موقف حكام الكويت من الأزمات الداخلية في البحرين (1873-1915)

تعتبر فترة 1873-1915 من الفترات الحساسة في تاريخ البحرين حيث شهدت البلاد مجموعة من الأزمات الداخلية التي أثرت على استقرارها السياسي والاجتماعي. في هذا السياق لعب حكام الكويت دورا محوريا في التعامل مع هذه الأزمات، نظرا للعلاقات التاريخية والروابط الثقافية والدينية بين البحرين والكويت.[1]

الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين (1869 - 1932).

تأثرت مواقف حكام الكويت بعدة عوامل بما في ذلك المصالح السياسية والاقتصادية والتوازنات الإقليمية في الخليج العربي. كانت هذه المواقف تتراوح بين الدعم المباشر للسلطة الحاكمة في البحرين والتدخل في الشؤون الداخلية مما يعكس تعقيد العلاقات بين الدولتين في تلك الفترة.

المقدمة

عدل

تعد مملكة البحرين من دول الخليج العربي المهمة، ولقد استمدت اسمها من موقعها الاستراتيجي فهي بلاد البحر كما ورد اسمها في الألواح المسمارية البابلية، ومع أن مصطلح البحرين يطلق على إقليم جغرافي كبير يشمل المناطق الشرقية من شبه الجزيرة العربية المطلة على الخليج العربي، الا أن الجزيرة الصغيرة التي يبلغ مجمل مساحتها ۲۰۸ میلا مربعا فقط عرفت بمملكة البحرين، وظلت تحتفظ بهذا الاسم عبر التاريخ. فالبحرين لها أهمية استراتيجية وجغرافية فهي جزء مهم من إقليم الخليج العربي، الذي يعد نقطة وصل واتصال مع الهند وبقية الدول الآسيوية، وتزايدت أهمية البحرين بعد انتقال النظام الاقتصادي العالمي الى مرحلة الرأسمالية التجارية (الماركنتيلية) حيث كانت الإمبراطورية البريطانية تنظر الى الخليج العربي كله على أنه بحيرة بريطانية، وطريق بحري مهم لتجارتها مع مستعمراتها في الهند، وكانت البحرين قبل اكتشاف النفط واللؤلؤ الصناعي من أهم مغاصات اللؤلؤ في الخليج العربي، وازدادت أهميتها مع تحول النظام الاقتصادي العالمي الى الرأسمالية الصناعية، خاصة بعد اكتشاف النفط في أراضيها عام 1932، ولعل أهمية البحرين كانت ولاتزال وراء اهتمام الباحثين بتناول تاريخها عبر العصور المختلفة، سواء تاريخها الاجتماعي او الاقتصادي او السياسي، وأوضاعها أثناء الحقبة الإمبريالية، كما اهتمت الدراسات بعلاقات البحرين بمشيخات و إمارات الخليج العربي وبالخلافات والصراعات التي أثرت في تاريخها، ومن هذه الزاوية سيتم إلقاء الضوء على موقف الكويت وهي إحدى دول الخليج العربي المهمة من الاضطرابات الداخلية والخلافات على السلطة في البحرين، وجدير بالذكر، أن بريطانيا كانت وراء إشعال الفتن والخلافات في البحرين التي مكنتها من عقد الاتفاقيات منذ عام 1820-1868 مع حكامها، ووضعها تحت الحماية البريطانية من 1888-1970 وتفسير اهتمام الكويت بالأوضاع الداخلية في البحرين، ولعل الدوافع الرئيسية التي دفعت الكويت الى ذلك العلاقات القوية المتينة التي ربطت بين المشيختين منذ النشأة، حيث تتميز هذه العلاقات بروابط الانتساب والأصل الواحد لقبيلة واحدة، وإن التشابه بين البحرين والكويت دفع البعض الى القول بأنه تاريخ لدولة واحدة، ويفسر ذلك الزيارات المتبادلة بين البلدين والاهتمام المشترك بالقضايا التي تخص الخليج العربي بصفة عامة، والبحرين والكويت خاصة.

جذور العلاقات الكويتية - البحرينية

عدل

الحديث عن تاريخ البحرين يستوجب العودة إلى الوراء قليلاً، فآل خليفة الذين أسسوا البحرين في العصر الحديث وتحديداً في منتصف القرن الثامن عشر هم فرع من حلف العتوب، الذين أسسوا الكويت بقيادة آل الصباح، وهذان الفرعان وفرع ثالث معهما هو الجلاهمة والذين عرفوا بالعتوب هاجروا جميعاً من جزيرة العرب وتحديداً من نجد في أوائل القرن السابع عشر، واستقروا فترة من الزمن في الزبارة (قطر) حيث ركبوا البحر وعملوا بالتجارة، ثم اضطروا جميعاً للهجرة من الزبارة وتوجهوا شمالاً إلى البصرة وتحديداً في منطقة الفاو، إلا أن الدولة العثمانية رفضت استقرارهم في تلك المنطقة فنزلوا جنوباً إلى أرض الكويت الحالية حيث كان كوت الخوالد، وأسسوا معا إمارة الكويت في عام 1701م، حيث برع آل خليفة بأعمال المال والتجارة، وأجاد الجلاهمة أعمال البحر، بينما آلت أمور الإدارة لآل الصباح.[2]

وأستمر آل خليفة مع بني عمومتهم في الكويت، إلى أن قرروا الرحيل عنها إلى جزر البحرين وقد سلكت جماعة عتوب آل خليفة طريق البحر نحو جزر البحرين للإقامة هناك، غير أن حكامها من آل مذكور حالوا بينهم وبين ذلك، فاتجهوا نحو شبه جزيرة قطر، وأقاموا في الزبارة على مقربة من جزر البحرين.

وقد أرجعت العديد من المصادر رغبة آل خليفة في التوسع في البحرين الى كثير من الأسباب، أهمها ما ورد في تقرير الكابتن تايلور عن العتوب، فقد ذكر تايلور أن الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة شرح أسباب رغبته في الهجرة إلى البحرين مستعرضاً الأهمية التجارية والاقتصادية للبحرين حيث توفر مصائد اللؤلؤ، وبرغبتهم بالحصول على نصيبهم من تلك الثروة لأنفسهم، بدلاً من الاستمرار في شرائها من أيدي أخرى. وجدير بالذكر أن آل خليفة خلال إقامتهم في الزبارة مارسوا نشاط الغوص على اللؤلؤ في مياه البحرين، وعرفوا أهمية هذه المنطقة، ويبدو أنها بقيت في مخيلتهم حتى بعد استقرارهم في الكويت.[3]

وخلال فترة استقرارهم في الزيارة نمت تجارة عتوب آل خليفة في الزيارة وازدهرت البلدة التي أنشأوها هناك، فتطلع عتوبها الممثلين بآل خليفة الى التوسع، ولكنهم لم يفكروا بالتوسع في البر خشية اصطدامهم مع جيرانهم، لذلك ازداد اهتمامهم بجزيرة البحرين ومتابعة أحوالها، وضم أعداد من المهاجرين إليهم لزيادة أعدادهم والاستعداد لضم البحرين، دون الإضرار بالعلاقات السياسية مع القوى المجاورة كبني خالد اللذين كانوا يتمركزون في الإحساء، وآل مسلم اللذين كانوا يزاولون سلطانا فعليا على قطر. بالإضافة لذلك، كان التحرك السعودي نحو شرقي شبه الجزيرة العربية وقتذاك على أشده، لذا، قدر آل خليفة أن وجودهم في الزبارة محفوف بالمخاطر، ومن ثم لم يكن أمامهم من سبيل يطرقونه سوى البحرين. ففي إمكانهم تحقيق الكثير إذا ما أخضعوها لنفوذهم، فهي في مأمن بعض الشيء عن السعوديين لوجود الحاجز المائي، كما أنها بخيراتها الطبيعية سوف تزيد من رخائهم وقوتهم.[4]

