الأداء السياسي والدبلوماسي القطري اتجاه تحديات الأزمة الخليجية القطرية (2017-2021)

تعد الأزمة الخليجية القطرية التي اندلعت في يونيو 2017 واحدة من أبرز التحديات السياسية والدبلوماسية التي واجهتها دولة قطر في تاريخها الحديث. بدأت الأزمة عندما قررت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر متهمة إياها بدعم الإرهاب والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.[1]

الأزمة الدبلوماسية مع قطر.

في مواجهة هذه التحديات اتبعت قطر استراتيجية سياسية ودبلوماسية متعددة الأبعاد تهدف إلى تعزيز سيادتها واستقلالها. شملت هذه الاستراتيجية تقوية العلاقات مع الدول الحليفة وتنويع الشراكات الاقتصادية وزيادة الاستثمارات الأجنبية.

المقدمة

عدل

تأثرت قطر من الأزمة الخليجية في مستويات متعددة منها السياسي والاقتصادي، إلا انها استطاعت احتواء الأزمة، عن طريق الأداء الحكومي على المستوى الداخلي والخارجي، وذلك نتيجة توظيف قدراتها الاقتصادية والمالية وعلاقتها مع تركيا وإيران والذي أسهم في موازنة التهديد مع الأطراف الأخرى للأزمة، وهذا بحد ذاته من أهم المتغيرات التي تعاملت معها قطر في هذا الشأن.

جذور الأزمة الخليجية - القطرية

عدل

على الرغم من أن الخلافات داخل البيت الخليجي ليست جديدة، وتعد الأزمة القطرية نتاجاً الخلافات تاريخية سابقة، إلا ان عام 2011 هو وقت الذي انبثقت منه الخلافات الجذرية بين دول مجلس التعاون الخليجي، حيث كانت المملكة العربية السعودية تنظر إلى سلوك دور قطر الإقليمي بعدم الرضا كتحد لتوازن القوى الإقليمية التقليدية، ولا سيما بصعود جماعة الاخوان المسلمين في مصر المدعومة من قطر[2]، والتي عدتهم السعودية والإمارات منظمة ارهابية. وتمثل العلاقات الإيرانية - القطرية بمثابة العقدة السياسية الأكبر للسعودية والإمارات واللتان ترفضان أي شكل من أشكال التقارب والتعاون مع جمهورية إيران الإسلامية.

وتمثل الأزمة الخليجية - القطرية من أخطر أنواع الأزمات في إطار المنظومة الأمنية الخليجية، فتحولت سياسات دول مجلس التعاون من الإطار الجماعي إلى الإطار الانعزالي والفردي. أبرز نقاط الخلافات التي أدت إلى اندلاع الأزمة الخليجية - القطرية هي:

اختلاف الرؤية الخليجية للأمن

عدل

تعد اختلاف الرؤية لدول الخليج العربي للأمن المنطقة احد مسببات الأزمة في مجلس التعاون الخليجي؛ ومن هنا يمكن الاشارة إلى رؤيتين مختلفتين للأمن في الخليج العربي هما السعودية وقطر، فالسعودية ترى الأمن الخليجي من بعدين يتعلق أولهما بالوزن السعودي في الخليج العربي، وثانيهما يرتبط بأهمية الخليج العربي بالنسبة لأمن السعودية بصفة عامة، وترتكز السعودية في رؤيتها لأمن الخليج العربي على عوامل متعددة منها: إن السواحل المملكة في الخليج العربي تمثل نحو 16% من إجمالي سواحل الخليج العربي، حيث تحتل بذلك المرتبة الثالثة بعد إيران والإمارات. فضلاً عن قدراتها العسكرية والاقتصادية ومن هنا تنطلق الرؤية السعودية بضرورة عقد اتفاقيات ثنائية امنية بينها وبين دول مجلس التعاون الأخرى، والتركيز في استقرار المجلس وضمان الأمن الداخلي للدول العربية الخليجية، مع ضرورة اشراك القوات المسلحة النظامية في تأكيد سيادة كل دولة وتشجيع دول المجلس على تحقيق الاستقلال الذاتي والعسكري.

أما قطر فاختلفت في رؤياها مع بعض الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إذ استندت سياسة قطر الخارجية على ثلاث استراتيجيات وهي استراتيجية التحالفات الإقليمية والدولية واستراتيجية حسن الجوار الخليجي والعربي، أما الاستراتيجية الثالثة فتمثلت بالعمل على ترسيخ صورة ذهنية ايجابية للدولة في علاقاتها الدولية، ونتيجة لذلك رأت قطر ان إيران لا تمثل تهديداً أمنياً بالدرجة الاساس على عكس ما تراها البحرين والامارات والسعودية ودعت إلى ضرورة عقد اتفاقيات امنية مشتركة مع إيران، مدركة في ان استقرار امن الخليج العربي سينعكس على استقرار باقي الأوضاع في المنطقة عموماً، مع امكانية عقد اتفاقيات امنية مع دول أجنبية دولية للمحافظة على امن الخليج العربي، مع عدم إغفال أهمية بناء القوات المسلحة للدول الخليجية للمحافظة على الأمن والاستقرار فيها.

وبناءً على ذلك فإن الأزمة الخليجية - القطرية تمثل غياب التوافق وأزمة ثقة في العديد من القضايا الأمنية الإقليمية والدولية، مما يؤشر عمق تلك الأزمة وتداعياتها على المنظومة الأمنية في دول مجلس التعاون الخليجي.

دور قطر اتجاه احتجاجات الربيع العربي 2011

عدل

وصلت حدة التوتر بين قطر والسعودية والإمارات مع قيام احتجاجات الربيع العربي، فقد خلط الأخير الأوراق في المنطقة العربية وفق معطيات جديدة، واحدث خلل في التوازن السياسي والطائفي في منطقة الشرق الأوسط، فقد ساندت دولة قطر الاحتجاجات في معظم الاقطار العربية المنتفضة، وكان هذا الموقف مختلفاً عن بقية الدول الخليجية المحافظة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، حيث اتخذت السعودية موقفاً مناهضاً للاحتجاجات كافة بما فيها الاحتجاجات ضد نظام الخصم مثل نظام معمر القذافي في ليبيا.[3]

وتجدر الاشارة للخلاف الحقيقي هو ان قطر لم تعارض الاسلام السياسي على نقيض الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي الذين يشعرون بالقلق اتجاه تهديد الشرعية الملكية التي يمثلها الاسلام السياسي. وتعد قضية دعم الاخوان المسلمين من القضايا والمسببات الكبرى بين أطراف الأزمة، فالدعم اللامحدود القطري لجماعة الاخوان المسلمين والجماعات التي تصنف بالإرهابية مثل جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تعدهم دول المقاطعة تهديداً لأمنها واستقرارها.[4]

ومع بداية التمرد في ليبيا تولت الإمارات وقطر قيادة الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للمتمرين في ليبيا، إلا أن مع تبلور الثورة الأولية، بدأت الإمارات وقطر بدعم فصائل مختلفة، فتقربت الإمارات من رئيس وزراء المجلس الوطني الانتقالي محمد جبريل الذي كان يتولى أدارة العلاقات الدولية للمعارضة، والذي أسهم في توجيه المساعدات العسكرية الإماراتية للضباط المنشقين في شرق البلاد والميليشيات جنوب العاصمة طرابلس، في حين دعمت قطر التيار الاسلامي الأوسع في ليبيا. [5]

وبعد سيطرة الجماعات الموالية لقطر على مطار طرابلس الدولي، قامت الإمارات بتنفيذ ضربات جوية ضدها، وهكذا وجدت دول الخليج العربي نفسها في ساحة هذه الحرب الاهلية، حيث دعمت الإمارات ومصر اللواء حفتر بقصف مواقع الفجر في طرابلس في حين ساعدت قطر الحركات الإسلامية في مصراته ومناطق أخرى، ويرجع جذور الأزمة، بسبب الوضع في ليبيا الذي يجسد كيف تأجج الخلاف على مدى عدة سنوات، ليصبح فعلياً حرباً بالوكالة على ارض ليبيا.

