يثع أمر وتر

مكرب سبئي
(بالتحويل من يثع أمر وتر الأول)

يَثَع أمَر وَتَر بِن يَكْرُب مَلِك (تـ 710 ق م): أول مكاربة سبأ، حكم خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الثامن قبل الميلاد تقريباً.[2]وهو صاحب أقدم وأهم الوثائق التاريخية القديمة التي تتعلق بأخبار نشأة دولة سبأ، والتي ستتحول لاحقاً إلى مملكة سبأ الواسعة في عهد الملك كربئيل وتر خلال القرن السابع قبل الميلاد.[3]ووفقاً لنقش أثري خاص للملك الآشوري سرجون الثاني وحوليات دور شروكين، فقد دفع إيتامرا السبئي جزية لسرجون خلال السنة السابعة من فترة حكمه أي عام 715 ق م تقريباً.[4]وقد أكدت النقوش السبئية التي اكتشفت في العقد الأول من الألفية الثالثة في موقع صرواح ثبات المعلومات المذكورة في النصوص الأشورية وصحتها، فهي تذكر (يثع أمر وتر) من سبأ الذي دفع ضريبة.[5]

مكرب سبأ
يَثَع أمَر وَتَر بِن يَكْرُب مَلِك
النقش DAI Ṣirwāḥ 2005-50
فترة الحكم
(730 ق م - 710 ق م) تقريباً
يكرب ملك.[1]
سمه علي ذريح الأول
معلومات شخصية
تاريخ الوفاة 710 ق م تقريباً
اللقب مكرب سبأ

عُرف كيان سبأ في مطلع نشأته - كبقية الكيانات السياسية في جنوبي جزيرة العرب - من مكون واحد فقط وهو قبيلة سبأ، وفي أواخر القرن الثامن ق م، اتحدت مع قبيلة فيشان. وكان مكان استيطان قبيلة سبأ في وادي ذنة في منطقة مأرب العاصمة التاريخية لمملكة سبأ وفي صرواح. ويظهر من نقش صرواح (Ṣirwāḥ 2005-50) الذي يمكن تأريخه عام (715 ق م) تقريباً، والذي يسرد منجزات فترة طويلة من عهد المكرب السبئي يثع أمر وتر بن يكرب ملك، والذي اتخذ سياسة التوسّع، بغرض فرض سيطرته على مدن جنوبي جزيرة العرب وممالكها، فتحالف مع مملكة أوسان التي كانت على نزاعات مع جيرانها، أي مع قبائل قتبان والهضاب الجنوبية (ردمان، رعين، دّهاس، يحير) فتدخلت سبأ لأخذ ثأرها من قتبان وأولاد عم، فسيّرت حملات عسكرية لمواجهة قتبان، ومدن ممالك المرتفعات، التي كانت تعبد الإله عم والمعروفين باسم (أولاد عم). وقد دفع ثمن هذه الحملات ملوك قبائل ومدن، فقتل في المعارك: ملوك تمنع وينهجو وردمان ويحير ويهنطل وذي وسر. وعين المكرب السبئي ملوكاً حلفاء له، فتوج "سمهو وتر ذي شمر" على مدينة تمنع - التي ستصبح عاصمة مملكة قتبان بدءاً من القرن السابع ق م، وعين كذلك يخوم ملكاً على قبيلة ردمان.[6]

كما دخل هذا المكرب السبئي في مواجهة كمنا واستولى على مدينة "منهية" التي كانت تابعة لكمنا، كما سجل النقش (AO 31929) المكتشف في نشان، نفس الأحداث أيضًا، ويروي تدخل المكرب السبئي يثع أمر وتر في الاشتباكات التي وقعت بين نشان وكمنا، وتم إرجاع أراضي نشأن من كمنا، التي أُوقِعَ بها السبئيون.[7]وللوصول إلى مدن الجوف شيّد السبئيين في وادي رغوان عدداً من المدن هي: الأساحل وخربة سعود وجدفر ابن المنيخر. لقد أتبع يثع أمر وتر والسبئيين من بعده، سياسة توسعية بغرض توحيد ممالك جنوب جزيرة العرب تحت رايتهم في المناطق الجنوبية، والجنوبية الغربية من عاصمتهم مأرب. وبفضل الحملات العسكرية السبئية الناجحة التي ذهب فيها كثير من الضحايا - عدا عن الغنائم والأراضي الواسعة التي أصبحت تحت سيطرة سبأ وحلفائها، نجح المكرب السبئي يثع أمر وتر بتوسيع نفوذ دولة سبأ، وعقد تحالفات مع الحكام المحليين بوصفهم حلفاء في مناطق واسعة في جنوبي جزيرة العرب، وهذا ما يسمح للسبئيين بالسيطرة على طريق البخور الذي كان يربط جنوب جزيرة العرب بأواسطها وشماليها ومع الشرق الأدنى.

قبل نقش صرواح المكتشف في ديسمبر 2005، افترض الباحث كينيث كيتشن أن عهد "يثع أمر وتر بن يكرب ملك" يعود إلى منتصف القرن التاسع قبل الميلاد، وكان حكمه ما بين العام (850 - 830م).[8][9]ولوقت طويل افترض بعض المستشرقين وعلى رأسهم فون ويسمان أن يثع أمر السبئي المذكور في السجلات الآشورية هو المكرب "يثع أمر بين بن سمه علي".[4]وفي عام 1996، أكد عالم السبيئيات كريستيان روبن أن "يثع أمر وتر بن يكرب ملك" عاش في النصف الثاني من القرن الثامن قبل الميلاد، معتمداً على التصنيف الزمني التقديري للنصوص بناءً على تطور شكل الحروف.[10]في عام 2003، نشرت الباحثة "ايفونا جايدا" نقشاً جديداً لهذا المكرب؛ ورجحت أنه المشار إليه في النقوش الآشورية. وفي عام 2005، اكتشف الألمان نقش "يثع أمر وتر بن يكرب ملك" الضخم في صرواح، مما أكد تقدير العالم روبان وفرضية "ايفونا جايدا".[11]وفي عام 2007م، أكد العالم نوربرت نيبس أن "يثع أمر وتر بن يكرب ملك" صاحب نقش صرواح هو المشار إليه في السجلات الآشورية.[12]

المنهج العلمي في التوصل إلى زمنه

عدل

اعتمد العلماء في التسلسل التاريخي للمكربان العظيمان يثع أمر وتر و"كربئيل وتر" على عدة معايير، منها أن النصوص الآشورية أشارة إلى أسماؤهم، حيث أشير إلى "يثع أمر" في سنة 715 ق م، وذُكر "كربئيل وتر" في عيد رأس السنة الآشورية سنة 685 ق م أو 682 ق م. ومن خلال النقوش السبئية تم التثبت من صحة نصوص آشور، بفضل نقش ضخم في صرواح تم اكتشافه في 2005، ووفقاً لمنهج التحليل القديم للنقوش – التصنيف الزمني التقديري للنصوص بناءً على تطور شكل الحروف والسمات اللغوية والنحوية، تم اعتماد هذا النقش ضمن أقدم النقوش السبئية، وهو للمكرب يثع أمر وتر، الوارد اسمه في النصوص الآشورية. وتم تأكيد الافتراض القديم الذي اقترحه كريستيان روبن عام 1996، بفضل نقش صرواح الضخم الذي ذكر فيه أسماء عدد من الزعماء الذين عاصرهم المكربان يثع أمر وتر وكربئيل وتر، بالإضافة لمشروع شراء الأراضي الذي كان امتداد بين عصرهما، والمؤكد باسماء الأراضي. والقائمة التالية، تعطينا اسماء الزعماء ومعاصرتهم لهؤلاء المكاربة.

جدول مقارنة بين الشخصيات المعاصرة للمكربين
يثع أمر وتر ملاحظة كربئيل وتر ملاحظة
عم وقه ذي أمير
  • اشترى المكرب "يثع أمر وتر" عدد من الأراضي في منطقة "ماه عذب/مهعذب" في وادي ونب بحدودها من الزعيم عم وقه ذي أمير.
عم وقه ذي أمير.
  • تابع كرب إيل وتر السياسة المميزة التي أسسها "يثع أمر وتر" قبله، وهي سياسة شراء الأراضي من السكان الأصليون وزعماء القبائل المجاورة، وتوسيع أملاك قبيلة سبأ وأتباعهم.
  • قام "كربئيل وتر" بشراء كامل أراضي "ونب" (حاليًا: وادي الجوبة) من عدد من الزعماء، من بينهم "عم وقه ذي أمير". هذا المعطى المهم يعطينا دليل على قرب الزمن بين المكربين يثع أمر وتر وكربئيل وتر، ويمكننا تقديرها بشكل معقول بحوالي ثلاثين إلى خمسين عاماً من حياة الزعيم "عم وقه ذي أمير"(715 ق م - 670 ق م) تقريباً.
خلامر بِن حاضرهمو
  • اشترى المكرب "يثع أمر وتر" عدد من الأراضي في وادي ونب من "خلامر بِن حاضرهمو" زعيم قبيلة "ذي مفعل".
أبناء خلامر
  • اشترى المكرب "كربئيل وتر" عدد من الأراضي في وادي ونب من زعيمها الجديد "حاضرهمو بن خلامر" وهو ابن "خلامر بن حاضرهمو" المعاصر للمكرب يثع أمر وتر. بالإضافة إلى شراء "كربئيل وتر" أراضي في وادي "ونب" من شقيق الزعيم السابق "رابم بن خلامر" وأقطعها إلى جماعة فيشان أتباعه (أدم). ومن الواضح، أن الزعيم "خلامر بن حاضرهمو" هلك قبل مشروع كربئيل وتر الواسع في شراء الأراضي المحيطة بسبأ. فخلفه أبنائه زعماء على "ذي مفعل"، القبيلة صاحبة الأراضي الشاسعة في وادي الجوبة ومرتفعاتها إلى رداع.
ملك وقه
  • عاصر المكرب "يثع أمر وتر"، حاكم نشان المدعو "ملك وقه"،[13] كما عاصر ابنه "يدع أب ابن ملك وقه" ملك نشان (نص غير منشور).
ذات ملك وقه
  • استولى كربئيل وتر على أرض "ذات ملك وقه" من سمه يفع (ملك نشان في أيامه) وسلمها إلى ملك كمنا. ومن الملاحظ أن في عهد ملك وقه، امتدت حيازات نشان الزراعية إلى منطقة التقاء واديي مذاب والخارد، بالقرب من حدود كمنا وهرم. إلا أن كربئيل وتر قهر نشان، وسلم تلك الأرض الخصيبة إلى كمنا.

في السجلات الآشورية

عدل

ورد ذكر الحاكم السبئي "يثع أمر وتر" في عهد سرجون الثاني سنة 715 ق م، وذلك في العبارات التالية:[14]

من فِرعون ملك مصر، و"شمسي" ملكة بلاد العرب، وإتأمَرا السبئي [It-[ʾ]a-am-ra KUR sa-ba-ʾa-a-a]، وملوك الساحل وصحراء الذهب، نباتات خاصة جبلية وأحجاراً كريمة وعاجاً وبذور القيقب، وشتى أنواع الأعشاب العطرية والخيول والجمال، وسلموها لي جزيةً".

"من فِرعون ملك مصر، و"شمسي" ملكة بلاد العرب، وإتأمَرا السبئي [It-ʾa-am-a-ra KUR sa-ba-ʾa-a-a]، أهدي إليَّ ذهباً خاماً من الجبال وخيول وجِمال".

