معركة قوصوه الثانية

معركة حربية برية مدتها ثلاثة أيام انتصر فيها العثمانيون على ائتلاف بين جيوش صليبية تقوده مملكة المجر والأفلاق
(بالتحويل من معركة قوصوه (1448))

معركة قوصوه الثانية أو معركة كوسوڤو الثانية (تُكتب «قوص اوه» بالتركية العثمانية وتُنطق بالتركية الحالية «كوسوڤا») (بالتركية: İkinci Kosova Savaşı)‏، وتُعرف عند الصرب بـ«معركة كوسوڤو 1448» (بالصربية: Косовска битка1448)‏، وهي معركة معروفة في التاريخين التركي والمجري باسم «معركة ميدان كوسوڤو الثانية» (بالتركية: İkinci Kosova Meydan Muharebesi)‏ (بالمجرية: második rigómezei csata)‏، ذكرها المؤرخ والأسقف والسياسي المجري ميخائيل هورفاث (بالمجرية: Horváth Mihály)‏ (1809م - 1878م) بأنها «إحدى أشهر المعارك في التاريخ المجري». وهي معركة برية وقعت في سهل قوصوه (كوسوڤو) ضمن أراضي إمارة الصرب - التابعة للدولة العثمانية آنذاك - بين ائتلافٍ صليبيٍّ تقوده مملكة المجر والأفلاق بقيادة النبيل المجري يوحنا هونياد مقابل العثمانيين بقيادة السلطان مراد الثاني، واستمرت ثلاثة أيام من 17 إلى 19 أكتوبر 1448م (تشير الموسوعة البريطانية إلى وقوعها بين 17 و20 أكتوبر).[la 1]

معركة كوسوڤو الثانية
جزء من الحروب العثمانية في أوروبا والحروب العثمانية المجرية
فارس عثماني من الآقنجيّة يُسقط فارساً مجرياً من على جواده ويجرّه بالحبل. من مخطوطة «سليمان نامه» المُزخرفة.
معلومات عامة
التاريخ 17-19 أكتوبر 1448م
البلد ديسبوتية الصرب  تعديل قيمة خاصية (P17) في ويكي بيانات
الموقع سهل قوصوه بمقاطعة پريشتينا، حالياً كوسوڤو
42°38′N 21°07′E / 42.63°N 21.12°E / 42.63; 21.12   تعديل قيمة خاصية (P625) في ويكي بيانات
النتيجة انتصار حاسم للعثمانيين
المتحاربون
الدولة العثمانية مملكة المجر
مملكة بولونيا
الأفلاق إمارة الأفلاق
إمارة البغدان
القادة
مراد الثاني يوحنا هونياد
الأفلاق ڤلاديسلاڤ الثاني
القوة
ما بين 40,000 و60,000 جندي ما بين 24,000 و30,000 جندي
خريطة

كانت معركة قوصوه الثانية ذروة العدوان المجري للانتقام للهزيمة الثقيلة التي تلقاها الصليبيون في معركة ڤارنا سنة 1444م التي أسفرت عن انتصارٍ حاسمٍ للدولة العثمانية، ونجا يوحنا هونياد فيها بأعجوبة، إذ لم يطارد العثمانيون الفارين طويلاً، بل اكتفوا بالسيطرة على ساحة المعركة، وهرب يوحنا هونياد إلى الأفلاق ولكن الجنود هناك لم يتعرفوا عليه فقبضوا عليه وسجنوه، ومع ذلك أطلق الأمير ڤلاد دراكول الثاني سراحه بعد فترة وجيزة حين علم به، ليعود إلى وطنه،[1][2] فخطط لتنظيم حملة صليبية جديدة ضد العثمانيين،[3] وبحلول عام 1448م تمكن من جمع جيش آخر ليهاجمهم، واعتمد على دعم السكان المحليين في البلقان. عبر هونياد نهر الطونة (الدانوب) عام 1448م لينضم بقواته إلى إسكندر بك. فشل هونياد بتحديد موقع الجيش العثماني الرئيسي، إذ كان يعتقد أنه ما يزال في العاصمة أدرنة، غير أن العثمانيين بادروه على حين غِرَّةٍ في 17 أكتوبر 1448م عندما ظهروا فجأةً أمام الجيش الصليبي في سهل قوصوه، فسارع هونياد ببناء متاريس العربات الحربية المتحركة الهوسية الدفاعية في تلة «پليمنتين» بمقاطعة «پريشتينا» استعداداً للمعركة، أما العثمانيون فأنشأوا استحكاماتِ خطٍّ دفاعيٍّ من جانبهم بالمقابل.

أكمل الطرفان بناء استحكاماتهما، واستُهِلَّت المعركة باشتباكاتٍ منفصلة. وقعت مناوشات بين الفرسان على طرفي الاستحكامات خلال اليومين الأولين. بدأت المعركة في 18 أكتوبر، وأوقعت الخيالة العثمانية بالفرسانَ المجريين هزيمةً مدمرةً سحقتهم بالكُلِّيَّة، تلاها هجوم صليبي ليلة 18-19 أكتوبر باستخدام العربات الحربية والمدافع ضد الموقع المركزي للسلطان مما أهرق دماءً كثيرة دون تحقيق نتائجَ عسكريةٍ حاسمة.[4] وفي 19 أكتوبر 1448م، استخدم السلطان فرسان السپاهية من تسالية، وطوَّق فرسان ميسرة الجيش الصليبي، ونادى بالهجوم العام على طول خط التماس بين الجيشين لتشتيت انتباه هونياد عن الهدف الأساسي. نجحت المناورة واجتاح فرسان السپاهية فرسان الأفلاق والبغدان والمجر وأبادوهم جميعًا ولم يأخذوا أسرى، ما أدى لتراجع معظم الجيش الصليبي للاحتماء بخطه الدفاعي. وفي 20 أكتوبر وتحت متابعةٍ شخصيةٍ دقيقةٍ للمعركة من قبل مراد الثاني، هاجمت الإنكشارية كل من بقي في استحكامات الخط الدفاعي وأجهزوا عليهم، فقتلوا الجند المُختبئين خلف حصن العربات الحربية المتحركة الهوسية لتحميهم من سيل القوات العثمانية الذي انحطّ عليهم.[5][4]

انتهت هذه المعركة بهزيمة كارثية للصليبيين وبانتصارٍ حاسمٍ للدولة العثمانية، كما انتهت سابقتها عام 1389م، تكبد هونياد إحدى أعظم إخفاقاته في حروبه ضد الدولة العثمانية، وبالكاد تمكن من الهروب للمرة الثانية من ساحة المعركة، وفي طريقه عودته، وقع في أسر قيصر الصرب «جُريج برانكوڤيتش» الذي أبقاه سجينًا في حصن العاصمة الصربية «سمندرية».[6][3]

أحبطت معركة قوصوه الثانية آخر محاولةٍ كبيرةٍ للصليبيين لتحرير البلقان من الحُكم العثماني ودعم القسطنطينية والتخفيف من وطأة الحصار العثماني لها،[la 1] كما أنهت كل أملٍ متبقِّ للصليبيين في إنقاذ العاصمة الرومية من العثمانيين ولم تعد لدى المملكة المجرية الموارد العسكرية أو المالية لشن حربٍ أخرى ضد الدولة العثمانية. وبانتهاء التهديد الصليبي على الحدود العثمانية الغربية الذي استمر قرابة نصف قرنٍ، تمهّدت الأرضية لفتح القسطنطينية ولم يعد ثمة حائل بين العثمانيين وإتمام هذا الأمر الكبير،[4] إذ بعد هذه المعركة بخمسة أعوام فتحها السلطان الشاب «محمد» ابن السلطان مراد الثاني، ولُقِّبَ بمحمد الفاتح.[la 1]

قاتل الجيشان بضراوةٍ، فكانت هذه المعركة إحدى أطول المعارك وأشدها عنفاً في أوائل العصر العثماني، وأوقع أثرًا من معركة قوصوه الأولى، إذ تَضَاعَف حجم الجيشين عن المعركة الأولى (تتراوح مصادر التعداد بين المعركتين بين اثني عشر ألف وثلاثين ألف مجري للمعركة الأولى، فصارت تترواح بين أربعةٍ وعشرين ألفًا وثلاثين ألفًا في المعركة الأخرى، وبين سبعةٍ وعشرين ألفًا وأربعين ألف عثماني، فصارت تترواح بين أربعين وستين ألفًا).[7][8][9] إلا أن السلطان مراد الثاني لم يتمكن من أسر هونياد الذي استمر في حملاته ضد العثمانيين حتى وفاته عام 1456م بعد ثلاث سنواتٍ من فتح القسطنطينية.

خلفية تاريخية

عدل
 
شعار نبالة يوحنا هونياد.

بعدما لحق بالصليبيين بقيادة يوحنا هونياد من هزيمةٍ فادحةٍ في معركة ڤارنا سنة 1444م، لم يتوقف هونياد عن التآمر في سبيل صدامٍ حاسمٍ مع السلطان مراد الثاني.[7][3] في عام 1446م عُيِّن هونياد وصِياً على عرش المجر ليصبح بذلك حاكماً فعلياً لها.[1][3] ورغم الهزيمة الساحقة في ڤارنا وتدمير جزء كبير من الجيشين المجري والبولوني من قِبَلِ العثمانيين، إلا أن التمردات في الأفلاق وألبانيا (الأرناؤوط) والمورة (جنوب اليونان) منحتِ الصليبيين أملاً في طرد العثمانيين من البلقان من خلال تجييش حملةٍ صليبيةٍ جديدةٍ في أوروپا.[10]

أما العثمانيون فبعد انتصارهم في معركة ڤارنا قام السلطان مراد الثاني بإخضاع بلاد المورة عام 1446م وأخمد القلاقل والتمردات بها، وكانت ديسپوتية المورة يومها تابعةً للدولة العثمانية.[la 1] بعد ذلك توجه السلطان مراد لمواجهة إسكندر بك الذي أعلن تمرده بدعمٍ من البابا نقولا الخامس وحاكم المجر يوحنا هونياد.[la 1]

قَدّر يوحنا هونياد أنه سيحتاج إلى أكثرَ من أربعينَ ألفَ رجلٍ لهزيمة العثمانيين، فَسَعَى إلى ضم القوات الألبانية (الأرناؤوطية) الثائرة على العثمانيين، والتي يُعتقد بأنها كانت بقيادة النبيل الأرناؤوطي المتمرد إسكندر بك، واسمه الأصلي جرجس كستريو الذي قاد تمرداً ضد الدولة العثمانية لقرابة خمسٍ وعشرين سنة. تلقَّى العثمانيون في قاعدتهم في صوفيا خبراً مفاده بأن الجيش الصليبي قد تحرك، فبدأوا بتجهيز رجالهم للحرب.[11][12]

دور برانكوڤيتش

عدل
 
رسم يعود لعام 1867م للأسقف الكاثوليكي والمؤرخ والسياسي المجري ميخائيل هورفاث (بالمجرية: Horváth Mihály)‏ (1809م- 1878م) الذي كان من دعاة القومية المجرية مع التركيز على ثقافتها التاريخية. ذكر هورفاث أن معركة قوصوه الثانية هي «إحدى أشهر المعارك في تاريخ المجر».