وفي اليمن فقد دعمت قطر جماعة الاصلاح الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين والتي تصفهم دول المقاطعة بأنهم مجموعة اسلامية متطرفة لها تداخلات كثيرة مع تنظيم القاعدة حيث أصبحت حركة الاصلاح الأكثر تأثيراً في اليمن نتيجة للدعم القطري، وقادت المجموعة دوراً مهماً في الاحتجاجات ضد الرئيس السابق علي عبد الله صالح كما تتهم دول المقاطعة قطر بتوثيق علاقتها مع انصار الله الحوثيين، وفي الوقت نفسه تدعم حركة الاصلاح، وتذكر دول المقاطعة بأن قطر على علاقة مع الحوثيين منذ أكثر من 10 سنوات، حيث قامت قطر بالتوسط لوقف اطلاق النار بين الحكومة اليمنية والحوثيين والتي عرفت بحرب صعدة الرابعة مما دفع دول المقاطعة بطرد قطر من التحالف العربي في اليمن على انها ليست حليفاً حقيقياً وان سياسة قطر الخارجية ابان حكم الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني اتصفت بالصداقة مع جميع اللاعبين.[6]

وجاء التدخل القطري في سوريا لتحقيق طموحاتها ورغباتها في تحقيق المكانة الإقليمية، حيث سعت قطر إلى ممارسة دور الزعامة بواسطة الخروج من مدار الهيمنة السعودية، إلا ان دول المقاطعة اتهمت قطر بأنها تمارس دوراً مزدوجاً منذ اندلاع الأزمة السورية، وإن دولة قطر كانت تقدم دعماً للتنظيمات الإرهابية، منها: تنظيم داعش وجبهة النصرة والقاعدة وهذه التنظيمات تعمل على تخريب وتدمير مقدرات الشعب السوري بحسب ما تدعيه دول المقاطعة، وهذا ما نفته دولة قطر جملة وتفصيلا.[7]

وتجدر الاشارة إلى أن حدة الخلاف بين قطر ودول المقاطعة كانت في مصر، إذ دعمت قطر حركة الإخوان المسلمين ورئيسها المعزول محمد مرسي وعدت احتجاجات 30 يونيو 2013 انقلابا على الشرعية، في حين ساندت السعودية والإمارات الانقلاب العسكري بزعامة المشير عبد الفتاح السيسي، والذي أقصى جماعة الاخوان من السلطة فضلاً عن ذلك فقد قدمت المملكة العربية السعودية لمصر مبلغ يتجاوز السبعة مليارات دولار، ومثل هذا العام نقطة مفصلية في السياسة الخارجية القطرية إذ بدأ بالانحسار نتيجة اخطاء الاسلاميين في الحكم في مصر وطموح قادة الجيش المصري للعودة للحكم.[8]

وعليه يمكن القول إن الأزمة الخليجية - القطرية لم تكن وليدة ظروف آنية، بل لها جذورها وأسبابها عملت على اندلاعها كما كشفت بالوقت نفسه بوجود خلل واضح في العلاقات البينية بين دول مجلس التعاون الخليجي.

التقارب القطري مع إيران وتركيا

عدل

التقارب القطري - الإيراني

عدل

كانت قطر واحدة من الدول القليلة في المنطقة التي انتهجت خطاً متوازناً في علاقتها مع إيران منذ اندلاع الثورة الاسلامية في إيران عام 1979 مكنها من ان تظل العاصمة الخليجية الأكثر قرباً من إيران، ومع وصول الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني للحكم في عام 1995 ازداد هذا التقارب بشكل ملحوظ حتى بات يقال ان العلاقات بين الدولتين دخلت مرحلة جديدة، وكانت هذه التوجهات مصدر إزعاج للكثير من الحكومات الخليجية، وكانت مادة لعنوان تأزم دوري في العلاقات البينية بين دول المجلس وخاصة السعودية، والتي تفضل أن تتصرف دول مجلس التعاون حيال إيران ككتلة واحدة منسجمة.[9]

وتجدر الاشارة بأن قطر دعمت إيران في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في يوليو 2006 وكانت الدولة الوحيدة التي صوتت ضد القرار 1696 الذي حدد موعداً نهائياً لإيران للرد على الدعوات لإجراء مفاوضات من أعضاء مجموعة 5+1، والذي يدعو إيران إلى وقف برنامجها لتخصيب اليورانيوم، الذي تعده السعودية مهدداً لأمنها القومي.

كما تشترك قطر وإيران في احد أكبر حقول الغاز الطبيعي في العالم وهو حقل الشمال[10] ونظراً لأهمية الغاز في الاقتصادين القطري والإيراني فقد توجهوا مع روسيا في عام 2008 لتشكيل ترويكا لمشاريع الغاز، يهدف إلى تشجيع مشروعاته والتنسيق بين الدول الثلاث، بما يمهد لتأسيس منظمة من الغاز موازية لأوبك في النفط، وفي العام نفسه شهد افتتاح الفرع الثاني لبنك صادرات إيران في قطر، والذي تبلغ ارباحه السنوية نحو 4.3 مليار دولار. وبين عامي 2008 و2010 تمت 17 زيارة رسمية بين الدولتين بما في ذلك رحلتان قام بها الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني إلى طهران وزيارة واحدة قام بها الرئيس الإيراني الاسبق احمدي نجاد، ويرجع استمرار الدعم القطري لهذا التقارب لعدد من الأسباب أهمها:

  • موازنة القوة السعودية عن طريق التواصل مع إيران.
  • المصالح النفطية والغازية المشتركة بين البلدين.
  • يوجد في قطر سكان من أصول فارسية وبأعداد الكبيرة.

التقارب القطري - التركي

عدل

تعد العلاقات القطرية التركية أحد الأسباب الرئيسة للأزمة القطرية الخليجية؛ وذلك عن طريق التنسيق والتعاون بين الدولتين اتجاه العديد من القضايا في المنطقة، ومنها الحرب في سوريا والأحداث المصرية كما يذكر أن أحد أسباب الأزمة تعود إلى الصراع في ليبيا، إذ أن البلدان يشتركان بدعمهما لجماعة الإخوان المسلمين في المنطقة. ويذكر ان قطر كانت قد وقعت مع تركيا اتفاقية في انقرة عام 2014 بشأن إنشاء قاعدة عسكرية من أجل تعزيز التعاون في مجالات التدريب العسكري والصناعة الدفاعية والمناورات العسكرية المشتركة. ولتعزيز الشراكة بين البلدين فقد اتخذت قطر موقفاً من الانقلاب العسكري الذي استهدف تركيا ورئيسها رجب طيب اردوغان في عام 2016، واتهمت تركيا الإمارات بدعمه اعلامياً ومالياً، وكان الامير تميم بن حمد آل ثاني أول رئيس دولة في العالم يزور تركيا بعد الانقلاب الفاشل.