رغم ذلك، يذهب الكابتن فرانسيس واردن، أحد المسؤولين البريطانيين في الهند، في تقرير له عن العتوب إلى أن الشيخ نصر آل مذكور، حاكم البحرين آنذاك هو من بدأ هذا الصراع، فقد أغراه ازدهار مستوطنة آل خليفة في الزيارة ، لذلك حاصرها بقوة، وكان هذا الهجوم الأول لحاكم البحرين على الزبارة في عام 1777، ثم نشبت عدة معارك بين آل خليفة وآل مذكور حكام البحرين آنذاك وحلفائهم واستمرت فترة من الوقت، وكان من الواضح أن كفة العتوب هي الراجحة فيها، ثم حدثت معركة الزبارة وهي الحاسمة بين الطرفين في عهد شاه فارس علي مراد خان الذي أمر الشيخ نصر آل مذكور عام 1782 بإعداد حملة لحصار الزبارة، واستطاع آل خليفة وبمساندة حلفاؤهم في المنطقة وأبناء عمومتهم عتوب الكويت الانتصار في هذه المعركة في عام 1783.[5]

وقد بدا دور آل الصباح، في عهد حاكم الكويت الشيخ عبد الله الثاني (1866 - 1892)، واضحاً في مساندة آل خليفة في ضم البحرين بخاصة، فقد كتب الكابتن فرانسيس واردن أحد المسؤولين البريطانيين في الهند آنذاك، مفصلا أحداث هذه المعركة، فبعد الهزيمة النكراء التي حلت بالشيخ نصر بسبب ضعف قواته أسرع بإرسال معلومات إلى ابنه، الذي تركه لحراسة الجزيرة (البحرين)، واوصاه بأن يكون حازما ويقظا ضد أي هجوم أجنبي ، حتى يأتي لمساعدته. لكن القارب الذي يحمل هذه الرسالة تم القبض عليه بحمولته، واطلع آل صباح على الأوراق الذين كانوا يتقدمون لمساعدة اخوتهم بعد أن سمعوا انهم تعرضوا لهجوم الشيخ نصر. وإدراكا منهم لحالة البحرين الأعزل، شرعوا على الفور في الهجوم عليها، واستحوذوا على مراكزها الرئيسية قبل وصول أسطول الشيخ نصر، الذي وجد الجزيرة في حوزة العدو، وعاد إلى بوشهر. ويضيف لوريمر بأن الرسالة وقعت في قبضة اسطول من ستة زوارق كبيرة أرسلها العتوب في الكويت لنصرة بني جلدتهم في الزبارة وأضاف بأنه عندما غير الاسطول وجهته، وأغار على المنامة، أضرم فيها النيران، وحاصر الحامية الإيرانية في القلعة ولحق بعتوب الشماليين هؤلاء في البحرين بقية العتوب في الزبارة والرويس بأسرع ما كانت تسمح به وسائل الانتقال المتوافرة آنذاك. كذلك لحقت بهم فرق أخرى من مختلف قبائل قطر، وهذا ما أثر في نتيجة المعركة لآل خليفة، إذ استسلمت الحامية الإيرانية في حصن المنامة بعد حصار دام شهرين، في 29 يوليو 1783، وسمح لأفرادها بالعودة لبوشهر. وكنتيجة هذا النصر الكبير لآل خليفة، أطلق على الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة لقب أحمد الفاتح. لكن الشيخ أحمد بعد فتح البحرين استمر في الإقامة في الزبارة، تاركا أحد أقاربه يحكم البحرين، وأصبح الشيخ أحمد يتردد على المنامة حتى توفي ودفن في المنامة عام 1794. وخلفه في الحكم نجله الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة الذي اختار منطقة الرفاع في البحرين مستقرا لإقامته.[6]

وهكذا فقد أستطاع العتوب إنشاء كيانين سياسيين في منطقة الخليج العربي هي الكويت والبحرين، وهو ما ساهم في استمرار التعاون الوثيق بين الطرفين والتصدي للتحديات التي واجهها آل خليفة في البحرين. فخلال العشر سنوات الأولى من حكم الشيخ سلمان بن أحمد آل خليفة حققت البحرين تقدما سريعا في النواحي التجارية، فقد أصبح لهم أسطول تجاري يقوم بعملية نقل البضائع ما بين مسقط والبصرة التي كانتا في ذلك الوقت أكبر مركزين تجاريين في الخليج العربي، وسيطر تجار البحرين على تجارة اللؤلؤ، وهو ما عرضها الأطماع القوى المجاورة، فأحتل حاكم مسقط البحرين عام 1800، ولجأ بعض شيوخ البحرين الى الزبارة، وآخرون الى الكويت، ثم أرغمهم عتوب البحرين والكويت على الاستسلام والجلاء عن البحرين عام 1802.

وكان من نتائج أطماع بوسعيد بالبحرين، استعانة آل خليفة بالسعوديين لطرد العمانيين، وهو ما أجبر البحرين على دفع الجزية للسعوديين، ولم يكن هذا التحالف الجديد دافعا قويا للوقوف ضد أبناء عمومتهم عتوب الكويت آل الصباح، إذ رفض آل خليفة الاشتراك مع الوهابيين والقواسم في حملة بحرية على البصرة، وعلى إخوانهم من العتوب في الكويت، بل حاول آل خليفة القضاء على قوات السعوديين المسماة بالوهابية بمساندة البريطانيين، وهو ما أيده عتوب الكويت والزبارة، لاسيما وان الكويت كانت تعاني من خطر الهجمات الوهابية آنذاك. كما انقلب عتوب الجلاهمة على آل خليفة، اللذين كانوا خرجوا أيضا من الكويت نحو الزبارة، لإن زعيمهم رحمة بن جابر لم يقنع بالمكافآت التي قدمها آل خليفة له ولجماعته بعد مساندتهم لهم في فتح البحرين، وتحالف مع الوهابيين ضد آل خليفة، كما عاد العمانيين لمهاجمة البحرين في عام 1810 ثم في عام 1820، كل هذه الأخطار دفعت آل خليفة لعقد تحالف جديد مع القواسم، كانت نتيجته هزيمة العمانيون. لكن التحالف الجديد مع القواسم كان يحركه دافع تجاري قوي، وهو الفوائد التي كان يجنيها آل خليفة من التعاون في نشاطات القرصنة التي كان يمارسها القواسم آنذاك، وقد شارك عتوب الكويت بهذه التجارة ذات الفائدة الكبيرة للطرفين، اذ كان القواسم ينقلون اسلابهم الى البحرين، ومن هناك توزع من قبل عتوب البحرين والكويت على بعض الموانئ الإيرانية المجاورة، الأمر الذي أثار غضب البريطانيون لاعتبارها تجارة محرمة تضر بمصالحهم، لذلك أجبرت بريطانيا شيخ البحرين على توقيع معاهدة السلام في فبراير 1820 التي نجحت في منع هذه التجارة الى حد كبير. وفي 1825 توفي الشيخ سلمان بن أحمد الفاتح آل خليفة، واستلم حكم البحرين أخيه الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة. وربما دفعت هذه الاتفاقية رجال شركة الهند الشرقية لوصف العلاقات بين الكويت والبحرين بالفتور خلال عهد الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة لكن الواقع كان مخالفا لذلك، فبعد فترة من حكم الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة بدأت سلسلة جديدة من المشاكل المحلية التي أقلقت البحرين وحكامها، ولعب حكام الكويت دور الوساطة لمحاولة حلها، والتي حاول البريطانيين الاستفادة منها للسيطرة على البحرين.