لعب ديسپوت الصرب جُريج برانكوڤيتش دور الوسيط في المفاوضات العثمانية المجرية لإبرام صلح مدته عشر سنوات، وتفاني في دوره إلى درجة أنه عرض على هونياد وملك بولونيا والمجر ڤلاديسلاڤ الثالث (بالبولندية: Władysław) (ويُنطق بالپولندية: ڤواديسواڤ) جميع ممتلكاتهم المجرية حتى يوافقوا على التفاوض على السلام مع السلطان، لأنه على الرغم من أن هونياد لم يكن حريصًا بشكل خاص على عقد اتفاقات مع العثمانيين، إلا أن برانكوڤيتش رأى أنها فرصة لصربيا كي تعيش في سلام ورخاء.[13]

بعد إبرام معاهدة أدرنة-سكدين عام 1444م أعاد العثمانيون المدن الصربية التي افتتحوها إلى جُريج برانكوڤيتش ليحكمها بالتبعية للدولة العثمانية، والتزم برانكوڤيتش بدفع خمسين ألف فلورين للعثمانيين وبتزويد السلطان بمفرزة من سلاح الفرسان قدرها أربعة آلاف فارس إذا دعا العثمانيون لتعبئة الجيش وحمل السلاح.[14]

نكص الصليبيون المعاهدة سراً وبدأوا الزحف في حملة كبيرة إلى أدرنة عاصمة العثمانيين في نفس عام إبرام معاهدة الصلح (1444م)، وأرادوا المسير عبر صربيا وبلغاريا ولكن برانكوڤيتش رفض السماح لهم بالمرور عبر أراضيه ولم ينضم إلى الحملة الصليبية التي انتهت بهزيمتهم في معركة ڤارنا.[15][16]

لم يشارك الأرناؤوطيون بقيادة إسكندر بك في هذه المعركة أيضاً لأن العثمانيين وحلفائهم منعوهم من اللحاق بجيش يوحنا هونياد،[la 2] ومن المعتقد أنه تأخر بسبب جُريج برانكوڤيتش المتحالف مع السلطان مراد الثاني، أما دور برانكوڤيتش على وَجْهِ التّحديد فهو محل خلاف، ويقال أيضاً أنه أثّر على الأمير إسكندر بك لكي لا ينضم إلى هونياد، كما كان هناك شك في أنه قد حذر العثمانيين من هجوم آخر قادم من الصليبيين.[la 3][la 4][la 5] تذكر بعض المراجع أن برانكوڤيتش أعطي هونياد موافقة من خلال رئيس الخزانة التابع له «پاسكو سوركوڤيتش» (بالصربية: Pasco Sorkočević) من أهالي دوبروڤنيك، على مرور الجيش، ثم أنه تردد بعد ذلك. أراد برانكوڤيتش الذي استعاد أرضه مؤخراً من العثمانيين، أن يحافظ على عرشه وكان خائفاً من السطان مراد الثاني. كان جيش هونياد كبيراً وقوياً ولكن برانكوڤيتش كان يعرف أن الجيش العثماني لم يكن أقل من ذلك.[la 6]

لعبت عوامل أخرى دورًا في رفض جُريج برانكوڤيتش المشاركة مع الصليبيين ضد العثمانيين:

  • في ذلك الوقت كان لبرانكوڤيتش نزاعات ومعارك حدودية مع الملك البوسني «أسطفان طوماس» أضعفت قوة برانكوڤيتش.
  • بالإضافة إلى ذلك لم يرغب برانكوڤيتش في الخضوع لهونياد تحت أي ظرف من الظروف لأنه اعتبره مغروراً وكانت لديه اعْتِرَاضَات عليه.[la 7][la 8][la 9][la 10]
  • لم ير برانكوڤيتش فائدة مباشرة لصربيا من التحرر من العثمانيين لأن هذا التحرر كان يعني فقط زيادة الضغوط عليه من المجر،[la 6] والهيمنة المجرية على الصرب تعني تهديدًا لوجود الأرثوذكسية فيها.[la 10]
  • وفقًا للمؤرخ «كالّاي بنينيك» (بالمجرية: Kállai Béninek)‏ فإن برانكوڤيتش كان يأمل في استنفادٍ متبادلٍ لكل من قوى المجريين والعثمانيين في المعركة.[la 10]
  • رأى برانكوڤيتش فرصة لصربيا كي تعيش في سلام وازدهار.
  • ولذلك في نهاية المطاف رفض برانكوڤيتش مرة أخرى مرور جيش هونياد.[la 7][la 8][la 9]
  • علاوة على ذلك أرسل برانكوڤيتش «باسكو سوركوڤيتش» إلى السلطان مراد الثاني الذي كان يحاصر في ذلك الوقت كرويه في ألبانيا، وأخبره أن هونياد قد غزا صربيا ودخل أراضيها.[la 6]

ونتيجة لذلك خرَّبّ إسكندر بك ممالك برانكوڤيتش كعقاب له على تخليه عن القضية المسيحية و«مساعدة عدو المسيحيين».[la 7][la 11] ثم حاول يوحنا هونياد إجبار برانكوڤيتش عن طريق الإرهاب بالمشاركة في الحملة الصليبية، فتعمد في عبوره صربيا مع جيشه أن يعيث فساداً في جميع أنحاء البلاد، حتى إذا ماورده خبر اقتراب العثمانيين توجه جنوباً إلى حيث وقعت المعركة الثانية في «سهل كوسوڤو».[17]

 
صورة لأحد أبراج قلعة سمندريَّة المُطلَّة على نهر الدانوب". * فتح السلطان مراد الثاني قلعة سمندريَّة يوم الخميس 16 ربيع الأول 842هـ الموافق 5 سپتمبر 1438م بعد عصيان ديسپوت الصرب «جُريج برانكوڤيتش». * أخلى العثمانيون القلعة بعد أسبوع واحد من مفاوضات معاهدة أدرنة-سكدين، ليستلمها مرة أخرى «جُريج برانكوڤيتش» يوم الخميس 7 جمادى الأول 848هـ الموافق 22 أغسطس 1444م حسب معاهدة السلام ببن الطرفين.

كان رد فعل جريج برانكوڤيتش على التجاوزات الصليبية بحق أراضيه ونهب الصليبيين لها غير حازم، ولكنه في الأثناء تفاوض بشأن شروط الانضمام إلى الحملة ضد العثمانيين. كان يوحنا هونياد قد أخبر برانكوڤيتش بأنه أحضر عشرين ألفاً من رجاله وأنه بانتظار تعزيزات إضافية في طريقها إليه، وأن برانكوڤيتش بسلاح فرسانه الخفيفة هو الحليف الوحيد الضروري لجعل هذا النصر حاسماً، وفي المقابل كان برانكوڤيتش شديد الحذر من المشاركة مع التحالف الصليبي لأن العثمانيون كانوا قد أعادوا له عرشه منذ أربع سنوات فقط في معاهدة سلام أدرنة-سكدين عام 1444م بعدما سلبوها منه قبل ذلك بفتوحاتهم واسعة النطاق التي شملت جميع أملاكه في بلاد الصرب. كان برانكوڤيتش يُدرك تماماً القوة العسكرية العثمانية المهولة، ويرغب في الحفاظ على عرشه، ويتحمل مسؤولية سيادة الصرب وتبعيتها للعثمانيين في الوقت نفسه، كما كان يتوقع هزيمة يوحنا هونياد. إضافةً لما سبق كان ديسپوت الصرب عازفٍ في وضع نفسه تحت جناح هونياد تحت أي ظرفٍ من الظروف فقد كان يكن له كرهاً شخصياً معتبراً إياه أقل منه مكانةً ومنزلةً.[18][19][17]

برزت الخصومة الشخصية بين يوحنا هونياد وجُريج برانكوڤيتش كنقطةٍ جوهريةٍ في النزاع بينهما. بالنسبة للنبيل المجري هونياد وملك بولونيا ڤلاديسلاڤ الثالث، فقد عرض ديسپوت الصرب التنازل عن جميع ممتلكاته المجرية مقابل السلام مع العثمانيين. لم يُعرْ يوحنا هونياد كبير اعتبارٍ لأي صفقاتٍ مع العثمانيين، في حين رأى برانكوڤيتش -الذي سُلب منه مُلكُه كلَُه- أنها فرصة لإحلال السلام وازدهار صربيا، ولذلك وافق على السلام في معاهدة أدرنة-اسكدين عام 1444م، وغادر برانكوڤيتش المجر إلى مدينة وقلعة سمندرية (بالصربية: Смедерево / Smederevo)‏ (بالتركية: Semendire)‏ التي استلمها من العثمانيين بموجب المعاهدة.[17]

في وقت لاحق من عام توقيع المعاهدة (1444م) أراد يوحنا هونياد قائد حملة ڤارنا الصليبية الوصول إلى أدرنة عاصمة العثمانيين عبر المرور بأراضي صربيا وبلغاريا، لكن جُريج برانكوڤيتش منع مرورهم عبر مملكته (الديسپوتية الصربية) التي ردَّها له العثمانيون بموجب المعاهدة.[20]

وبما أن الصليبيين كانوا يعلمون بأن أسطول البندقية لا يُمكنه أن يفرض حصاراً على المضائق البحرية في بحر مرمرة إلا لفترة قصيرة فقط،[21] فقد اختاروا أن يسلكوا طريق الدانوب، ولكن هونياد اعتبر الديسپوت الصربي برانكوڤيتش مجنوناً ليعتقد بأن السلطان مراد الثاني قد أعاد إليه مُلكه إلى الأبد، وتوّعد برانكوڤيتش بإضرام النار في كامل صربيا بعدما يرجع منتصراً من حملته على العثمانيين، ولكن قدَّر الله أن يُهزم الصليبيون هزيمة شنعاء عند مدينة ڤارنا البلغارية الواقعة على ساحل البحر الأسود، وأن يُقتل معظم أفراد الجيش في المعركة ويموت الكثير من الفلول أثناء محاولتهم الهرب.[17]

شعار النبالة لقُمَّس تسليه
قلعة تسليه (تقع حالياً في سلوڤينيا)
أولريتش الثاني قُمَّس تسليه
وقع عداءٌ مُتبادل بين أولريتش الثاني قُمَّس «تسليه» وعائلة هونياد المجرية سببه:
  1. شعور يوحنا هونياد بالمرارة جراء حملته الفاشلة على العثمانيين وهزيمته في معركة ڤارنا عام 1444م بينما بقي أولريتش الثاني خاملاً لم يعاون الصليبيين في تلك الحملة.
  2. حقد أولريتش الثاني على هونياد لأن الأخير رفض الاعتراف بحقه في عرش البوسنة بعد وفاة ملكها اسطفان تڤرتكو الثاني (بالبوسنوية: Stjepan Tvrtko II Kotromanić)‏ عام 1443م.
ولذلك بعد أن أصبح هونياد وصياً على عرش المجر هاجم أراضي «تسليه» عام 1446م؛ ولكن كُسرت قوته في معركة قوصوه الثانية عام 1448م ضد العثمانيين، فاستغل أولريتش الثاني الفرصة لقيادة حملة ناجحة ضد المجر عام 1450م اسمياً لمصلحة آل هابسبورغ، ودفع القيصر فريدريك الثالث الهابسبورغي لينقل حُكم المجر من هونياد ويُسلِّمه إلى الوريث الشرعي الملك الطفل «لاديسلاوس» عام 1452م.

بعد الهزيمة المُريعة للصليبيين في معركة ڤارنا يوم 28 رجب 848هـ الموافق في 10 نوڤمبر 1444م،[22][la 12][la 13] تمكن هونياد من الوصول إلى المجر خلال يومين لوجود أدلةٍ معه يرشدونه على الطريق، وفي المصادر العثمانية أنه انسحب إلى الأفلاق.[la 13] بحلول عام 1448م تمكن هونياد من حشد جيش جديد وشنّ حملة عسكرية ضد السلطان مراد الثاني، ولكن برانكوڤيتش منع ثانيةً الجيوش الصليبية الأخرى من الانضمام لهم.[la 14]

دور يوحنا هونياد

عدل
 
يوحنا هونياد؛ منحه البابا بيوس الثاني (حبريته 1458م-1464م) لقب بطل المسيح، ولُقّبَ بالفارس الأبيض.
 
 
پليمنتين
 
كوڤين
في سبتمبر من عام 1448م سار هونياد بالقوات المجرية عبر نهر الطونة (الدانوب) وعسكر بهم في بلاد الصرب بالقرب من «كوڤين».

