نقاش:المسيح الدجال (توضيح)
أحاديث المسيح الدجال '''المشاركة معدة وموجهة إلى الذين يقبلون الأحاديث الواردة بشأن المسيح الدجال . وأنا أتفهم مواقف المتوقفين حيال تلك الأحاديث وأعرف مجمل استشهاداتهم وآراؤهم منذ عصور الاجتهاد الأولى في التاريخ الإسلامي إلى وقتنا الحاضر . وأنا مقتنع تماماً بأن السبب وراء مواقفهم لا يرجع إلى كون الأحاديث مختلقة بل يرجع إلى صعوبة فهمها ، وأنا أجتهد في تذليل تلك الصعوبة . أحاديث المسيح الدجال كما سبق أن أوضحت وردت في مئات الروايات ، منها نحو (50) رواية في صحيح البخاري ، ونحو (60) رواية في صحيح مسلم ، ونحو (30) رواية في كل من سنن أبي داود والترمذي والنسائي ، وبضع عشرة رواية في سنن ابن ماجه ، وما يقرب من (200) رواية في مسند أحمد ، بالإضافة إلى روايات أخرى وردت في بقية كتب الحديث ، ناهيك عن الوجود العملي المستمر لأخبار هذه الفتنة حتى في صلوات المسلمين الذين علمهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يستعيذون فيها من شر فتنة المسيح الدجال . بل إنه يكفي في تقديري لتأكيد موثوقية وثبوت أحاديث المسيح الدجال كونها قد فحصت ومحصت منذ بداية القرن الثاني الهجري ، ثم خضعت لأكبر عملية فحص وتمحيص خلال القرن الثالث على أيدي أصحاب الصحيحين وكتب السنن . يكفي هذا الوجود التاريخي للأحاديث المُمَحَّصة منذ اثني عشر قرناً على الأقل .
لقد تجاوزت مرحلة المواقف التي تمليها صعوبات الفهم ، وأصبح الأمر بالنسبة لي يدور حول هذا الإبداع الهائل وهذا الإعجاز في التصوير التشبيهي لصورة العصر الحديث . وأعتقد أن الذين يقبلون الأحاديث لا يحتاجون إلا إلى فحص وتأمل التفسير القاموسي الذين يطمئنون إليه ، وحينما يضطرون إلى استبعاده فإنهم سيشعرون بمدى الإبداع والإعجاز في تصوير الأحداث الغيبية على نحو يناسب مدارك السابقين ويحول دون كشف الغيب قبل تحققه .
لا يكاد يوجد ما هو أسهل من اتخاذ موقف رافض لكل أحاديث المسيح الدجال ، علماً بأن هذا الموقف ليس موقفاً علمياً بأي حال . الصعوبة تكمن في إطلاق رؤية جديدة تنسجم مع موثوقية النصوص وثبوتها وتحترم في ذات الوقت استدلالات العقل وحقائق العلم .
لقد قرأت لمحمد عابد الجابري ومحمد العروي ومحمد أركون والطيب تزيني وغيرهم ، وقرأت أيضاً للشيخ محمد عبده والأفغاني والغزالي والقرضاوي وغيرهم ، وأعتقد أنه يوجد خط فكري بين هؤلاء وهؤلاء من الممكن أن يؤدي إلى تغيير الرؤية الثقافية السائدة في عمومها ، سواء كانت إسلامية أو علمانية .
سأواصل مع الذين يقبلون الأحاديث ، فهم مشكلتهم ليست في ثبوت الأحاديث ، فهي عندهم ثابتة وموثوقة . مشكلتهم تكمن في طريقة فهمها .
نقد الفهم القاموسي لنبوءة الدجال (1)
الفهم القاموسي لنبوءة المسيح الدجال يناقض بعض أهم معطيات النبوءة ذاتها . فمن الثابت بموجب الأحاديث أن الناس لن يكتشفوا المسيح المسيح الدجال ولن يعرفوه حتى أواخر فتنته . فهل يستقيم هذا مع الفهم القاموسي لنصوص النبوءة ؟!
رجل محدد الملامح موصوف بشكل تفصيلي ، يأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت ، ويأمر كنوز الأرض فتتبعه ، ويحيي الآباء والأمهات ويركب حماراً بين أذنيه أربعين ذراعاً ، وتتغير في عهده حتى سنن دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس ( يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة .... ) ومكتوب بين عينيه كافر يقرؤها حتى الأمي الذي لا يجيد القراءة ، ورغم ذلك فإنه لا يكتشفه ولا يعرفه أحد !! مجرد المعرفة لن تحدث !!
وحين يتم اكتشافه والاستشهاد عليه بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ( أي أن الأحاديث موجودة وشائعة بين الناس ) فإن الناس لا يصدقون هذا الاكتشاف . لماذا ؟!
هذه مفارقة ضخمة لا يفيد الفهم القاموسي في تفسيرها .
التفسير الوحيد بموجب هذا الفهم هو أن يكون الناس قد أصبحوا بلا عقول وبلا عيون وبلا آذان حتى تخفى عليهم الصورة الحية المفصلة في الأحاديث . ولكن الأحاديث تؤكد أنهم سيكونون بعقول وبعيون وآذان ، وأنهم سيعايشون شبهات الدجال بعقولهم ويرون ويسمعون عجائبه بعيونهم وآذانهم .
بموجب الفهم التأويلي هذه مفارقة قابلة للتفسير والفهم ، فخفاء شخصية المسيح الدجال وعدم اكتشافها حتى أواخر فتنته يرجع إلى التصوير المجازي والتشبيهي الذي حملته النبوءة .
الفهم القاموسي هو الذي يحول دون الاكتشاف والتعرف على شخصية الدجال . ونحن لا يساورنا شك في أنه لولا التصوير المجازي لما خفيت شخصية الدجال حتى على الأطفال وأبسط البسطاء وأقل الناس وعياً وتعليماً . وحتى إن خفي على هؤلاء فلن يخلو الزمان من رجال مطلعين على الأحاديث . وهؤلاء سيكتشفون شخصية الدجال على الفور أو على الأقل مع ظهور العجائب والتحولات الكونية .
القائلون بالتفسير القاموسي لا يشعرون على نحو كاف بصعوبة وعدم منطقية ما يظنونه . وسنضرب مثالاً لإيضاح هذه المسألة .
فلنفترض أن الأحاديث بدل أن تتحدث عن المسيح الدجال تحدثت عن الغرب بصورة مباشرة وواضحة .
لو وجدنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أنه سيظهر من بلاد الفرنجة أو بني الأصفر حضارة تعترف بمصدر وحيد للعلم والمعرفة وهو العقل وترفض الوحي وتضع بديلاً لفكرة الخالق وهي الطبيعة ، وأن هذا هو الفارق الجوهري بينها وبين كل الحضارات الإيمانية التي تعرف الطريق إلى الله عبر اعترافها بمصدرين للعلم والمعرفة هما العقل والوحي .
هذه الحضارة شكلها ملفت جداً ويجمع بين كل المتناقضات . مصادمتها للدين وخروجها عليه سيكون ظاهراً وواضحاً لكل المؤمنين حتى وإن كانوا أميين .
أبناء هذه الحضارة ينتسبون إلى المسيحية ولكنهم خارجون عليها ( المسيح الدجال ) .
ستظهر هذه الحضارة بعد فتح القسطنطينية ، وستكون الحضارة التي سيواجهها المسلمون بعد مواجهتهم للحضارة الرومانية . سيكون ظهورها عبر ثورة ( يخرج من غضبة يغضبها : الثورة الفرنسية ) سيكون اليهود أبرز أتباعها والمستفيدين منها من غير أبنائها ، وسيكون لهم نفوذ هائل في منطقة ممتدة عن بلاد الفرنجة ( أمريكا ) . سيكون لهذه الحضارة حضور عسكري مسلح يقهر المسلمين في منطقة قريبة من الشام والعراق وشكلها يشبه الطريق أو المنفذ ( فلسطين )
سستشكل هذه الحضارة إغراء كبيراً للنساء وستؤدي إلى إحداث تغييرات هائلة في أوضاعهن .
ستقدم هذه الحضارة من المكتشفات والمخترعات والمخترعات ما يسهل تسخير إمكانات الكون ( يأمر السماء فتمطر ) واستغلال موارد الأرض ( والأرض فتنبت ) واستخراج المعادن من الصحاري والأودية والقفار ( يمر بالخربة فتتبعه كنوزها ) .