كما تنظر دول المقاطعة بكثير من الشك والقلق تجاه التواجد العسكري التركي في قطر حيث وضعت دول المقاطعة شرطاً لإنهاء التواجد العسكري في قطر لإنهاء المقاطعة ضد قطر.

التنافس الاقتصادي

عدل

على الرغم من أن النظام الاقتصادي في دول الخليج العربي هو نظام ريعي بني على محورية النفط وعوائده في الاقتصاد العالمي، إلا ان الدول الخليجية ركزت في تنويع النشاط الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط والغاز.

ويرى بعض المحللين ان السعودية هي التي تقف خلف الأزمة القطرية كونها ترى نفسها زعيمة للعالم العربي والخليج العربي، لكن المراقبون نوهوا إلى أن الإمارات هي من تقود المقاطعة ضد قطر، ويرجع ذلك للمنافسة الاقتصادية بين الدولتين، وتحديداً ان قطر ارادت تسيد الاقتصاد الخليجي مما اثار حفيظة الإمارات، حيث قامت قطر بإنفاق المليارات من الدولارات لبناء بنى تحتية ضخمة، ومراكز تجارية في الدوحة لتحويلها إلى مركز عالمي وترانزيت كما هو الحال في دبي، فضلاً عن استضافتها كأس العالم، والذي سوف ينطلق نهاية عام 2022، وسعيها إلى استضافة الألعاب الأولمبية في عام 2032، بهدف اخذ مكان دبي كمركز تجاري واستثماري في منطقة الخليج العربي، لاسيما ان دبي يعيش اقتصادها على الترانزيت وعلى الأسواق الحرة والاستثمارات العقارية، وهي على خلاف الدوحة لا تحتوي على موارد نفطية وغازية كبيرة.

لذلك تطور التنافس الاقتصادي بين دول مجلس التعاون وتحديداً الموانئ، إذ بلغ عدد الموانئ التي تعمل في دول مجلس التعاون ما يقارب 37 ميناء 21 منها في السعودية، و9 في الإمارات و3 في عمان و2 في كل من قطر والبحرين، وان أكثر من ثلث الطاقة الاستيعابية ينحصر في ميناء جبل علي في دبي لوحده، في حين الباقي يتوزع على الموانئ الخليجية الأخرى، كما ويعد ميناء جبل علي في دبي أكبر ميناء بحري في منطقة الشرق الأوسط والتاسع عالمياً، حيث يسهمان كل من ميناء جبل علي والمنطقة الحرة بنحو ربع الناتج المحلي لدبي. إلا أن الوضع المهيمن لميناء جبل علي قد يتزعزع في المنطقة في المدى المتوسط والطويل، نتيجة المنافسة بين موانئ المنطقة. وتأتي هذه المنافسة بالدرجة الأولى من ميناء حمد الدولي حيث يحتل المرتبة الثامنة حالياً في الخليج العربي من حيث الطاقة الاستيعابية لمناولة الحاويات النمطية. لكن تصنيف الميناء قد يصعد بقوة إلى المركز الثاني أو الثالث يعتمد ذلك على زيادة الطاقة الاستيعابية لميناء الملك عبد الله في السعودية في الثلاث أو الأربع سنوات المقبلة، بعد اكتمال المرحلة الثانية وارتفاع طاقته الاستيعابية إلى نحو 7.5 مليون حاوية. هذا الوضع في حال حصوله من المتوقع أن يعيد ترتيب خريطة الملاحة في الشرق الأوسط، وقد يؤسس مستقبلا لاشتعال منافسة قوية بين موانئ دول الخليج العربي.

أما فيما يخص ميناء غوادر الباكستاني فيرى العديد من الخبراء الاقتصاديين أن ميناء غوادر في باكستان هو دبي أخرى ناشئة على خريطة العالم، والأمر المقلق هنا هو أن القوة الاقتصادية تعني تهديد التأثير الاستراتيجي لدبي في المنطقة، وقد تسببت هذه القضية في حرب اقتصادية صامتة في خليج عمان بين مجموعتين من الدول هم؛ الصين وباكستان وقطر من جانب والهند والإمارات العربية المتحدة من جانب آخر، إذ يعد ميناء غوادر منافساً خطيراً لميناء جبل علي كما يعد الميناء موقعاً إستراتيجياً يمنح الصين ووسط آسيا إمكانية الوصول إلى منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، إذ أنه سوف يصبح المدخل الرئيس البحري لآسيا الوسطى، مما سيجعل بلا ريب الأمر أسهل في إرسال الصادرات من شينغيانغ ودول آسيا الوسطى إلى مناطق أخرى. وتدرك قطر أهمية ميناء غوادر كمتغير كبير في اللعبة في المنطقة، ويعتزمون استثمار 15% من قيمة الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني وهو عبارة عن مجموعة من مشاريع البنية التحتية قيد الإنشاء في جميع أنحاء باكستان، الأمر الذي يضيف إلى الضغط على الإمارات و دبي، ويزيد من المنافسة بين قطر والإمارات.

وفي سياق التنافس الاقتصادي، تكشف بعض التقارير بأن المستثمرين الاجانب أصبحوا يفضلون قطر على السعودية، لاسيما بعد مقتل الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في أكتوبر 2018 في القنصلية السعودية في اسطنبول التركية، فقد تراجعت التدفقات الأجنبية لبورصة الرياض بقوة، في حين ارتفعت بورصة الدوحة ووصل حجمها إلى 2.3 مليار دولار أي إلى أكثر من ثلاثة اضعاف التدفقات الاجنبية إلى الرياض في المدة نفسها.

ومما لا شك فيه فإن فرض المقاطعة على قطر من شأنه ان يزيد من مكانة الإمارات الاقتصادية في المنطقة، ونتيجة لعزلة قطر الإقليمية وتصاعد الأزمة، من المحتمل أن تتجه الشركات المتعددة الجنسية نحو الإمارات، كمكان آمن وبديل عن قطر، الأمر الذي يزيد من مكانة الإمارات ودورها في مقابل الدور القطري.

صعود القيادة الشابة

عدل

انتقلت السلطة من الأجيال القديمة إلى الاجيال الجديدة، والذي بدوره عكس قدراً من التنافس في الرؤى أكثر من الأجيال القديمة، التي تمتلك الخبرة التاريخية التي مكنتها من تطوير قدر من الرؤية المشتركة، ولعل دور الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والأمير محمد بن سلمان آل سعود والشيخ محمد بن زايد آل نهيان يشير إلى أنهم لم يتمكنوا من تحسين تلك الرؤية المشتركة، ويحاول كل واحد منهم أن يجد لسياسته موقعاً اكثر جذباً لشعوب الخليج العربي الأخرى، وتتغذى هذه السياسات على محن تاريخية بعضها قريب العهد، مثل: انقلاب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على والده الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني عام 1995 في قطر، وبعضها بعيد مثل خلافات الحدودية القديمة لاسيما مع غياب مؤسسات لها دور فاعل في ضبط أيقاع صناعة القرار السياسي.

