الالتقاطية، أو التقاط الكرز، أو قمع الدليل، أو مغالطة الدليل الناقص هي الإشارة إلى حالات فردية من البيانات التي يبدو عليها تأكيد رؤية ما، مع تجاهل جزء كبير من الحالات أو البيانات التي تعارض هذه الرؤية. فهي نوع من مغالطات الانتباه الانتقائي، والتي من أهم أمثلتها «الانحياز التأكيدي».[1][2] يمكن أن تجرى الالتقاطية أو التقاط الكرز عن قصد أو دون قصد. وتعد هذه المغالطة مدعاة كبيرة للنقاش العام.[3]

يستند مصطلح التقاط الكرز على تخيل عملية جني الثمار، كالكرز مثلا. فما نتوقعه من جانٍ هو أن يقوم بالتقاط الثمار الأكثر نضجا وصحة. ومن ثم فإن شاهد شخص ما الثمار التي تم التقاطها من الشجرة فسيظن أن معظم ثمار هذه الشجرة، أو ربما كلها، في حالة جيدة. ومن ثم فقد يعطي ذلك انطباعا خاطئا عن جودة الثمار، إذ إن ما رآه الشخص كان محض عينة وليس عينة تمثيلية كاملة.

للالتقاطية سمعة سيئة كممارسة تتجاهل، تتغاضى، أو تقمع الدليل بشكل يحجب عنا الصورة الكاملة لأمر ما.

من المفاهيم التي يتم الخلط بينها وبين الالتقاطية أحيانا هي فكرة جني الثمار القريبة والسهلة حصادها فحسب، وتجاهل الثمار البعيدة في قمة الشجرة التي تكون صعبة الجني.

يمكننا أن نجد الالتقاطية في الكثير من المغالطات المنطقية. ففي مغالطة «الدليل القولي»، مثلا، يتم تجاهل قدر كبير من البيانات من أجل منفعة آراء شخصية، وفي «انتقاء الأدلة» يتم تجاهل الأدلة التي لا يفضل أحدهم مناقشتها، بينما في «المأزق المفتعل» يحصر أحدهم الخيارات المطروحة في خيارين فقط، رغم أن هناك خيارات أكثر من اثنين. يمكن أن تشير الالتقاطية إلى انتقاء البيانات أو مجموعات من البيانات الخاصة بدراسة أو استطلاع على نحو يأتي بالنتائج المتوقعة والمرغوبة، والتي قد تكون مضللة أو حتى مناهضة تماما للواقع والحقيقة.[4]

في العلوم

عدل

تعتبر الالتقاطية واحدة من الخصائص المعرفية للإنكارية وتستخدم على نطاق واسع من قبل منكري العلوم من أجل معارضة الاكتشافات العلمية. فعلى سبيل المثال، تستخدم الالتقاطية في إنكار تغير المناخ، إنكار السلبيات الصحية لاستهلاك منتجات التبغ والتدخين السلبي، وإنكار التطور من قبل الخلقيين.[5]

يقول ريتشارد سوميرفايل في شهادة أدلى بها أمام مجلس النواب الأمريكي للطاقة والتجارة في مارس 2011:

«إن اختيار القيام بانتقاء بعض الأدلة الانتقائية، من وسط أدلة متنافسة، بغية تعزيز نتائج تؤيد رؤية ما، مع تجاهل أو إنكار أي اكتشافات لا تؤيد هذه الرؤية، هو فعل يسمى «الالتقاطية»، ويعتبر سمة مميزة للعلوم الرديئة أو الزائفة[5]»

ويقول ستيفن نوفيللا مشككا في أوز:

«تأخذ العلوم الدقيقة كل الأدلة في اعتبارها (بدلا من انتقاء الأدلة المحبذة)، وتأخذ في اعتبارها الضوابط الخاصة بالمتغيرات من أجل تحديد ما يعمل بالفعل، وتستخدم الملاحظة العمياء لينحسر تأثير الانحيازات، كما أنها تستخدم منطقا متسقا في ذاته[6]»

في الطب

عدل

في دراسة أجريت عام 2002، وجد أن هناك التقاطية في تجارب أجريت على أدوية مضادة للاكتئاب: راجع الباحثون 31 من تجارب الفعالية لمضادات الاكتئاب لتحديد معايير الاستبعاد الأساسية التي تستخدم في تحديد القابلية للمشاركة. تشير نتائجهم إلى أن المرضى في تجارب مضادات الاكتئاب الحالية يمثلون نسبة قليلة من المرضى الذين يتم علاجهم من الاكتئاب بشكل روتيني. وبذلك، ووفقا للباحثين، فإن استبعاد بعض المرضى يعني أن قابلية تعميم فعالية استخدام مضادات الاكتئاب تفتقر إلى دعم الدليل التجريبي.

في المناقشات

عدل

يعتبر الاقتباس من خارج السياق نوعا من أنواع الالتقاطية في المناقشات،[7] ففيها يقوم المناظر باجتزاء ما يوافق موقفه من السياق، أو يبالغ في موقف خصمه، ويتجاهل بذلك ما يتصل باقتباسه من كلام أصلي، أو يضع اقتباسه في سياق مختلف. تمثل الالتقاطية مشكلة كبيرة في المناقشات، فالحقائق المقتبسة نفسها تكون صحيحة، لكنها مع ذلك تكون خارج سياقها. ولأن الأبحاث لا تجرى مباشرة وتكون عادة في غير أوانها، فإن الحقائق أو الاقتباسات الالتقاطية تلتصق عادة بذهن العامة، وحتى عندما يتم تصحيحها، فإنها تؤدي إلى تحريف واسع النطاق في معناها.

البرهان المتحيز

عدل

البرهان المتحيز نوع من المغالطات اللاشكلانية التي تحدث فقط عندما يعتد بالأدلة التي تدعم فرضية ما، وإهمال الأدلة المعارضة لها.

كتب أستاذ الفلسفة بيتر سوبر: «لا تجعل مغالطة البرهان المتحيز حجة ما باطلة. وقد لا تجعلها أيضا فاسدة. فهذه المغالطة تنطوي على إقناع القراء، وحتى المغالطين أنفسهم، بأننا أوفينا بحق الأدلة وأصبح لدينا ما يكفي لتبرير حكمنا. وإن لم نكن قد وقعنا في مغالطة البرهان المتحيز، فسنكون حينها لم نبرهن على ما يكفي لتبرير حكمنا. قد تكون البراهين عند الطرف الآخر أقوى من تلك التي نملكها. ولن نعرف إلا عندما نفحصها. وبذلك فإن مغالطة البرهان المنحاز لا تعني أن فرضيتك خاطئة أو ليست في محلها، ولكن تعني أنها غير كاملة فحسب.»[8]

«عند إلقاء كلام عقلاني، عليك أن تحدد إن كنت تريد استخدام برهان منحاز (أحادي الجانب) أو برهان غير منحاز (ثنائي الجانب). يقدم البرهان المنحاز وجهة النظر الداعمة فقط، أما البرهان غير المنحاز فيقدم وجهتي النظر المتعاكستين. واختيارك لأي منهما يعود إلى حاجاتك ونوع جمهورك. ففي العادة يكون البرهان المنحاز محبذا عندما توجه كلامك إلى جمهور يفضل أفكارك. ويكون البرهان غير المنحاز محبذا عندما توجه كلامك إلى أولئك الذين يعارضون أفكارك، أو المتعلمين بشكل جيد، أو من قد استمعوا بالفعل إلى وجهات نظر معاكسة لك.»[6]

رص الأوراق هو أسلوب من أساليب البروباغاندا التي تسعى للتلاعب بإدراك الجمهور لقضية ما عبر تأييد أحد جوانبها وقمع الآخر.[9] ومثل هذا التأييد يمكن تحقيقه عبر انحياز الإعلام أو الشهادات أحادية الجانب، أو ببساطة عبر قمع الأصوات المعارضة. يستخدم هذا الأسلوب عادة في الخطابات الإقناعية التي يلقيها السياسيون المرشحون لتشويه سمعة خصومهم وإظهار أنفسهم بشكل أفضل.[10]

يعود أصل المصطلح إلى حيلة الساحر في أوراق اللعب التي تتضمن تقديم طابق من الأوراق يبدو عليها وكأنها خلطت عشوائيا، لكنها في الحقيقة تكون قد رصت وفق نظام محدد. والساحر يعرف ذلك النظام ويستطيع التحكم في نتيجة الخدعة. وفي لعبة البوكر، يمكن تنظيم الأوراق بحيث يأخذ لاعبون معينون أوراقا معينة. [13] يمكن أن تنطبق هذه الظاهرة على أي موضوع ولها قطاع عريض من التطبيقات. فأينما وجد طيف واسع من المعلومات، فإن المظاهر يمكن أن تزور بتسليط الضوء على بعض الحقائق وتجاهل حقائق أخرى. يمكن أن يكون رص الأوراق أداة للخداع في بعض الإعلانات، مثل تلك الخاصة بالتعبئة والتجنيد. فقد يكتب على إعلان التجنيد بخط كبير «هل تريد السفر؟ هل تريد خوض غامرة؟» ويكتب بخط صغير أقل جاذبية بالأسفل «تطوع لمدة عامين أو أربع أعوام».[10]

المراجع

عدل
  1. ^ The Internet Encyclopedia of Philosophy, "Fallacies", Bradley Dowden (2010) نسخة محفوظة 29 أكتوبر 2018 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ Cherry Picking نسخة محفوظة 01 مارس 2016 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ Klass، Gary. "Just Plain Data Analysis: Common Statistical Fallacies in Analyses of Social Indicator Data. Department of Politics and Government, Illinois State University" (PDF). statlit.org. ~2008. مؤرشف من الأصل (PDF) في 2014-03-25. اطلع عليه بتاريخ 2014-03-25.
  4. ^ Goldacre، Ben (2008). Bad Science. HarperCollins Publishers. ص. 97–99. ISBN:978-0-00-728319-4. مؤرشف من الأصل في 2019-03-31.
  5. ^ ا ب سفين أوفه هانسون: Science denial as a form of pseudoscience. Studies in History and Philosophy of Science. 63, 2017, pp 39–47, دُوِي:10.1016/j.shpsa.2017.05.002.
  6. ^ ا ب "Devious deception in displaying data: Cherry picking", Science or Not, April 3, 2012, retrieved 16 February 2015 نسخة محفوظة 11 يوليو 2018 على موقع واي باك مشين.
  7. ^ Novella، Steven (26 أبريل 2011). "A Skeptic In Oz". Science-Based Medicine. مؤرشف من الأصل في 2013-05-08. اطلع عليه بتاريخ 2015-02-16.
  8. ^ "Typical Depression Patients Excluded from Drug Trials; exclusion criteria: is it "cherry picking"?". The Brown University Psychopharmacology Update. Wiley Periodicals. ج. 13 ع. 5: 1–3. مايو 2002. ISSN:1068-5308. Based on the studies: Posternak، MA؛ Zimmerman، M؛ Keitner، GI؛ Miller، IW (فبراير 2002). "A reevaluation of the exclusion criteria used in antidepressant efficacy trials". The American Journal of Psychiatry. ج. 159 ع. 2: 191–200. DOI:10.1176/appi.ajp.159.2.191. PMID:11823258., Zimmerman، M؛ Mattia، JI؛ Posternak، MA (مارس 2002). "Are subjects in pharmacological treatment trials of depression representative of patients in routine clinical practice?". The American Journal of Psychiatry. ج. 159 ع. 3: 469–73. DOI:10.1176/appi.ajp.159.3.469. PMID:11870014.
  9. ^ "One-Sidedness - The Fallacy Files". مؤرشف من الأصل في 2018-09-30. اطلع عليه بتاريخ 2014-10-14.
  10. ^ ا ب Peter Suber. "The One-Sidedness Fallacy". مؤرشف من الأصل في 2012-08-05. اطلع عليه بتاريخ 2012-09-25.