السياسة البريطانية في البحرين ودور آل الصباح في حل الصراع بين الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة والشيخ محمد بن خليفة آل خليفة على حكم مشيخة البحرين (1849-1874)

عدل

بالإضافة للتحديات الخارجية التي تعرضت لها البحرين منذ أن دخلها آل خليفة عام 1783 والمتمثلة بأطماع وتطلعات الدول المجاورة عانت البحرين من المشاكل الداخلية نتيجة الصراع على السلطة بين أفراد الأسرة الحاكمة. والواقع، إن خلاف أفراد الأسرة الحاكمة من آل خليفة على تولي السلطة هو أمر شكل للبريطانيين أهمية بالغة، فقد استفادت منه بريطانيا بخاصة على الصعيد السياسي في منطقة الخليج العربي، التي أتبعت وسائل شتى للسيطرة على مقدرات إمارات الخليج العربي، وكانت تضع البحرين نصب أعينها لاتخاذها مركزا لها للسيطرة على كل منطقة الخليج العربي، وبالتالي فإنها كانت تتابع كل الأمور التي كانت تحدث في البحرين، وهذه الخلافات سمحت للبريطانيين بالتدخل في شؤون البحرين الداخلية والخارجية سواء بالطرق العسكرية أو الدبلوماسية وبالمعاهدات التي فرضت على البحرين في عهد الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة ما بين 1847 - 1868، وكان الدافع الرئيسي لهذه الاتفاقيات تخوف بريطانيا من أن هذه الخلافات زادت من تدخلات القوى المجاورة في البحرين، إذ كان كل فريق يستعين على الآخر بقوى خارجية كالدولة العثمانية وحكام فارس والسعودية. وقد أعطت هذه الاتفاقيات مع حكام وأمراء البحرين بريطانيا حقوقاً للتدخل في الشؤون الداخلية بحيث صارت طرفاً في المنازعات الأسرية وفي تعيين من يوافق مصالحها من أمراء آل خليفه لحكم البحرين.

بدأت هذه الصراعات في البحرين بثورة أبناء الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، الذي تسلم الحكم من أخيه سلمان بن أحمد الفاتح آل خليفة، الذي توفي عام 1825. وربما كان استلام الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة الحكم في سن متأخرة سببا في ان بعض أبنائه الستة استغلوا سلطة أبيهم وكبر سنه، وأساؤوا معاملة بعض الرعايا البحرينيين، والوكيل المحلي للحكومة البريطانية، ولم يبذل الحاكم جهدا في ردعهم، ودخلت مدن البحرين خلال حكمه في حالة من الفوضى والخراب وهجرها الكثير من سكانها، لذلك تقلصت تجارتها إلى ما يقرب النصف، فاضطر الشيخ عبد الله للاستعانة بحفيد أخيه الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة لمواجهة أولاده. وبالفعل استطاع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة من هزيمة أبناء عم أبيه في معركة الحويلة.

لكن الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة استغل هذا الانتصار لصالحه للاستيلاء على السلطة، ليبدأ صراع جديد يعتبر الأطول على حكم البحرين، فقد وجد الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة مقاومة شديدة من عم أبيه حاكم البحرين الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة لثلاث سنوات متواصلة، لذا لجأ الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة للوهابيين لنصرته، كما استنجد بمجموعة من القبائل العربية في قطر ضد عم أبيه، وتمكن الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة من الانتصار على الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة في معركة الحنينية وتولى حكم البحرين في أبريل 1843، وانتقل إلى الدمام حيث كان ابنه الشيخ مبارك بن عبد الله آل خليفة يقوم على حاميتها، إلا أن الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة وأنصاره الوهابيين فرضوا عليها حصارا شديدا.[7]

الوساطة الكويتية الأولى: وساطة الشيخ جابر الأول بن عبد الله بن صباح عام 1843

عدل

أثناء حصار الدمام، تطوع الشيخ جابر الأول للتوسط لحل الصراع الدموي المرير بين أبناء العمومة من آل خليفة في أغسطس 1843. فخرجت من الكويت ثمانية سفن كبيرة الى البحرين، بعد أن أخطر بذلك المقيم البريطاني في بوشهر، ولم تكن الوساطة مدفوعة فقط بعوامل القربى، وإنما كانت مدفوعة بالصداقة بين الشيخ جابر والشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، ويبدو أن الشيخ جابر ربما أراد رد جميل الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة بإيوائه له خلال عهد أبيه الشيخ عبد الله بن صباح الأول، فقد ذكر عبد العزيز الرشيد أن الشيخ جابر كان قد هجر الكويت وذهب إلى البحرين لمغاضبته أبيه وقد أقام هناك إلى أن توفي والده ثم عاد للكويت حيث بويع لحكم الكويت. وقد رأى البريطانيون أن هدف الشيخ جابر من الوساطة، إنقاذ الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة الكبير في السن آنذاك من المزيد من التدهور، وإذا أمكن، حثه على العودة معه إلى الكويت في حالة فشل وساطته.

لكن بريطانيا رأت أن مصالحها تقتضي التعاون مع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، بعد أن انتهج الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة سياسة معاكسة للبريطانيين، وكان الساسة البريطانيون مصرين على إقصاء الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة عن الحكم، وقد اتخذ البريطانيون هذا الموقف المضاد من الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة خاصة بعد تعرض البحرين في عام 1839 للتهديدات المصرية عقب وصول حملة خورشيد باشا الى الإحساء في شرق الجزيرة العربية، وقيام الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة بإعلانه المفاجئ لتعاونه مع هذه الحملة بهدف القضاء على الاضطرابات التي كان عاجزا عن مواجهتها لكبر سنه، ولإعلان الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة موافقته على دفع ضريبة الخورشيد باشا تقارب 2000 روبية أي مائتين دينار بشرط أن تبقى للشيخ السلطة الداخلية وألا يرسل خورشيد باشا ممثلا يقيم بالبحرين، وهو ما اعتبره البريطانيين اعترافا بسلطة الدولة العثمانية على البحرين ضمنيا، رغم تهديد البريطانيون لكلا الطرفين بأن مثل هذا التعاون يعتبر عملا معاديا للبريطانيين.[8] لهذا بحسب لوريمر فإن موقف الجفاء من جانب السلطات البريطانية تجاه الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة كانت له آثاره على مكانة الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، بل ومحتمل أيضا ان يكون قد أسهم في الاضطرابات ضد الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة. لهذا فرض البريطانيون شروطهم على الوساطة الكويتية، إذ نبهوا الشيخ جابر على عدم السماح لهذه الوساطة بإن تظهر أي عمل عدائي تجاه الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة.

