ويكيبيديا:عيد ميلاد ويكيبيديا الخامس عشر/قصتك مع ويكيبيديا
ابتهاجًا بمرور خمسة عشر عامًا على إنشاء ويكيبيديا
ندعو جميع المساهمين للاحتفال بمشاركة قصتهم مع ويكيبيديا. |
كان المطر شديداً في الخارج، لطمت نسمات الهواء العاصف الشباك الخشبي مرَّة بعد أخرى حاملةً معها سيلاً من حبَّات البرد القاسية، بينما دوى صوت برقٍ غاضب في السَّماء متبعاً ذلك النور المفاجئ بلحظات قليلة. ومع أن أياً من ذلك لم يحدث في الحقيقة، لكن لا بد أنه سيجعل القصة ممتعةً أكثر. حسناً حسناً، القصة الحقيقية دائماً أقل إثارة. فليس هناك شيء مُميَّز كثيراً حيال فتى صغير مسكين يحضر الفصول الدراسية واحداً بعد الآخر بضجر، شاعراً بالوحدة لأنه لا يستطيع إدراك أي شيء مشترك يجمعه مع زملائه. فبينما تحدث الجميع عن فرق كرة القدم، أو أحدث أنواع الجوالات، أو أشياء كثيرة أخرى لم يكن ليفهمها حتى ولو حاول ذلك، فضَّل قضاء وقته يَهيم وحيداً، أو كان يحاول - بين الفينة والأخرى - الاختباء في مكتبة المدرسة القديمة التي لفَّت أشباك العناكب آخر رفٍّ من رفوفها، مع علمه بأنه لن يرضى عمَّا سيجده هناك. كان الفتى محاطاً بشغف كبير حيال العالم، كان تواقاً لأن يعرف الكثير من الأشياء عن كل شيءٍ من حوله، لكنه كلَّما أثار موضوع فضوله، لم يجد كتاباً في متناول يديه يرضي شغفه من المعرفة حياله، إلا القليل الضئيل.
ثم مرَّت الأيام، وحصل الفتى على اتصال بشبكة الإنترنت العالمية، التي لم يكن يدرك بعد ماذا يُمكن أن تجلب له. وأصبح يقضي الساعات الطوال، يُغَوْغِلُ على الشبكة عن كل ما أثار اهتمامه، ورغم جهوده الحثيثة في البحث والتقصِّي، إلا أنَّ لغته الأم لم تُوفِّقه إلا بأتفه النتائج وأقلِّها إرضاءً لفُضوله. وكانت إحدى تلك الليالي المتأخرة، التي لم تكن عاصفةً ولا ماطرةً للأسف، كما أن شباك غرفته لم يكن خشبياً بل من الألمنيوم، كانت إحدى تلك الليالي عندما كان يغوغل موضوعاً آخر أثار جلَّ اهتمامه، فوقع ناظراه على نتيجة غريبة جداً في ذلك البحث، لم تكن منتدى ولا موقع سبام، كانت صفحة أنيقة مرتبة، ومع أن ما فيها من المعلومات لم يكن غزيراً إلا أنه كان مكتوباً بلغةٍ جيدة رصينة، كانت تلك مقالة الكنعانيِّين، إحدى الشعوب القديمة التي سكنت الأرض بلاد الشام. لكن ما بدا للوهلة الأولى موقعاً رائعاً، سيُحقِّق له كل أمانيه، بدأ يتلاشى عندما بدأ يتعرف أكثر إلى هذا المكان الغريب، الذي تملأ صفحاته أزرارٌ ودعوات تحث الغرباء على تعديل كل مقالةٍ من مقالاته. «ما هذه التفاهة؟» فكَّر الفتى في نفسه، «موقع يسمح لأي زائر بالعبث بمقالاته، كيف يُمكنك الوثوق بشيءٍ كهذا؟».