ستصل كل منتجاتها إلى كل الناس وتفتنهم وتغريهم وتبهرهم . وهذه المنتجات جميعاً تنتمي إلى حقلين متمايزين وواضحين ( الجنتين ، النهرين ، الواديين : العلوم والآداب ) . أحدهما حقل صعب وصارم ومرهق ( العلوم ) والآخر سهل وجذاب ومغر ( الآداب ) ، فابتعدوا عن هذا الحقل السهل والجذاب ( حيث الفلسفات والفنون وأنماط الحياة والسلوك ) واذهبوا إلى الحقل المرهق والجاف .( الرياضيات ، الكيمياء ، الفيزياء .... الخ )
الذين سيقبلون هذه الحضارة سيستفيدون وتتحسن أحوالهم والذين سيرفضونها ستسوء أوضاعهم ( يمر بأهل الحي فيستجيبون له ..... الخ )
من بين الأشياء الفاتنة التي ستتاح للناس عن طريق هذه الحضارة إمكانية سماع ورؤية الأموات عن طريق التصوير ( يحيي الآباء والأمهات ... ) . ومن وسائل النقل الفاتنة التي ستظهر مع هذه الحضارة حاملة الطائرات ( حمار بين أذنيه أربعين ذراعاً ... )
في زمن هذه الحضارة سيتقارب الزمن بصورة متسارعة وعبر ما يشبه القفزات نتيجة التطور الهائل في وسائل النقل والاتصال وستشتد سرعة الانتقال في كل مكان على الأرض .
أبناء هذه الحضارة لن يطأوا مكة والمدينة ، ولكنهم سيطأون كل بقعة عداها ( إما استعماراً أو عملاً أو سياحة )
لنفترض أننا وجدنا هذا الوصف الحي والمعاصر في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم . فما الذي يقوله أصحاب التفسير القاموسي لنا ؟!
يقولون إنه رغم هذا الوصف الدقيق والمفصل الوارد في الأحاديث فإن الناس لن يعرفوا الحضارة الغربية ولن يكتشفوا أنها هي المقصودة بهذا الوصف الحي والعصري !!.
ستخفى عليهم حقيقتها وإخبار الرسول عنها رغم أن الأحاديث موجودة بينهم والأخبار مبثوثة في كل كتب الحديث عبر مئات الروايات ويستعيذون بالله من شرها في صلواتهم .
سيعايشون هذه الصورة الدقيقة والحية والتفصيلية ويعيشون معها فتنة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً دون أن يعرفوا أو يكتشفوا أن رسول الله أخبرهم عنها .
لن يتم اكتشاف أمرها وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبرهم عنها إلا في أواخر فتنتها . وكيف سيحدث الاكتشاف ؟!
بمجرد الإشارة إلى الأحاديث ، والتأكيد بأن هذه هي الحضارة التي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عنها .
العجيب أن الناس لن يصدقوا هذا الاكتشاف ، وسيشككون في سلامة عقيدة ومنهج من يقول به ( أوما تؤمن بربنا ؟! )
هذا جانب . والجانب الآخر هو أن أصحاب التفسير القاموسي يقولون لنا إن هذا العرض الحي والعصري والمفصل للحضارة الغربية لا يجعل الناس عالمين بغيب هذه الحضارة .
سيظل أمرها غيباً لا يعلمه إلا الله . منذ أول ظهور لها لن يعرف الناس بقية التفاصيل المتتالية الواردة في الأحاديث رغم أنها موجودة بشكل تفصيلي . سيظل كل تحقق لوصف جديد أو ملمح جديد بمثابة حلقة في فتنة لا يعلم أحد عن أخبارها شيئاً .
هذا بالضبط هو ما يطالبنا القائلون بالتفسير القاموسي أن نؤمن به ونعتقده بشأن نبوءة المسيح الدجال .
يطالبوننا بأن نصدق أن نبوءة المسيح الدجال ستتحقق كما هي تماماً بكل تفصيل من تفاصيلها ، ورغم ذلك فإن الناس جميعهم لن يعرفوا الدجال ولن يكتشفوه .
سيتجسد أمامهم كل ملمح وكل وصف ومع ذلك ستعمى عيونهم ومداركهم عن معرفة كون هذا بالضبط هو ما ورد في الأحاديث وما يؤمنون به ويدافعون ويجادلون بشأنه .
سيحتاج الأمر في أواخر الفتنة والخفاء إلى التأكيد لهم بأن هذا هو الدجال الذي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم . سيحتاج الأمر إلى تأكيد ما يؤمنون به أصلاً . ورغم ذلك سيرفضون هذا التأكيد ويشكون في سلامة ومنهج من يقول به !!
هم يقولون إن الدجال سيتجسد على النحو الذي تدل عليه ألفاظ الأحاديث تماماً . وحين يتجسد لا يعرفه أحد أبداً ، وحين يقال لهم هذا هو الدجال الموصوف في الأحاديث يرون بأن هذا زيغ وضلال !!
هل يعقل هذا ؟! هل يدل هذا لى أن تجسد الدجال سيكون كما تدل عليه المعاني القاموسية والمعجمية للألفاظ ، أم يدل على أن في الأمر تشبيه وتقريب ، وأن هذا هو ما حال بين الناس وبين التعرف على الدجال ؟!
ومن جانب آخر فأصحاب التفسير القاموسي يقولون بأنه رغم أن الدجال سيتجسد على النحو الذي تدل عليه المعاني الحرفية والقاموسية والمعجمية الواردة في الأحاديث فإن أمر الدجال يظل من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله . سيتجسد الدجال كما ورد في الأحاديث تماماً ورغم ذلك فإن الناس لا يعلمون غيب الدجال !!
هذه مجرد إطلالة عامة على التفسير القاموسي لنبوءة المسيح الدجال ، وسنواصل الإطلالة ونخوض في التفاصيل ، فالفهم القاموسي لهذه التفاصيل هو الذي يبقي الغشاوة على العيون ويطيل عمر الفتنة
فلنأخذ القدرات . هذا الرجل الأعور يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض فتنبت ويمر بالخرائب فتتبعه كنوزها ويحيي الموتى ويأتي بجنة ونار ويركب حماراً عجيباً لم يعط لغيره .
هذه المعجزات أعظم من كل المعجزات المادية التي أتى بها الأنبياء والرسل ، فمعجزاته عامة وعالمية ومتعددة . فماذا سيفعل هذا الرجل بهذه المعجزات ؟!
سيستخدمها في إضلال الناس وإغوائهم !!
كان يمكن أن نفهم ونقبل الفهم القاموسي لهذه القدرات لو أن من سنن الله إعطاء المعجزات للدجال وأمثاله ، ولو أن من سنن الله تسخير المعجزات لإضلال الناس وإغوائهم .
الفهم القاموسي هنا يصادم ويناقض حقائق الشرع ، فالقرآن الكريم صرح في آيات عديدة بأن سنن الله في الأمم السابقة لن تتبدل ولن تتغير . ومن أبرز سنن الله في الأمم السابقة ( الذين خلوا من قبل ) سنة تأييد الرسل والأنبياء والصالحين بالمعجزات وحجبها عن الكافرين ، وسنة جعل المعجزات أدوات للإرشاد إلى الخالق والدلالة عليه وترسيخ الإيمان به والانتصار للمؤمنين وليس جعلها أدوات لإضلال الناس وغوايتهم وصدهم عن الخالق ونصرة الكافرين .
يقول تعالى ( سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا ) ويقـول تعالى ( سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ) ويقول تعالى ( ..... فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ) ويقول تعالى ( سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا )
هل أعطيت المعجزات لنوح أم لقومه ؟ لإبراهيم أم لقومه ؟ لهود وصالح أم لقومهما ؟ لفرعون وهامان وجنودهما أم لموسى ؟ لسليمان وداود أم للكافرين من قومهما ؟ لعيسى وأمه أم للكافرين بهما من اليهود ؟ لمحمد أم لأبي جهل وأبي لهب ؟
ماذا كانت وظيفة المعجزات طوال التاريخ ؟ هل هي تقديم الدلائل على الخالق أم تحديه والحلول محله ؟! أن يأتي رجل يدعي الألوهية فيعطيه الله معجزات عالمية عديدة وكبيرة ليستخدمها في إضلال الناس وصدهم عن الخالق ، فهذا قلب لسنن الله رأساً على عقب . فما الداعي لهذا الانقلاب ؟!
فقط لأننا نفسر نبوءة المسيح الدجال تفسيراً قاموسياً ، بينما لو غيرنا طريقة التفسير لاختلف الموضوع تماماً ولانسجم فهمنا مع حقائق الشرع الراسخة حول المعجزات ووظيفتها .
هل نحتج على المعجزات ووظيفتها بآيات القرآن الكريم وقصص الرسل والأنبياء والصالحين أم بقصة الدجال ؟
هل المرجع في فهم المعجزات ووظيفتها هم الرسل والأنبياء والصالحون أم الدجال ؟!