وبعد أن وصل الاسطول الكويتي البحرين، اتفق الشيخ جابر مع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة على ان يجتمعا الشيخين المتصارعين لتسوية الخلاف وللمصالحة، لكن الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة رفض اقتراح الشيخ جابر ليقينه بأن عودته للحكم أمر غير متوقع. وسافر الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة إلى بوشهر مستنجدا العون من حاكمها، ثم كتب للمقيم البريطاني طالبا فك الحصار عن الدمام وإعادته لحكم البحرين، لكن مساعيه لم تنجح. هنا يبدو أن الشيخ جابر مدفوعا بعامل صداقته للشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، تحرك لنجدة المحاصرين بحمولة سفينتين من الأطعمة والذخائر، غير ان اسطول البحرين اعترضهما وأسرهما، لكن البريطانيون نصحوا الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة بالامتثال لرغبة الشيخ جابر بإعادة السفينتين، وذلك بدلاً من تحمل مخاطر سوء التفاهم مع ذلك الرئيس القوي كما وصفه كيمبل في تقريره عن العتوب أي تجنبا لقيام خلاف خطير مع شيخ الكويت القوي، مع توصية بريطانية للشيخ محمد بن خليفة آل خليفة بضرورة التوضيح لشيخ الكويت أنه لا ينبغي له التدخل أكثر في الخلاف، وعدم محاولة توصيل أي مساعدات أو مؤن مرة أخرى إلى الدمام . وبدا أن الوساطة قد فشلت، إذ عاد الشيخ جابر إلى الكويت، وبعد وقت قصير، اضطرت حامية الدمام للاستسلام للشيخ محمد بن خليفة آل خليفة عام 1843، وفضل الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة المغادرة إلى الكويت، لكن يمكن القول أن وساطة الشيخ قد حققت هدفها الرئيسي، فقد ظل الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة في الكويت ما يقارب السنة، غادر بعدها الى الإحساء، ليعود للكويت مرة أخرى، وظل بها الى سنة 1846، وخلال إقامته بالكويت نجح شيخ الكويت جابر في تنفيذ رغبة البريطانيين اللذين كتبوا له يستحثونه على إقناع الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة بإيقاف أعماله العدائية على التجارة البحرية للبحرين التي استمر في شنها بعد استسلام الدمام، بعد ذلك، غادر لمسقط محاولا اقناع سلطانها بمهاجمة البحرين واستعادتها، إلى أن توفاه الله في 1849. وقد اتاحت هذه الاحداث للبريطانيين التدخل بقوة في شؤون البحرين، فعقدت بريطانيا مع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة اتفاقيتين: الأولى عام 1847 بشأن حظر تجارة الرقيق، والثانية عام 1856 للتعاون معه الحفظ السلام.

الموقف الكويتي من الخلافات الأسرية في عهد حاكم البحرين الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة (1868-1856)

عدل

رغم الاتفاقيات البريطانية مع الحاكم الجديد، ورغم وفاة الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة، لم يعم السلام والاستقرار في البحرين، بل تشعبت الخلافات الأسرية أكثر في عهد الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، ويمكن وصف عهد الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة الذي دام 26 سنة، بانه الأكثر صراعا في تاريخ البحرين، وذلك لعدة أسباب: فالشيخ محمد بن خليفة آل خليفة دخل في صراع مع البريطانيين لعدم التزامه بالاتفاقيات التي عقدها معهم الهادفة الفرض سياسة السلم في البحار ووقف أعمال القرصنة وتجارة الرقيق، بالإضافة لسوء معاملته للرعايا البريطانيين كالتجار الهنود والبحرينيين واضطرارهم للهروب من البحرين. وإلى جانب ذلك، شكلت مطالبة أبناء الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة بالحكم من ابن عمهم الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة عاملا مؤثرا في هذا الصراع. إذ ثار الشيخ محمد بن عبد الله آل خليفة ابن الحاكم السابق المتوفي على الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة، وغادر إلى الدمام في الإحساء معلنا ولائه لحكومة فيصل بن تركي، الذي ساعده في إرسال حملة باسم حكومة السعوديين للقيام بغزو البحرين، فتدخل البريطانيين، وقاموا بقصف الدمام. لكن الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة لم يكتف بالرد البريطاني، فقام بمحاصرة القطيف رغم تهديد البريطانيون له بعدم الإقدام على هذا الأمر. كما أثار استنجاد الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة بأمي كبير رئيس الوزراء الفارسي لمساندته ضد الشيخ محمد بن عبد الله آل خليفة غضب البريطانيون، خاصة بعد أن أرسل له أمير كبير بعثة للبحرين كان هدفها معاداة الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة للسياسية البريطانية والسيطرة على البحرين، وقام الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة برفع علم فارس في البحرين، فأصدر البريطانيين تحذيرا إلى فارس بعدم المساس باستقلالية البحرين.

هذا ما دفع البريطانيين إلى محاصرة ميناء المنامة في 18 مايو 1861[9]، وإجبار الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة على توقيع اتفاقية صداقة، أعطت البريطانيون امتيازات واسعة النطاق في البحرين، لكنها أبقت على حرية علاقات البحرين الخارجية حرة، وهو ما ساعد الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة على تحدى الاتفاقية باستمراره برفع العلم الفارسي والدولة العثمانية، كما قام الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة بمهاجمة قطر بسبب خلافاته مع شيخ قطر جاسم آل ثاني حول ساحل الزبارة المواجه للبحرين، مما يعتبر عملاً مخالفاً لاتفاقية سنة 1861، وردت قبائل قطر بهجوم مضاد، لذلك قام البريطانيون بمحاصرة البحرين في أغسطس 1868، وحرق علمي الدولة الفارسية والعثمانية والأسطول البحريني الشراعي. ولم يستطع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة المقاومة، ففر الى قطر. هنا وجدت بريطانيا الفرصة سانحة لها للتخلص من الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة نهائيا واستبداله بحاكم آخر وفصل البحرين عن قطر، بدعوى فرض سياسة السلام في الخليج العربي، لذلك قامت بتوقيع اتفاقية في سبتمبر 1868 مع أخيه الشيخ علي بن خليفة آل خليفة، واعتبرت الاتفاقية أن الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة فاقداً لصفته الشرعية كحاكم للبلاد. ونصت الاتفاقية على اعتبار الشيخ علي بن خليفة آل خليفة الحاكم الفعلي للبحرين.

الوساطة الكويتية الثانية: وساطة الشيخ عبد الله بن صباح الثاني عام 1868

عدل

وفي أعقاب تلك الأحداث والاضطرابات قام الانجليز بنفي الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة إلى الكويت. ويذكر عبد العزيز الرشيد أن شيخ الكويت عبد الله بن صباح الثاني (1866-1892) سائه ما حدث من صراع بين الأخوين، فحاول أن يتوسط للصلح بينهم، فانتدب أخاه محمد الصباح لتلك المهمة، وأصحبه بكتاب إلى الشيخ علي بن خليفة آل خليفة يلومه فيه على ما عمل، وبين له سوء عاقبة النزاع والاختلاف، وقبل الشيخ علي بن خليفة آل خليفة عودة أخيه الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة أو تنازله له عن الحكم. لكن لم توفق الوساطة الكويتية الثانية في هدفها لأن المعتمد البريطاني في البحرين رفض التراجع بسبب مواقف الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة السابقة، مما دفع الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة إلى العودة إلى دارين والقطيف في الجزء الجنوبي الشرقي من الجزيرة العربية.

