينا في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وذلك تجنبًا للإخلال بالنظام العام.

وقد أصبح العتق أكثر شيوعًا في القرن الرابع قبل الميلاد، فظهرت نتيجة لذلك بعض النقوش الحجرية، والتي تم استردادها من المزارات مثل دلفي ودودونا. ويعود تاريخ تلك النقوش في المقام الأول إلى القرنين الثاني والأول قبل الميلاد، والقرن الأول الميلادي. وبالإضافة إلى ذلك، أصبح العتق الجماعي ممكنًا؛ ويُعد العتق الجماعي في جزيرة ثاسوس من الامثلة المعروفة على ذلك في القرن الثاني قبل الميلاد. ومن المحتمل أن هذا العتق الجماعي حدث في إحدى فترات الحروب، كمكافأة للعبيد على ولائهم.[19] ولكن الوثائق تتعامل مع العتق في معظم الحالات كفعل تطوعي يقوم به المالك (غالبًا ما يكون المالك الرجل هو المُعتِق، ولكن المالكة كانت تُعتِق ايضًا في الفترة الهلنسية).

وقد وجب على الرقيق في كثير من الأحيان أن يدفع مبلغًا من المال مقابل حريته، بحيث لا يقل هذا المبلغ عن قيمته في السوق. ويمكنه دفع هذا المبلغ من مدخراته، أو من قرض (ἔρανος / eranos) يأخذه من سيده أو أحد أصدقائه أو أحد زبائنه، وقد كان هذا المصدر الأخير هو الذي تلجأ إليه المومسات، وتعد قصة الهِتايرا (المومس) نييرا أحد أشهر الأمثلة على ذلك.[20]

وكثيرًا ما كان العتق ياخذ طابعًا دينيًا، بحيث يُعتبر عملية «بيع» العبد إلى أحد الآلهة، والذي غالبًا ما يكون أبولو[؟] الدلفي،[21] أو بحيث يُنذر العبد بعد تحريره. ويحصل المعبد على جزء من الصفقة النقدية، بالإضافة إلى أنه يضمن العقد. كما يمكن أن ياخذ العتق طابعًا مدنيًا تمامًا، وفي هذه الحالة يلعب القاضي دور الإله.[22]

وتكون حرية الرقيق إما كلية أو جزئية، حسبما يشاء السيد. فالحرية الكلية تحصن الرقيق ضد أي محاولة لاستعباده مرة أخرى، وهو ما قد يحاول فعله ورثة السيد السابق.[23] أما الحرية الجزئية، فيمكن أن تضع على الرقيق بعض الالتزامات تجاه السيد السابق. وقد كان أكثر العقود صرامة هو البارامون، وهو رق مؤقت يحتفظ السيد فيه فعليًا بحقوق مطلقة.[24]

أما في ما يتعلق بالمدينة، فلم تتساوَ حقوق الرقيق المحرر مع حقوق المواطنين بالميلاد. حيث كان مثقلًا بمختلف الالتزامات، كما يظهر في مقترحات أفلاطون في كتابه القوانين:[25] فعليه المثول في بيت سيده السابق ثلاث مرات شهريًا، كما أنه يُمنع من أن يفوق سيدَه ثراءً، وما إلى ذلك. في الواقع، تشابهت منزلة الرقيق المحررين مع منزلة المتيك، وهم الأجانب المقيمون، والذين كانوا أحرارًا ولكنهم لم يتمتعوا بحقوق المواطنين.[26]

رقيق اسبرطة

عدل

استخدم مواطنو اسبرطة الهلوت، وهم مجموعة تابعة تملكها الدولة بشكل جماعي. ولا يُعرف تحديدًا إذا ما كان الاسبرطيون يملكون عبيد متاع كذلك أم لا. وقد ورد ذكر بعض الذين أعتقهم الاسبرطيون، وهو ما كان ممنوعًا في حق الهلوت، أو بيعوا خارج لاكونيا: مثل الشاعر ألْكمان؛[27] وفيلوكسينوس كيثرا، والذي يُشاع عنه أنه استُعبد مع عدد من مواطنيه عندما احتُلت مدينتهم، ثم بيع لأحد الأثينيين؛[28] وطباخ اسبرطي اشتراه ديونيسيوس الأكبر أو اشتراه أحد ملوك بونتوس، ذُكرت الروايتان عند بلوتارخ؛[29] وكذلك الممرضات الاسبارطيات الشهيرات، واللاتي كُنّ محل تقدير حقيقي لدى الآباء في أثينا.[30]