قناة الجزيرة

عدل

تدعي قطر بأن قناة الجزيرة مستقلة ولا تعبر عن توجهاتها، إلا ان السلوك الإعلامي للقناة يتحرك في أفق مسار دور قطر الإقليمي والدولي، كونها تضع نفسها على خريطة العالم على انها دولة معتدلة ومتطورة تقوم بالتوسط لحل مشكلات المنطقة، كما انها تغرد خارج السرب السعودي والأمريكي أحياناً، ودرجة عالية من البرغماتية كونها تستطيع التعامل مع الجميع من دون شروط، ويبدو ان التغطية الاعلامية للقناة لاحتجاجات الربيع العربي كانت منسجمة تماما مع السياسة الرسمية القطرية، التي كانت تدعم صعود جماعة الإخوان المسلمين للحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا، ولا يخفى أن لقناة الجزيرة دوراً مهماً في توتر العلاقات بين قطر والإمارات والسعودية عبر العديد من البرامج التي تبثها، والتي من أهمها في برنامج الشريعة والحياة للشيخ يوسف القرضاوي وأصبحت القناة أيضاً وسطاً إعلامياً لفتح قنوات الاتصال مع جهات وجماعات تصنف على انها خارجة عن القانون ومتطرفة، إذ قامت سابقاً بإذاعة بيانات اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة واجرت لقاءات مع زعيم جبهة النصرة.

أما في الصراع القطري السعودي فالقناة تمثل الكفة المعادلة إعلامياً للماكنة الاعلامية التي تديرها السعودية، ولا يمكن اغفال درجة تأثير قناة الجزيرة إلى درجة اغلاقها عد شرطاً من شروط دول المقاطعة لإيقاف المقاطعة المفروضة على قطر.

أزمة عام 2014

عدل

شهد مجلس التعاون الخليجي لحظة فريدة في تاريخه منذ أن أسس؛ وذلك بعد سحب دول الإمارات والسعودية والبحرين سفرائهم من الدوحة في مارس 2014، وجاء هذا التصعيد من الدول الثلاث رداً على سياسة قطر الخارجية والأمنية والإعلامية، كما عللت تلك الدول موقفها بسحب السفراء بعدم التزام قطر باتفاق الرياض والذي عرف بـ اتفاق الرياض الأول والذي وقع عليه زعماء الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي في الرياض في 23 نوفمبر 2013 والذي يكفل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأية دولة من دول المجلس بشكل مباشر أو غير مباشر وعدم دعم كل من يعمل أو يهدد أمن واستقرار دول الخليجي العربي، سواء أكان عن طريق العمل الأمني المباشر، أم عن طريق محاولة التأثير السياسي، وعدم الدعم الاعلام المعادي. وعد ذلك التحرك غير مسبوق في تاريخ مجلس التعاون الممتد لثلاثة عقود.

استمرت الأزمة لما يقارب الثمانية أشهر، إذ شهدت الكثير من الخصومة على المستوى الرسمي، والكثير من اللغط على المستوى الشعبي، وكادت الأزمة أن تعصف بمنظومة مجلس التعاون، حيث برزت إيماءات بإمكانية انسحاب أو خروج عدد من الدول الخليجية من المنظومة الخليجية، إلا ان الوساطة الكويتية عملت بجهود مكثفة لرأب الصدع داخل البيت الخليجي، وبقي الحال كما هو عليه حتى 16 نوفمبر 2014، عندما أعلنت الدول الثلاث عودت سفرائها إلى الدوحة، وجاء ذلك بعد انعقاد قمة الرياض التشاوري، والتي تم التوصل فيها إلى اتفاق الرياض التكميلي.

الأسباب المباشرة للأزمة الخليجية - القطرية 2017

عدل

اندلعت الأزمة بعد أيام قليلة من القمة 150 التي عقدت في الرياض في مايو 2017 وجمعت زعماء خمسين دولة اسلامية وعربية من بينها قطر مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكان أهداف هذه القمة مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب، ومواجهة النفوذ الإيراني والحركات الإسلامية في المنطقة.

وعقدت السعودية في زيارة ترامب صفقة اسلحة بقيمة 400 مليار دولار أمريكي، وعلى الرغم من قطر قد حضرت القمة، إلا أن البعض يرى أن دول المقاطعة اخذت الضوء الأخضر من إعلان المقاطعة والحصار من ترامب في ذلك.

والجدير بالملاحظة أن ترامب رفع شعار أمريكا أولاً وجاء إلى السلطة بأجندات تختلف عن اجندة سلفه، واستعداده لتفهم الموقف الإماراتي السعودي وسياساتهما التي تتفق مع رؤيته ضد إيران والإسلام السياسي، والتي كانت عاملاً رئيسًا في اندلاع الأزمة.

وتعد الإدارة الأمريكية ودورها البارز والذي أسهم في تسارع الأحداث في المنطقة وتدخلها القوي وسعيها إلى إعادة ترتيب البيت الخليجي الذي يتناسب مع أهدافها ومصالحها القومية، انطلاقاً من ان إدارة العلاقات بين دول الخليج العربي يتم من الخارج ولكن بأدوات محلية نتيجة الاعتماد على دول إقليمية محددة مسبقاً.

ومن زاوية أخرى وبتاريخ 24 مايو 2017 اخترقت وكالة الانباء القطرية، ونشرها تصريحات ملفقة نسبت إلى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير دولة قطر ترتبط ببعض الدول الخليجية وترامب نفسه واعرابه عن تأييده لإيران وحماس وحزب الله وإسرائيل، ونقل عن الامير قوله: "إيران تمثل ثقلاً إقليمياً واسلامياً لا يمكن تجاهله وليس من الحكمة التصعيد معها، مؤكداً انها قوة كبرى تضمن الاستقرار في المنطقة". أخذت تلك التصريحات من الجانب السعودي والإماراتي على نطاق واسع في مختلف الوسائل الإعلامية العربية.

وتماشياً مع ما تم ذكره فقد اكد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وجود علاقة بين زيارته السعودية واندلاع الأزمة الخليجية، إذ علق على موقع تويتر على حسابه بعد يوم واحد من اعلان دول المقاطعة مقاطعة قطر في زيارتي الأخيرة إلى الشرق الأوسط، قلت: "إنه لا يمكن ان يستمر تمويل الفكر المتطرف، فأشار الزعماء إلى قطر" وكتب أيضاً تغريدات أخرى جاء فيها "من الجيد ان نرى أن زيارة السعودية واللقاء مع 50 دولة بدأت بإعطاء نتائجها، قالوا إنهم سيتبنون موقفاً اكثر حزماً في التعامل مع تمويل التطرف، وكانت التلميحات كلها تشير إلى قطر، ربما هذا الأمر سيكون بداية نهاية الإرهاب"، وعليه فقد كانت تلك الأسباب الرئيسة والمباشرة في اندلاع الأزمة الخليجية القطرية. ولغرض حل الأزمة سلمت الكويت في 22 يونيو 2017 قائمة من 13 طلب من قبل دول المقاطعة إلى قطر وامهلتها 10 أيام لتنفيذها.

ولا مناص من القول إن الأزمة انعكست على أمن دول مجلس التعاون الخليجي عامة، و قطر خاصة، لما لها من تداعيات أمنية على المستوى الإقليمي والدولي، نظراً لأهمية المنطقة والتي تتوفر فيها أهم متغيرين استراتيجيين مرتبطين بأمن المنطقة والعالم واستقراره وهما: الموقع والموارد الاستراتيجي المهمة، وفي مقدمتها النفط.

الأداء السياسي والدبلوماسي القطري اتجاه الازمة الخليجية - القطرية

عدل

تأثرت قطر من الأزمة الخليجية في مستويات متعددة منها السياسي والاقتصادي، إلا انها استطاعت احتواء الأزمة، عن طريق الأداء الحكومي على المستوى الداخلي والخارجي، وذلك نتيجة توظيف قدراتها الاقتصادية والمالية وعلاقتها مع تركيا وإيران والذي أسهم في موازنة التهديد مع الأطراف الأخرى للأزمة، وهذا بحد ذاته من أهم المتغيرات التي تعاملت معها قطر في هذا الشأن.