ومن دارين والقطيف، شن الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة في سبتمبر 1869، بمساندة الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة، هجوم بالقوارب على الرفاع في البحرين، وانضم اليه حاكمها ابن عمه الشيخ محمد بن عبد الله آل خليفة الذي كان قد خرج عليه من قبل، ودارت معركة مع الشيخ علي بن خليفة آل خليفة حاكم البحرين، شارك بها أهل البحرين اللذين أثقل الشيخ علي بن خليفة آل خليفة كاهلهم بالضرائب ليستطيع دفع الغرامة للمقيم السياسي والتي نصت عليها اتفاقية سبتمبر 1868، وقتل الشيخ علي بن خليفة آل خليفة وأحد ابنائه في ميدان المعركة[10]، واحتل المنتصرون المنامة، وسادت الفوضى في البحرين هنا تحركت قوة بريطانية وهاجمت قلعة حالة أبو ماهر، القلعة الرئيسية في المنامة، حيث كانت حامية الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة فيها، واستسلم الحلفاء الثلاثة وتم نفيهم الى الهند، وتوفي الشيخ محمد بن عبد الله آل خليفة هناك. بينما استطاع الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة الهروب الى الإحساء. أما الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة نقل من الهند الى عدن، ثم الى مكة، حيث توفي هناك عام 1890. وبعد هذه الاضطرابات، قامت بريطانيا بتنصيب الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في نفس العام، الذي استمر حكمه مدة تزيد على نصف قرن (1932-1869)، واتسمت الفترة الأولى من حكمه ببعض الصراعات الداخلية على السلطة.

الموقف الكويتي من الخلافات بين افراد الاسرة الحاكمة في البحرين في عهد الشيخ عيسي بن خليفة من 1869 وحتى 1915 وأثره على السياسة البريطانية

عدل

مشكلة الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة

عدل

كان هروب الشيخ ناصر بن مبارك بن عبد الله آل خليفة إلى الإحساء سببا في استمرار الصراع الأسري في البحرين في عهد الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، لاسيما وأنه تلقى دعما من قبل المسؤولين العثمانيين في الإحساء اللذين كانوا يدفعون للشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة راتبا شهريا، لأنه في حال نجاح حملته ضد البحرين سيقدم للدولة العثمانية فرصة نادرة - لم تحدث من قبل - لإعادة سيادتها على البحرين، وقد كان الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة وأنصاره قدموا التماسا الى الصدر الأعظم في اسطنبول في أبريل 1879 ضد تدخل السلطات البريطانية في البحرين حيث أشاروا إلى أنها من أملاك الدولة العثمانية واشتكوا من طردهم من البحرين، وطالبوا بإطلاق سراح الشيخ محمد بن خليفة آل خليفة وأحد رفاقه، وأن يسمح للشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة وأحد رفاقه بالعودة إلى البحرين واسترداد املاكهم فيها، وردت حكومة الهند البريطانية بأنها ستتولى التحقيق في هذه المطالب، وجاءت نتيجة التحقيق بإن الالتماس المذكور يتعلق بعقاب زعماء تمرد 1869 في البحرين ومن ثم ليس لهم الحق بالاعتراض عليه.

كما أرسل الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة إلى المقيم السياسي الرائد روس في 1881 خطابات يلتمس فيها العودة إلى بيته وأملاكه في البحرين، لكن بريطانيا لم تعترف بهذه الوثيقة، وأكدت على أن حكومة البحرين لا تسمح له بالحركة خارج حدود قطر، لذلك أعد الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة استعداداته لمهاجمة البحرين أكثر من مرة، أحيانا بمساندة من حاكم قطر الشيخ جاسم آل ثاني الذي أصبح الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة صهرا له، وبدعم من العثمانيين، لكن البريطانيون كانوا في كل مرة يهددون الشيخ جاسم والسلطات العثمانية رسميا في بغداد بمنع وردع أي هجوم يقع على البحرين، وإلا ستتولى بريطانيا نفسها حماية البحرين ، وسيضطر العثمانيون لدفع التعويضات الناجمة عن الأضرار الناجمة عن هذه الحملة، مما اضطر الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة لوقف حملاته ضد البحرين، لكن التهديد بهذه الهجمات بموافقة العثمانيين، مثلت دافعا قويا لبريطانيا لعقد اتفاقية عام 1880 وعام 1892، وهما المعاهدتان اللتان حولتا البحرين إلى محمية بريطانية، والتي مكنت بريطانيا من فصل ميناء الزبارة على الساحل القطري وفصلته عن الجزيرة الأم البحرين منعا للتأثيرات العثمانية.

واعتبارا من يناير 1905، تطورت المشكلة بين الشيخ عيسي بن على آل خليفة حاكم البحرين وابن عمه الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة، فقد حاول الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة تدعيم موقفه من خلال الضغط بالحكومة العثمانية في مطالباته أملا بهذه الوسيلة أن يحصل على بعض المكاسب من الجانب البريطاني، فقد أرسل الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة رسالة إلى الكولونيل كمبول الوكيل السياسي البريطاني في الخليج العربي يخبره بأنه من آل عبد الله وبأحقيته بحكم البحرين، وأن له أراض في البحرين وأن الحكومة العثمانية اتصلت به منذ سنوات تطلب منه أن يبيع لها حقوقه في البحرين ولكنه لم يجبها على ذلك، طالبا من الحكومة البريطانية إقرار العدل معه، بالحصول على حقوقه وامتيازاته، ويستطرد الشيخ أيضا في ختام مراسلته "وإذا ما فشلت في تحقيق أهدافي فأنني سوف أبيع حقوقي في البحرين إلى الحكومة العثمانية وأمل مساعدتي بإجابة سريعة منكم". ولم يتوقف الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة عند هذا الحد بل حاول مقابلة الكابتن بريدو الوكيل السياسي البريطاني في البحرين، ولكن الكابتن بريدو أبلغ الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين بهذا الاتصال موضحا بأنه لا يرغب في أي اتصال معه إلا بعد أن يقدم خضوعه للشيخ عيسى بن علي آل خليفة. وقد أوضح كوكس المقيم السياسي البريطاني في الخليج العربي في (بوشهر)، وجهة نظره في هذا المشكلة إلى الكابتن بريدو الوكيل السياسي في البحرين، بأنه يعتبر الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة من رعية الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين، وشدد بأنه في حالة تمرده أنه من الأفضل تجاهل خطابه وأضاف أنه من الأفضل إبلاغ الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بفحوى خطاب الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة، لأنه من المتوقع أن يكون الشيخ عيسى بن علي آل خليفة يعلم بتحركاته، وبالفعل، رفض الشيخ عيسى بن علي آل خليفة التواصل معه.