لو لم يكن من فتنة الدجال سوى إحداث هذا الخلط في فهم بعض الحقائق الثابتة في القرآن الكريم عن المعجزات ووظيفتها لكفاه فتنة !!
لا معجزات لدى المسيح الدجال بحسب الفهم التأويلي ، فالأمر مجرد تشبيه للمخترعات والمكتشفات بالمعجزات .
هذه المخترعات والمكتشفات من حيث غرابتها وقوة تأثيرها وفعلها تشبه المعجزات ، أما من الناحية الموضوعية فهي نقيض المعجزات ، إذ أنه لا خرق فيها للسنن كما هو الحال في المعجزات ، بل فيها تقيد شديد بالسنن وبراعة شديدة في اكتشافها واستخدامها . وفتنة الدجال تحدث من هذا الالتباس واختلاط الأمور وسوء الفهم .
دوران الأرض حول نفسها وحول الشمس سيتغير . وهذا أمر ليس مستحيلاً ، ولكنه إن تغير على النحو الفجائي والتفصيلي الذي يدل عليه التفسير القاموسي فستحدث كارثة بشرية هائلة في أول يوم .
يوم كسنة ، ويوم كشهر ، ويوم كجمعة ، وباقي الأيام كأيامنا !!
لو استمر أحد الأيام لمدة سنة فماذا سيحل بالحياة والأحياء على وجه الأرض ؟!
هنا تبدو مشكلتنا كمسلمين . فإذا كانت مشكلة الحضارة الغربية أنها تنظر بعين واحدة ، فنحن للأسف نكاد نستبعد هذه العين التي تنظر بها الحضارة الغربية . أي نكاد نستبعد العقل ، بينما المطلوب هو استحضار العقل والوحي معاً وإعمالهما والنظر من خلالهما .
ماذا تقول حقائق العلم لو استمر أحد الأيام لمدة سنة كاملة ؟!
ماذا سيحدث لنصف الكرة الأرضية الذي سيستمر فيه النهار عاماً كاملاً ، وماذا سيحدث لنصف الكرة الذي سيستمر فيه الليل عاماً كاملاً ؟!
ماذا لو استمرت شمس الصيف اللاهبة في الرياض لمدة أسبوع واحد ، خصوصاً وأن التفسير القاموسي للنبوءة يفترض اندثار التطورات بما فيها أجهزة التكييف والتبريد ؟!
ماذا سيحل بالنباتات والمياه والحيوانات والناس تحت الشمس دون كهرباء أو وسائل نقل واتصال حديثة لمدة عام ، وماذا سيحل بهم في الظلام دون كهرباء أو وسائل نقل واتصال لمدة عام ؟!
هل هذه مؤشرات فتنة قوامها الشبهات والشهوات والإغراء والإغواء ، أم مؤشرات كارثة كونية لن تبقي ولن تذر ؟!
والمفارقة أنه رغم هذا التحول الكوني الهائل لن يعرف الناس الدجال ولن يكتشفوه ، وسيرفضون التصديق بوجوده حين يقال لهم إنه موجود !!
مكتوب بين عيني الدجال " كافر " يقرؤها كل مؤمن سواء كان متعلماً أو أمياً !!
الأمي يقرأ !!
هذه معلومة لا تصح منطقياً . فالأمي هو بالتعريف لا يقرأ ، مثلما أن الأعمى لا يرى والأصم لا يسمع . فهل ستنقلب حتى قواعد وبدهيات المنطق ؟!
الأمر كما نفهمه بموجب التأويل ليس أمر قراءة ، فالأمي لا يقرأ ، بل المقصود هو تأكيد وضوح وظهور وافتضاح كفر الدجال لكل الناس ، سواء كانوا متعلمين أو أميين .
ثم كيف تكون هذه الكتابة بين العينين ؟ كم تبلغ المساحة بين العينين لكي تستوعب الكتابة ؟ وبأية لغة ستكون الكتابة ؟ بلغة واحدة أم بكل لغات الأرض ؟! وإذا كان الخطاب موجهاً للمؤمنين ، فكم عدد اللغات التي يتحدثون بها في عصرنا ؟! هل سيظهر الدجال في زمن يتوحد فيه المسلمون في إطار لغة واحدة وهم الذين لم ينجحوا في ذلك قبل الفتنة ؟!
وحتى لو توحدوا فإن السؤال المنطقي لازال مطروحاً ، وهو : كيف يقرأ الأمي ؟!
مع الدجال ماء ونار أو جنتين أو واديين أو نهرين أو كمثال الجنة والنار .
لماذا هذا التعدد في الوصف ؟
هل هي ماء ونار ، أم جنتين أم واديين أم نهرين أم أنهما كمثال الجنة والنار ؟!
ألا يدل التعدد في الوصف على أن في الأمر تشبيه ؟ وكلمة " كمثال " الجنة والنار ، ألا تدل مباشرة على التشبيه ؟!
ورغم ذلك فسواء تعلق الأمر بجنتين أو واديين أو نهرين فهو في النهاية يدور أيضاً حول المعجزات . وهذه بموجب قواعد الشرع وسيرة كل الأنبياء والرسل والصالحين لا تعطى لأهل الكفر ولا تسخر لإضلال الناس وإغوائهم .
إن لم يكن في الأمر معجزات فكيف سيصل الدجال بهذين النهرين أو الواديين إلى جميع الناس ويفتنهم بهما ؟ هل سيحملهما معه ، وكيف يحمل النهر أو الوادي ؟! هل سيحمل النهرين أو الواديين ويدخل بهما من بلد إلى بلد ويتخطى الحدود وسلطات الدول وحواجز البحار والمحيطات ويدور بالنهرين أو الواديين على كل مدينة وقرية ليصل إلى أكثر من ستة آلاف مليون إنسان ( ستة مليارات ) خلال أربعين يوماً ؟
بدون المعجزات لن يحمل الدجال نهراً ولا وادياً . وإذا كان لن يحملهما ويطوف بهما فإن البديل هو أن يأتي الناس إليه ليدخلوا أحد النهرين أو الواديين . فأين سيكون مقر هذين الواديين أو النهرين ؟!
الأحاديث لا تثبت مقراً للدجال . إنها تشير إلى أماكن خروجه فقط ، أما بعد خروجه فإنه سيكون طوافاً يطأ كل مكان في الأرض ويطوي الأرض كطي الفروة ، وهذا يعيدنا من جديد إلى حكاية انتقال النهرين أو الواديين معه في طوافه بالأرض . أي يعيدنا إلى قضية المعجزات !!
بالنسبة للبعض سيظل هذا التحليل مجرد مطولات وشطحات خارج الموضوع ، بينما يعلم الله أنني أحاول الاختصار قدر الإمكان ، ولكنني أسعى إلى إثبات أن الفهم القاموسي لنبوءة المسيح الدجال لا يصمد أمام المحاكمات العقلية والمنطقية والعلمية والشرعية ، بل هو الذي يحجب الرؤية ويطيل عمر فتنة الدجال الحقيقية التي تملأ الأرض منذ ثلاثة أو أربعة قرون .
نقد الفهم القاموسي لنبوءة الدجال (3)
نواصل مع نقد الفهم القاموسي لنبوءة المسيح الدجال .
الفهم القاموسي للنبوءة لا يفيد في تفسير طبيعة الفتنة التي لن تشهد الأرض لها مثيلاً . فبالله عليكم ، حين يأتي رجل أعور محدد الملامح بشكل تفصيلي وتحدث في عهده تحولات كونية ويكون مكتوباً بين عينيه كافر يقرؤها حتى الأمي ، ثم يطلع الناس على صورته التفصيلية وأخباره الحية معروضة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ، هل يكون هذا مدعاة للغواية والشبهات وخفاء الدجال ، أم مدعاة لليقين والتصديق بصدق الرسالة وعلامة حاسمة من علامات النبوة ؟!
الأمر ليس فيه إكراه ، بل فيه شبهات وشهوات وقدرات . وبالتالي فحين يأتي رجل ويطرح ما شاء من الشبهات والشهوات والقدرات ثم أجد وصفاً تفصيلياً لأحواله في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم حتى أنني أستطيع معرفة ما سيفعله لاحقاً وما سيقوم به ، فهل هذا سيكون مدعاة للشك والحيرة والخلط بين هذا الرجل وبين الله ، أم معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم تستبق أفعال الدجال وتخبر بها وتمكنني من معرفتها حتى قبل أن يفعلها ؟!
أنا لا شك عندي بأن الدجال كان سيصبح أضحوكة حتى للعجائز بدل أن يكون فتنة كبرى لم تشهد ولن تشهد الأرض لها مثيلاً .
إذا رأيت رجلاً أعور محدد الملامح على النحو التفصيلي الوارد في الأحاديث ورأيته يركب حماراً بين أذنيه أربعين ذراعاً ، فهل سأفتتن بهذا الرجل وبحماره أم سأصدق بمن خلق هذا الرجل وهذا الحمار وأخبرني بهذا المشهد قبل حدوثه ؟!
أنا أصدق بأن هناك من يتبعون أي ناعق ويقعون في حبائل أهل الشعوذات والسحر والخرافات ، ولكن أن يصبح هذا الوضع الذي يصلح للبسطاء والمجموعات المنقطعة في إحدى بقاع الأرض وضعاً عالمياً يفتن المسلمين كما لم يفتنوا من قبل فهو وضع يفتقر إلى الكثير من المنطق ويصادم الفطرة السوية التي فطر الله الناس عليها .
بالمثل سيأتي الدجال بجنتين أو نهرين أو واديين أو ماء ونار .
كثيرة هي الحدائق والأنهار والأودية في بلاد الله . وطالما أنه ليس في الأمر إكراه وإجبار ، فما الذي سيدفع الناس إلى التحاشد على جنة الدجال أو ناره بينما أبسطهم تعليماً يستطيع أن يقرأ هذه الصورة في الأحاديث وينذر عباد الله حتى لمجرد تنبيههم إلى أن هذا هو المسيح الدجال !! أي أن الأمر سيدعوهم على الأقل إلى اكتشاف أمر الدجال . إلى معرفة الدجال !!
ذات الملاحظة يمكن أن تقال بشأن كل التفاصيل الواردة في النبوءة . ولنتذكر هنا أن الحضارة الغربية قامت على الإلحاد أو عزل الدين على مدى ثلاثة أو أربعة قرون ونشرت عدداً هائلاً من النظريات والأفكار الإلحادية التي أسهم في إنتاجها آلاف المفكرين والكتاب ، واستثارت الشهوات على نحو يجعل الحليم حيران ، وقدمت مخترعات تجعل البعض عاجزين عن استيعابها حتى هذه اللحظة . ويفترض بموجب الفهم القاموسي لنبوءة المسيح الدجال أن ما سيقدمه هذا الرجل خلال أربعين يوماً سيفوق ما قدمته الحضارة الغربية من العجائب والشبهات والشهوات !!
أليس هذا هو مقتضى كون المسيح الدجال أكبر فتنة تحدث في الأرض ؟!
الفهم القاموسي لنبوءة المسيح الدجال يقتضي اندثار بعض أهم التطورات التي شهدتها الحياة البشرية ، كوسائل النقل والاتصال وأدوات الحروب ، بحيث يعود الناس إلى الخيول والحمير والسيوف والرماح . هذا شيء غير مستحيل عقلاً وممكن شرعاً ، ولكن الجانب الذي لا يتنبه إليه الكثيرون هو أن اندثار التطورات الأساسية الحديثة سيقود إلى كارثة كبرى تحل بالبشر !!
الحياة في العصر الحديث لأكثر من ستة مليارات من البشر ليست ممكنة أبداً لولا التطورات الأساسية الحديثة مثل وسائل النقل والاتصال والكهرباء .
نستطيع أن نكتب مطولات في هذا المجال ونستدل بحقائق العلم والعقل ، وقد فعلنا ذلك سابقاً في موقع " الوسطية " إلا أن الفهم القاموسي كان يعمي الأبصار . ورغم ذلك فسنقدم مثالاً مختصراً يلخص الموضوع .
لنبتعد عن العالم ولنبتعد عن آسيا ولنبتعد عن العالم العربي وعن المملكة وعن المنطقة الوسطى ، ولنتحدث فقط عن مدينة متوسطة الحجم كمدينة الرياض .
هذه المدينة يعيش فيها الآن خمسة ملايين إنسان . فلنتصور فقط أن وسائل النقل الحديثة اختفت واندثرت وعدنا إلى الجمال والحمير والخيول .
ببساطة ، الحياة ستتعطل وستصبح جحيماً لا يطاق خلال بضعة أيام .
إذا كان مقر عملك في أقصى شمال الرياض وأنت تسكن في أقصى جنوبه فستحتاج إلى نصف يوم للوصول إلى العمل على حمارك أو جملك وستحتاج إلى النصف الآخر للعودة . أي أن يومك بكامله سينقضي في الذهاب والمجيء دون أن تتمكن من أداء العمل .
عمال البلدية الذين يجمعون المخلفات والبقايا من شوارع الرياض يومياً سيحتاجون إلى أسبوع أو شهر لجمع المخلفات والبقايا من حي واحد ونقلها على حميرهم وجمالهم إلى خارج النطاق العمراني لإتلافها .
أبناؤنا وبناتنا في المدارس والجامعات سينقضي وقتهم في الذهاب إلى المدارس والجامعات والعودة منها .
ثم أين هي الحمير والجمال التي ستكفي لتنقلات خمسة ملايين إنسان يعيشون في الرياض ؟!
سيحتاج الأمر على الأقل إلى مليون جمل وحمار . وهذه الجمال والحمير ستملأ مخلفاتها الشوارع والأحياء وسنحتاج إلى التخلص يومياً من هذه المخلفات .
سنحتاج إلى أعلاف تكفي يومياً لكل هذه الجمال والحمير ، وسنأتي بالأعلاف من المناطق الزراعية خارج الرياض وسننقلها على جمال وحمير أيضاً .... وهكذا .
ماذا إن تحدثنا عن الكهرباء وما سيحل بالمستشفيات وأجهزة التبريد والتكييف والحاسب والمطابع وكل الأجهزة التي تعتمد على الكهرباء ؟!
ماذا إن تحدثنا عن المياه التي تصلنا على مدار الساعة من الساحل الشرقي بعد تحليتها من البحر ؟!
ماذا إن تحدثنا عن الهاتف والفاكس والإنترنت وكل أدوات الاتصال الحديثة ؟!
ماذا إن تحدثنا عن المواد الغذائية والطبية التي تؤمن حاجة خمسة ملايين إنسان وتصلهم يومياً عبر السفن والطائرات والقطارات والشاحنات ؟!
مشكلة الفهم القاموسي للنبوءات أنه يجعل المسلم غير مكترث بالتطورات الأساسية الحديثة وغير مدرك لأهميتها وضرورتها لبقاء واستمرار الحياة ذاتها .
هانحن تحدثنا عن الرياض فقط ، فكيف لو تحدثنا عن المملكة ثم العالم العربي ثم آسيا ثم العالم ؟! كيف ستستمر حياة أكثر من ستة مليارات من البشر ؟!
المؤكد أن كارثة غذائية وصحية وبيئية ستحل بالعالم خلال أيام معدودة لو اندثرت التطورات الأساسية الحديثة مثل وسائل النقل والاتصال والكهرباء .
فلنفترض أن الكارثة قد حلت لا قدر الله ، وذهب معظم البشر ولم يبق سوى عدد محدود تكفي أساليب الحياة القديمة لبقائه على قيد الحياة ، ثم ظهر حينئذ الدجال وأيضاً لم يعرفه الناس ولم يكتشفوه . حينها أيهما أعظم فتنة : ذلك الظهور للدجال بعد الكارثة وبين عدد محدود من البشر في ظل وسائل الحياة القديمة ، أم الحياة الموارة المليئة بالعجائب التي كانت موجودة قبل حدوث الكارثة وقبل اندثار التطورات الأساسية الحديثة ؟!
ألا تستحق التطورات التي غيرت وجه العالم تحت راية الإلحاد أو فصل الدين عن الحياة على مدى ثلاثة أو أربعة قرون أية إشارة في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!
وألا تستحق الكارثة التي ستحل بالبشر إذا ما اندثرت التطورات الأساسية الحديثة أي إخبار من الرسول صلى الله عليه وسلم ؟!
هل ستكون أعجب العجائب وأعظم الفتن هي ظهور ذلك الرجل الأعور خلال أربعين يوماً بعد اندثار التطورات وحدوث الكارثة ؟!
ثم ألا يمكن تصور الدين إلا في ظل شكل الحياة البسيطة الذي كان سائداً قبل قرون ؟
ألا يصلح الدين للحياة الحديثة وكأنه بالفعل لا يناسب التقدم ولا يملك أي حلول تعالج الأوضاع المتغيرة ؟!
إذا كان عيسى عليه السلام سيعود في ظل شكل الحياة القديم ( حياة الجمال والحمير والسيوف كما يدل عليه الفهم القاموسي للنبوءات ) وسيظهر المهدي قبله في ظل شكل الحياة القديم أيضاً ، وإذا كان لن يقوم للمسلمين قائمة قبل ذلك الظهور ، فهذا يعني أن كل التطورات الحديثة ظهرت وانتشرت وستندثر في وقت يكون فيه المسلمون في أسوأ أحوالهم وأوضاعهم .
هذا يعني أن أصحاب الفهم القاموسي للنبوءات يؤكدون من جديد بأن الدين لا يناسب التطورات الحديثة ولن تقوم للمسلمين قائمة في ظل هذه التطورات ، وهذه والله قناعة غير صحيحة ومضرة بالدين وحجة بيد أعدائه والمجابهين له والمدعين بأنه لا يناسب العصر ولا يصلح له . وبحسب قناعتي الراسخة فإن ظهور المهدي وعودة عيسى ستحدث في ظل التطورات الحديثة ، وسيكون أبرز ما فيها هو تصحيح فهم الدين واستنهاض قدرة المسلمين على التعايش مع التطورات واستيعابها وتقديم الحلول لها وليس انتظار كارثة ضخمة تحل بالأرض وتعود الحياة لشكلها القديم لندخل في فتنة كبرى هي فتنة المسيح الدجال ثم يظهر المهدي ويعود عيسى في ظل الحياة البسيطة التي كانت سائدة قبل قرون .
وفضلاً عما سبق فإن الاستدلالات العقلية والمنطقية البسيطة تثبت أن الحياة لن تعود إلى شكلها الذي كان سائداً قبل ظهور الحضارة الغربية إلا إذا كان ذلك لفترة بسيطة يتم فيها التعافي من آثار كارثة قد تحل بالأرض ، وسرعان ما يعاود الناس بعدها الانتقال نحو الحياة الحديثة . لماذا ؟!
لأن التطورات العلمية والتقنية بمجرد اكتشافها انتقلت إلى حيز المعرفة الإنسانية وأصبح ممكناً إعادة إنتاجها طالما أن المعرفة قد وجدت واستقرت . وهانحن شاهدنا كيف استطاعت ألمانيا التي دمرت في أواخر الحرب العالمية الثانية أن تعود وتسبق كل جيرانها الأوروبيين .
كيف استطاعت أن تعود رغم الدمار الذي لحق بها ؟!
لأن الإنجازات العلمية والتقنية أصبحت معلومة ودخلت ضمن حيز المعرفة البشرية ، وبالتالي فمتى ما وجدت المهارة والاستعداد والتوجه نحو البناء فالمعطيات العلمية والمعرفية موجودة .
وهكذا فإذا كان هناك من يظن بأن التطورات الأساسية الحديثة ستندثر وتعود الحياة إلى سابق عهدها فإن عليه أن يتنبه إلى أن هذا لن يكون سوى لفترة مؤقتة ريثما تتم استعادة القدرة على البناء وإعادة إنتاج المخترعات التي انتقلت معطياتها إلى حيز المعرفة البشرية ولم تعد من الأسرار .
نقد الفهم القاموسي لنبوءة الدجال (4)
نواصل مع نقد الفهم القاموسي لنبوءة الدجال .
هذا الرجل الأعور الأفحج المتنافر الملامح سيكون فاتناً للنساء بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً ، إلى حد أن الرجل سيعمد إلى زوجته وأخته وعمته وابنته فيوثقهن مخافة خروجهن للدجال !!
هذا شيء غير منطقي وغير سائغ وغير مفهوم على الإطلاق . إذ كيف يمكن أن تفتتن النساء إلى هذا الحد برجل أعور قبيح متناقض الملامح .
ثم هب أن النساء غشاهن الغباء وانقلبت مقاييسهن وانعدم ذوقهن ودفعهن الهيام بهذا الرجل الأعور إلى عدم إقامة أي وزن للدين والأخلاق والمنطق ، ما الذي تشكله هذه الفتنة التي ستدوم أربعين يوماً ( أو عاماً وشهرين ) مقابل الفتنة الهائلة التي مثلتها الحضارة الغربية على النساء على مدى ثلاثة أو أربعة قرون ؟!
ما الذي سيغريهم به الدجال ؟!
بالزنا ؟! بالانحلال ؟! بالتبرج ؟! بعروض الأجساد ؟! بمسابقات ملكات الجمال ؟! بالبث الحي للجنس على مدار الساعة ؟! بزواج الرجال بالرجال والنساء بالنساء ؟!
إذا كان هذا هو ما يمكن أن يفتنهم بهم الدجال فأف لفتنة الدجال ويا لضحالة وضآلة هذه الفتنة . فالغرب وصل بهذه الفتن إلى حدود تفوق أي خيال ، وسمحت التطورات الحديثة بوصولها إلى المنازل وإلى أصغر القرى والهجر . ومن ثم فقد كان من الأولى الإشارة إلى فتنة الحضارة الغربية على النساء وليس فتنة رجل أعور أفحج لن يستطيع أن يفعل نقطة في بحر ما فعلته الحضارة الغربية !!
النبي صلى الله عليه وسلم يبشر المسلمين بأنهم سيغزون الدجال ويفتحونه !!
كيف يمكن لأهل الفهم القاموسي أن يفسروا لنا تبشير المسلمين بأنهم سيغزون رجلاً ويفتحونه ؟!
لن يكون أمام أهل التفسير القاموسي سوى اللجوء إلى المجاز أو التأويل الذي يرفضونه !!
لننظر إلى السياق الوصفي للبشارة .
تغزون جزيرة العرب فيفتحها الله ( الوضع الجاهلي العربي ) ثم تغزون فارس فيفتحها الله ( الحضارة الفارسية ) ثم تغزون الروم فيفتحها الله ( الحضارة الرومانية ) ثم ..... هنا سينتقل السياق من غزو وفتح الحضارات والدول إلى غزو وفتح رجل !! ...... ثم تغزون الدجال فيفتحه الله !!
لننظر إلى السياق التاريخي للخبر .
الوضع الحضاري أو الثقافي والاجتماعي الذي واجهه المسلمون في البداية هو الوضع الجاهلي العربي ، وقد بشرهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأنهم سيقضون على هذا الوضع . ثم واجه المسلمون الوضع الحضاري الفارسي ، وبشرهم بأنهم سيقضون على هذا الوضع . ثم واجهوا الوضع الحضاري الروماني ، وبشرهم بأنهم سيقضون على هذا الوضع .
بعد ذلك لم يواجه المسلمون وضعاً حضارياً غير الوضع الحضاري الغربي الحديث ، وقد كان أشد فتنة ووطأة على المسلمين من كل الأوضاع التي سبقته ، وتم احتلال معظم بلدانهم واستتباعهم ثقافياً واقتصادياً وعلمياً وأدبياً . ولكن هذه الوضع لم يستحق أية إشارة ، فالحديث بموجب الفهم القاموسي سيتجاهل الوضع الحضاري الغربي الحديث وسيقفز إلى تبشير المسلمين بغزو رجل وفتحه !!
نعود إلى المعجزات وطبيعة وظيفتها ، فأمر الدجال لن يقف عند حد قلب سنن الله على هذا الصعيد ، بل سيتعداه إلى تغيير بعض سنن المخلوقات .
الكنوز ستسمع نداء المسيح الدجال . حتى الكنوز ( الجمادات ) ستتغير سننها . فالدجال سيمر بالخرائب ويقول لها ( مجرد قول ) أخرجي كنوزك ، وهذه الكنوز ستسمعه وتتحرك وتتبعه !!
سيمر الدجال بأهل الحي ويدعوهم فيستجيبون له فتروح عليهم ماشيتهم وقد أصبحت طويلة القامة ممتلئة الضروع ، ويمر بأهل الحي فلا يستجيبون له فيصيبهم القحط ويفقدون القدرة على تحسين أحوالهم .
هكذا بمجرد الاستجابة للدجال ستتحسن أحوال الماشية دون أي ربط سببي واضح ، وكما هو واضح فالأمر يدور أيضاً حول المعجزات . وواضح أيضاً أن نمط الحياة القديم سيعود وستندثر تطورات الحياة .
هذا الدجال الذي تكون سرعته كالريح ويطوي الأرض كطي الفروة أبرز وسائل النقل التي سيستخدمها هي الحمار . حمار بين أذنيه أربعين ذراعاً !!.
وطالما أن سرعة الدجال كالريح فيبدو أنه سيستخدم هذا الحمار للانتقال ، وهذا يعني أن سرعة الحمار ستكون كالريح . ولولا أنه لا يوجد في الأرض غير هذا الحمار لما ذكر في النبوءة . أي أن في الأمر معجزة جديدة أو كرامة جديدة بتغيير سنن خلق أحد الحمير دون غيره ليفتن به الدجال الناس ويضلهم عن سبيل الله !!
يحتاج المرء إلى أن يلقي ثقافة القرآن خلف ظهره لكي يستوعب ويقبل هذا الفهم القاموسي !!
الفارق الأساسي والحاسم بين الله وبين الدجال هو أن الدجال أعور والله ليس بأعور !!
هذا وصف تكرر في أحاديث كثيرة ، وتم التشديد عليه حتى أصبح رمزاً للمسيح الدجال بحيث أصبح يسمى في الكثير من الأحاديث " الأعور " الدجال .
تصوروا . العينان لن تكونا وسيلة للتمييز بين أحد الرجال وغيره ، بل ستكونان أهم وسائل التمييز بين أحد الرجال وبين الله !! وكما ورد في الأحاديث فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم " فإن ألبس عليكم فاعلموا أن الدجال أعور وأن ربكم ليس بأعور " !!
أي إذا اختلط الأمر على المسلمين ولم يستطيعوا التمييز بين الدجال وبين الله فلينظروا إلى العينين ، فالدجال أعور والله ليس بأعور . وإن فعلوا ذلك فسيزول الخلط !!
هل يعقل هذا ؟!
هل يمكن أن يكون هذا حديثاً عن عينين بشريتين ؟!
هل العينان هما وسيلة المقارنة بين الله وبين أحد البشر أو بين الطريق إلى الله والطريق إلى فتنة أحد البشر ؟!
هل تقوم معرفة الله من خلال التنبه إلى أنه ليس بأعور ؟!
معظم البشر سليمي الأعين ، والكثير من البشر فقدوا إحدى عينيهم ، فلماذا القفز بهذه الصفة البشرية العادية والواسعة الإنتشار إلى حد جعلها وسيلة حاسمة للتمييز بين الله وبين أحد البشر ؟
هل لأي إنسان أن يرى الله ويقوم بالتمييز بين عينيه ( تعالى الله عن ذلك ) وبين رجل أعور مكتوب بين عينيه " كافر " ؟!
حاشا لله أن يصح الفهم القاموسي لهذه المقارنة التي لا تصح ديناً ولا عقلاً ولا منطقاً .
الأمر ليس أمر عينين بشريتين للدجال ، وإلا لما ورد هذا الوصف وهذه المقارنات . الأمر يتعلق بشيء يشبه العينين ولله به علاقة ( الوحي ) . أي بمصادر الرؤية والمعرفة والعلم . ومصادر المعرفة بالنسبة للحضارات هي كالعيون بالنسبة للإنسان .
لم توجد حضارة طوال التاريخ البشري قدست العقل ورفضت الوحي كالحضارة الغربية . هذه أصبحت سمة كبرى من سمات هذه الحضارة وفارق أساسي بينها وبين غيرها من الحضارات .
نصف الطريق إلى التأويل يمر عبر فحص وتأمل الفهم القاموسي عقلاً وشرعاً وعلماً .
المسيح الدجال ليس رجلاً
لعل أكثر ما يثير التحفظ حيال التأويل الذي طرحناه هو ذلك الوصف التفصيلي الذي ورد في الأحاديث بشأن ملامح المسيح الدجال ، حيث وصف بأنه رجل بعين واحدة وشعر مجعد وجبهة ورجلين متباعدتين ولون أبيض وذهاب ومجيء وكلام ، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم شبههه بعبدالعزى بن قطن ، وهو رجل مات في الجاهلية . فهل يسوغ مع وجود هذا الوصف التفصيلي صرف المعنى إلى الغرب الحديث أو التجربة النهضوية الغربية ؟!.
المسألة هنا ترتبط بما إذا كان منهج الرمز والمجاز وارداً بشأن قضايا الغيب الدنيوي أم لا ؟. وقد عرضنا الأدلة العقلية والشرعية التي تؤكد منطقية ومشروعية هذا المنهج ، وذلك رغم أننا نقر بمحاذيره وصعوباته ومنزلقاته .
وإذا كان وارداً بموجب نصوص القرآن تشبيه رجل بالشمس وتشبيه امرأة بالقمر وتشبيه إخوة بالنجوم والرمز لوظيفة السقاية بعصر الخمر والرمز لحادثة الصلب بأكل الطير للخبز المحمول فوق الرأس وتشبيه السنوات المطيرة بالبقرات السمان والسنبلات الخضر وتشبيه السنوات المجدبة بالبقرات العجاف والسنبلات اليابسات ، فلماذا لا يصح تشبيه الغرب الحديث برجل ؟!
إذا كان وارداً بموجب نصوص القرآن الكريم تشبيه الجنين في بطن أمه بالنطفة والعلقة والمضغة وتشبيه صورة الجبال بما في ذلك جذورها بالأوتاد ، فلماذا لا يصح تشبيه الغرب الحديث برجل ؟!
إذا كان وارداً بموجب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تشبيه مجموعات من البشر يظهرون من المشرق في آخر الزمان ويقضى عليهم ثم يظهرون ويقضى عليهم ثم يظهرون ويقضى عليهم بقرن الشيطان الذي يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع ثم يظهر ثم يقطع ، فلماذا لا يصح تشبيه الغرب الحديث برجل ؟. بل إذا كان مقبولاً في ثقافتنا وفي الثقافة الغربية إطلاق مسمى " الرجل " المريض على الدولة العثمانية في آخر أطوارها ، فلماذا لا يصح تشبيه الغرب الحديث برجل ؟!
قد يتم الاحتجاج بأنه إذا كان مقبولاً القول بوجود الأمثلة والتشبيهات فيما يتعلق بشكل الحياة ، باعتبار أنه اختلف كثيراً عما كان عليه الأمر في عصر الرسالة ، فإنه ليس من المقبول القول بوجود تلك الأمثلة والتشبيهات على مستوى الشخصيات ، لعدم وجود ما يقتضي ذلك ، فطبيعة البشر لم ولن تختلف مثلما حدث بالنسبة لشكل الحياة . وردنا على ذلك هو أننا نسلم بأن طبيعة البشر لم ولن تختلف ، إلا أن الذي اختلف هو ظهور الشخصيات الاعتبارية ( الدول ، الشركات ، المؤسسات ، المنظمات ) التي لا يوجد صورة تقريبية أكثر تعبيراً عنها من الأشخاص الطبيعيين . ولو تأملنا شخصية المسيح الدجال لوجدنا أنها شخصية غير طبيعية بأي مقياس من المقاييس ، فقدراتها وأفعالها لا تتجاوز فقط القدرات والأفعال الطبيعية للبشر ، بل تتجاوز حتى القدرات والأفعال المعجزة لبعضهم !!.
إن نبوءة المسيح الدجال تتعلق بفتنة لم ولن يوجد مثلها منذ خلق آدم إلى قيام الساعة ، ولو لم تكن شخصية المسيح الدجال على درجة كبيرة من الغموض والخفـاء والشبه غير المباشر بينها وبين ما ورد في الأحاديث لكان من السهل اكتشاف حقيقة تلك الشخصية وتجـاوز حالة الفتنة بأقل قدر من الصعوبة ، بل ولانقلب الأمر من فتنة كبرى إلى حافز إيماني عميق تكشف الأحاديث ملامحه وتفاصيله منذ البداية بصورة مدهشة .
وهكذا فإن الاستدلالات العقلية ( مستوى الوعـي والمدارك ، عدم إجهاض موضوع الفتنة أو الاختبار والامتحان ) والنقلية ( عدم كشف الغيب ، التصوير المجازي في نبوءة قرن الشيطان وفي الكثير من صور الغيب الدنيوي ) ما يجعلنا ندرك بأن هذا التشديد لا يتناقض مع القول بوجود المضمون التقريبـي ، بل يعني أن الصورة الحقيقية لا بد أن تشتمل على معنى أو ملمح يجسد ويعكس ما تم التشديد عليه .
وطالما كان الأمر كذلك فإنه مهما تم وصف المسيح الدجال بأنه رجل فإن مشروعية منهج الرمز والتشبيه تجعل ذلك الوصف قابلاً للتأويل ، مثلما أمكن تأويل الشمس والقمر والكواكب والبقرات والسنبلات وقرن الشيطان بأنهم والدان وإخوة وسنوات ومجموعات من البشر .
ولنتذكر هنا أن الوصف التفصيلي لملامح المسيح الدجال مصدره رؤيا منامية رآها الرسول صلى الله عليه وسلم ، مثلما كان مصدر خبر الشمس والقمر والكواكب والبقرات والسنبلات رؤى منامية رآها يوسف عليه السلام وملك مصر .
الآن ، سنعود إلى السؤال الذي سبق أن طرحه الأخ الكريم " دكتور استفهام " ، حيث تساءل عن الضابط الذي يمكن بموجبه الاستدلال على أن نبوءة المسيح الدجال تنطبق على الغرب الحديث تحديداً وأنه ليس المقصود بها الصين أو روسيا أو إسرائيل أو أمريكا ، أو أي معنى فضفاض قد تختلف وجهات النظر فيه من شخص لآخر .
الدجال لن يكون غير الغرب الحديث
بإمكان الكثيرين اقتطاع بعض الملامح والصفات التي تمكنهم من الزعم بأن المسيح الدجال هو أمريكا أو روسيا أو الهند أو الصين . ويمكن للبعض استخدام التأويل لتفكيك المضمون الغيبي وإلغائه وهدمه بدل استخدامه في تحسين فهم الصورة الغيبية وتجسيد مضامينها . ومثال ذلك ما طرحه البعض من أن فتنة المسيح الدجال هي كناية عن الشر والضلال أو أن المهدي هو كناية عن الخير والهداية . هذا تأويل يهدف إلى تفكيك المضمون وإلغائه . وهناك فارق جوهري بين تأويل الصورة وبين إلغاء المضمون .
يوجد دجال حقيقي ويوجد مهدي حقيقي ، والكلام هو عن الصورة التفصيلية ، هل يوجد فيها تقريب وتشبيه بدرجات متفاوتة أم لا ؟.
إن الضابط الأساسي لصحة ودقة أي تأويل هو انطباق كل ملامح وتفاصيل النبوءة على الصورة الواقعية التي يدعي صاحب التأويل أنها هي المقصودة . أي أنه لا بد عند تأويل نبوءة المسيح الدجال من وجـود مقابل أو تجسيد واقعي يعكس التسمية والملامح والقـدرات بكل جوانبها والفتنة العامة وفتنة النساء وأماكن الخروج والعلاقة ببني تميم والعلاقة بسـورة الكهف ، وغير ذلك من التفاصيل .
في مسألة التسمية ( المسيح الدجال ) لا بد أن يكون للصورة الواقعية علاقة ملتبسة بالمسيحية أو بالمسيح عليه السلام .
في مسألة العينين لا بد أن يوجد في الصورة الواقعية تجسيد نموذجي صارخ ينسجم مع تأكيد الأحاديث على أهمية هذا الملمح وكونه يمثل الفارق الجوهري بين الله وبين الدجال أو بين الطريق إلى الله والطريق إلى الضلال . في مسألة بقية الملامح ، وبما أننا انتهينا إلى المعنى المجازي ، فلا بد للصورة الواقعية أن تكون ملفتة وجامعة بين المتناقضات على نحو ينقل المعنى المُعجمي إلى معنى تأويلي ملموس .
في مسألة القدرات لا بد أن يوجد في الصورة الواقعية تجسيد نموذجي وهائل للقدرات بما يمنع انطباقها على غير تلك الصورة .
في مسألة الفتنة لا بد من إثبات أنه لا يمكن أن تشهد الأرض فتنة توازي الفتنة التي أحدثتها الصورة الواقعية .
لا بد أن تكون الصورة الواقعية مجسدة لأماكن الخروج والعلاقة ببني تميم والعلاقة بسورة الكهف ، وغير ذلك .
لننظر إلى القدرات ، فالبعض قد يرى بأنه لا يوجد ما يمنع من ظهور تجربة نهضوية جديدة في المستقبل تجسد قدرات تفوق ما قدمته التجربة الغربية . والواقع أنه لا يوجد ما يحول دون حدوث هذه الفرضية ، ولكن إذا ربطنا الأمر بمفهوم ومعنى الفتنة فإنه لن يشهد التاريخ البشري قدرات مترابطة مع معنى الفتنة كالتي جسدتها التجربة الغربية ، نظراً لأن فتنة القدرات ترتبط بمرحلة بداياتها وظهورها البطيء ومقدار مصادمتها للوعي السائد والقناعات السائدة .
من هذه الزاوية لن توجد تجربة نهضوية توازي التجربة الغربية ، ففتنة قدراتها ارتبطت بالبدايات المتفرقة والبطيئة والتدريجية التي شكلت بداية التحـول من شكل الحياة القديم إلى شكل الحياة الحديث . لا يوجد شيء يمكن أن يفتن الناس مثل ظهور أفكار تصادم قناعاتهم الراسخة ومعلوماتهم المستقرة ومسلماتهم ومعتقداتهم دون أن يكون لديهم القدرة على تحجيمها أو مواجهتها أو تقديم البديل عنها . والتجربة النهضوية الغربية كانت نموذجية على هذا الصعيد ، ومهما ظهر من تجارب مادية جديدة فإنها لا يمكن أن تقدم ما هو أكثر من استثمار وتطوير الأسس والاختراقات التي أحدثتها التجربة الغربية .
لننظر على سبيل المثال إلى معلومة مثل كروية الأرض ودورانها حول نفسها وحول الشمس .
هذه المعلومة أصبحت عادية ولا تكاد تثير أحداً ويدرسها أطفالنا كإحدى المسلمات التي لا غرابة فيها . أما في بداية ظهورها وخلال رحلة إثباتها والتدليل عليها واستثمارها فقد كانت معلومة مدوية هزت الثقافة السائدة وأثارت الكثير من الهواجس والتساؤلات والشبهات والنظريات والفلسفات المصادمة للدين .
حين تم اختراع أول محرك ثم أول قاطرة وأول سيارة وأول هاتف وأول تلغراف وأول طائرة امتلأ الناس بالدهشة وراجعوا ثقافاتهم السائدة وتشككوا فيها وطرحوا ألف سؤال وسؤال وألف شبهة وشبهة بشأنها . حين حط أول إنسان على سطح القمر كانت لحظة مدوية في تاريخ الأرض .
المشكلة تكمن في أن رحلة التطور الغربي كانت تتم في إطار الصدام مع الدين كما عرفته أوروبا في القرون الوسطى ، باعتباره هو التحدي الحقيقي الذي واجه الحركة العلمية وحاول وأدها . وبالتالي فقد وظفت الكشوف والمخترعات في مواجهة الدين وفي إطار الرغبة في إيجاد البديل عنه . وهذه أوضـاع لا يمكن أن تتكرر مرة أخرى .
لقد ظهرت المكتشفات والمخترعات بشكل بطيء ومتدرج ، واتسمت بشدة مصادمتها للأوضاع والثقافات السائدة وبظهورها في جو الصراع والصدام المحتدم مع الدين . وهذه أوضاع وظروف لا يمكن أن تحدث مرة أخرى بذات الدرجة . وهانحن نشاهد في العقود الأخيرة كيف أن المخترعات والمكتشفات أصبحت متسارعة إلى حدود مذهلة ، ورغم ذلك فإنها لم تعد تحدث لدى الناس عشر معشار الفتنة والتساؤلات التي كان يحدثها أي اكتشاف أو اختراع خلال فترة ظهور وشيوع منتجات التجربة الغربية الحديثة .
أجدادنا قرأوا على الهاتف حين شاهدوه أول مرة ، وكان أبناء المدن والقرى يتقاطرون خلف السيارة والطائرة ويتحاشدون لرؤية التلفاز أو سماع المذياع أو مشاهدة الصور وكأنهم يدخلون أحد العوالم السحرية .
هـذا الوضع انتهى ، وأطفالنا وبعض عجائزنا أصبحوا يستهلكون أحدث الأجهزة التقنية دون التساؤل إلا عن كيفية الاستخدام ومزايا تلك الأجهزة وخدمات الصيانة وما بعد البيع .
المركبات المأهولة وغير المأهولة تطوف الفضاء وتصل إلى المريخ وإلى حدود المجموعة الشمسية ، والأقمار الصناعية تحيط بالأرض وتنقل الصور والأحاديث لألوف القنوات التلفزيونية والإذاعية وملايين الخطوط الهاتفية ، والناس لم يعد يشغلهم سوى كيفية الاستهلاك وماهية الخدمات الجديدة .
فتنة المكتشفات والمخترعات حدثت خلال مرحلة التحول نحو الحياة الحديثة ، وكل النظريات والأفكار الإلحادية الكبرى ارتبطت بتلك المرحلة وكانت مسكونة بالصدام مع الدين ومبنية على أجزاء أولية من الحقائق العلمية التي سرعان ما تبعتها أجزاء وشواهد ودلائل نقضت أو عدلت أسس تلك النظريات والأفكار . وهانحن نشاهد كيف أن وتيرة المكتشفات والمخترعات تتسارع بصورة هائلة إلى حد أن ما أصبح يظهر منها خلال عقد أو عقدين يفوق ما كان يظهر خلال قرون , ورغم ذلك فإن ما واكب هذه الوتيرة المتسارعة هو عودة الإحياء الديني وتراجع النظرة والأفكار الإلحادية حتى في البيئات الغربية ذاتها .
لم تعد أداة الصدام مع الدين هي المكتشفات والمخترعات ، بل أصبح الصدام يدور حول نمط الحياة والسلوك ( النظام السياسي ، النظام القانوني ، النظام الأخلاقي ، أوضاع المرأة ، أوضاع الأقليات ...... ) . وبالتالي فمرحلة توظيف المخترعات والمكتشفات في خدمة الإلحاد قد ولت وانقضت وفقدت معظم دوافعها وقابليتها للتبني أو الشيوع الواسع . أما الأفكار المتعلقة بنمط الحياة والسلوك فالأديان لم تعد تملك سوى التعايش مع الفكرة العلمانية ، عدا الدين الإسلامي الذي يحمل مضموناً دنيوياً . وأتباع هذا الدين قد واجهوا الفتنة مع التجربة الغربية ولن يكون أمام أية تجربة جديدة سوى استهلاك وإعادة إنتاج مقولات التجربة الغربية ، وهو وضع لا يمكن أن يثير فتنة تستحق الذكر .
وهكذا فإن فتنة التجربة النهضوية الغربية على صعيد المكتشفات والمخترعات والشبهات والشهوات لا يمكن أن تتكرر بذات الدرجة ، فهي وليدة فترة التحول نحو الحياة الحديثة ووليدة الملابسات والظروف التي ارتبطت بتلك الفترة . وإذا صح ذلك فإنه يبقى أن تنطبق كل نصوص نبوءة المسيح الدجال دون استثناء على الصورة الواقعية للتجربة النهضوية الغربية .
أحيي صاحب هذا المقال الرائع , حول حقيقة المسيح الدجال . غير أنني أرجو أن يتقبل مني تصحيحا بسيطا طفيفا حول خلاصة موضوعه , حيث يرى بأن الدجال ليس سوى الغرب الحديث .و الأدق حسب ما أرى هو أن المسيح الدجال هو تلك البعثات التبشيرية التنصيرية الداعية لعبادة المخلوق دون الخالق .
و لكون رسول الله يوصينا و يحيلنا إلى كتاب الله و بالضبط إلى فواتح سورة الكهف و خواتمها , كان بالضرورة وجود علاقة وثيقة بين هذه الفتنة و بين تلك الآيات القرآنية الكريمة . و لعل الباحث عن لفظة الدجال في القرآن الكريم لن يجدها أبدا . لكن الحقيقة أن المسيح الدجال ورد ذكره في القرآن الكريم , و في قول الحق جل و علا :{وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} (4) سورة الكهف.
و هي إشارة واضحة إلى تلك البعثات التنصيرية الكافرة ألتي تنسب لله الولد و تدعو لعبادته . أما في الآيات العشر الأواخر من سورة الكهف , فنجد الإشارة إلى الدجال في قول الحق جل و علا :{الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا} (101) سورة الكهف. فهم أناس عور العيون , فلا يفلحون إلا في الجانب المادي .أما الجانب الروحي الإيماني , فهم كأنهم عميان لا يرون الحق .
في الأخير , إن التفسير المجازي لأحاديث رسول الله في الدجال , هو عين الحق و الصواب .فهو يبين لنا عدونا في هذه الفتنة , و بدقة فائقة , يعلم القاصي و الداني من خلالها أن رسول الله محمد-ص- نبي و رسول من الله عالم الغيب و الشهادة . و كلامه وحي , و نبوءته تحققت بدقة فائقة و لا تزال تتحقق . و هذا الفهم الراقي لحقيقة المسيح الدجال , يخلص المسلم العاقل الواعي من معتقد شركي واضح تمام الوضح . فالشرك هو أن تجعل لله ندا و هو خلقك .و بالطبع ليس في وسع أي مخلوق أن يجعل لله ندا في الواقع .و إنما أن يكون معتقده يفضي إلى وجود مشارك لله في صفاته و أسمائه . و عليه من يفهم و يعتقد أن المسيح الدجال بشر يحي الموتى و يبعثهم مثل الله , فقد وضع نفسه في خانة لا يحسد عنها أبدا . خاصة عندما نقرأ قول الحق جل و علا :{إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} (36) سورة الأنعام.
فلا يوجد في كتاب الله إستصناء يسمح للكافر بإحياء الموتى و بعثهم مثل الله . و يكون تبعا لذلك معنى إحياء الدجال للموتى , إشارة إلى التطور في مجال الطب الذي بلغه علماء الغرب النصارى .
و في الختام أكرر شكري لصاحب المقال الرائع حول حقيقة المسيح الدجال . و لا يفوتني أن أتوجه إلى علمائنا الذين يتمسكون بالمعنى الحرفي لأحاديث النبي في الدجال , قائلا : لقد ضيعتم بفهمكم هذا وصية رسول الله .فأنتم تنتظرون حلول العبث و تخلي الله تعالى عن سننه , و تركه العالم للعبث .و أنتم ترون تنصر أبناء المسلمين لقاء جنة الدجال المادية . فأتقوا الله و واسمعوا القول و اتبعوا أحسنه . بوضياف جمال -الجزائر .
ليس في الموضوع لبس
عدلهذا مايؤكد انه رغم كل الاحاديث الواردة في الاعور الدجال وتحذير منه فأنه سيظهر وستبعه الكثير من الناس وذلك لانه سيخرج في سنين قحط وجوع فيشبع من تبعه وثانياً الدليل الذي يؤكد ان الناس ستتبعه رغم ماجاء من الاحدايث في ذمه هو زوال الدين وأندثار الاحاديث الواردة حتى تتلاشى ولايعرف عنها جيله الا القليل من من وفى بحق دينه لذلك فهو فتنه تدل على أن الدين سيندثر فيا مسلمين أنتبهوا وتمسكوا بدينكم فانه سبيل النجاة من فتن الدنيا وأهوال الاخرة kl
قال تعالى (علمه شديد القوى) فلا تتفلسف
عدلالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته من قرأتي لنقاشك الفكري الطويل فانما يشبه لي من كلامك انك مشكك في هذا الامر وبالتالي مشكك لما قيل من احاديث مروية عن رسول الله العدنان الذي لا ينطق عن الهوى ومن هنا ارى انك تاخذ بالتفسير المنطقى وتفسر على هواك وتترك مالا يعجبك اليس الله من رفع عيس واسرى بمحمد وكلم موسى واغرق الارض بدعوة نوح اليس رحلة الاسراء قد تفسر تفسيرا على هواك ايضا ان الله يعلم مالانعلم ويقدر ما لا لنا قدرة على فهمة كم من اكتشافات علمية كنا نراها على انها خيال وخرافات لكن الله اكبر واعلم منى ومنك تفسيرك موضوعي ومفهوم والاقرب للعقل البشري الذي من الصعب عليه ان يصدق مالاترى عينه ولكن هل كان سحرة فرعون يلقون ثعابين حقيقية ليصدقها الناس بل كانت حبال وعصي ولكن الناس امنوا بانها ثعابين ان (المسيح الدجال) من السمعيات اي الامور الغيبية التى لم يراها بشر فى الكون مثلها مثل (الجنة والنار) و (الميزان والعرش والصراط)
سمعيات مثلها مثل فتنة المسيح الدجال.--Uranium505 15:49، 18 أغسطس 2008 (UTC)
المشككون .. جزء ضئيل جدا من فتنة المسيخ الدجال.. لو لم يمن هناك مشككين لعرفه كل مسلم بمجرد خروجه وصاحب الحكمة فهم المقصد Tarik usa (نقاش) 13:00، 14 أكتوبر 2016 (ت ع م)
من اشد الفتن
عدلبالتالي 99% من المسلمين لن يعرفو بأن هذا هو المسيح الدجال وبطريقة او بأخرى سيضربهم الشك لاتباعه او لاخذ موقف محايد لان علاماته لن يضهرها بالشكل الذي يتوقع الكثير من المسلمين الخروج به والا لما كان فتنه قوية حكمة الله سبحانه. لو اراد ان يكشفه للجميع مباشرة لتاب وامن الجميع بالسهل لكن الله سبحانه وتعالى يريد اختبار المؤمنين باحدى اقوى الاختبارات فتنه وقوة لن يخرج اعور لن يحي الموتى كالسحر لكنه سيستخدم ما ستعتقده انت وغيرك تكنولوجيا العصر ليبعد عنك الشك سيطرته لن تكون باخراج قوته للناس. رغم ان لديه القوة الا انه سيخرجها عاساس تطور تكنولوجب وسيكون بدعم بني ماسون وعبدة الشيطان لتفادي شبه انه المسيخ الدجال بعد كل هذا .. وبعد ملايين الاتباع وتسخير الاعلام يقول اكتشفنا سر الارض ونشأتها يوهمون الناس انه لا اله ، وبعد ذلك يمهدون له بانه هو الاله ولكن بطرق شيطانية يتبع......
Tarik usa (نقاش) 12:57، 14 أكتوبر 2016 (ت ع م)