الأداء السياسي القطري على المستوى المحلي

عدل

استوعبت الحكومة القطرية الصدمة بسرعة وسلاسة، وتمكنت من احتواء تداعياتها على المستوى الداخلي، واثار الحصار وانعكاساته السلبية في الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، فوضعت عدداً من الاستراتيجيات منها:

الأداء الاقتصادي لموجهة المقاطعة

عدل

اتخذت قطر الاحتياطات اللازمة والاجراءات الوقائية لحماية العملة، فعملت على ضخ ودائع وسيولة في الجهاز المصرفي بقيمة 23 مليار دولار في أول شهرين من الأزمة، وضخت أيضاً مبلغ 38.5 مليار دولار في الاقتصاد المحلي ككل لتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

وعلى الرغم من انخفاض الاقتصادي القطري في النمو وارتفاع في تكاليف الواردات في الأيام الأولى من الأزمة، إلا ان الحكومة القطرية عملت على إعادة مليارات الدولارات من محفظتها الاستثمارية الخارجية والتي تبلغ قيمتها 320 مليار دولار لدعم النظام المالي، وقد خفض صندوق الثروة السيادية من حصصه وشركاته في الخارج، مثل شركة صائغ تيفاني وشركاه وكريدي سويس لتحويلها إلى أموال لتدابير محلية طارئة، كما نجحت قطر في اصدار سندات بقيمة 12 مليار دولار.

تحقيق الأمن الغذائي

عدل

كان الهاجس الأول لقطر هو تأمين المواد الغذائية الكافية للسكان البالغ عددهم نحو 2.7 مليون نسمة. إذ كانت قطر تستورد 80% من حاجاتها الغذائية عبر جيرانها الخليجيين، فقد لجأ منتجو المواد الغذائية في قطر إلى موردين جدد لتأمين الطلب على الغذاء، كما التزمت الشركات القطرية بإجراءات لتزويد الأسواق بالمواد الغذائية اللازمة، وتوجهت قطر نحو أسواق بديلة، وبدأت الشركات العمانية تصدر المنتجات نحو قطر، مع افتتاح خطين ملاحيين تجاريين الخط المباشر، والذي يربط ميناء حمد مع ميناء صحار وآخر بميناء صلالة.

وأطلقت قطر مبادرة اكتفاء، والتي أعلنت عنها شركة حصاد الغذائية الرائدة في قطاعي الزراعة والثروة الحيوانية، التي تستهدف المزارع المحلية غير منتجة والتي تزيد نسبتها عن 80%، لتشجيعها على الإنتاج وتعزيز الأمن الغذائي المحلي لتوفير الدعم التقني وشراء إنتاجهم السنوي من الفاكهة والخضروات، ثم تسويقها وبيعها في السوق المحلي لمدة عام واحد قابل للتجديد.

كما وقعت الحكومة القطرية عقد لتصميم وبناء مرافق وأبنية ومخازن الأمن الغذائي في ميناء حمد بقطر، بتكلفة تصل إلى 439 مليون دولار، وعلى مساحة تبلغ 53 هكتاراً تقريباً وسيوفر المشروع مخزونا لثلاثة ملايين نسمة لمدة عامين لكل السلع التي يتم تصنيعها وتخزينها.

ومارست الحكومة دورها كمستورد وموزع ومحافظ على الأسعار، وتبنت سياسات محفزة للمنتج الوطني وداعمة للقطاع الخاص في مجال الانتاج الزراعي والحيواني.

تعزيز عامل الثقة

عدل

لتعزيز عامل الثقة اتخذت قطر جملة من الاجراءات لدعم وتعزيز هذا العامل ومنها:

  • الاقرار والشفافية في طرح المشاكلات والحلول ورسم وتنفيذ السياسات.
  • توظيف الوسائل الاعلامية المؤثرة لقطر، مع بروز نخبة من الكفاءات العلمية الوطنية لتثقيف الجمهور وتعزيز الثقة والدفاع عن قطر في جميع المحافل.
  • زيادة انتاج الغاز المسال من 77 إلى 100 مليون طن والذي بدوره سيدعم القطاع المالي، وسيعزز من عامل الثقة.
  • العمل المتواصل في برامج البني التحتية الخاصة بكأس العالم وافتتاح مشاريع بنى تحتية لوجستية كميناء حمد وغيرها، وتنويع الاقتصاد، وهذا سيعطي إشارة ايجابية إلى المستثمرين.

الأداء السياسي على المستوى الإقليمي

عدل

اتبعت قطر جميع الاستراتيجيات المتاحة لمواجهة دول المقاطعة، بما في ذلك تنويع الحلفاء في الجوار الإقليمي، وبناءً على ذلك اعادة العلاقات الدبلوماسية مع الجارة إيران، والتي فتحت مجالها الجوي أمام قطر، كما وعززت من شراكتها مع تركيا لتشمل جميع المجالات، بما فيها الأمنية والاقتصادية.

إيران

عدل

على الرغم من تقاطع المصالح بين إيران وقطر داخل سوريا واليمن، حيث دعم البلدان أطرافاً متناقضة في الحرب الدائرة في تلك البلدان. وسحب سفير قطر من طهران في يناير 2016 تضامناً مع السعودية على خلفية اقتحام القنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية، بعد اعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر في السعودية، إلا أن إيران برزت كأحد اسباب الأزمة، إذ وضعت الدول المقاطعة شروطاً لإنهاء الأزمة من ضمنها خفض التمثيل الدبلوماسي مع إيران، ووقف أي تعاون عسكري أو استخباري بين البلدين، وقطع العلاقات المزعومة مع جماعات مرتبطة بإيران، مثل: حزب الله اللبناني، إلا أن قطر تجاهلت تلك المطالب وإعادة علاقتها الدبلوماسية والتجارية الكاملة مع طهران.

أعلنت قطر إعادة سفيرها إلى طهران على امل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين في جميع المجالات، وركزت قطر في بداية الأزمة في علاقتها مع إيران على الجانب الاقتصادي كي لا تثبت تهمة تحالفها معها، وخلق موازنة في العلاقة مع الولايات المتحدة وإيران، ومنذ بدء الأزمة شهدت العلاقات التجارية حركة مكثفة نتيجة لغلق الحدود البرية مع قطر، فقد ارسل المصدرون الإيرانيون ما يقارب 100 طن من الخضروات والفواكه وبشكل يومياً، وفتح المجال الجوي أمام الخطوط الجوية القطرية للوصول إلى وجهاتها في افريقيا وجنوب أوروبا.

وبفضل القرب الجغرافي بين الدوليتين، فقد استخدمت قطر موقع إيران الجغرافي لتأمين البضائع الآتية من تركيا، عبر الشحن البري والذي يعد الأكبر في أوروبا وصولاً إلى قطر عبر ميناء بوشهر لقربه من السواحل القطرية.

ونظراً للتعقيدات الإقليمية والدولية القائمة في المنطقة، فقد قامت قطر بخطوات تقارب محسوبة مع الجانب الإيراني، ولعلها موقف البلدين الداعي لإنهاء الحرب في اليمن، كما لم تدعم قطر انسحاب الإدارة الأمريكية من الاتفاق النووي الإيراني في مايو 2018. وعليه اعتمدت قطر على ادائها السياسي في تحقيق تقارب مدروس مع إيران، اعانها على كسر المقاطعة، من دون ان يؤثر في علاقتها بالقوى الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والتي تبنت سياسة مشددة ضد إيران.