لكن مقابلة عارضة بين بريدو والشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة في معسكر الشيخ جاسم بن ثاني في بو حصة في قطر في نوفمبر 1905 أدت إلى تحول في أسلوب الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة، وذلك بسبب نصيحة بريدو للشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة بأن البريطانيين سيكونون على استعدادًا لتأييد الصلح بينه وبين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة. وفي هذا الإطار ارسل الكابتن بريدو الوكيل السياسي في البحرين، رسالة إلى المقيم السياسي في الخليج العربي، موضحا أنه أعطي بعض النصائح للشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة وأن هناك فرصة ضئيلة أمام الحكومة البريطانية، كي تضغط على الشيخ عيسى بن علي آل خليفة للسماح له بالعودة إلى البحرين، وإنه يسعدها أن تحاول التهدئة بين الطرفين.

لذلك فإن الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة أرسل إلى الوكيل البريطاني في البحرين في 3 ديسمبر 1905، طالبا تحقيق مصالحة بينه وبين أبن عمه الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين، وأن يسمح له بالعيش في بلاد أجداده، وأوضح أنه فقد الأمل في استرداد ميراثه من جده، وأنه سيطيع قرار الحكومة البريطانية، قائلا: "وأنا أود فقط أن أعيش في البحرين كفرد تابع للحاكم كبقية أفراد عائلته آل خليفة، فإن أمكن للحكومة البريطانية التدخل وتحقيق مصالحة بيني وبين أبن عمي الشيخ عيسى بن علي آل خليفة".

ويبدو أن الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة قد أيقن تماماً أن محاولاته لدفع الدولة العثمانية لإيجاد حل لمشكلته لم تجد نفعا وأنه لا مناص من التوجه إلى بريطانيا لتحقيق ذلك، خاصة وأن الدولة العثمانية كانت في أواخر أيامها، كما أن الحرب العالمية الأولى كانت على الأبواب، وهي مشغولة بالاستعداد لها، وأن مشكلة كهذه لم تكن الدولة العثمانية تعطي لها أهمية، بينما كانت بريطانيا هي الأقدر على إيجاد حل مناسب وعادل للمشكلة بينه وبين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة.

ومع ذلك فقد تجاهل الشيخ عيسى بن علي آل خليفة العديد من الخطابات التي أرسلها الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة له خلال عام 1906، لذا أرسل الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة عدة خطابات إلى بريدو طلبا للمساعدة. غير أن الردود التي حصل عليها كوكس المقيم السياسي في الخليج العربي من حكومة الهند في مايو 1906 عكست السياسة البريطانية الرسمية المتبعة آنذاك، حيث أوضحت بأنه لم تكن هناك أسس كافية لتدخل بريطانيا للسعي إلى الصلح بين الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة والشيخ عيسى بن علي آل خليفة. فحكومة الهند فضلت أن تتعامل مع هذه المشكلة بحذر، مع الامتناع قدر الإمكان منح أي وعود للعضو المنشق عن الأسرة الحاكمة في البحرين، وهي سياسة تنسجم مع السياسة العليا لبريطانيا، لأنها لا تريد أن تلزم نفسها بتعهدات ووعود تجاه حكام دول الخليج العربي في تعاملها معهم حتى لا تتحمل أعباء مالية وسياسية تجاههم في ظل تلك الالتزامات الهائلة لديها، وبخاصة أن الحرب العالمية على الأبواب وأن الاستعدادات البريطانية تجري لمواجهتها على قدم وساق هي الأخرى.

وبناء على موقف حكومة الهند البريطانية، اقترح بريدو في خطابه إلى كوكس المقيم السياسي في الخليج العربي بتاريخ 26 يونيو 1908 بأنه ينبغي على الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة أن يتخلى عن إصراره على المصالحة مع الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وأن يقضي ما تبقى له من العمر في هدوء كأحد الرعايا الأتراك بدون اللجوء إلى التمرد أو الأنشطة القرصانية.

محاولة الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة الحصول على دعم حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح

عدل

نتيجة لموقف الحكومة البريطانية الحازم ضده، لجأ الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة إلى الكويت للحصول من شيخ الكويت الشيخ مبارك الصباح على مساعدة في طلب المصالحة مع أبن عمه الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، نظرا لأواصر القرابة بين الأسرتين الحاكمتين في الكويت والبحرين، واعتمد الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة على الميجور نوكس الوكيل البريطاني في الكويت في تحقيق ذلك، ولكن السير كوكس المقيم السياسي في الخليج العربي أبلغ الوكيل السياسي في الكويت بأن عليه الحذر وعدم تقديم أي وعود في هذا الصدد، لأن الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة هو خارج عن القانون وأنه لا يسير على الطريق السليم للحصول على رضى الحكومة البريطانية .

وقد أجاب الوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 13 مايو 1908 بأنه عندما سمع بأن الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة قد وصل إلى الكويت، فإنه شعر بأنها فرصة لإبلاغه بالتعليمات البريطانية، وأضاف الوكيل البريطاني في الكويت قائلا في 12 مايو 1908 جاء الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة لزيارتي للتباحث في المسألة، وأرني خطابا من الكابتن بريدو يتضمن الشروط التي اقترحتها، كما أوضحت للشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة أن هذا الخطاب يوضح الأمور، لأنه يتضمن نفس الإجابة التي صدرت التعليمات بإعطائها إليه، كما أضاف ان موقفه متعثر تماماً لأن الأموال التي كان يتقاضها هو وعائلته من الدول العثمانية قد أوقفت وأنه من الصعوبة بمكان عليه وعلى أولاده العيش هكذا، وأن عليهم بذلك بذل الجهود لاستعادة حقوقهم.

وأوضح الوكيل السياسي البريطاني في الكويت أنه عندما سأل الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة عن محاولاته للاتصال بالشيخ عيسى بن علي آل خليفة وذلك للتهدئة، قال أنه حاول استمالة الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت والشيخ قاسم بن ثاني حاكم قطر، وذلك للتدخل في الإصلاح ذات البين بينه وبين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين ولكنهما أوضحا أنهما لا يستطيعان القيام بأي شيء.

وقد انتهز الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، فرصة زيارة الشيخ مبارك له في 13 مايو 1908 وناقش معه مسألة الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة، وعما إذا كان بالإمكان إنهاء المشاكل بين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين وأبناء عمومته، فأجاب الشيخ مبارك الوكيل السياسي بالبريطاني بالاعتذار عن ذلك وأنه لا سبيل إلى التدخل لأن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة لن يستمع إليهم أبدا.

ويتضح لنا هنا أن حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح قد نأي بنفسه عن التدخل في حل تلك المشاكل بين الشيخ ناصر بن مبارك آل خليفة والشيخ عيسى بن علي آل خليفة، بعد أن أدرك تماماً انه لا سبيل لموافقة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة على ذلك، نظرا لعمق المشاكل التي حدثت بينهما. لكن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة كان له موقفا آخر من وساطة الشيخ مبارك لحل الخلاف بين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة والشيخ علي بن أحمد آل خليفة، أبن أخ الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين.

مشكلة الشيخ علي بن أحمد آل خليفة والوساطة الكويتية الثالثة، وساطة الشيخ مبارك الصباح عام 1907

عدل

تدخل الشيخ مبارك في عام 1907 لحل الخلاف بين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة والشيخ علي بن أحمد آل خليفة، أبن أخ الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين، والذي كان قد نفي من البحرين أيضا نتيجة خلاف كبير حدث بين الطرفين في سنة 1899، وكان سببه تنصيب الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ابنه حمد وليا للعهد، فقد وصف لوريمر العلاقة بين هؤلاء الأقارب الثلاثة بأنها معقدة بعض الشيء، لإن الشيخ علي بن أحمد آل خليفة والشيخ حمد بن عيسى آل خليفة كانا أخوين غير شقيقين وابني عم، وأضاف لوريمر بأنهما كانا أيضاً غريمين، فقد تزوج الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بأم الشيخ علي بن أحمد آل خليفة بعد طلاقها من أخيه الشيخ أحمد بن علي آل خليفة وولدت له ابنه الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة، وكان الشيخ أحمد بن علي آل خليفة يحصل على نصف عوائد الإمارة، ويعاون الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بالحكم، وبعد موت الشيخ أحمد بن علي آل خليفة سنة 1888، فوض الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ابن أخيه الشيخ علي بن أحمد آل خليفة السكن في قصر أبيه الفخم في مدينة المنامة المعروف باسم "بيت الشيخ"، لذا نظر إليه الناس كأنه حاكم المنامة، ومع تقدم الشيخ عيسى بن علي آل خليفة في السن، بدأ الشيخ علي بن أحمد آل خليفة ينزع نحو تأكيد استقلاليته مما أثار غضب الشيخ عيسى بن علي آل خليفة عليه، فقام عمه بإبعاده عن أملاكه ومنع عنه دخله، لذا أرسل الشيخ علي بن أحمد آل خليفة إلى المقيم البريطاني في الخليج العربي يطلب منه إنصافه، وبرر الشيخ عيسى بن علي آل خليفة تصرفه بتكوين الشيخ علي بن أحمد آل خليفة حزب معارض لحكمه، وعقد مجلس للعائلة أعلن الشيخ علي بن أحمد آل خليفة فيه عن خضوعه وانصياعه الكامل للشيخ عيسى بن علي آل خليفة، في مقابل إعطائه حقوقه المادية. ولكون هذه الاتفاقية شفويه ولم تكتب، ظل الشيخ علي بن أحمد آل خليفة حانقا على عمه، واشتكى لسلطان مسقط من سوء المعاملة التي تلقاها من عمه ومن السلطات البريطانية، لذلك اقترح الوكيل السياسي في البحرين والميجور كوكس المقيم السياسي في الخليج العربي بأن يعلن قرار الحكومة البريطانية بتأييد شيخ البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ضد ابن أخيه الشيخ علي بن أحمد آل خليفة، ما ظل الشيخ عيسى بن علي آل خليفة على الوفاء بالتزاماته نحوهم في اجتماع عام علني بالبحرين.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن شيخ البحرين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة كانت له مشكلات مع السلطات البريطانية، حيث كانت لها تأثيرات على مجري الإحداث فيما بعد، ووضعت قضية اخلاصه للحكومة البريطانية موضع شك، لاسيما وأن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة رأي في النصائح التي يقدمها له الوكيل البريطاني انتقاصا من سلطته الداخلية، أهمها رفض الشيخ عيسى بن علي آل خليفة اصلاح نظام جمع العوائد في إمارته، بالإضافة لموقف الشيخ عيسى بن علي آل خليفة من الأزمات التي سببها الشيخ علي بن أحمد آل خليفة بين 1904 و 1905، فقد نشب بين الشيخ عيسى بن علي آل خليفة والشيخ علي بن أحمد آل خليفة خلافا كبيرا، لأن الشيخ علي بن أحمد آل خليفة أخذ يمارس أعمال العنف بل ويشق على عمه عصا الطاعة، وهبطت سيطرة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة الحاكم على مدينة المنامة، حتى إن أحداً لم يكن يجرؤ على الوقوف في وجه أعمال الفوضى والتخريب التي يقوم بها أنصار الشيخ علي بن أحمد آل خليفة، وتطور الأمر الى مهاجمة بعض رجال الشيخ علي بن أحمد آل خليفة وكالة أحد التجار الألمان، ثم مهاجمة التجار الإيرانيين الشيعة في المنامة، وإزاء موقف الشيخ عيسى بن علي آل خليفة غير الحازم تجاه هذه الأحداث، وجهت الحكومة البريطانية انذار للشيخ عيسى بن علي آل خليفة لحماية أرواح وممتلكات الرعايا البريطانيين والأجانب في البحرين، كما طالبت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بإبعاد الشيخ علي بن أحمد آل خليفة عن البحرين وأن لا يسمح له بالعودة لمدة خمس سنوات، لكن الشيخ علي بن أحمد آل خليفة استطاع الهرب قبل أن يسلمه الشيخ عيسى بن علي آل خليفة للبريطانيين، وفي 18 يوليو 1905 سلم الشيخ علي بن أحمد آل خليفة نفسه طواعية للبريطانيين، وقد قررت السلطات البريطانية نفيه كمعتقل سياسي إلى بومباي.

واعتباراً من عام 1907 بدأت سلسلة من الاتصالات بين الكويت والبحرين حول مشكلة الشيخ علي بن أحمد آل خليفة، إذ تتحدث الوثائق البريطانية عن لقاء تم بين حاكم الكويت والوكيل السياسي البريطاني في الكويت في 8 أغسطس 1907، حيث تطرق الطرفان لتلك المشكلات التي تحدث في البحرين وأشار الشيخ مبارك إلى أنه نصح الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بحل تلك المشكلات، وأن لا ينسي الدعم البريطاني الذي جعل من البحرين مشيخة آمنة مطمئنة، وأصبح الحكم فيها مستقيما، كما أبلغ الشيخ مبارك الصباح الوكيل السياسي البريطاني في الكويت، بأنه ألتقى الشيخ علي بن أحمد آل خليفة في العام الماضي، وكان برفقته قائد البحرية البريطانية في المحيط الهندي، وأشار الشيخ مبارك بأن الشيخ علي بن أحمد آل خليفة طلب منه المساعدة لاستعادة حريته والسماح له بالعودة إلى البحرين، كما أوضح الشيخ مبارك للوكيل البريطاني في الكويت أنه فهم في نهاية المطاف، أن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة لم يوافق على إصدار عفو عن الشيخ علي بن أحمد آل خليفة، ويبدو أن الشيخ مبارك قد أبلغ من قبل السلطات البريطانية بهذا الأمر.

ويبدو أن مسألة الشيخ علي بن أحمد آل خليفة كانت لها أهميتها بالنسبة للسياسة البريطانية الرامية إلى تهدئة الأمور في البحرين، حيث دلت الاتصالات الكويتية البريطانية اللاحقة حول هذا الأمر على ذلك، ففي مراسلة تمت بين الوكيل السياسي في الكويت الى المقيم السياسي في الخليج العربي بتاريخ 8 ديسمبر 1907 أوضح فيها الوكيل أن الشيخ مبارك الصباح، أكد على أن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة حاكم البحرين كان يلح على عودة أبن أخيه الشيخ علي بن أحمد آل خليفة إلى البحرين، ولكن الحكومة البريطانية لم تسمح بذلك، ولكن المقيم السياسي في رده على طلب الشيخ مبارك بتاريخ 7 يناير 1908، أوضح بأن مسألة عودة الشيخ علي بن أحمد آل خليفة إلى البحرين تعد من التحديات الكبيرة، وهي تعود إلى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة، لأن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة غير قادر على تقديم تأكيدات مرضية بقدرته على اخضاع الشيخ علي بن أحمد آل خليفة، وأنه ليس واثقا اذا كان الشيخ علي بن أحمد آل خليفة سيعيش بعد عودته إلى البحرين هادئا ويبتعد عن أثارة القلاقل، وأضاف أيضا أنه من المشكوك فيه أن تكون هناك رغبة حقيقية للشيخ عيسى بن علي آل خليفة في عودة ابن أخيه إلى البحرين، ومن ناحية أخرى، أبلغ الميجور كوكس المقيم السياسي البريطاني في البحرين، الوكيل السياسي البريطاني في الكويت أهمية تأكيد تقدير المقيم البريطاني لاهتمام الشيخ مبارك الصباح في حل المشكلات التي تحدث في البحرين، وأضاف أنه سيعتمد على تعاونه ، في الحصول على ضمانات فعالة من كل من العم وابن الاخ ، للتأكد تماما من أن الشيخ علي بن أحمد آل خليفة لن يزعج مرة أخرى الشيخ عيسى بن علي آل خليفة أو البريطانيين في البحرين.

واضح هنا أن محاولات حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح لرأب الصدع بين أفراد الأسرة الحاكمة في الكويت تعد عملاً محموداً لحل كافة المشكلات في البحرين، وأن شعوره بعمق العلاقة بين الكيانين السياسيين الكويت والبحرين كان يدفعه دائماً لإن يلبي أي نداء لحل هذه المشكلات، إلا أن ذلك كان يصطدم بالمصالح البريطانية في بعض الأحيان، والتي تسعى دائماً لتحقيق تلك المصالح بشتى الطرق وإن كانت لا تبدي ذلك بشكل واضح، فرغم أن الشيخ عيسى بن علي آل خليفة أبدى موافقته عن عودة ابن أخيه الشيخ علي بن أحمد آل خليفة للبحرين، لكن لإن البحرين تشكل لبريطانيا أهمية إستراتيجية في حوض الخليج العربي، فكان إبعاد المناوئين لحاكم البحرين أمر باركته السياسة البريطانية، حتى وإن كان يتعارض مع رغبات الحاكم. ورغم التعنت البريطاني، استمرت محاولات الشيخ مبارك للحصول على موافقة البريطانيين بعودة الشيخ علي بن أحمد آل خليفة للبحرين، وكانت بإلحاح من الشيخ علي بن أحمد آل خليفة نفسه.

وتتحدث الوثائق البريطانية عن استمراراً جهود الشيخ مبارك للمحافظة على الهدوء داخل البحرين فخلال الزيارة التي قام بها الشيخ مبارك الصباح إلى البحرين عام 1911، أكد على الوحدة العربية ووحدة التاريخ والمصير مع البحرين، وأن الوحدة قوة، وأن العرب يجب عليهم التوحد في العمل لتحقيق أهدافهم، كما أعرب الشيخ مبارك وأثناء زيارته للبحرين عن أعجابه بالتطورات في البحرين، ونصح الشيخ عيسى بن علي آل خليفة بأن يشرف على تنظيم العمران في بلاده بنفسه، ويجب أن تكون له السيطرة على مقدرات الأمور في البحرين، وأن روح الوطنية هي شيء يستحق الثناء عليه، كما أبدى الشيخ مبارك استعداده الدائم وفي الأوقات الصعبة لتقديم النصائح المخلصة.

وقد أسفرت الجهود العديدة عن عودة الشيخ علي بن أحمد آل خليفة إلى البحرين، والتي من ضمنها جهود الشيخ مبارك بالدرجة الأولى، عن عودة الشيخ علي بن أحمد آل خليفة للبحرين عام 1909، بعد توقيع الشيخ علي بن أحمد آل خليفة على ضمانات بالالتزام الكامل بالشروط العديدة التي وضعها البريطانيين لإخضاع الشيخ علي بن أحمد آل خليفة لسلطة الشيخ عيسى بن علي آل خليفة وبالتالي سلطتهم، لكن الشيخ علي بن أحمد آل خليفة بعد فترة من عودته تجاهل هذه الشروط، مما أثار غضب الشيخ عيسى بن علي آل خليفة والبريطانيين اللذين هددوا عام 1914 بنفيه مرة أخرى الى بومباي، لكن موته عام 1916 حال دون ذلك، وقبل وفاته بعام واحد كانت وفاة الشيخ مبارك الصباح عام 1915، فانتهت حقبة مهمة في تاريخ العلاقات بين الإمارتين، لاسيما وأن بريطانيا دخلت الحرب العالمية الأولى التي نشبت عام 1914، وهو ما أثر على سياساتها في الخليج العربي.

خاتمة

عدل

عمق العلاقة التاريخية بين الكويت والبحرين وأطلق عليهما لقب العتوب، فكلاهما تنتميان إلى أسرة واحدة وهاجرا من مكان واحد بداية من نجد في وسط الجزيرة العربية حتى الاستقرار في الكويت وتأسيسها، ثم انتقال آل خليفة بعد ذلك إلى جزر البحرين وتأسيس الكيان البحريني الحديث.

حرص بريطانيا على إبقاء البحرين هادئة ومستقرة حفاظاً على مصالحها في المنطقة، خاصة وأن بريطانيا قامت بنقل مقر الوكالة السياسة البريطانية من بوشهر في فارس إلى البحرين لتشرف على متابعة المصالح السياسية البريطانية في منطقة الخليج العربي.

أدت المشكلات التي كانت تحدث بين أفرع الأسرة الحاكمة في البحرين إلى تدخلات بريطانية وتقديم الدعم اللامحدود لحكام البحرين في مقابل من يخالف سياستهم.

الدور الذي أضطلع به الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت في حل مشكلتين حدثتا بين حكم البحرين وأثنين من أبناء الأسرة الحاكمة بتكليف منهما، حيث اتجهت الأطراف إلى الكويت لإيجاد حل لهذه المشاكل دون غيرها، ويدل ذلك بما لا يدع مجالاً للشك دور الكويت الرائد في وحدة الصف الخليجي، وحرص الشيخ مبارك الصباح على ذلك وكأنه كان يتوقع في ذلك الوقت قيام الوحدة الخليجية، والتي تحققت فيما بعد بقيام منظمة دول مجلس التعاون الخليجي عام 1981 باقتراح من حاكم الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح.

مصادر

عدل
  1. ^ "موقف حكام الكويت من الأزمات الداخلية في البحرين" (PDF).
  2. ^ "إضاءات حول تاريخ البحرين (8)".
  3. ^ "خلال مؤتمر "حكم آل خليفة في شبه جزيرة قطر: التاريخ والسيادة"".
  4. ^ "باحثون في التاريخ: حكم آل خليفة للزبارة قام على التنوع السياسي والاقتصادي".
  5. ^ "إضاءات حول تاريخ البحرين «10»".
  6. ^ "بحث: البحرين في لمحة جغرافية تاريخية".
  7. ^ "الصراع على عرش المشيخة الخليفية الأولى في البحرين (١ من ٢)".
  8. ^ "بعد استيلاء حملة خورشيد (1838) على الأحساء".
  9. ^ "32 عاما من الانسحاب... 32 عاما على الاستقلال".
  10. ^ "الدكتور علي أبا حسين: نبذة تاريخية عن تاريخ حكام آل خليفة (بمناسبة الاحتفال بمرور 200 عام على حكم ال خليفة)".