عندما أراد الجيش الصليبي، في نفس عام المعاهدة 1444م، الزحف إلى أدرنة عبر الأراضي الصربية والبلغارية، رفض جُريج برانكوڤيتش مرورهم ولم ينضم إلى الصليبيين. وبعد تعرضه لهزيمة من السلطان العثماني مراد الثاني في معركة ڤارنا، أضحى هونياد ينتظر اللحظة المناسبة للانتقام. [la 15]

قضى هونياد عام 1445م في ترتيب الشؤون الداخلية لبلاده. وفي عام 1446م اضطر إلى تنظيم حملة في «ستيريا» (بالألمانية: Steiermark) (تقع جنوب شرق النمسا بالقرب من سلوڤينيا) ضد أولريتش الثاني (بالألمانية: Ulrich II von Cilli) قُمَّس «تسليه» (تقع حالياً في سلوڤينيا). وفي عام 1447م قمع ثورة الأفلاق المُحالِفة للعثمانيين.[la 15]

ثم حانت فرصة أخرى في عام 1448م لشن حملة صليبية جديدة على الدولة العثمانية، ولكنها كانت في الوقت نفسه فرصة لديسپوت الصرب برانكوڤيتش لتأكيد ولاءه للعثمانيين، فرفض مرة أخرى السماح بمرور الحملة الصليبية عبر أراضيه وطلب مساعدة السلطان مراد بدلاً من ذلك. [la 15]

كان هونياد قد تمكن بحلول عام 1448م من جمع جيش لشن حملة ضد العثمانيين، اعتمد فيها على دعم السكان المحليين في البلقان. وفي سبتمبر 1448م، عبر هونياد مع الجيش نهر الدانوب، يعتزم انضمام جيش إسكندر بك إليه، وكانت أراضي جُريج برانكوڤيتش تقع بين جيش الحاكم المجري هونياد وجيش الأمير الأرناؤوطي إسكندر بك. أقام هونياد معسكراً بالقرب من العاصمة الصربية سمندرية، حيث انتظر المجريون شهراً واحداً لوصول حلفائهم: الصليبيون الألمان، وحاكم الأفلاق والجيوش البوهيمية والجيوش الأرناؤوطية بقيادة إسكندر بك. ومع ذلك لم يأت الأرناؤوطيون لأن جُريج برانكوڤيتش حليف العثمانيين ووالد زوجة السلطان مراد الثاني، كان قد احتجزهم ومنع مرورهم.[la 16][la 17][la 18][la 19]

قاد هونياد جيوشه في عمق أراضي العثمانيين دون توفير الحماية الكافية لانسحاب محتمل.

مقدمات المعركة

عدل

في عام 1448م، رأى يوحنا هونياد حاكم المملكة المجرية وكان وصياً على عرش المجر، أن الوقت صار مناسباً لقيادة حملة أخرى ضد الدولة العثمانية واستند في استراتيجيته على التمرد المتوقع من ثورة شعوب البلقان، وإمكانية تنفيذ هجوم مفاجئ، وتدمير القوة الرئيسية للعثمانيين في معركة واحدة. كان هونياد في قمة الاندفاع وقاد قواته دون أن يترك أي دعم احتياطي ورائه.

 
الصورة الوحيدة لحاكم الأفلاق: ڤلاديسلاڤ الثاني.

وفي شهر سبتمبر من عام 1448م، سار هونياد مع حاكم الأفلاق الجديد «ڤلاديسلاڤ الثاني» بجيش قوامه قرابة سبعين ألف رجل (في المصادر العثمانية) من القوات المجرية من مدينة «بست» (لاحقاً: بودابست، عاصمة المجر) وعبر مع الجيش نهر الدانوب وعسكر بهم في الصرب بالقرب من «كوڤين» (بالتركية: Kovin)‏(بالصربية: Ковин)، خارج العاصمة الصربية «سمندرية» (بالصربية: Смедерево)(بالإنجليزية: Smederevo)‏،[la 7] عازمين على الاتحاد مع جيش إسكندر بك الأمير الأرناؤوطي المتمرد على العثمانيين.

كان السلطان مراد الثاني بعد انتصاره في معركة ڤارنا قد سار بالجيش ومعه ابنه الشاهزاده محمد (الثاني) وأخمدوا الثورة في المورة (جنوب اليونان) ثم في الأرناؤوط. وفي نفس تلك الفترة علِم السلطان مراد الثاني باستعداد جيش الصليبيين الجديد للكرّ عليه مرة أخرى، فأسرع إلى صوفيا عاصمة إيالة الروملي العثمانية (عاصمة جمهورية بلغاريا حالياً) لينضم إلى قواته الموجودة هناك، وتحرك بقوة مكونة من ستين ألف رجل متجهاً إلى قوصوه (كوسوڤو).

 
رسم يعود لعام 1890م للمتمرد الأرناؤوطي إسكندر بك، واسمه الحقيقي جرجس كستريو. تربى في القصر العثماني، ويُروى أنه اعتنق دين الإسلام، وعمل بالجيش العثماني وأصبح قائداً لبعض القطاعات العسكرية، ثم ارتد عن الإسلام إلى النصرانية من جديد وتمرّد.

كان هدف هونياد الأساسي هو غزو البلاد الصربية ثم التحرك صوب بلغراد وقوصوه، وكان يعتقد أن الجيش العثماني مازال متواجداً في الأرناؤوط فأراد مهاجمة الجيش العثماني من الخلف، أو في أسوأ الاحتمالات أن ينتظر مستعداً بجيشه في سهل قوصوه في أفضل موضع عسكري منتظراً العثمانيين لإجبارهم على خوض المعركة في وضع ميداني سيء.

عسكرت القوات المجرية هناك لمدة شهر كامل بانتظار وصول الجيش الصليبي الألماني، وحاكم الأفلاق، والجيشان: البوهيمي والأرناؤوطي.[la 20] ومع ذلك، لم يأت جيش الأرناؤوطيين بقيادة إسكندر بك، لأن ديسپوت (حاكم) الصرب «جُريج برانكوڤيتش» (بالصربية: Ђурађ Бранковић / Đurađ Branković) (بالمجرية: Brankovics György)‏، حليف السلطان مراد الثاني، احتجزهم.[la 7][la 8][la 10][la 9] وكان برانكوڤيتش هو والد الأميرة «مارا» زوجة السلطان مراد الثاني.

تعداد القوات المتحاربة

عدل
 
نُصُب تذكاري للكاهن والدبلوماسي والجندي البولوني «يُوحنَّا دوغوش» (1415م - 1480م) بمدينة كلوبوك (Kłobuck) بجنوب پولندا، وهو يُعتبر أول مؤرخ پولندي. بالغ دوغوش المُعاصر للمعركة في تأريخه لعدد العثمانيين المنتصرين بعشرة أضعاف الصليبيين، لكي يُبرر تلك الهزيمة النكراء، ولم يوافقه في ذلك أي مؤرخ آخر.

تُشير المصادر - على اختلافها - بتباين كبير في تعداد الجيشين وحصر القتلى. بالغ المؤرخون الغربيون في تعداد الجيش العثماني، لإخفاء مرارة الحدث العظيم والخسارة الفادحة للصليبيين.

كتب المؤرخ المجري پالوسفالڤي (بالمجرية: Tamás Pálosfalvi)‏ أنه من المستحيل حساب حجم جيش هونياد بالضبط. [la 21] ومع ذلك، اعتبر أنَّ هذا كان أكبر جيش إطلاقاً جمعه هونياد لحرب العثمانيين.[la 22]

المصادر المجرية
  • كان تعداد الصليبيين قُرابة خمسة عشر ألف خيّال، وثمانية آلاف فارس، وستة آلاف من المشاة.[la 23][la 24]
  • كان تعداد العثمانيين قُرابة سبعة آلاف جندي إنكشاري، وعشرة آلاف من فرسان سپاهية الأناضول والروملي، وعشرة آلاف من فرسان الآقنجيّة، وعشرة آلاف من جنود العزب (المشاة الخفيفة غير النظاميين).
  • قتلى الصليبيين قُرابة خمسة عشر ألف محارب.
  • قتلى العثمانيين، غير معروف.
مصادر غربية أخرى
  • تراوح تعداد الصليبيين بين اثنين وعشرين ألفاً إلى ثلاثين ألف محارب، منهم خمسة آلاف من البولونيين، وأربعة آلاف من الأفلاق وثلاثة آلاف من البُغدان.[la 23]
  • تراوح تعداد العثمانيين من أربعين ألف إلى ستين ألف محارب.[la 24]
  • خسائر الصليبيين تراوحت بين ستة آلاف وسبعة عشر ألف محارب بين مقتول ومأسور.[la 25][la 26][la 27]
  • وصل عدد قتلى العثمانيين إلى أربعة آلاف محارب.[la 25]
المصادر العثمانية
  • وصل تعداد الصليبيين لقرابة ستين ألفاً، وفي مصادر: مائة ألف.[23]
  • كان تعداد العثمانيين قُرابة أربعين ألفاً.
  • قتلى الصليبيين قُرابة سبعة عشر ألفاً، وفي مصادر: وأُسر الباقي.[23]
  • قتلى العثمانيين، غير معروف، وفي مصادر: أربعة آلاف.[23]
جدول التقييمات المختلفة لتعداد الجيشين في معركة قوصوه الثانية
المصدر جيش هونياد جيش العثمانيين مجموع الجيشين ملاحظات
أنطونيو بونفيني Antonio Bonfini (1427م-1502م)

مؤرخ البلاط لملك المجر وبوهيميا «متَّى كورفينو»

22,000[la 23] لم يُقدّر تعداد جيش العثمانيين
يُوحنَّا دوغوش (1 ديسمبر 1495م - 19 مايو 1480م)
كاهن ودبلوماسي وجندي بولوني.
يُعتبر أول مؤرخ پولندي.
ما لا يقلُّ عن 30,000
(منهم 12,000 قتيل و15,000 أسير)[la 23]
360,000[la 24] 390,000 بالغ في إظهار عدد العثمانيين عشرة أضعاف الصليبيين كي يُبرر الهزيمة النكراء لهؤلاء
يوحنَّا التوروكي Johannes de Thurocz

(ق. 1435م - 1488م أو 1489م) مؤرخ مجري ومؤلف الكتاب اللاتيني «Chronica Hungarorum» (تاريخ المجريين)، وهو العمل الأكثر شمولاً في القرن الخامس عشر الميلادي عن المجر وأول تاريخ للمجر كتبه شخص عادي.

ما يزيد قليلاً عن 24,000[la 24] 200,000[la 24] 224,000 بالغ في إظهار عدد العثمانيين قائلاً أنهم فاقوا الصليبيين ثمانية أضعافٍ كي يُبرر الهزيمة النكراء
يوحنا لينكلافيوس Johannes Leunclavius

(ق. 1533م/1541م-1594م)

50,000 - 60,000[la 24] لم يُقدّر تعداد جيش هونياد
في رسالة من المبعوث الفرنسي في القسطنطينية، بتاريخ 8 ديسمبر 1448م، إلى دوق بُرغُونية 40,000[la 24] 400,000[la 24] 440,000 بالغ في إظهار عدد العثمانيين قائلاً أنهم فاقوا الصليبيين ثمانية أضعافٍ
في رسالة بتاريخ 25 نوفمبر 1448م
إلى البابا بيوس الثاني، بابا الكنيسة الكاثوليكية منذ عام 1458م
70,000[la 24] 200,000[la 24] 270,000 بالغ في إظهار عدد العثمانيين 3 أضعاف الصليبيين كي يُبرر الهزيمة النكراء للصليبيين
لاونيكوس تشالكوكونديلوس Laonikos Chalkokondyles

(1430م-1470م)
مؤرخ بيزنطي يوناني من أثينا، اشتهر بتقديم عروضه للتاريخ في عشرة كتب، والتي سجل فيها آخر مائة وخمسين عامًا من حياة الإمبراطورية البيزنطية.