تركيا

عدل

ترتبط قطر مع تركيا بتعاون استراتيجي في جميع المجالات منذ عام 2014 ويشترك البلدان في معظم سياساتهم الخارجية، وبعد إعلان الحصار تبين لدى قطر الأهمية الكبيرة للحليف الاستراتيجي الإقليمي، وبات الخيار شبه الوحيد القادر على مساندتها فوراً، حليفتها القوية تركيا، وعليه فقد بادرت تركيا ومنذ اللحظة الأولى لدعم قطر وعلى مستويات متعددة منها الاقتصادي والعسكري.

الدعم الاقتصادي
عدل

ارسلت تركيا المستلزمات الضرورية والمواد الغذائية عبر الطائرات لتنشأ في ذلك جسراً جوياً مع قطر، بمعدل 7 طائرات يومياً، إلى جانب السفن البحرية، وسيارات الشحن البري عبر الاراضي الإيرانية، لمنع انهيار البلاد، ودعم صمودها في مواجهة المقاطعة.

الدعم العسكري
عدل

عقد البرلمان التركي جلسة طارئة بعد يومين من مقاطعة قطر بطلب من الرئيس اردوغان؛ لتمرير اتفاقية التعاون العسكري بين تركيا وقطر، والتي وقعت في عام 2014، إذ بدأت تركيا بإرسال دفعات من قواتها العسكرية التابعة لفرقة طارق بن زياد التركية وبشكل فوري إلى القاعدة العسكرية في قطر قاعدة الريان وعلى الرغم من الاعداد كانت قليلة، إلا انها أصابت دول المقاطعة بالصدمة من رد فعل تركيا، واربكت حساباتهم بفقدهم البعد العسكري في الضغط على قطر، لأنها أصبحت شائكة وباهظة الثمن على الأطراف جميعها.

وعلى الرغم من وجود قاعدتين عسكرتين للولايات المتحدة إلا انها كانت يختصان بالقيادة والمراقبة والدعم اللوجستي، ولو قررت دول المقاطعة التدخل العسكري ضد قطر سيكون الرد الأمريكي سياسياً وليس عسكرياً، فضلاً عن وجود مصالح مشتركة بين الولايات المتحدة ودول المقاطعة، ومع مطالبة دول المقاطعة نقل القاعدتين اليها، فقد باردت قطر إلى الاعلان عن توسيعهما وزيادة عدد الثكنات والمرافق فيها.

إلا ان ما تجدر ملاحظته ان قطر ترغب في الحفاظ على غطاء أمني بديل في حال تغير الوضع ضد مصالحها، فقد تمكنت من إنشاء توازن إقليمي ساعدها في عدم اخضاعها والرضوخ لمطالب خصومها، مما دفعهم إلى إعادة النظر في حساباتهم وخطواتهم التصعيدية ضد قطر، كان ذلك جزءاً اساسياً من مجموعة التحالفات والشراكات التي جاهدت قطر في تكوينها لتوفير متطلبات أمنها والحفاظ على استقلالية سياستها الخارجية.

الأداء السياسي على المستوى الدولي

عدل

ادرك قطر مسبقاً بوجود مخطط للتأمر عليها واستهداف نظامها السياسي، لذلك سعت إلى تعزيز جبهتها الدولية عبر اعتماد استراتيجية متعددة الابعاد بواسطة تقوية جهازها الاعلامي، وتعزيز علاقاتها الدولية بالقوى الكبرى؛ وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا والمانيا.

الأداء السياسي القطري اتجاه الولايات المتحدة

عدل

جاء موقف الولايات المتحدة متناقصاً اتجاه الأزمة الخليجية - القطرية، فقد أيد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاطعة قطر، ويرجع ذلك لما اشارت اليه بعض التقارير الإعلامية إلى أن ترامب لدية احقاد شخصية على قطر؛ بسبب سعيه قبل سنوات للحصول على شركات تجارية وتمويليه من الدوحة إلا انها لم تلق اذاناً صاغية في الإمارة. في حين عارض وزير خارجيته المقاطعة، عندما القى كلمة في مقر وزارة الخارجية الأمريكية دعا فيها إلى حل الخلافات بين كل أطراف الأزمة بواسطة التفاوض؛ إلا أن تيلرسون قد دفع ثمن موقفه من الأزمة الخليجية القطرية بعد ما أقاله ترامب من منصبه في مارس 2018 واستبداله برئيس وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو الاكثر انسجاماً مع توجهات ترامب.

وعليه ركزت قطر في أحداث تغير نوعي في الموقف الأمريكي، وتحديداً موقف رئيسها ترامب، لكونه مدخلاً لاحتواء الأزمة وتجريد دول المقاطعة من أبرز أوراق الضغط التي تمتلكها، حيث تمكنت قطر من ترتيب منتدى الحوار الاستراتيجي الأمريكي - القطري، والذي عقد في واشنطن في 30 يناير 2018، وقد توصل الطرفان إلى العديد من القضايا منها؛ اتفاقية لمكافحة الاتجار بالبشر والطيران المدني وحقوق العمال، وعد الطرفان ان تدشين الحوار الثنائي السنوي بينهما دليل على قوة العلاقات الاستراتيجية بينهما وأسس لرؤية مشتركة مستقبلية استراتيجية لشراكتهما.

والجدير بالذكر فقد أدركت قطر أن ترامب رجل تجارة واقتصاد وبناء على ذلك عملت قطر على شراء معدات طائرات ومنظومات عسكرية متطورة، والذي بلغت قيمتها 24.7 مليار دولار ؛ ليكون ذلك زيادة على الاتفاقية التي وقعت لشراء 36 طائرة من طراز QA-F15 الحربية ، بقيمة 12 مليار دولار، وكان قد سبق ذلك إعلان رئيس جهاز قطر للاستثمار منصور بن ابراهيم آل محمود نية الهيئة زيادة استثمارها في الولايات المتحدة من 30 مليار إلى 45 مليار دولار، كما أعلن الرئيس ترامب عن صرف قطر 1.8 مليار دولار الصيانة وتوسعة قاعدة العديد العسكرية في الدوحة والتي تعد مقر مركز الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط.

خرجت قطر بنتيجة مهمة، تمثلت في انتزاع تعهد رسمي امريكي يعد فيه قطر شريكاً اقليمياً موثوقاً قوياً، وتحديداً في سياق الحفاظ على الأمن والاستقرار الإقليمي ومحاربة التطرف، واعتبرت قطر ذلك رسالة واضحة تعبر عن التزام الولايات المتحدة بأمنها واستقرارها.