في النقوش السبئية

عدل

أهم مصدر لعهد "يثع أمر وتر" هو نقش ضخم اكتشف في عام 2005 خلال أعمال التنقيب التي قام بها المعهد الألماني للآثار في وسط معبد المقه في صِرواح[15]، منصوباً أمام نقوش كَرِب إيل وَتَر بن ذَمَار علي المكتشفة سابقاً (النقش RES 3945 والنقش RES 3946)، مكتوبان على الوجهين المتقابلين من نفس الكتلة الحجرية). وقد ترك هذان المكربان، كلٍ على حده، سجلاً رائعاً عن فترة حكمه من خلال نقشين طويلين في معبد المقه في مدينة صرواح السبئية القديمة. وبفضل المقارنة مع نصوص آشورية من بلاد النهرين تم التعرف على تاريخ هذين النقشين، وتم الكشف عن هوية هذين المكربين العظيمين.

في النقش الجديد يروي يثع أمر حروبه واستحواذه على مختلف المواقع والأراضي. ومنها أنه هزم أولاد عم (مملكة قتبان). وأنه مر عبر مناطق ردمان، ورُعَيْن، ويَهَر في جنوب غرب قتبان، ثم عبر مدينة الوصر، مركز مملكة أوسان، التي تحدها من الجنوب الشرقي. ثم حرر يثع أمر مدينتي نشان ومَنهيَت المحتلتان من قبل مدينة كمناهو، في الجوف شمال سبأ ثم غزا كمناهو نفسها. كما ورد ذكر حملة في الجوف على نقش إهداء من يثع أمر لمذبح من البرونز في نشان.

مراجع

عدل
  1. ^ DASI: Digital Archive for the Study of pre-islamic arabian - DAI Ǧabal DAI Ǧabal Kawfal 1. نسخة محفوظة 2023-12-11 على موقع واي باك مشين.
  2. ^ DASI: Digital Archive for the Study of pre-islamic arabian - DAI Ǧabal Balaq al-Qiblī 1. نسخة محفوظة 2023-12-11 على موقع واي باك مشين.
  3. ^ The Arabs in Antiquity - Jan Retso - Page 538. نسخة محفوظة 2023-12-10 على موقع واي باك مشين.
  4. ^ ا ب TSchrift im antiken Afrika - Francis Breyer - Page 147. نسخة محفوظة 2023-12-11 على موقع واي باك مشين.
  5. ^ DASI: Digital Archive for the Study of pre-islamic arabian - DAI Ṣirwāḥ 2005-50. نسخة محفوظة 2023-12-10 على موقع واي باك مشين.
  6. ^ DASI: Digital Archive for the Study of pre-islamic arabian -DAI Ṣirwāḥ 2005-50. نسخة محفوظة 2023-11-09 على موقع واي باك مشين.
  7. ^ DASI: Digital Archive for the Study of pre-islamic arabian -AO 31929. نسخة محفوظة 2023-12-10 على موقع واي باك مشين.
  8. ^ Documentation for Ancient Arabia - Kenneth Anderson Kitchen- Page 727.
  9. ^ Documentation for Ancient Arabia - Kenneth Anderson Kitchen- Page 744. نسخة محفوظة 2023-12-10 على موقع واي باك مشين.
  10. ^ Sheba. II. Dans les inscriptions d’Arabie du Sud - ROBIN Christian, Julien- Page 133.
  11. ^ Deux autels de bronze provenant de l'Arabie méridionale - Gajda, Iwona - page 1238.
  12. ^ Ita'amar the Sabaean. On the age determination of the monumental inscription of the Yita amar Water from Sirwah- Norbert Nebes- Page 26.
  13. ^ DASI: Digital Archive for the Study of pre-islamic arabian -AO 31929.
  14. ^ Agostini, Alessio (2022). The ‘Mesopotamian connection’. An overview about the South Arabian data relating to Mesopotamia (1st millennium BCE). in: M. Ramazzotti (ed.), The Historical and Cultural Memory of the Babylonian World. Collecting Fragments from the ‘Centre of the World’. (بالإنجليزية). Brepols: Turnhout. Vol. ARATTA 2. pp. 103–122. ISBN:978-2-503-59536-8. Archived from the original on 2023-10-11.
  15. ^ "DAI Ṣirwāḥ 2005-50". DASI. مؤرشف من الأصل في 2023-10-19.