وقد جمعت بعض النصوص ذكر الرقيق مع الهلوت، مما قد يدل على أنهما ليسا نفس الشيء. فذكر أفلاطون في ألقبيادس الأول امتلاك أثرياء اسبرطة «للعبيد والهلوت»،[31] كما تحدث بلوتارخ عن «العبيد والهلوت». وأخيرًا، فوفقًا لما ذكره ثيوسيديدز، نصت الاتفاقية التي أخمدت ثورة الهلوت عام 464 ق.م. على أن أي ميسيني متمرد يُضبط داخل البيلوبونيز «يكون رقيقًا لمن ضبطه»، مما يدل على أن امتلاك عبيد المتاع لم يكن مجرمًا وقتها.

وبناء على ذلك، أجمع معظم المؤرخين على أن اسبرطة عرفت استخدام عبيد المتاع، على الأقل بعد الانتصار على أثينا في 404 ق.م. ولكنهم لم يُستخدموا بأعداد كبيرة، كما أنهم كانوا مقصورين على الطبقات العُليا من المجتمع.[32] وكما كان الحال في المدن الإغريقية الأخرى، كان عبيد المتاع يُشترون من السوق أو يُأسرون في الحروب

أحوال العبيد

عدل

من الصعب تخمين كيف كانت أحوال العبيد في بلاد الإغريق. قال أرسطو أن البرنامج اليومي للعبيد يتلخص في ثلاث كلمات: «العمل، والانضباط، والإطعام.» وقد نصح زينوفون بأن تتم معاملة العبيد تماما مثلما يتم التعامل مع الحيوانات الأليفة، أي نعاقب الغير مطيعين ونكافيء ذوي السلوك الجيد. ولكن أرسطو آثر أن تتم معاملة العبيد مثلما نعامل الأطفال، وألا نستخدم الأوامر فحسب بل النصائح أيضاً، فالعبد يستطيع فهم الأسباب وراء أي شيء إذا ماشرحت له.

وقد زخر الأدب اليوناني بالعديد من مشاهد جلد العبيد؛ كانت هذه وسيلة لإجبارهم على العمل، وكذلك السيطرة على الحصص الغذائية، والملابس، ووقت الراحة. هذا العنف كان يمارسه السيد أو المراقب الذي ربما كان أيضاً أحد العبيد! ففي بداية روايه أريستوفان «الفرسان» (4-5) نلاحظ أثنان من العبيد يشكوان من أن المراقب الجديد «يوجه لهم العديد من الكدمات والجلدات بلا هوادة». وقدإستشهد أرسطو بمشهد نموذجي من الكوميديا اليونانية القديمة:

"كما كان أيضا يرفض العبيد الذين مازالوا يلوذون بالفرار، أو يخدعون أحد، أو يتم جلدهم. فقد كان يتم سحبهم وهم يبكون، حتى يستطيع أحد العبيد المرافقين السخرية من الكدمات على جسده متسائلاً: " يالك من رفيق ضعيف وبائس، ماذا حدث لبدنك ؟ بالتأكيد سقط عليك وابلاً من الجلدات حتى خربت ظهرك ! "

لقد أختلقت أحوال العبيد وفقاً لمكانتهم: فقد عاش عبيد المناجم التابعين للوريون وبورنال (عاهرات بيوت الدعارة) حياة وحشية للغايه. بينما تمتع عامه العبيد العبيد (الحرفين، والتجار، والمصرفيين) بإستقلال نسبي، وأصبح لديهم الحرية في العمل الحر وذلك مقابل رسوم تدفع لأسيادهم تعرف باليونانية باسم: (ἀποφορά / apophora)، ومن خلال هذا العمل الحر يستطيع العبد جمع الأموال اللازمة لشراء حريته وعتقة. ومن وقتها، أصبحت احتمالية التحرر محفز قوى للعبيد في العمل. والحقيقة أنه من الصعب تقدير إلى أي مدى امتد نطاق هذه الحرية!

والجدير بالذكر أن الكتاب القدامى اعتبروا أن العبيد الأغريق تمتعوا «على نحو مميز بسعادة كبيره» وقد استنكر زينوفون الحريات التي تمتع بها هؤلاء العبيد: «أما بالنسبة للعبيد والميتيك الموجودة في أثينا، فقد حصلوا على حريات كبيرة؛ فأنت لا تستطيع ضربهم ، وأذا أردت المرور فإنهم لايفسحون لك الطريق». إلا أن هذا لم يمنع 20,000 من العبيد من الفرار في نهاية الحروب البيلوبونيزية وذلك أثناء تحريض الحامية العسكرية الإسبارطية في أتيكا وديسيليا. وهؤلاء كانوا في الأساس من الحرفيين المهرة المعروفين باليونانية باسم (kheirotekhnai) والذين كانوا من ضمن العبيد الذين كان يتم التعامل معهم بصورة حسنة. وقد أشار عنوان إحدى مسرحيات انتيفانيس (4 ق.م) «صائد الهاربون» (Δραπεταγωγός) إلى أن هروب العبيد كان كان شيئاً مألوفاً.

وعلى العكس لاتوجد اى اثباتات لتمردات واسعه النطاق مماثلة لتمرد سبارتاكوس في روما، فكل ماهناك انة كانت هناك بعض التشتتات النسبية بين العبيد الإغريق والتي من شأنها منعت أي تخطيط كبير من أجل التمرد. لقد كان تمرد العبيد أمراً نادراً، حتى في روما وأمريكا الجنوبية . على الرغم ندرتها، فقد ذاع صيت بعضاً من أعمال التمرد الفردية للعبيد على أسيادهم؛ فقد ذكر قاض في إحدى محاولات عبد قتل سيدة ، وهو صبي لم يتجاوز عمره الثانية عشر بعد !

آراء عن العبودية في اليونان القديمة

عدل

آراء تاريخية

عدل

كانت العبودية موضع سؤال من قبل القليلون من الكتاب؛ فقد رأى هوميروس وكتاب ماقبل الكلاسيكية أن العبودية ليست سوى نتيجة حتمية للحروب. كما قال هيراكليتس ان «الحرب أباً لجميع البشر وملكاً لكل البشر ... الذي يحول البعض عبيد ويطلق سراح البعض الأخر»

خلال الفترة الكلاسيكية، كان المبرر الرئيسي للعبودية مبرراً اقتصادياً ، أما من وجه نظر فلسفية، فقد نشأت فكرة العبودية «الطبيعية» في نفس الوقت؛ لهذا أورد اسخيليوس في ثلاثيته «الفرس» أن «اليونانيون الذين ليس لديهم أباً كانوا يدعونهم العبيد أو التابعين» هذا على عكس الفارسيون[؟] وخاصة «يوريبيدس» الذي أورد في مسرحيتة «هيلين» أن «الجميع عبيد بأستثناء شخص واحد» ألا وهو الملك. وقد أنشأ أبو قراط نظرية حول هذة الفكرة الكامنة في نهاية القرن الخمس قبل الميلاد قائلاً أنه نتيجة للمناخ المعتدل لبلاد الأناضول غلبت على الشعب طابع الهدوء والخضوع. وقد كرر أفلاطون هذا التفسير وتلاة أرسطو في كتابة «السياسة» الذي طور فية مفهوم «العبودية الطبيعية» قائلاً: «الذي يستطيع التفكير بعقلة هو حاكماً بطبيعة الحال وسيداً بطبيعة الحال، أما من يفعل ذلك بجسدة فإنة منقاد وعبد بطبيعة الحال». وعلى عكس الحيوان، «ولكنة لا يمكلك الاجزاء المتداولة على الإطلاق»

وبالتوازى مع تلك الأفكار طور السفسطائيون مفهوم أن جميع البشر- يونانيون أو برباريون- ينتمون إلى عرق واحد ولهذا بعض البشر-على الرغم من أرواحهم الحرة- كانوا عبيد، والعكس صحيح. وتمشياً مع نظريته المعروفة ب«العبودية الطبيعية»، أعترف أرسطو بإمكانية هذة الفكرة وقال أنة لايمكن فرض العبودية إلا إذا كان السيد أفضل من العبد. كما انتهى السفسطائيون إلى أن العبودية ليست مرتبطة بمكانة الفرد وإنما بروحه. ولهذا قال ميناندر: «حتى إن كنت عبداً، كن حراً في التفكير . وقتها لن تكون عبداً مرةً أخرى». وقد تكررت هذة الفكرة من قبل الرواقيون والأبيقوريين، ولكنها لم تكن معارضة لها أكثر من كونها تحقيرا من شأن العبودية.

الإغريقيون لايمكنهم استعياب ان هناك حياه بلا عبيد، فالعبيد متواجدون حتى في «أرض سحابة الوقواق» التي ذكرها أرستوفان في مسرحيتة «الطيور» كما كانوا متواجدون أيضاً في المدن المثالية التي أطلق عليها أفلاطون «القوانين» أو «الجمهورية». كما أن المدن الفاضلة التابعة لفيليس كالسيدوني وهيبيديموس المليتوسي تقوم على التوزيع العادل للممتلكات، أما عبيد العوام كانوا يعملون في الحرف الصناعية والفلاحة. وبالنظر إلى «المدن المعكوسة» فنجدها قد أعطت المراة سلطات وشهدت نهاية الملكية الخاصة، وهذا ظهر في مسرحيات «ليسيستراتا» و«ونساء التجمعات» ولكنها لم تنجح في تصوير العبيد المسئولين عن الأسياد. المجتمعات الوحيدة التي لم يكن بها عبيد هي «العصور الذهبية» التي تم فيها تلبية كافة الإحتياجات، وكانت الأفراد في هذه المجتمعات-كما وصفهم أفلاطون- تحصل على مرادها دون تبذير. وفي روايتة«أمفيتيوانس» كتب تيليكايدز عن العراك الذي كان يحدث بين أرغفة الشعير وأرغفة القمح من أجل الحصول على شرف التهامهم! وعلاوة على ذلك، صور تيليكايدز الأشياء وهي تحرك نفسها، والعجين وهو يعجن نفسة، والإبريق وهو يصب نفسة، وبالتالى مجتمع بلا عبيد هبط إلى الدرجة الثانية في زمن وتوقيت مختلف. ولهذا، في أيه مجتمع«طبيعي» الفرد في حاجة إلى عبيد!

العبودية في عصر الحداثة

عدل

في العصور القديمة من بلاد الإغريق، طالما كان مفهوم العبودية أمر كثير التداول في خطابات علم الدفاع عن العقائد المسيحية التي كانت تدور بين هؤلاء المسيحين الذين أرجعوا الفضل إلى أنفسهم في القضاء على العبودية. وامتد هذا الأمر حتى القرن السادس حيث تحول اهتمامهم إلى الوعظ في مواضيع الطبيعة. وقد أثر الأستعمار عن طريق العبودية تأثيراً كبيراً على تلك المواضيع والنقاشات، فقد أرجع بعض الكتاب أن للعبودية مزايا حضارية وشجب الأخرون مساوئها. ومن هنا قام المؤرخ «هنري ألكسندر والون» بنشر كتاب له في عام 1847 تحت عنوان «تاريخ العبودية في العصور الوسطى» ضمن سلسله أعمالة التي تهدف إلى القضاء على العبودية في المستعمرات الفرنسية.

وفي القرن التاسع عشر، ظهر الخطاب السياسي-الاقتصادي الذي كان يهدف إلى التمييز بين مراحل تنظيم المجتمعات البشرية وتحديد-بدقة- أماكن العبودية في اليونان. أما ماركس فقد كان تأثيره ملموساً؛ فقد رأى ماركس أن ماكان يميز المجتمعات القديمة هو تطوير الملكية الخاصة والطابع الأساسي -لا الثانوي كما كان في المجتمعات ماقبل الرأسمالية- للعبودية باعتبارها نمطاً للأنتاج ! ولكن الواقعيون الذين مثلهم إدوارد مايور في كتابة «العبودية في العصور الوسطى 1898» سرعان ماعارضوا النظرية الماركسية. فقد رأى إدوار مايور أن العبودية هي التي أسست الديموقراطية في بلاد الإغريق، وبالتالى كانت العبودية ظاهرة قانونية واجتماعية وليست اقتصادية.

وفي القرن العشرين تطور علم التأريخ على يد عدة كتاب منهم جوزيف فوجت الذي رأى أن الظروف الملائمة لتطوير صفوة المجتمع قد توفرت في نظام العبودية. وعلى العكس، فإن هذة النظرية تتيح للعبيد فرصة للأنضمام إلى تلك الصفوة. كما استنتج فوجت أن المجتمع الحديث الذي تأسس على القيم الإنسانية قد جاوز مرحلة التطور هذه.

وحتى عام 2011 لازالت العبودية في بلاد الإغريق محل نقاش في علم التأريخ. تم التعبير عنها من خلال سؤالين على وجة الخصوص: أولاً، هل يمكن القول أن المجتمع الإغريقي كان مجتمعاً عبودياً؟ ثانياً، هل كانت هناك طبقة اجتماعية لعبيد الإغريق؟

مصادر

عدل
  1. ^ John Byron, Slavery Metaphors in Early Judaism and Pauline Christianity: A Traditio-historical and Exegetical Examination, Mohr Siebeck, 2003, ISBN 3-16-148079-1, p.40
  2. ^ Roland De Vaux, John McHugh, Ancient Israel: Its Life and Institutions, Wm. B. Eerdmans Publishing, 1997, ISBN 0-8028-4278-X, p.80
  3. ^ ا ب J.M.Roberts, The New Penguin History of the World, p.176–177, 223
  4. ^ A traditional pose in funerary steles, see for instance Felix M. Wassermann, "Serenity and Repose: Life and Death on Attic Tombstones" The Classical Journal, Vol. 64, No. 5, p.198.
  5. ^ Burkert, p.45.
  6. ^ Mele, pp.115–155.
  7. ^ Garlan, p.36.
  8. ^ For instance Chryseis (1:12–3, 29–30, 111–5), بريسيز (2:688–9), Diomede (6:654–5), Iphis (6:666–8) and Hecamede (11:624–7).
  9. ^ See in the Iliad the pleas of أدراستوس the Trojan (1:46–50), the sons of Antimachus (11:131–5) and Lycaon (21:74–96), all begging for mercy in exchange of a ransom.
  10. ^ There are 50 of them in Ulysses' house (22:421) and in Alcinous' house (7:103).
  11. ^ Aristotle, Constitution of the Athenians, See also 1:2 and Plutarch, Life of Solon, 13:2.
  12. ^ Literally, "six-parters" or "sixthers", because they owed either one-sixth or five-sixths (depending on the interpretation) of their harvest. See Von Fritz for further reading.
  13. ^ Deuteronomy, 15:12–17.
  14. ^ Constitution of the Athenians 12:4. Trans. by Sir Frederic Kenyon, accessed 15 May 2006. نسخة محفوظة 20 فبراير 2009 على موقع واي باك مشين.
  15. ^ Finley, p.174.
  16. ^ Finley (1997), p.160.
  17. ^ Plutarch, Life of Solon 23.2.
  18. ^ Brulé (1992), p.83.
  19. ^ Dunant and Pouilloux, pp.35–37, no.173.
  20. ^ Demosthenes, Against Neaira, 59:29–32.
  21. ^ See Foucart for further reading.
  22. ^ Garlan, p.82.
  23. ^ Garlan, p.83.
  24. ^ Garlan, p.84.
  25. ^ Laws, 11:915 a–c.
  26. ^ Garlan, p.87.
  27. ^ Herakleides Lembos, fgt. 9 Dilts and Suidas, s.v. Ἀλκμάν.
  28. ^ Suidas, s.v. Φιλόξενος.
  29. ^ Life of Lycurgus, 12:13.
  30. ^ Life of Lycurgus, 16:5; Life of Alcibiades, 5:3.
  31. ^ "…ἀνδραπόδων κτήσει τῶν τε ἄλλων καὶ τῶν εἱλωτικῶν", Alcibiades I, 122d.
  32. ^ Oliva, pp.172–173; Ducat, p.55; Lévy (2003), pp.112–113.