الأداء السياسي القطري اتجاه الدول الأوروبية

عدل

ترى الدول الأوروبية في الأزمة كتهديد مباشر لمصالحها في منطقة الخليج العربي، وكانت معظم مواقف الدول الأوربية متوازنة، إلا انها كانت متباينة، فكل دولة اتخذت موقفها انطلاقاً من مصالحها. إذ تنظر معظم الدول الأوروبية إلى قطر كشريكاً استراتيجياً مستقراً، نظرًا لمقوماتها التجارية الاقتصادية ومكانة قطر الجيوسياسية؛ إذ ترتبط بريطانيا تاريخياً بسلسلة علاقات مع دول الشرق الأوسط وفي مقدمتها دول الخليج العربي، فقد دعت إلى حل الأزمة بالطرق الدبلوماسية والسياسية، حيث دعت الحكومة البريطانية الأطراف جميعها للعمل على تهدئة الوضع، والالتزام بالحوار وإعادة وحدة مجلس التعاون في اقرب فرصة ممكنة ويرجع ذلك الموقف إلى مجموعة من العوامل وأهمها:

  • ضمان الامدادات من النفط والغاز، إذ كانت بريطانيا تحقق اكتفاء ذاتياً من الغاز من بحر الشمال حتى عام 2004، إلا ان تراجع الانتاج المحلي قادها إلى الاعتماد على نسبة 60% من حاجاتها من الغاز المسال، وهذا يعني ان امن الطاقة وامداداتها في منطقة الخليج العربي هدفاً استراتيجياً للسياسة الخارجية البريطانية.
  • استعادة الوجود العسكري في منطقة الخليج العربي، بعد انسحابها من المنطقة في عام 1971، وذلك لتأمين خطوط الطاقة واستقرار الأسعار، لذلك تطلب وجوداً عسكرياً دائماً في منطقة الخليج العربي.
  • ضمان المصالح الاقتصادية؛ وجاء ذلك بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وما ترتب عليه من خسائر اقتصادية، إذ تعمل على عقد عدة اتفاقيات تجارية ثنائية، فهي تعد واحدة من أكبر المستثمرين في المنطقة؛ لذلك سعت بريطانيا إلى تسوية الأزمة بالطرق الدبلوماسية والسلمية.

أما فرنسا فقد دعت إلى حل الخلافات عن طريق الحوار، وابدت المبادرات الداعية إلى حل الأزمة وتهدئة التوتر، ويرجع هذا الموقف من الأزمة إلى جانب كبير منه إلى دور العامل الاقتصادي، إذ تعد قطر أكبر المستثمرين في فرنسا، وما يميز هذا الاستثمار نموها المتواصل وتنوع القطاعات المستثمرة، فقد وصل حجم الاستثمار القطري في فرنسا إلى اكثر من 40 مليار يورو لغاية عام 2018.

وجاء الموقف الألماني مغايراً لموقفين البريطاني و الفرنسي، اللذان ابديا حذراً في التعامل مع الأزمة بحكم مصالحهم الكبرى مع خصوم قطر، إذ رفضت المانيا رفضاً قاطعاً المقاطعة الاقتصادية والسياسات القصرية التي اتخذتها دول المقاطعة تجاه قطر وكان هذا الموقف موجهاً ضد سياسات الرئيس الأمريكي ترامب واستمرار حالة عدم الاستقرار في علاقتها مع أهم أطراف الأزمة وهي المملكة العربية السعودية، إذ اتخذت المانيا عدد من المواقف والاجراءات العملية فقد حذر وزير خارجية المانيا زيجمار جابريل من أن هذه الأزمة من الممكن أن تؤدي إلى اندلاع حرب مشيراً إلى قسوة الاجراءات التي اتخذتها دول المقاطعة ضد قطر وجاء ذلك الموقف خشية المانيا من شمول منطقة الخليج العربي الحيوية والمهمة لاندلاع صراع مسلح فيها.

في حين اتسم الموقف الروسي بالحذر مع بداية الأزمة، لكنه ما لبث أن تطور، عندما عرضت روسيا تزويد قطر بالمواد الأساس نتيجة المقاطعة المفروضة عليها، كما دعا وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف لحل الأزمة عن طريق الحوار من أجل إزالة كل ما يبعث عن القلق.

عن طريق ما تقدم؛ فقد ربطت قطر حاجات الدول الكبرى الاجنبية من الغاز المسال وجعل أمن قطر واستقرارها مصلحة حيوية لجميع الأطراف الدولية، ودعمها في حال واجهت مشكلة خطيرة تهدد أمن الطاقة في تلك المنطقة المضطربة. فقد سعت قطر وما تمتلكه من نفوذ سياسي إلى تكوين تحالفات عالمية وهي بمنزلة وثيقة تأمين بالنسبة لها.

التحرك القطري اتجاه العمق الافريقي

عدل

بجانب مصر فقد قاطعت دولة قطر عدداً من الدول الأفريقية منها جيبوتي، وجزر القمر، ومورشيوس، والغابون، وموريتانيا، وحكومة حفتر في شرق ليبيا وجمهورية تشاد والسنغال. إلا ان قطر سعت إلى كسب تأييد إقليمي ودولي، إذ نجحت قطر في اقناع بعض الدول الافريقية المقاطعة بالتراجع عن اجراءاتها، كما فعلت مع السنغال التي أعلنت عن عودة سفيرها إلى الدوحة في 21 أغسطس 2017، بعد ان دعته إلى التشاور وتلتها تشاد في 20 فبراير 2018 بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدوحة إلى وضعها الطبيعي، بعد أن أغلقت سفارتها إلى أكثر من ستة أشهر، واستقبلت الدوحة في عام واحد ستة زعماء من إفريقيا، كما قامت بفتح سفارة جديدة لها في غانا. إذ تعد قطر المصالح الاستراتيجية في القرن الافريقي ظهيراً أمنياً لها، حيث تستمد أهميتها الحيوية بواسطة ارتباطها بالبحر الاحمر باعتباره شريان الملاحة الدولية مما سيعزز من نفوذ قطر بوصفها قطباً اقليمياً، ومصالحها الاقتصادية والتي تتجسد اساساً بالإعانات والمساعدات والقروض كما في السودان وجيبوتي وارتيريا.

المصالحة وانتهاء الأزمة

عدل

بدأت الأزمة في عام 2017 بمتغير دولي وهو وصول رئيس الولايات المتحدة ترامب إلى السلطة، وانتهت بمتغيرين دوليين هما ظهور جائحة كورونا في مارس 2020 وخروج ترامب من الرئاسة، بعد خسارته في الانتخابات الرئاسية أواخر عام 2020 ووصول الرئيس جو بايدن وهو ممثل عن الحزب الديمقراطي.

ونتيجة لتلك المتغيرات؛ عُقدت في مدينة العلا السعودية في 5 يناير 2021 قمة مجلس التعاون الخليجي الحادية والأربعون، والتي شهدت التوقيع على وثيقة مبدئية انطوت على توجيهات وقواعد عامة لتجاوز الخلاف مع قطر، تؤكد الثوابت الرئيسة الواردة في بيان مجلس التعاون، في ظل أساسيات واضحة وهي عدم التدخل في الشؤون الداخلية وعدم المساس بسيادة أية دولة من الدول الأطراف، والتعاون فيما يهدد الأمن الداخلي أو الأمن الإقليمي فضلاً عن التعاون في مكافحة الإرهاب.

وعلى الرغم من الحسابات التي دفعت إلى المصالحة الخليجية بقرار سياسي مسبق، إلا ان هنالك عوامل ضاغطة على صناع القرار بدول الخليج العربي لأجل إنهاء الأزمة وتغليب المصالحة أهمها: التحديات السياسية والاقتصادية، والخسائر التي لحقت بدول المجلس من جراء الأزمة، فضلاً عن التكاليف الاقتصادية الناتجة عن وباء كورونا وتراجع أسعار النفط، وهو ما انعكس في خفض الموازنات العامة، وعجز الميزانيات، وتحولات سوق العمل، وتسريح العمالة الأمر الذي جعل الخليج العربي 2021 يختلف عن الخليج العربي 2017. فضلاً عن ذلك الاحتفال بمرور 40 عاما على إنشاء مجلس التعاون الخليجي، واستقبال عقد جديد في تاريخ المجلس، تفرض الضرورات أن يكون مختلفاً عن أصعب عقد مر على دول المجلس (2010 - 2020) من ناحية الأزمات والخلافات البينية.