انطلق الفتى مرَّة أخرى بطريقه الطويل، يبحث ويُغوغل ويُحاول الوصول إلى شيءٍ يُرضيه، وفي كل مرَّة صادفته نتيجة حملة اسم ويكي حاول تجاهلها بعناد. وحدث في يومٍ من الأيام، أن فكر - على صعيد التجربة - بأن يتقصَّى إحدى الموضوعات التي أثارته باللغة الإنكليزية، عوضاً عن لغته العربية الأم، وكان ما رآه صادماً. آلاف النتائج من كل شكلٍ ولون، الغزيرة بكل ما يُمكن أن يتمنى معرفته عن كل تفصيل، لم يقف الأمر عند ذلك، كان أول موقعٍ صادفه، وأكثرها غزارة بالمعلومات والصور والروابط، يحمل نفس الشعار الكرة ذاك الذي انطبعت تحته حروف Wikipedia. ومع أنَّه لم يشأ الاعتراف بذلك، لكن الأمر كان واضحاً: فذلك الموقع غريب الأطوار، الذي يسمح لكلِّ من يشاء بالتلاعب به، كان بطريقةٍ ما واحداً من أفضل المصادر العلميَّة التي صادفها على الإطلاق.
وأصبح الفتى يتردَّد مرَّة تلو الأخرى على صفحات هذه الموسوعة العجيبة، يبحث فيها عن كل أنواع المواضيع كما فعل من قبل في غوغل، لكنَّه لم يزل مُحبَطاً كما كان، فكلُّ مقالة يفتحها كانت أصغر وأقلَّ إرضاءً من سابقتها، وفي كل مرة كان يحاول معاينة نظيرتها الإنكليزية، شعر بالنَّدم أكثر لأنه كان يلهو في دفتره في حصَّة اللغة الأجنبية بدلاً من الاستماع لذلك المُدرِّس المزعج صعب الفهم. لكن السَّنوات مرَّت بسُرعة، وتحسَّنت قدرات الفتى اللغوية شيئاً فشيئاً، دون إحساسٍ كبير منه. وعندما حلَّت إحدى الليالي الأخرى من منتصف شهر أغسطس، التي لم تكن أيضاً عاصفةً ولا ماطرة، وكان شباك غرفته لا يزال من الألمنيوم، قرَّر أن الوقتَ قد حان لكي يضغط على ذلك الزر، الذي رآه يناديه في كلِّ صفحة فتحها على تلك الموسوعة منذ وقعت عيناه عليها لأوَّل مرة.
وكانت تلك بداية مشوارٍ طويل، غيَّر من حياته كثيراً لسنوات ستأتي. كانت بداية ساعاتٍ لا تُحصَى، اكتشف فيها متعة لا توصف، متعة أن تهب شيئاً للبشريَّة جمعاء من دون أن تطلب مقابلاً له. ومع أنَّه يبدو لمن يراه أنه هو من كان يهدي وقته وجهده لتلك الموسوعة، إلا أنَّ الحقيقة التي أدركها جيداً، هي أنها مَن كان يُقدِّم له كل شيء --عباد (نقاش) 13:41، 13 يناير 2016 (ت ع م).
كانت بدايتي مع ويكيپيديا العربيَّة في شهر أيلول (سپتمبر) سنة 2007، وقبل ذلك كُنت مُجرَّد قارئ للموسوعة الإنگليزيَّة، أتصفح فيها بعض المواضيع التي تجذبني، وفي مُقدمتها الحياة البريَّة والتاريخ، وكذلك مواضيع لُبنان الراهنة نظرًا لِما مرَّ به البلد من أزمات بدايةً من اغتيال رفيق الحريري سنة 2005 وما تلاها من مشاكل كان لها تأثير على الناس. ساهمت في ويكيپيديا الإنگليزيَّة بِمقالة أو اثنين ثُمَّ شعرت أنها لا تُقدم تحديًا، نظرًا لِكونها الأكبر على مُستوى جميع النُسخ اللُغويَّة، فبدأت أتصفح الموسوعة العربيَّة، وآنذاك كانت ما تزال طريئة العود، والتنسيق غائب عن الكثير من المقالات، وبعضها احتوى معلومات بسيطة جدًا عن مواضيع بديهيَّة بالنسبة للعرب والناطقين بالعربيَّة، وعند مُقارنتها بنظيراتها الأُخرى من الموسوعات ذات الخلفيَّات الثقافيَّة واللُغويَّة المُختلفة (الإنگليزيَّة والألمانيَّة والفرنسيَّة بالمقام الأوَّل)، وجدت أنَّ تلك غنيَّة أكثر ومكتوبة بطريقةٍ موسوعيَّة، بل حتَّى أنها أدق في الكثير من النواحي (مع وُجود بعض التحامل في مواضع أخرى)، بتعبيرٍ آخر، وجدت أنَّ الموسوعة العربيَّة تُمثل تحديًا وتحتاج للعناية وأن تُبنى رُويدًا رُويدًا حتَّى تصل إلى مُستوى تلك اللُغات.
بناءً على هذا بدأت أولًا بالتحرير في المقالات التي تُثير اهتمامي، وأغلبها عن الحياة البريَّة، وبعد فترة أضفت إليها المقالات التاريخيَّة عُمومًا والإسلاميَّة خُصوصًا، لِما تُمثله من هويَّة وتُراث للمنطقة، وفكرتي كانت ببساطة: «لِمَ نبحث عن تاريخ بلادنا وأُمتنا عند الغريب بينما بإمكاننا كتابته بالاعتماد على أنفسنا؟» ولا حاجة للقول، بأنَّ أغلب المُحتوى العربي على شبكة الإنترنت حتى ذلك الحين كان بعيد أشد البُعد عن ما يُمكن وصفه بالمُفيد، وبِسبب ضعف وقلَّة عدد القُرَّاء في الوطن العربي، وميل الشباب وفئة لا يُستهان بها من الفئة العُمريَّة الوُسطى إلى تصفح المواضيع على الإنترنت، فقد اعتبرت أنَّ هذه فرصة لا يُستهان بها كي تصل المعلومة المُوثقة إلى المُتصفح العربي، ومن هُنا أدركت مدى أهميَّة هذا المشروع التعاوني: كُلٌ يكتب في مجال اختصاصه واهتماماته، والمعلومة تصل بيُسرٍ إلى الناس، وقد تجتذبهم دقة العمل إلى المُساهمة بأنفسهم. ومما زادني إصرارًا على المُساهمة في النسخة العربيَّة هو الإهمال الذي تتعرض لهُ اللُغة العربيَّة في بلادها ومهدها، فوجدتُ مُساهمين عرب في النُسخ الأُخرى أكثر ما وجدت في الويكي العربيَّة، مما عكس (بالنسبة لي) مدى ضعف المُطالعة باللُغة الأُم (وهو أمرٌ ظننت أنَّه أسوأ في لُبنان من سائر الدُول المُحيطة، فتبيَّن أنني على خطأ) ومدى قلَّة الثقة بأي عملٍ مكتوبٍ بها، ورُبما العُقدة القائمة مُنذ سنوات لِأسبابٍ مُختلفة، ومفادها الثقة الكبيرة بالأعمال الأجنبيَّة وانعدام تلك الثقة أو تراجعها بالأعمال العربيَّة. لِهذا، اعتقدت بأنَّ المجهود التعاوني الذي نُقدمه يُمكن أن يُعزز تلك الثقة شيئًا فشيئًا، وأحمد الله كثيرًا كيف تبدَّل وضع هذه الموسوعة منذ سنة 2007 حتَّى اليوم، وكيف أصبحت موسوعة نشيطة وحيويَّة ذات مُحتوىً أفضل بكثير من بعض نظيراتها كالتُركيَّة والفارسيَّة وغيرها.
ويكيپيديا علمتني جمال العمل التطوعي المُفيد للمُجتمع، بل علتمني معنى أن يكون الشخص فاعلًا في أي مُجتمع، سواء وهمي أم فعلي، فلا أحد يبني لوحده، بل كُل بناء هو ثمرة مجهود مُشترك. ومنها تعلمت الحياد إلى حدٍ كبير (وهو أمر تسبب لي بمُشكلةٍ طريفة على الصعيد الشخصي )، وتعلمت أيضًا أنَّ الحياديَّة غير مُطلقة، وعرفت أنَّ لا شيء مُستحيل، وأيقنت أنَّ المرء يصل إلى الهدف المُبتغى بالعمل والاجتهاد والتعاون، وبفضلها تعرَّفت على مُحررين مُتميزين أصبحوا من أقرب الأصدقاء والإخوة، وحتَّى لقاء بعضهم لأوَّل مرَّة بدا وكأنه أمرٌ اعتيادي وكأنَّ هذا الشخص ألقاه كُل يوم. بعد مُرور هذه الفترة... ما زلت لا أشعر بالملل مع ويكيپيديا وأتمنى أن أظل قادرًا على المُساهمة والإفادة والاستفادة--باسمراسلني (☎)--: 11:23، 15 يناير 2016 (ت ع م)