51,000
(منهم 47,000 فارس و4,000 مشاة)[la 24]
15,000 ولكن جوزيف ڤون هامر يُشير إلى أن هذا خطأ الناسخ،[la 28] فيرفعها إلى 150,000[la 24] 201,000 بالغ في إظهار عدد العثمانيين فجعلهم أربعة أضعاف الصليبيين
جوزيف بانلاكي (14 فبراير 1863م - 12 أكتوبر 1945م)

ضابط ومؤرخ عسكري، كتب أحد أعظم الأعمال في التاريخ العسكري المجري، مؤلف من أربعة وعشرين مجلداً للتاريخ العسكري للأمة المجرية.

24,000 150,000 - 200,000 174,000 - 224,000 بالغ في إظهار عدد العثمانيين ما بين ستة وثمانية أضعاف الصليبيين
لاجوس كيس (مارس 1881م - 2 فبراير 1965م)

عالم إثنوغرافي (عِلم الأعراق)

ما لا يقلُّ عن 150,000[la 24] لم يُقدّر تعداد جيش هونياد
جوزيف فون هامر - برجشتال (1774م-1856م)

مستشرق نمساوي.

50,000 لم يُقدّر تعداد جيش هونياد
  • جون بانيل بيوري (1927م-1861م) (1861-1927) مؤرخ وكاتب ولغوي بريطاني، أستاذ بجامعة كمبردج نشر نصوصا بيزنطية كما نشر كتاب إدوارد جيبون: «اضمحلال الإمبراطورية البريطانية وسقوطها».
  • هنري ميلفيل جواتكين (30 يوليو 1844م - 14 نوفمبر 1916م) عالم لاهوت إنجليزي ومؤرخ كَنَسِي، عُيِّن أستاذاً للتاريخ الكنسي في جامعة كمبردج.
  • جيمس پاوندر ويتني (30 نوفمبر 1857م - 17 يونيو 1939م) مؤرخ كَنَسِي بريطاني، رُسِّم كاهناً أنجليكانياً عام 1895م. كان أستاذاً للتاريخ الكنسي في كُلِّيَّة الملك بكمبردج. وكان أستاذاً للتاريخ الكنسي في جامعة كمبردج، ومحرراً مشتركًا لكتاب «تاريخ العصور الوسطى في كمبردج».
24,000

(منهم ثمانية آلاف من الأفلاق وألفيّ ألماني)

100,000 124,000 بالغوا في إظهار عدد العثمانيين فجعلوهم أربعة أضعاف الصليبيين
فلاديمير تشوروڤيتش (27 أكتوبر 1885م - 12 أبريل 1941م)

مؤرخ صربي وأستاذ جامعي ومؤلف وأكاديمي.

70,000 لم يُقدّر تعداد جيش العثمانيين
مصطفى سيزار (1920م - 3 ديسمبر 2009م)، مؤرخ تركي. 50,000 - 60,000

(منهم خمسٌ وعشرون ألف مجري وثمانية آلاف من الأفلاق، ومفارز ألمانية وبولونية وبوهيمية وصقلّية)

لم يُقدّر تعداد جيش العثمانيين
إسماعيل حقي أوزون تشارشيلي (23 أغسطس 1888م - 10 أكتوبر 1977م) أكاديمي ومعلم وسياسي ومؤرخ تركي، يُعتبر من الأسماء التي قدمت مساهمات مهمة في التاريخ العثماني بدراساته. 90,000 100,000 190,000
يلماز أوزتونا (20 سبتمبر 1930م - 9 فبراير 2012م) كاتب ومؤرخ وصحفي تركي، من أشهر مؤلفاته والتي تُرجمت إلى اللغة العربية كتاب «تاريخ الدولة العثمانية». 100,000[24] لم يُقدّر تعداد جيش العثمانيين

المعركة

عدل
العربة المُحصنة المتحركة للهوسيين، رسم من القرن الخامس عشر.
نسخة حديثة مُعاد تصنيعها من العربة المُحصنة المتحركة للهوسيين.
أمثلة على «حصن العربات المتحركة» (بالألمانية: Wagenburg).
 
قاد السلطان مراد الثاني بنفسِهِ المدفعية وجنود الإنكشارية في المعركة.

قبل بدء المعركة، أرسل السلطان مراد مبعوثاً إلى هونياد يعرض السلام ولكن هونياد رفض، وعاد المبعوث إلى السلطان دون أن يحقق شيئاً.[la 29]

كان تعداد القوات الصليبية يتراوح بين اثنان وعشرون ألفاً وثلاثين ألف رجل،[la 30][la 31][la 32] وتختلف المصادر اختلافاً كبيراً في تقييم تلك الأعداد، كما تقدم تفصيله. بحسب المؤرخين العثمانيين، كان الجيش العثماني مسلحاً بالبنادق والمدافع.[la 29] وكان الصليبيون مقسمون إلى ثمانية وثلاثين كتيبة، معظمها لا تعرف إحداها لغة الأخرى.[23] وصلت القوات الصليبية إلى سهل كوسوڤو الذي وقعت فيه قبل نحو ستين عاماً معركة قوصوه (الأولى) الأكثر شهرة والتي كانت أيضاً بين الصرب بقيادة الأمير «لازار هربليانوڤيتش» (بالصربية: Lazar Hrebeljanović)‏ والعثمانيين بقيادة السلطان مراد الأول وانتهت بانتصار العثمانيين.

التقى هونياد في 17 أكتوبر 1448م بالجيش العثماني في سهل كوسوڤو،[7] وكان العثمانيون قد اتخذوا بالفعل مواقعهم يوم 16 أكتوبر.

 
 
پليمنتين
موقع معركة قوصوه الثانية عند «پليمنتين» بمقاطعة «پريشتينا» في كوسوڤو المعاصرة.

عندما ظهر هونياد في، احتل فرسانه التلال وحصّنوا هذه المواقع «بمتاريس عربات الحرب الهوسية». اصطف الجيشان متقابلين في ذلك اليوم، وبدأت المعركة في اليوم التالي.

استمرت المعركة لثلاثة أيام، قاد فيها السلطان مراد الثاني بنفسِهِ المدفعية وجنود الإنكشارية، وفقاً لحفيد الشيخ بدر الدين محمود (1359م-1420م) الذي شارك شخصياً في هذه المعركة، بينما أسند قيادة قوات الأناضول بالجناح الأيمن للجيش العثماني لابنه وخليفته في المستقبل: السلطان محمد الفاتح وهو ابن ستة عشر ربيعاً ليواجه معركة حربية للمرة الأولى في حياته. قاد هونياد قلب الجيش الصليبي في المعركة بينما كانت ميمنة الصليبيين تحت قيادة الأفلاق، أما المجريون فكانوا يمتلكون مدافع طويلة المدى.

في اليوم الأول من المعركة، لم يُجد نفعا أي هجوم قام به هونياد. وفي اليوم الثاني، تعرض المجريون للهجوم من الأمام والخلف، لكنهم تمكنوا من إعادة تجميع صفوفهم واستعادة خنادقهم، وعندما عاين حاكم الأفلاق شدة العثمانيين أرسل رجاله إلى السلطان مراد للتفاوض مع الصدر الأعظم خليل باشا الجاندارلي بأن ينحاز الأفلاق من جانب المجريين إلى صفوف العثمانيين مقابل العفو عنهم. وفي اللحظة الحرجة من المعركة، انحاز8,000 جندي أفلاقي إلى العثمانيين في مفاجأةٍ غير متوقعةٍ لهونياد. كانت خسارة ثمانية آلاف مقاتل من التحالف الصليبي، إضافةً إلى القوات الصليبية التي ضُربت من الخلف، حاسمةً في مجريات المعركة وتقرير مصيرها. وبحلول المساء أضمر هونياد النجاة بنفسه، فجمع قادته، وأمر الألمان والمدفعية بالتمركز في مواجهة المواقع التي احتلها العثمانيون أثناء المعركة، مُعداً بذلك خطةً هروبه من المعركة وإعداد طريقاً لانسحابه بعدما تيقن بأن الهزيمة قد حُسمت. ثم ترك المعركة ليلا قبيل الفجر، تاركا الإنكشاريون يقتلون كل من بقي من الصليبيين في أرض المعركة بلا قيادة صبيحة اليوم الثالث ولتنتهي المعركة بنصر حاسم للعثمانيين.[la 33][la 6][la 34][25][26][27][28]

قبيل المعركة 16 أكتوبر

عدل

تصافَّ الجيشان لمدة يوم ونصف يوم في مواجهة بعضهما بعضاً، وكان هذا التأخير في صالح العثمانيين لأن غالب جنودهم المُصطفين كانوا مُدرَّعين بدروعٍ خفيفة، بينما كان في جيش هونياد العديد من الفرسان ذوي الدروع الثقيلة، الذين وجدوا صعوبة في الانتظار طويلاً. ولذلك كان هونياد هو أول من بدأ المعركة في نهاية الأمر.[la 35]

اليوم الأول من المعركة 17 أكتوبر

عدل
 
«حزام السرج» يربط خصر الجواد بالسرج كما يظهر في الصورة خلف الركاب المتدلي. خلال نزال فردي قبل بدء المعركة، سقط الفارس المجري عن جواده فاستبشر العثمانيون واعتبروها بُشرى النصر، بينما انقطع حزام سرج الفارس العثماني «إلياس» فلم يُجهز على المجري.

في اليوم التالي 17 أكتوبر 1448م لم يأتِ أحد بأي حركةٍ حتى الظهر،[la 36] ثم اُفتُتحت المعركة بمصادماتٍ خفيفة.

بعد تنظيم القوات المتحاربة في أماكنها مباشرةً انطلق أحد الفرسان المجريين وتحدى العثمانيين لنزالٍ فرديٍّ فتقدم منهم محارب يٌدعى «إلياس» واشتبك معه. خلال المبارزة سقط الفارس المجري عن حصانه في الوقت الذي انقطع حزام السرج الذي يربطه بخصر جواد إلياس، فانزلق سرجه إلى ذيل الحصان، وبالكاد تمكن إلياس من البقاء على سرجه ولم يستطع استغلال سقوط المجري عن جواده. عاد المتبارزان إلى موقعيهما دون نتيجةٍ حاسمةٍ للنزال [معرفة من هو الأقوى]، ولكن العثمانيين استبشروا بسقوط المجري.[la 37][la 34]

في فترة ما بعد الظهر هاجم هونياد الأجنحة العثمانية بسلاح فرسان مختلط (خفيف وثقيل)،[la 36] مما تسبب في خسائر كبيرة من الجانبين، إلا أن ذلك الهجوم لم يؤثر تاثيراً كبيراً على نتيجة المعركة.[la 37] اجتمع هونياد بمجلس الحرب بعد انتهاء القتال لمناقشة كيفية المضي قدماً،[la 37] وبناءً على نصيحة أميرٍ عثماني مُنشق يُدعى "داود"، قرر هونياد مهاجمة العثمانيين في منتصف الليل. فوجئ إنكشارية بالهجوم الليلي ولكنهم استطاعوا رغم ذلك الصمود بوجه المهاجمين، ولما أدرك هونياد أن استمرار الهجوم غدا بلا جدوى أعاد مع الفجر مفارزه المتعبة إلى مواقعها الأصلية ولم يحرز تقدماً نتيجة الاشتباك.[la 37]

هناك أكثر من رواية لتسلسل بدء العمليات العسكرية:

الرواية الأولى:

بدأت المعركة بهجوم من هونياد بفرسان مختلطة: خفيفة وثقيلة مُدرعة على جانبيّ الجيش العثماني الميمنة والمسيرة.[29]

ظلَّ جناحا الجيش العثماني الميمنة والميسرة المكونان من جنود الروملي والأناضول يتلقيان الضربات ويتراجعان عن مواقعهما دون أن ينكسروا حتى وصلت الخيالة الخفيفة العثمانية لتعزيزهم، فاندحرت الأجنحة الصليبية وانكسرت لاحقاً وتراجع الناجون منهم إلى القوة الرئيسية لهونياد في قلب الجيش الصليبي.[29]

الرواية الثانية:

 
إسماعيل حقي أوزون تشارشيلي، مؤرخ تركي أرّخ لعدد الجيشين المتحاربين في معركة قوصوه الثانية بقرابة تسعين ألف صليبي مقابل مائة ألف عثماني. يتوافق هذا التقدير مع شراسة المعركة التي استمرت ثلاثة أيام لتكافؤ المتحاربين، مخالفاً المؤرخين الغربيين الذين بالغوا بتدوين أضعاف عدد العثمانيين كي يُبرروا هزيمة الصليبيين النكراء. جاء تقييمه قريباً مما سُجِّل في رسالة بتاريخ 25 نوفمبر 1448م إلى بيوس الثاني، بابا الكنيسة الكاثوليكية.
 
القيصر فريدريك الثالث ابن إرنست الحديدي دوق النمسا من آل هابسبورغ وحاكم مقاطعات ستيريا وكارينثيا وكارنيولا التي تمثل الأجزاء الرئيسية من دوقية النمسا الداخلية، سلَّم حُكم المجر من هونياد الذي كان وصياً على عرش المجر إلى الملك اليافع «لاديسلاوس اليتيم» عام 1452م، بعد هزيمة معركة قوصوه الثانية.

الرواية المجرية: بدأ اليوم بهجوم فرسان السپاهية على المجريين الذين أوقفوا ذلك الهجوم إلا أنهم لم يستطيعوا القيام بهجوم مضاد نظراً لقوة المشاة العثمانيين.[30][31]

اندلع الذعر في سلاح الفرسان المجريين عندما خبروا استحالة اختراق قلب الجيش العثماني مما أدى إلى فرار أجنحة الجيش المجري من المعركة.[31]

الرواية المشتركة لما بعد ذلك:

عندما رأى هونياد هزيمة جناحيه هاجم قلب الجيش العثماني بقوته الرئيسية المؤلفة من الفرسان المُدرعة والمشاة الخفيفة ولم ينجح جنود الإنكشارية في صد ذلك الهجوم وأحرز الفرسان الصليبيون تقدماً في قلب الجيش العثماني حتى أوقفوا عند مضارب «المعسكر العثماني» واستحكامات السلطان.[11]

عندما أُوقف الهجوم الصليبي الرئيسي أعاد المشاة العثمانيون تجميع صفوفهم ونجحوا بدفع الفرسان المجريين للخلف، وبذلك تمكنتِ العثمانيون من التغلب على سلاح الخيالة الخفيفة التي أضحت بدون دعم وحماية من الخيالة المُدرعة، فتراجعت القوات المجرية إلى معسكرها تاركةً المشاة للإبادة على يد العثمانيين، وخلال هذا التراجع قتل القنَّاصة العثمانيون الإنكشاريون مُعظم النبلاء المجريين.[29]

داهمت قوات هونياد العثمانيين في مساء اليوم نفسه، لكن الهجوم صُدَّ، وفي تلك الليلة أيضاً تبادل الطرفان القصف المدفعي.[29]

اليوم الثاني من المعركة 18 أكتوبر

عدل

بدأ الهجوم الرئيسي في صباح اليوم الثاني 18 أكتوبر واستمر حتى المساء ولكن لم يستطع أي من الجانبين أن يحسم المعركة لصالحه.[la 33]

هاجم الصليبيون جناحي الجيش العثماني في وقتٍ واحدٍ، فأمر مراد الثاني قوات القلب المؤلفة من العزب والإنكشارية بالثبات في مواقعها وسحب قوات الميمنة والميسرة في خداعٍ تكتيكي. يرى المؤرخون الغربيون أن المجريين أجبروا فرسان الجناحين الأناضول والروملي العثمانيين على التراجع، في حين أوقعت هذه الخدعة التكتيكية المجريين لاحقاً تحت حصار العثمانيين.[la 38]

عندما رأى هونياد انسحاب جناحي الجيش العثماني، هاجم القلب بكل قواته لاستغلال الفرصة السانحة. كان انسحاب المُجنّبتين خدعةً من السلطان الذي -عقب إلقاء هونياد بكامل ثقله في الهجوم- أمر عندها قوات القلب بالتراجع أيضاً، وبذا سمح للصليبيين بالدخول وسط فكي كماشة مُكرراً خطته السابقة في معركة ڤارنا 1444م. انطلقت فرسان الأناضول والروملي من الجناحين بِكَرٍّ سريعٍ في حركة التفافٍ إلى أن حاصرتِ الصليبيين بمناورةٍ مفاجئة. توقف الخيالة الصليبيون أمام المعسكر العثماني ثم انسحبوا إلى معسكرهم تحت وطأة الإنكشارية تاركين المشاة لمصيرهم، فأعمل العثمانيون القتل في الصليبيين المحاصرين من كل الجوانب، وسحق فرسان الروملي بقيادة طرخان بك الجناح الأيمن لهونياد.

 
راية جنود الإنكشارية العثمانية، ويظهر عليها رمز السيف ذو الفقار.

ولكن وفقاً للمؤرخ البيزنطي لاونيكوس تشالكوكونديلوس (1430م-1470م) حول هذه الحادثة؛ فإنه ذكر أن طرخان بك هاجم بفرسان الآقنجية الجناح الأيسر للصليبيين من الخلف، وليس الجناح الأيمن كما تقدم، وكان هجومه من الجهة التي تقف فيها قوات الأفلاق، ونسب المؤرخ تلك الوقعة إلى اليوم الثالث من المعركة، 19 أكتوبر. [21] ولكن باستقراء الأحداث، إما أن تكون الحادثة التي يقصدها قد وقعت يوم 18، أو أن يكون المؤرخ قد لفقها. وذلك لأن قوات الأفلاق انحازت في يوم 18 إلى جانب العثمانيين بشكل غير متوقع كما يلي.[la 38][21][32]

رأى الأفلاقيون القوات العثمانية تقاتل بجسارة تفوق توقعهم، وأدركوا أن مصيرًا رهيبًا ينتظرهم، وأنه لن يكون بمقدورهم الهروب من مصيرهم حتى ولو نجحوا في النجاة من المعركة بسلام، لأنه لم يكن هناك أي سبيل للنجاة من عقاب السلطان لهم بسبب حنثهم بقسمهم، وقتالهم ضده، وتحالفهم مع المجريين. لذلك قرروا في هذا الخضم العظيم أن يُرسلوا رسولاً للتفاوض مع السلطان مراد في وسط المعركة ليُسَلِّموا أسلحتهم ويصبحوا حلفاء له. جاء الرسول إلى باب السلطان وقال له: ”أيها السلطان لقد أرسلني الأفلاقيون للحضور بين يديك وطلب المعاهدة بالنيابة عنهم، وهم يتوسلون أن تصفح عن جميع المخالفات التي ارتكبوها في حق مملكتك وإنهم يُقسمون على أنهم لم يكونوا ليبدأوا تمردًا جديدًا من تلقاء أنفسهم ضد مصالحكم لولا أن المجريين ضغطوا عليهم للانضمام إليهم واستخدموا القوة ضدهم. والآن هم يلتمسون منكم أن توافقوا على ذلك وتعقدوا معهم معاهدة، وهم سيقفون إلى جانبكم في بقية هذه المعركة حتى تكون في صالحكم“. هذا ما قاله الرسول، فأجابه الصدر الأعظم خليل باشا الجاندارلي: ”ولكنكم أيها الأفلاقيون تعلمون جيدًا مدى صداقة السلطان لكم، وأنه كان دائمًا راعيكم منذ البداية، والآن، بما أنكم جئتم في الوقت المناسب، فمن الضروري أن تعقدوا معاهدة بصدق وبدون مكر أو احتيال، لتكونوا أصدقاءنا من الآن فصاعدًا. وإذا كسبتم الحظوة لدى السلطان من أجل عمل من الأعمال التي ذكرتموها، فاعلموا أنكم لستم بحاجة إلى أن تبذلوا فوق طاقتكم لكي تنفعوه. فقط تعالوا هنا لتسلموا أسلحتكم بأسرع ما يمكن“ ثم صرفهم. عندما عاد الرسول إلى الأفلاقيين وأبلغهم بما حثه عليه الصدر الأعظم نيابة عن السلطان، انفصلوا فورًا عن المجريين وتقدموا حتى اقتربوا من بوابة السلطان ووقفوا هناك معتقدين أنهم يكسبون امتنان السلطان إلى درجة كبيرة، حتى أنهم ظنوا أنهم سيتلقون هدايا وثياب من السلطان لمجرد دعمهم له في لحظة حاجته.[32]

لكن بينما كانوا يقفون بجانبه، استنتج السلطان أنهم لم يقدموا تلك الوعود دون خداع وأنهم يخططون لإلحاق الأذى به بالتعاون مع المجريين. لذلك، استدعى بكلربك الروملي ومعه حوالي عشرين ألف رجل وأمره بقتل جميع الأفلاقيين الذين كانوا واقفين هناك، دون استثناء. قاوم الأفلاقيون لأنهم كانوا مسلحين. فالسلطان لم يكن يريد قتلهم بعد أن يستسلموا ويسلّموا أسلحتهم، بل أرادهم أن يعقبهم على خيانتهم، وهم يحملون السلاح. وهكذا هلكوا هناك جميعا دون أي اعتبار.[32]

أما المجريون، فعندما رأوا الأفلاقيين ينفصلون عنهم في البداية، تساءلوا عن نواياهم. ولكن عندما أدركوا أنهم يتفاوضون مع السلطان، غضبوا منهم وكرهوهم لخيانة حلفائهم تمامًا. ولكن بعد فترة قصيرة، عندما رأوا أن السلطان قد قتلهم جميعًا دون سبب واضح، ذهلوا مرة أخرى وفهموا تفكير السلطان بأنه لم يكن بحاجة إلى مثل هؤلاء الحلفاء، وأصبح اهتمام المجريين يدور الآن حول كيفية الهروب من هناك بأسرع ما يمكن.[32]

وبحلول المساء جاء هونياد من المعركة إلى حيث حلقة متاريس العربات وأخبر قادتهم بخطة تقضي بأن يقوم هو ورجاله بنصب كمين حيث كان السلطان مراد نفسه متمركزًا فيه؛ وعندما يرسل رسولًا للإشارة إلى أن الكمين قد تجهز، يتقدم حينها باقي المجريين جميعًا ويهجموا معًا على بوابة السلطان. كان ذلك حوالي الحراسة الأخيرة من الليل، واختار هونياد الرجال الذين كانوا الأفضل استعدادًا للحرب والذين كان يعلم أنهم مخلصون له؛ كما أمر الذين كانوا بجانب العربات بالانضمام إليهم في الهجوم على بوابة السلطان عندما يعطي الإشارة. ولكن هونياد تقدم بجيشه في تشكيل، ثم عكس مساره، واتجه نحو نهر الدانوب.[32]

وسرعان ما أصبح الوقت نهاراً ولم يعد بالإمكان رؤية هونياد سواء من قبل أولئك المجريين الذين تخلفوا في حلقة العربات أو من قبل السلطان. وعندما رأى رجال السلطان أن معسكر المجريين كان فارغًا وأن عددًا قليلًا فقط من الرجال قد تُركوا بين العربات، أصيبوا بالدهشة؛ ثم جاءه أحدهم مسرعاً ومعلنًا أن المجريين قد فروا إلى نهر الدانوب في الساعة الأخيرة.[32]

عندئذٍ حمل الانكشاريون أسلحتهم واندفعوا بأقصى سرعة على المجريين في حلقة متاريس العربات، وهنا أدرك أولئك المجريون أنهم تعرضوا للخيانة من قبل قومهم، فقاتلوا الانكشاريين من فجر ذلك اليوم. ولكن بعد ذلك بوقت قصير ركب الانكشاريون العربات وانتصروا على المجريين وقضوا عليهم جميعًا. واندفع السلطان مراد في بادئ الأمر إلى ملاحقة المجريين كما نصحه قادته، ولكنه رفض خطتهم واطمأن إلى أن حظه الحاضر قد تحول إلى الأفضل.أمر السلطان بعد خروجه من المعركة بدفن جثث القتلى الأتراك على ضفاف نهر مورافا، ثم حزم أمتعته وغادر عائدًا إلى بلاده.[32]

هرب هونياد من المعركة مُدركاً أن جيشه سيُهزم لا محالة، تاركاً جنده دون خطة انسحاب أو قيادة، وتاركاً المشاة الصليبيين لمصيرهم المحتوم، كما فعل سابقاً في معركة ڤارنا سنة 1444م حين فرّ من ساحة المعركة بصعوبة ونجا يومها من الوقوع في الأسر. إلا أنه هذه المرة سيَقبِضُ عليه برانكوڤيتش أثناء مروره بالأراضي الصربية محاولاً العودة إلى دياره. [la 15]

اليوم الثالث من المعركة 19 أكتوبر

عدل

صباح اليوم الثالث قام العثمانيون بالهجوم النهائي الذي دمَّرَ بقية الجيش المجري. شن الإنكشاريون هجوماً على «العربات المُحصنة المتحركة للهوسيين»، التي دافع عنها الألمان والبوهيميون ببسالة -بعد أن هجرهم قائدهم وفرّ من المعركة- حتى كادوا يفنون عن بكرة أبيهم.[la 39][la 37]

تغلب العثمانيون على آخر المتاريس التي أقامتها القوات الصليبية في معسكرها وأسروا العديد من الصليبيين، وأسفرت الحرب التي استمرت يومين ونصف يوم عن انتصار حاسم للجيش العثماني. كانت شراسة القوات العثمانية والصربية شديدة ومُعادية للصليبيين، مما تسبب في فرار الكثيرين منهم أمام العثمانيين في أرض المعركة، فطاردوهم وأوقعوا منهم قتلى وأسرى. [la 15]

هروب هونياد والصليبيين

عدل
 
أطلال قصر الڤويڤود جُريج برانكوڤيتش في قلعة سمندرية، حيث تم احتجاز هونياد سجينًا في هذه القلعة بعد هزيمته في معركة كوسوفو الثانية عام 1448م.
 
اختلاف التأريخ الصربي والمجري:
المؤرخ الصربي فلاديمير تشوروڤيتش (في الصورة)، قدّم وثيقة تاريخية تُفيد بأن جُريج برانكوڤيتش لم يرغب في تسليم يوحنا هونياد الأسير لديه إلى السلطان مراد الثاني، وذلك عكس ما ذكره المؤرخ المجري بانلاكي بأن برانكوڤيتش عَرَضَ على السلطان مراد الثاني تسليمه إليه، ولكن السلطان رفض.

بعد صدمة الهزيمة المروعة بالصليبيين، فرّ جيش هونياد المهزوم في اتجاهات مختلفة، فهرب البعض إلى إمارة زيتا الصربية في البلقان جنوب البوسنة، والبعض إلى راغوزة في دالماسيا، وهرب البعض مثل هونياد نفسه إلى الأراضي الصربية.

وقع هونياد في أسر الصرب بُعيد فراره من المعركة متنكّراً في زيّ جندي بسيط، أثناء مُحاولته عُبور بلاد الصرب، فقبض عليه جُريج برانكوڤيتش وسجنه في حصن سمندرية، وفكر في تسليمه إلى السلطان مراد الثاني، إلا أنه بسبب الإجراءات النشطة التي قام بها النواب المجريون تم إطلاق سراحه، [la 15] إذ أقنعه البارونات والأساقفة المجريون الذين اجتمعوا في سكدين بإبرام اتفاق السلام مع هونياد هذه شروطه:

  • نسيان العداوة القديمة.[33]
  • تتعهد المجر بمساعدة صربيا ضد العدو.[33][4]
  • وفي المستقبل لن يمر الجيش المجري عبر صربيا إلا بدعوة أو بمساعدة الصرب.[33]
  • مقابل الأضرار التي لحقت بالأراضي الصربية، يدفع هونياد فدية قدرها 100,000 فلورين ذهب.[33][4]
  • وأن يرسل ابنه الأكبر لازلو هونياد كرهينة فخرية إلى جُريج برانكوڤيتش.[4]
  • وأن يرجع هونياد إلى جُريج برانكوڤيتش كل ممتلكاته السابقة، التي نقلت إلى هونياد في عام 1444.[4]
  • فتم ذلك وأُطلق سراح هونياد وعاد إلى المجر في أواخر ديسمبر 1448م.[3][1]

استقال هونياد بعد ذلك من منصب ڤويڤود الأردل (ترانسلفانيا).[3]

هروب هونياد وسجنه

عدل

وفقًا لوثيقة ملك بوهيميا ودوق النمسا متياس كورڤن ابن يوحنا هونياد، فإن أباه اصطحب في رحلة هروبه من قوصوه القُمَّس الكرواتي مارتن فرانقبان (بالكرواتية: Martin II Frankopan Tržački)‏ (توفي 1479م) حاكم ترسات (بالكرواتية: Trsat)‏ وڤينودول (بالكرواتية: Vinodolska)‏ وباكار (بالكرواتية: Bakar)‏ مع مائتي فارس، ولكن الديسپوت الصربي برانكوڤيتش أمر بالسماح لجميع اللاجئين بالمرور بحرية، باستثناء هونياد، الذي أمر بالقبض عليه، حيث اعتبره مسؤولاً عن جميع الأضرار والسرقات التي قام بها جيشه على الأراضي الصربية. [la 15]

اختبأ هونياد أثناء رحلة هروبه للعودة إلى موطنه، وتسلل ليتخفى عن أعين الناس، واضطر للتخلص من حصانه لكي لا يُعرف، وحارب اللصوص على الطريق وقطّاع الطرق، واضطر إلى التسول للحصول على الطعام.

وخلال إحدى محطات استراحته بالقرب من كلادوڤو (بالصربية: Кладово / Kladovo)‏ بشرق صربيا، تعرَّف عليه بعض الجند واقتادوه إلى العاصمة الصربية سمندرية، حيث سُجن.

تضارب التأريخ الصربي والمجري

عدل

المزيد من الأحداث موصوفة بشكل مختلف ما بين التأريخ الصربي والمجري. قدّم المؤرخ الصربي فلاديمير تشوروڤيتش (1885م-1941م) وثيقة تاريخية تُفيد بأن جُريج برانكوڤيتش لم يرغب في تسليم يوحنا هونياد الأسير لديه إلى السلطان مراد الثاني، [la 15] فقد احتجزه فقط وتفاوض معه على شروط مواتية للحصول على فدية. وعلى العكس من ذلك، كتب المؤرخ المجري بانلاكي (1863م-1945م) (بالمجرية: Bánlaky József)‏ المُعاصر لفلاديمير، أنه وفقاً لمعلومات الكُتَّاب المعاصرين للمعركة، عرض برانكوڤيتش على السلطان مراد الثاني تسليم العدو المأسور إليه، ولكن السلطان مراد رفض.

خسائر المعركة

عدل
 
وفقاً للمؤرخ النمساوي يوهان كريستيان ڤون إنجل فقد قُتل 9000 مجري، وهذا الرقم متوافق مع ما ذكره أنطونيو بونفيني (1427م-1502م) ومؤلفو تاريخ كمبردج للقرون الوسطى.
 
جوزيف ڤون هامر، مستشرق نمساوي، رفع تقدير المؤرخ البيزنطي لاونيكوس تشالكوكونديلوس الذي عاصر المعركة، لتعداد الجيش العثماني: من 15 ألفاً إلى 150 ألفاً بعد مرور أربعمائة عام على المعركة، متعللاً بخطأ في النسخ وبدون تقديم أي دليل.

تقييمات المؤرخين

عدل

وفقاً لمعظم المؤرخين، فإن جيش هونياد قد فقد سبعة عشر ألف جُندي في المعركة.

وفقاً للمؤرخ الإيطالي أنطونيو بونفيني (1427م-1502م)، ذكر السلطان مراد الثاني في رسالته إلى مدينة كورنثة اليونانية أن ثمانية آلاف مجري قُتلوا في المعركة.

وفقاً للمؤرخ النمساوي يوهان كريستيان ڤون إنجل فقد قُتل تسعة آلاف مجري.

اعتبر مؤلفو تاريخ كمبردج للقرون الوسطى، أن ثمانية آلاف جُندي أكثر واقعية، مضيفين أن زهرة النبلاء المجريين قد قُتلوا في تلك المعركة.

كما أفاد يوهان إنجل دون الإشارة إلى أي مصدر، بأن السلطان مراد قد أعدم ستة آلاف أفلاقي من الذين انحازوا إلى جانبه وأطلق سراح رئيسهم والبقية الباقية منهم على وعدٍ بدفع الجزية وتقديم فيلق عسكري كل عام للخدمة في الجيش العثماني. ذكر يوهان إنجل أن قوام هذا الفيلق تراوح ما بين سبعمائة إلى ثلاثمائة جندي مشاة وأربعمائة من سلاح الفرسان. خالفه المستشرق النمساوي جوزيف ڤون هامر، وذكر أن ذلك الفيلق مكوّن من سبعة آلاف محارب.

هذا التضارب الضخم في تأريخ عدد أفراد الفيلق بسبعة أضعاف بين النمساويين المعاصرين لبعضهما في الزمان والمكان وقد توفر لهما نفس المصادر المتاحة، المؤرخ يوهان إنجل (1770م1814م) والمستشرق جوزيف ڤون هامر (1774م-1856م)، ليس له مجال للتقدير الشخصي ولكنه لا بد أن يعتمد على مصدر تاريخي بحسب أصول التأريخ، وعليه، تظهر عدم المسئولية التاريخية وانحياز المستشرقين ومنهم جوزيف ڤون هامر سالف الذِكر، خاصة وأنه قد رفع أيضاً تقييم عدد الجيش العثماني من خمسة عشر ألف بحسب تقدير المؤرخ البيزنطي اليوناني لاونيكوس تشالكوكونديلوس (1430م-1470م) المعاصر للمعركة، إلى مائةٍ وخمسين ألفاً، متعللاً بتصحيف وخطأ في النسخ بدون تقديم أي دليل، لكي يبرر الهزيمة المدوية للصليبيين.

ومن ناحية أخرى، فإن عدم ذكر يوهان إنجل لأي مصدر تاريخي حول خبر إعدام السلطان لمن انحازوا إليه من الأفلاق، خاصة عدم ورود ذلك الخبر في المصادر السابقة عليه خلال أربعمائة عام بعد المعركة، ينفي هذا الخبر بالكلية ويشكك بمصداقية روايات إنجل كمؤرخ محايد.

استشهد «محمد نشري» (1450م - 1520م) (بالتركية: Mehmed Neşrî)‏ المؤرخ العثماني المولود بعد المعركة بعامين، بأرقام بعيدة كل البعد عن الواقعية: «حاولوا إحصاء عدد القتلى، لكنهم تمكنوا من استنتاج أن هناك ما بين ثمانين إلى تسعين ألف جثة. كان من المستحيل حساب القتلى بدقة: الجبال والصخور والحقول والصحراء، كل شيء كان مليئاً بالموتى، ومن بينهم وجدوا فقط خمسة عشر مسلماً مقتولاً».[la 40]

قتلى المعركة

عدل

آثار ما بعد المعركة

عدل
"عانى مثل يوحنا (هونياد) في كوسوڤو"
—مَثَل شعبي بَلقاني [33]
 
عملة نقدية حديثة بقيمة ألف فورنت مجري، عليها صورة الملك متياس كورڤن ابن يوحنا هونياد، الذي أظهرت وثائقه أن أباه هونياد قد فرّ من المعركة بصحبة القُمَّس مارتن فرانقبان ومائتي فارس، وعندما مرّ بالأراضي الصربية، ألقى برانكوڤيتش ديسپوت الصرب القبض عليه وسمح للآخرين بالعبور في أراضيه بحرّية.
 
الإمارات الدانوبية الثلاث (مقاطعات رومانيا الحديثة): الأفلاق والبغدان والأردل (ترانسيلڤانيا) لم تستطع بعد معركة قوصوه الثانية مقاومة تغلغل العثمانيين.

لم تستطع دول البلقان المسيحية مقاومة العثمانيين بعد هذه الهزيمة النكراء، وانضوت في النهاية تحت سيطرة الدولة العثمانية. وبسبب فشل الحملة الصليبية السادسة التي نظمتها الدول المسيحية ضد الدولة العثمانية، قبلت الدول الأوروبية وجود العثمانيين في البلقان واستمروا في موقف المدافعين حتى حصار فيينا الآخر عام 1683م، وبذلك ضمنت الدولة العثمانية أمن المنطقة حتى ضفاف نهر الدانوب.

بعد المعركة، قبض جُريج برانكوڤيتش على هونياد أثناء مروره بأراضيه في رحلة هروبه للعودة إلى وطنه، ولم يُفرج عنه حتى اتفقا في نهاية شهر نوڤمبر بعد أيام عديدة من المناقشة على شروط الإفراج التالية:

  • نسيان ونبذ العداوة القديمة بينهما.
  • تعهد هونياد بعدم مهاجمة إقطاعات برانكوڤيتش في المجر، وفي المستقبل، لن يمر الجيش المجري عبر الصرب إلا بناءً على دعوة أو لمساعدة أميرها، وتتعهد المجر بمساعدة الصرب ضد أعدائها.
  • دفع فدية قدرها مائة ألف فلورين لبرانكوڤيتش، ثمن الأضرار التي ألحقها جيشه ببلاد الصرب، واعتبر المجريون هذا الاتفاق بأنه ليس تعويضاً عن الضرر، بل فدية.[la 19]
  • عودة جميع البلاد والأراضي التي كانت مملوكة سابقاً للديسپوت الصربي برانكوڤيتش واستلبها منه هونياد عام 1444م، تحت جناح الصرب.
  • اتُفق على تزويج وريث هونياد من ابنة برانكوڤيتش،[la 41] وأن يبقى هذا الوريث المستقبلي رهينة عند الديسپوت برانكوڤيتش حتى يفي والده بوعوده.

خلال الفترة المتبقية من حكم هونياد، نجح في الدفاع عن مملكة المجر ضد الحملات العثمانية، حتى عُزل من منصبه وصادر جُريج برانكوڤيتش جميع إقطاعياته، وبهذا أُنهيت السيادة المجرية على الصرب، ومنذ ذلك الحين أصبح جُريج برانكوڤيتش يعتمد بالكامل على دعم العثمانيين.

بعد انتصار العثمانيين في قوصوه، خرجوا بحملة عسكرية جديدة لتأديب إسكندر بك الذي أعلن استقلاله في بلاد الأرناؤوط وواصل مقاومته بنجاح حتى وفاته عام 1468م، مُؤجلاً النتيجة الحتمية، إذ بعد عشر سنوات أصبحت البلاد كلها تحت السيطرة العثمانية الكاملة عام 1478م.

على الرغم من أن الهزيمة في المعركة كانت خطوة إلى الوراء بالنسبة للصليبيين الذين قاوموا الفتح العثماني لأوروپا في ذلك الوقت، إلا أنها لم تشكل «ضربة قاضية للقضية»، حيث ظل يوحنا هونياد قادراً على إبقاء المقاومة المجرية نشطة ضد العثمانيين بقية حياته، وبلغت ذروتها بالفوز في معركة حصار بلغراد عام 1456م عندما هجمت المملكة المجرية على مخيم العثمانيين مما أفضى إلى قتلى وجرحى فقرر السلطان محمد الفاتح فك الحصار والانسحاب.

من المؤكد أن نتائج معركة قوصوه الثانية كانت أكثر ضرراً على الصرب والإمارات الدانوبية (الأفلاق والبغدان والأردل) التي لم تستطع بعد تلك الهزيمة مقاومة تغلغل العثمانيين الذين كانوا على وشك إنهاء الإمبراطورية البيزنطية بعد المعركة بخمس سنوات، حتى أتمُّوا فتح القسطنطينية عام 1453م.

الآثار السُكَّانيَّة للمعركة

عدل
  • بعد المعركة مباشرة، أُصيب «سهل كوسوڤو» بالطاعون لدرجة أنه كان من المستحيل العيش فيه لسنوات طويلة بعد أن كان منطقة خصبة.
  • في وقت لاحق غادر السكان الصربيون كوسوڤو وحل محلهم عدد كبير من الألبان (الأرناؤوط) الذين ما زالوا يعيشون هناك.
  • على الرغم من أن الصرب لم يشاركوا في معركة قوصوه الثانية، إلا أن هذه المعركة ساهمت على الأرجح في تشكيل الأسطورة الوطنية الصربية حول معركة قوصوه الأولى.
  • تحققت أسلمة كامل دول شبه جزيرة البلقان خلال القرنين التاليين.

المعركة في التراث الشعبي البلقاني

عدل
تتكون الأغاني الشعبية البلقانية الرثائية عادةً من خمسة عشر إلى ستة عشر مقطعاُ لفظياً (بيتاً)، مع التوقف عند منتصف بيت الشعر السابع أو الثامن، وقطع سَير الإيقاع في منتصف بيت الشعر تقريباً، لتسهيل قراءته وتجميلها بعد المقطع.
—الأغاني الشعبية البلقانية

حُفظت ذكرى هذه المعركة من خلال العديد من الأغاني الشعبية، وخاصة الدالماسية (يقع معظم دالماسيا في كرواتيا الحديثة).

  • يقول الناس في المثل الشعبي: «عانى مثل يوحنا (هونياد) في كوسوڤو» (بالصربية: Страдао као Јанко на Косову). [la 42][33]
  • في الملاحم الشعبية الصربية، يُصور هونياد بشكل مشبوه، إذ تُصوِّر أغنية فلكلورية صربية قديمة عن المعركة هونيادَ بأنه «مُهددٌ للإيمان». في الأغنية الشعبية: يسأل برانكوڤيتش هونياد قبل المعركة ماذا سيحدث بعد انتصار المجريين على العثمانيين قائلاً: «ما مدى إيمانكم بنا؟» ثم يرسل برانكوڤيتش سفيره إلى السلطان مراد بنفس السؤال، فيجيبه السلطان بسؤال آخر: «لقد بنيتُ مسجداً وكنيسة بجوار بعضهما البعض، فمن يريد الذهاب إلى المسجد؟ ومن يريد الذهاب إلى الكنيسة المقابلة له؟». وهكذا، وفقاً لهذه الأغنية الشعبية، فإنها تُلمح بأن هونياد كاثوليكي متعصب يُهدد الصرب بتحويلهم إلى العقيدة الكاثوليكية في حال ما إذا ما انتصر؛ بينما في المقابل يتعهد السلطان مراد بعدم التدخل في اتباع الصرب لمذهبهم الأرثوذكسي. وهذا ما يفُسِّرُ في الملحمة الصربية رفض برانكوڤيتش مساعدة المجريين بأنه أراد أن يُحافظ على مذهب الصرب الأرثوذكسي رافضاً تحولهم إلى الكاثوليكية.
  • رغم أن الملاحم الشعبية التراثية الصربية تظهر موقف الديسپوت الصربي برانكوڤيتش بأنه أراد الحفاظ على الأرثوذكسية، إلا أن هناك أغاني تراثية أخرى تُقدَّمه على أنه «فاسد وجشع وشرير».

تأريخ المعركة

عدل
 
الكاهن الكاثوليكي الإيطالي «يوحنا كاپسترانو» أعلن أن جريج برانكوڤيتش: «كافر وخصم للكنيسة الرومانية».
  • ألقى التأريخ المجري بنمط تقليدي باللوم على جُريج برانكوڤيتش بأنه كان سبب فشل الحملة المجرية التي خرج بها يوحنا هونياد.
  • وفقاً للمؤرخ البيزنطي اليوناني لاونيكوس تشالكوكونديلوس (1430م-1470م) المُعاصر للمعركة، فإن جُريج برانكوڤيتش لم يعتبر الجيش المجري قوياً بما يكفي لهزيمة العثمانيين، فاختار عدم المخاطرة مع الصليبيين بدولته المُستعادة حديثاً بعد أن ردّها له العثمانيون تحت بنود معاهدة أدرنة-سكدين سنة 1444م.
  • اعتبر المؤرخون الصرب أن رفض برانكوڤيتش المسيحي الانضمام إلى جانب الحملة المجرية الصليبية ومولقفه المناوئة لها، كان بسبب قلقه على بلاده.
  • بحسب المعتقدات التأريخية الكاثوليكية، أُعلن جُريج برانكوڤيتش خائناً: «كافراً وخصماً للكنيسة الرومانية» كما دعاه بذلك الكاهن الكاثوليكي الإيطالي «يوحنا كاپسترانو» (24 يونيو 1386م-23 أكتوبر 1456م)(بالإيطالية: San Giovanni da Capestrano)‏ في رسالة إلى البابا كاليستوس الثالث.[la 43]

قاد الكاهن «يوحنا كاپسترانو» حملة صليبية وهو بعمر السبعين مع يوحنا هونياد لرفع الحصار العثماني عن بلغراد عام 1456م،[la 44] فلُقِّب بـ«الكاهن الجندي»، كما لُقِّب أيضاً بـ«آفة اليهود» لتحريضه على العنف ضد اليهود،[la 45] وتوفي في 23 أكتوبر1456م بالطاعون الدملي بسبب الظروف غير الصحية السائدة بين جيوش الصليبيين.[la 44]

 
المؤرخ الإيطالي «أنطونيو بونفيني» (1427-1502م) مؤرخ البلاط المجري الذي كتب مؤلفه المعروف: «تاريخ المجر»، ادعى أن جُريج برانكوڤيتش كشف عن خطط هونياد للسلطان مراد الثاني، وأنه كان يُخبر السلطان يومياً بمستجدات حملة الجيش المجري.

[la 39]

  • بناء على رواية «أنطونيو بونفيني»، لم يدخر المؤرخ المجري «لاجوس كيس» (بالمجرية: Kiss Lajos)‏ أي لعنات إلا وصبّها على الديسپوت الصربي برانكوڤيتش،[la 48] فذكر على سبيل المثال:
  • كما كتب «أنطونيو بونفيني»:
 
الكاتب والمؤرخ والصحفي التركي يلماز أوزتونا، ذكر أن الحرب استمرت ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، وأن الطرفان كانا يملكان المدافع.
  • إسماعيل حقي أوزون تشارشيلي (23 أغسطس 1888م - 10 أكتوبر 1977م) (بالتركية: İsmail Hakkı Uzunçarşılı)‏ أكاديمي ومعلم وسياسي وعضو پرلماني ومؤرخ تركي، ويُعتبر من الأسماء التي قدمت مساهمات مهمة في التاريخ العثماني بدراساته. أرّخ لعدد الجيشين المتحاربين في معركة قوصوه الثانية بقرابة تسعين ألف جندي من ائتلاف الجيوش الصليبية، مقابل قرابة مائة ألف جندي من الجيش العثماني. وهذا التقدير يتوافق مع شراسة المعركة التي استمرت ثلاثة أيام، حيث أنها إحدى أطول الحروب وأكثرها دموية في أوائل العهد العثماني، مخالفاً بذلك المؤرخين الغربيين الذين بالغوا في تقديراتهم ليُوصلوا الجيش العثماني إلى عشرة أضعاف الجيش الصليبي لكي يُبرروا أسباب تلك الهزيمة النكراء، ولو كانت تلك التقديرات صحيحة لانتهت المعركة في غضون أقل من يوم واحدٍ كما هو حال حروب ذلك العصر. وتقييم المؤرخ إسماعيل حقي لجيش الصليبيين يقارب نفس التقييم الذي قدّره المؤرخ الصربي المعاصر والأستاذ الجامعي والمؤلف الأكاديمي فلاديمير تشوروڤيتش (27 أكتوبر 1885م - 12 أبريل 1941م) الذي أرّخ عدد جيش الصليبيين بحوالي سبعين ألف جندي.
  • وفقًا لمؤلفي «تاريخ كمبردج في العصور الوسطى»:
  • ذكر الكاتب والمؤرخ والصحفي التركي: يلماز أوزتونا (20 سبتمبر 1930م - 9 فبراير 2012م)، أن الصليبيون كانوا منقسمين إلى ثمانيةٍ وثلاثين كتيبة، معظمهم لا يعرفون لغة بعض، وأن الكتائب قاتلت بشجاعة وخاصة الكتائب المجرية، وكان الطرفان يملُكان المدافع. كانت تلك الحملة هي المحاولة السادسة والأخيرة للصليبيين لإخراج العثمانيين من البلقان، فتحولوا بعدها إلى موقف المُدافع وليس المُهاجم.

المراجع

عدل
بِلُغاتٍ أجنبيَّة
  1. ^ ا ب ج Mureşanu, Camil، Camil (2001). John Hunyadi: Defender of Christendom. The Center for Romanian Studies. ص. 123 القبض عليه في الأفلاق، 144 وصاية العرش، 187-188 معاهدة إطلاق سراحه من الصرب. ISBN:973-9432-18-2. مؤرشف من الأصل في 2024-08-09.
  2. ^ Mureşanu (2001), p. 111.
  3. ^ ا ب ج د ه و Teke, Zsuzsa، Zsuzsa (1980). Hunyadi János és kora [John Hunyadi and his Times] (in Hungarian). Gondolat. ISBN:963-280-951-3.
  4. ^ ا ب ج د ه و ز Szalay József[венг.] (1895. (венг.)). Baróti Lajos. 3. Kormányszünet. – Hunyadi János kormányzósága. (1444–1452.) A magyar nemzet története: Magyarország története a vegyes házakból származott királyok korában. تاريخ الأمة المجرية: تاريخ المجر في عصر الملوك من البيوت المختلطة. Lampel Róbert (Wodianer F. és fiai),. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (مساعدة) وline feed character في |عنوان= في مكان 77 (مساعدة)صيانة الاستشهاد: علامات ترقيم زائدة (link)
  5. ^ Pór (1873), p. 161.
  6. ^ اكتب عنوان المرجع بين علامتي الفتح <ref> والإغلاق </ref> للمرجع :2
  7. ^ ا ب ج Cartledge, Bryan، Bryan (2011). The Will to Survive: A History of Hungary. C. Hurst & Co. ISBN:978-1-84904-112-6.
  8. ^ Miklós Molnár (2001). A concise history of Hungary. Internet Archive. Cambridge University Press. ISBN:978-0-521-66142-3.
  9. ^ Molnár, Miklós (2001). A Concise History of Hungary. Cambridge University Press. ISBN:978-0-521-66736-4.
  10. ^ Learn Islam Pdf English Book The Ottoman Centuries The Rise And Fall Of The Turkish Empire (بالإنجليزية). p. 92-93.
  11. ^ ا ب Sedlar, Jean W. (1 Mar 2013). East Central Europe in the Middle Ages, 1000-1500 (بالإنجليزية). University of Washington Press. ISBN:978-0-295-80064-6. Archived from the original on 2024-07-26.
  12. ^ Connolly, Peter; Gillingham, John; Lazenby, John (13 May 2016). The Hutchinson Dictionary of Ancient and Medieval Warfare (بالإنجليزية). Routledge. ISBN:978-1-135-93681-5. Archived from the original on 2024-07-27.
  13. ^ Istorija srpskog naroda: Doba borbi za očuvanje i obnovu države 1371-1537 (بالصربية). Srpska knjiiževna zadruga. 1892. Archived from the original on 2024-07-27.
  14. ^ Димитров Г. (1908). Сражението при Варна въ 1444г. // ИВАД / С. 7—47. (болг.). Варненско археологическо дружество. — Варна: Зора,.{{استشهاد بكتاب}}: صيانة الاستشهاد: علامات ترقيم زائدة (link)
  15. ^ Wikipedia, Source (2013-09). Battles of the Ottoman-Hungarian Wars: Battle of Breadfield, Battle of Buda (1686), Battle of Köbölkút, Battle of Kosovo (1448), Battle of Mohács, Bat (بالإنجليزية). General Books. ISBN:978-1-230-83623-2. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (help)
  16. ^ Varna (1444), İkinci Kosova (1448) meydan muharebeleri ve II. Murat (بالتركية). Kültür ve Turizm Bakanlığı. 1987.
  17. ^ ا ب ج د Teke, Zsuzsa (1980). Hunyadi János és kora (بالمجرية). Gondolat. ISBN:978-963-280-951-9. Archived from the original on 2024-07-27.
  18. ^ "The late medieval Balkans : a critical survey from the late twelfth century to the Ottoman Conquest / John V.A. Fine, Jr". HathiTrust (بالإنجليزية). Retrieved 2024-07-26.
  19. ^ Fine، John V. A. (John Van Antwerp) (1987). The late medieval Balkans : a critical survey from the late twelfth century to the Ottoman Conquest. Internet Archive. Ann Arbor : University of Michigan Press. ISBN:978-0-472-10079-8.
  20. ^ Engal, Pal; Engel, Pal; Ayton, Andrew; Engel, Pál (22 Jul 2005). The Realm of St Stephen: A History of Medieval Hungary, 895-1526 (بالإنجليزية). Bloomsbury Academic. ISBN:978-1-85043-977-6. Archived from the original on 2024-07-27.
  21. ^ ا ب ج Pálosfalvi, Tamás (24 Sep 2018). From Nicopolis to Mohács: A History of Ottoman-Hungarian Warfare, 1389-1526 (بالإنجليزية). BRILL. ISBN:978-90-04-37565-9. Archived from the original on 2024-07-27.
  22. ^ فريد 1981، صفحة 158
  23. ^ ا ب ج د فريد 1981، صفحة 159
  24. ^ ا ب أوزتونا 1988، صفحة 128
  25. ^ Engel، Johan Christian von (1834). Geschichte des ungarichte des ungarischen Reichs. Robarts - University of Toronto. Wien F. Volke.
  26. ^ "Szalay-Baróti: A Magyar Nemzet Története". mek.niif.hu. مؤرشف من الأصل في 2023-04-06. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-26.
  27. ^ "Vladimir Corovic: Istorija srpskog naroda". www.rastko.rs. مؤرشف من الأصل في 2014-09-24. اطلع عليه بتاريخ 2024-07-26.
  28. ^ Hammer-Purgstall, Joseph Freiherr von (1840). Histoire de L'Empire Ottoman (بالفرنسية). Parent-Desbarres. Archived from the original on 2022-10-26.
  29. ^ ا ب ج د Atsız, Hüseyin Nihal (11 Oct 2022). Oruç Beğ Tarihi Üç Osmanlı Tarihi (بالتركية). Ötüken Neşriyat. ISBN:978-975-437-869-6. Archived from the original on 2024-07-26.
  30. ^ Turnbull، Stephen R. (2003). The Ottoman Empire, 1326-1699. Internet Archive. Oxford : Osprey. ISBN:978-1-84176-569-3.
  31. ^ ا ب Sedlar، Jean W. (1994). East Central Europe in the Middle Ages, 1000-1500. Internet Archive. Seattle : University of Washington Press. ISBN:978-0-295-97290-9.
  32. ^ ا ب ج د ه و ز Chalkokondylēs، Laonikos (2014). The histories. Internet Archive. Cambridge, Massachusetts : Harvard University Press. ISBN:978-0-674-59918-5.
  33. ^ ا ب ج د ه و Ćorović Vladimir (1989. (серб.)). Разлаз између деспота и Мађара // Историја српског народа. الانقسام بين الفويفود والهنغاريين. Beogradski izdavačko-grafički zavod,. {{استشهاد بكتاب}}: تحقق من التاريخ في: |سنة= (مساعدة) وline feed character في |عنوان= في مكان 59 (مساعدة)صيانة الاستشهاد: علامات ترقيم زائدة (link)
  1. ^ ا ب ج د ه Britannica.
  2. ^ Frashëri 2002، صفحة 160-161
  3. ^ Vaughan 1954، صفحة 62
  4. ^ Sedlar 1994، صفحة 393
  5. ^ Babinger 1992، صفحة 53-54
  6. ^ ا ب ج د Ćorović 1989
  7. ^ ا ب ج د ه Bánlaky 1929، صفحة 336
  8. ^ ا ب ج Engel 1834، صفحة 440
  9. ^ ا ب ج Cambridge Medieval History 1923، صفحة 573
  10. ^ ا ب ج د Kiss 1895، صفحة 157—181
  11. ^ Setton 1997، صفحة 100
  12. ^ Beyaz Tarih 2019
  13. ^ ا ب Emecen 2012، صفحة 527-530
  14. ^ Bánlaky 2001
  15. ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ي يا يب يج Ferrant 2021
  16. ^ Bánlaky 1929
  17. ^ Kiss 1895، صفحة 33
  18. ^ Cambridge Medieval History 1923، صفحة 573-574
  19. ^ ا ب Pál 2008، صفحة 187–210
  20. ^ Rogers 2010، صفحة 471
  21. ^ Pálosfalvi 2018، صفحة 166
  22. ^ Pálosfalvi 2018، صفحة 125
  23. ^ ا ب ج د Kiss 1895، صفحة 158
  24. ^ ا ب ج د ه و ز ح ط ي يا يب يج Kiss 1895، صفحة 170
  25. ^ ا ب Antoche 2017، صفحة 273
  26. ^ Babinger 1992، صفحة 55
  27. ^ Antoche 2017، صفحة 283
  28. ^ Hammer-Purgstall 1840، صفحة 210-211
  29. ^ ا ب Uzunçarşılı 1988، صفحة 390-391
  30. ^ Antoche 2017، صفحة 253
  31. ^ Turnbull 2003، صفحة 36
  32. ^ Sedlar 1994، صفحة 248
  33. ^ ا ب Hammer-Purgstall 1840، صفحة 211
  34. ^ ا ب Engel 1834
  35. ^ Szalay-Baróti 1895
  36. ^ ا ب Cezar 2010، صفحة 342
  37. ^ ا ب ج د ه Bánlaky 2001
  38. ^ ا ب Pálosfalvi 2018، صفحة 177-178
  39. ^ ا ب ج Szalay-Baróti 1895
  40. ^ Нешри
  41. ^ Molnár 2001، صفحة 65
  42. ^ Corovic
  43. ^ Maksimović 2014، صفحة 153
  44. ^ ا ب Foley 2016
  45. ^ Gottheil 1908، صفحة 554
  46. ^ Britannica2 2015
  47. ^ Pálosfalvi 2018، صفحة 155
  48. ^ Kiss 1895، صفحة 26

ثبت المراجع

عدل

باللُّغة العربيَّة

عدل

بِلُغاتٍ أجنبيَّة

عدل

روابط خارجية

عدل