كما اتخذت إدارة ترامب مسارًا جديدًا في أيامها الأخيرة من الحكم، في محاولة حل نزاع مستمر منذ ثلاث سنوات ونصف بين قطر وجيرانها الخليجيين، وكان أحد الأهداف الرئيسة لتلك الإدارة، هو احتواء إيران والعمل على ممارسة سياسة الضغط القصوى ضدها إذ قال المسؤولون إن الرئيس ترامب ضغط شخصيًا على القادة السعوديين لإنهاء القيود المفروضة على المجال الجوي، والتي غالبًا ما تجبر الطائرات على التحليق فوق إيران، مما يوفر لإيران مصدر تمويل تريد الولايات المتحدة إزالته. وقال مسؤول أميركي: "هناك شعور أكبر بالحاجة الملحة لحل قضية المجال الجوي وإنه مصدر إزعاج مستمر لنا أن الأموال تذهب إلى خزائن إيران؛ بسبب تحليق الخطوط الجوية القطرية".

ونتيجة لتلك التطورات، فقد التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وامير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في العاصمة بغداد على هامش مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة، في أول لقاء بينهما بعد سنوات من المقاطعة، حيث اكدوا أهمية ترسيخ الأمن والاستقرار والتنمية على الصعيد الإقليمي، بعد ما تقاربت وجهات النظر بشأن الملف الليبي وحث الجانبيين على دعم الجهود الأممية في ليبيا، كما اتفقت مصر وقطر على استمرار تبادل الزيارات بين البلدين فضلاً عن استئناف اطر التعاون الثنائي.

الخاتمة

عدل

وفي الختام يمكن القول أن قطر تحولت الى فاعل إقليمي مؤثر على الرغم من صغر حجمها، كما وفرت لنفسها حماية من خلال ادواتها الاستراتيجية، حيث اصبح من الصعب ان تتعرض ارضها او سيادتها للخطر، من دون ان تتحرك الكثير من الدول والمنظمات الدولية لأنها اصبحت ترتبط بمصالح سياسية واقتصادية واخلاقية وانسانية مع قطر ومؤسساتها الرسمية وغير الرسمية؛ ومع انتهاء الازمة الخليجية - القطرية، خرجت الدوحة من أزمة الحصار أكثر تماسكا وقوة ومنعة، من ذي قبل؛ وذلك عن طريق تكثيف من أدواتها الاستراتيجية من الأمن القومي بالدبلوماسية والاتصالات الاستراتيجية، فلم تستجب لمطالب دول المقاطعة المخلة بالسيادة، وعززت من استقلاليتها؛ في قرارها السيادي والإعلامي والسياسي، وهذا في حد ذاته يعد انتصاراً، فهذه هي الأسباب التي فرض من أجلها الحصار ولكنه فشل في تحقيقها.

وبناءً على ما تقدم يمكننا التوصل إلى مجموعة من الاستنتاجات الآتية:

  • أدت استراتيجية قطر الكامنة في إظهار دورها على الصعيد الدولي والإقليمي، إذ عززت قطر من قوتها الناعمة عن طريق تكثيف من أدواتها الاستراتيجية من الأمن القومي بالدبلوماسية والاتصالات الاستراتيجية؛ إذ ربطت ذلك بمبادرات الوساطة بجهات دولية وإقليمية فاعلة ومتعددة، ومن ثم حقق لها ذلك دورا استراتيجيا أدى إلى نشوء نوع من الاعتماد المتبادل والتي ساهمت في تعزيز امنها واستقرارها.
  • صلابة الاقتصاد القطري وقوته الذاتية نتيجة لتبني سياسات اقتصادية كلية سليمة؛ إذ عملت على تأسيس بنى تحتية إنتاجية أكبر بنية تحتية لإسالة الغاز عالمياً وبنية تحتية ضخمة مثل الموانئ البحرية والجوية وخطوط طيران عالمية واستثمارية الإدارة الأزمات فضلاً عن الدورة الاقتصادية، والتي تمكنت الدوحة من بناء اقتصاد قوي وقادر على امتصاص الصدمات، وشكلت اذرعاً لكسر المقاطعة.
  • تبنت قطر مجموعة من السياسات لتنمية المنتج المحلي وتعظيم الاكتفاء الذاتي عن طريق دعم الإنتاج الزراعي والحيواني والصناعات الخفيفة، وتنويع الشركاء التجاريين، ومراكمة استثماراتها الخارجية، والتوسع في صناعة الغاز الطبيعي المسال للبقاء في الصدارة العالمية، ودعم النمو وتقوية علاقات قطر الجيو - اقتصادية، بواسطة ربط صادراتها واستثماراتها بدول مؤثرة في الساحتين الاقتصادية والسياسية العالمية.
  • عملت قطر على ان تكون المزود الرئيسي لأسواق الطاقة العالمية من النفط والغاز الطبيعي المسال؛ وقدرة استثماراتها الخارجية وتبادلاتها التجارية او حتى مساعداتها الانسانية، اذ يبنى ذلك كله على ان تجعل نفسها بلداً لا غنى عنه ولأهم القوى الدولية الفاعلة، وهو أمر مرتبط على نحو لا مفاك منه بأمنها واستقرارها.
  • بعد انتهاء الازمة الخليجية القطرية احتلت قطر مكانة جديدة بفضل قوة سياستها الخارجية التي تفوق بكثير حجمها الجيو - استراتيجي، وتأكيد مكانتها في بيئتها الإقليمية، بل حتى في مجالات أبعد، كما يظهر ذلك من خلال دورها في أفغانستان. في حين أصبحت الإمارات والسعودية في موقف دفاعي بعد أن تعرضت لعدة نكسات في مواضيع إقليمية مختلفة، و يمكن تفسير هذا الوضع الجديد بأن منطقة الخليج العربي شهدت إعادة توازنات جيوسياسية كبير؛ ويمكن القول بأن قطر طورت من سياستها الخارجية المستقلة مستوحاة من نظرة استراتيجية على المدى الطويل، في حين طبقت الإمارات والسعودية من جانبها تكتيكات قصيرة المدى.

مصادر

عدل
  1. ^ "يوميات الأزمة الخليجية".
  2. ^ "صعود جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر وسقوطها".
  3. ^ [الربيع العربي.. عندما أراد الشعب إسقاط النظام "الربيع العربي.. عندما أراد الشعب إسقاط النظام"]. {{استشهاد ويب}}: تحقق من قيمة |مسار= (مساعدة)
  4. ^ "خطيئة قطر السياسية... التحولات والأثمان".
  5. ^ "الاهمال والقبلية والتاريخ يشعلون التمرد شرق ليبيا".
  6. ^ "عشرات الآلاف يتظاهرون في صنعاء لرفع الحصانة عن علي عبد الله صالح".
  7. ^ "الثورة السورية.. متى بدأت شرارتها الأولى؟ وما أبرز مراحلها ونتائجها؟".
  8. ^ "30 يونيو.. مظاهرات مهدت لعزل رئيس مدني منتخب".
  9. ^ "أمير قطر السابق.. ماذا بين انقلابه على والده وتسليم السلطة لابنه؟".
  10. ^ "قطر وايران تتقاسمان أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم".