مستخدم:Souad belhoucine/ملعب
مقدمــــة :
تقع مدينة ابزو بين خطي عرض32° و15, 32° شمال خط الإستواء، وبين خطي طول °7 و 15 °7 غرب خط غرينتش، على الطريق الرابطة بين مركز واد العبيد " إمداحن" وفم الجمعة، على بعد 5 كيلومترات من الطريق الرئيسية الرابطة بين بني ملال ومراكش انطلاقا من واد العبيد وهي جماعة قروية تابعة لإقليم أزيلال. تتمتع ابزو بموقع جغرافي عند قدم الجبل وتزخر بموارد مائية هائلة مما أدى إلى انتشار زراعات مختلة بها. وتعتبر من أقدم المدن التاريخية بالمنطقة، حيت جاء ذكرها في وصف إفريقيا للحسن الوزان، كما استقبلت هجرات كثيرة يهودية وعربية وأندلسية.
المحور الأول: ابزو المجال والسكان قديما وحديثا:
1ــ التسمية:
كلمة ابزو التي تنطق اليوم بتسكين الباء وضم الزاي وإهمال الواو، عند تتبع جذرها اللغوي فإننا نجد لها عدة تأويلات تبقى في مجملها غير مقنعة ودقيقة.
ــ ففي إحدى المخطوطات الموجودة بالخزانة الخاصة بعائلة المنصوري( قاض سابق للبلدة في عهد الحماية) "أن واضعه وضعه كما وضع صفرو ودبدو وسبو، وربما يكون مأخوذا من البز أي الحرير الذي كان يصنع بها قديما"[1]، وهو تفسير ينطلق من خلفية اشتهار البلدة بصناعة النسيج، وخاصة الجلباب البزيوي المنتوج الأساس الذي اشتهرت به البلدة قديما وحديثا.
ــ ورأي آخر يقول بأن: لفظة"ابزو" هي تحوير لكلمة:"أَزْبُو" تسكين الزاي، (ضم الباء، وإهمال الواو)، وتعني باللهجة الأمازيغية المحلية: إسرق.
ــ أما من خلال الدليل الموسع لأعلام حضارة بلاد ما بين النهرين فسرت لفظة:"ابزو" بأنها اعتقاد قديم عند سكان ما بين النهرين، ويقصد به مياه القمر التي كانت تغمر الأرض في البدء، وهو مصطلح أكادي قديم يمثل كتلة السماء والأرض المحاطتين بمياه البدء1.
كما وردت كلمة "ابزو" في أسطورة الخلق العراقية زمن سومر، وهو اسم لمعبد الإله "أنكي" المسمى "ابزو"، وقد تم تصويره على شكل محيطات من المياه العذبة، في جوف الأرض يسكن فيه الإله "أنكي" إله الخصب والعذوبة ومانح الخصب[2]، هذا ومن جملة ما جاء في كتاب " الجغرافيا" لابن سعيد المغربي عن مدينة ابزو التي حدد موقعها شرق القسطنطينية بقوله:" وعلى شرقي مدينة ابزو، وبها فم ابزو، وهي للخريطة، وهم النصارى الذين لا يحلقون لحاهم"[3].
وصفوة القول فإن لفظة "ابزو" التي تحيل على المجال المدروس، هي قديمة جدا وكان الحسن الوزان من الأوائل الذين تعرضوا لها من خلال كتابه:"وصف إفريقيا" وذلك بعد قيامه بزيارتها سنة 921هـ.
2 ــ الموقـــــــع:
حدد الحسن الوزان موقع ابزو من خلال كتابه "وصف إفريقيا"، في إطار جغرافي واسع سماه آنذاك ببلاد هسكورة، وذلك بقوله تبتدئ بلاد هسكورة من التلال المتاخمة لدكالة غربا لتنتهي شرقا عند نهر تانسيفت في سفح جبل أنماي وتتاخم شمالا وادي العبيد الفاصل بين هسكورة وتادلا، كما تفصل دكالة وتلالها هذه الناحية عن البحر المحيط[4]، كما نجد تحديدا آخر ورد عند التقي العلوي مفاده أن مجال هسكورة يقع بين بلاد المصامدة غربا، وبلاد صنهاجة أو ازناكا شرقا، ولاحظ أن حدودها أخذت تتقلص وتنكمش مع مرور الزمن باحتلال السراغنة والرحامنة للجزء الغربي من التراب الهسكوري لتحل محلها مقاطعة أزيلال حاليا[5].
وقد سبق لأبي بكر المكنى بـ"البيدق" أن قسم هذا المجال إلى قسمين:هسكورة القبلة وهسكورة الظل، كما ذكر من بين أفخاذ هسكورة الظل: هنتيفة أو انتيفة[6] .
ولا تزال قبيلة انتيفة معروفة حتى اليوم تضم كل من تنانت وفم الجمعة وابزو وأيت تكلا.
وتقع ابزو- التي تكتب أيضا بدون ألف (ابزو)- ضمن المجال التقليدي للهساكرة، كدائرة من دوائر عمالة أزيلال، ضمن مؤخرة الأطلس المتوسط جنوب غرب مدينة بني ملال[7]، حيث تطل من مرتفعات التلال المحاذية للضفة اليمنى لواد العبيد كما تمر بها الطريق الثلاثية المؤدية من تنانت نحو الطريق الرئيسية الرابطة بين فاس ومراكش.
3 ــ التضاريس والمناخ وأثرها على الاستقرار البشري قديما وحديثا بابزو:
أــ قديمـــا:
يتميز الوضع التضاريسي لبزو بالوعورة الشديدة بسبب تضرسها وذلك رغم ارتفاعاتها المتوسطة (500إلى 600 متر)، وهذا ما وفر لساكنة المنطقة فيما سبق موقعا محصنا من هجمات الغزاة، كما أن وجود مجموعة من العيون بالمنطقة وفر للساكنة مصادر مائية ذاتية وجنبهم عبء الصراعات القبلية التي تنشب حول الماء، أما فيما يخص مناخ المنطقة فقد تميز فيما سبق بالرطوبة النسبية وهذا ما يفسر تعاطي الساكنة لصناعة النسيج البزيوي الذي تعرف به المنطقة والمرتبط ارتباطا وثيقا بوجود أشجار التوت الذي تقتات عليه اليرقات، فضلا عن شهرة المنطقة بإنتاج مجموعة من الخضروات والفواكه التي لا يمكن أن تزرع وتثمر إلا إذا وجدت ظروفا مناخية ملائمة. كل هذا شكل مناخا ملائما للاستقرار بالمنطقة مع صعوبة تحديد البدايات الأولى لهذا الاستقرار إلا أننا نستشف من كلام محمد بن الحسن الوزان أن الظروف المناخية كانت مهيأة لاستقرار العنصر البشري في مجال هسكورة عامة وعلى رأسها البزيويين، من خلال عقده لمقارنة بين ساكنة المنطقة وساكنة تادلا :"أهل هسكورة أكثر تمدنا من أهل دكالة"[8] مما يدل على أن مناخ المنطقة وتضاريسها وفرا ظروفا ملائمة لحياة رغيدة يطبعها طابع المدنية التي لا تقتصر في عيشها على شظفه من الضروريات وإنما تتجاوزه إلى الكماليات، عكس المناطق التي الجافة التي يؤثر فيها جفاف المناخ على الساكنة وذلك من خلال إعطاء الأولوية للضروريات على حساب الكماليات.
ب ــ حديــثا:
إذا كانت تضاريس المنطقة الوعرة نسبيا عاملا إيجابيا على الاستقرار بالمنطقة في السابق، فإنها اليوم تشكل تحديا كبيرا أمام السكن والتعمير، فإذا كانت هذه الوعورة قد منعت وحصنت المنطقة من الغزاة الطامعين في المجال البزيوي، فإنها اليوم باتت عاملا معرقلا للتنمية الشاملة بالمنطقة، مما أدى إلى إفراغها من ساكنتها وخاصة من طاقاتها الشابة المعول عليها للنهوض بالتنمية المحلية، وذلك عبر الهجرة بشقيها الداخلي والخارجي، كما أن هذه التضاريس الوعرة إذا ما أضفنا إليها التهميش الذي تتعرض له المنطقة من قبل سياسات التنمية التي يكاد مصطلح "ابزو" أن يكون فيها منعدما، إذا ما استثنينا بعض المشاريع الصغرى التي لا تقدم ولا تأخر، هذان العاملان يحولان دون توسع المدينة في مجالها بشكل متوازن نظرا لغياب تهيئة المجال من قبل السلطات المحلية وهذا ما يطرح بدوره إشكالية التنمية بالمنطقة، ويهدد استقرار الإنسان البزيوي في مجاله التاريخي ويطرح بالتالي عراقيل جمة تحول دون المحافظة على تراث المنطقة عامة، والتراث المعماري على وجه الخصوص.
أما فيما يخص المناخ فعلى عكس الرطوبة التي ميزت مناخ ابزو في السابق، فهو اليوم شبه جاف يتميز بتساقطاته الضعيفة وارتفاع حرارته خلال فصل الصيف حيث تتعدى في بعض الأحيان 45 درجة، مما ينعكس على أنشطة السكان المحليين التي تتركز أساسا على القطاع الفلاحي الذي يرتبط ارتباطا وثيقا بالتساقطات المطرية، خاصة إذا علمنا أن هذا القطاع يتسم في المنطقة بطابعه التقليدي وهو موجه أساسا للاستهلاك المحلي، وهذا ما يجعله أكثر تأثرا بالتساقطات المطرية سواء بصفة مباشرة بالنسبة للزراعة البورية، أو غير مباشرة فيما يتعلق بالزراعات المسقية المعتمدة أساسا على مياه الأمطار والآبار والوديان التي تتأثر بدورها بموجات الجفاف التي تأثر على معدلات صبيبها.
كل هذا التحول الذي طرأ على مستوى أساليب الحياة، وكذا التغيرات المناخية بالمنطقة سيؤدي لا محالة إلى تغيرات بنيوية عميقة على مستوى حياة السكان وبنياتهم الاجتماعية وأنشطتهم الاقتصادية وكذا تحولات تمس الاتجاهات الجديدة لظاهرة الهجرة.
المحور الثاني: ابزو، التاريخ والسكان :
عدل1ــ نبذة تاريخية عن ابزو:
إن انتماء حاضرة ابزو إلى مجال جغرافي وتاريخي هو مجال هسكورة، فرض عليها نسج علاقات مع هذا المجال الجغرافي وبصم هذا التاريخ بخصوصياتها الإثنية والدينية والتاريخية والاقتصادية والاجتماعية لتكون حاضرة ومساهمة في تاريخ المغرب عبر احتكاكها وتفاعلها مع مختلف الحضارات المحلية والوافدة، وكذا مختلف القوى التي تولت زمام الحكم سواء مركزيا أو محليا.
وقد تناولت عدة مصادر تاريخية واجتماعية... منطقة ابزو بالتأريخ والكتابة التي اتسمت بتغطيتها لمجال أوسع من المعلومات التي تهم حقولا معرفية عدة وعلى رأسها حقل التاريخ الذي يجد فيه الباحث في تاريخ المنطقة مادة دسمة تهم مختلف الحقب التاريخية التي كانت فيها ابزو إما مؤثرة أو متأثرة، في مركز الحدث أو في هامشه.
فبالعودة إلى الفترة الرومانية نجد أن المصادر التاريخية تتحدث عن وصول الرومان إلى منطقة هسكورة واحتكاكهم بأهلها، منهم لوركي الذي لم يستبعد أن يكون القائد "فارسكان"، قد استنجد بفرسان من منطقة دمنات، أثناء الانتفاضة الكبرى في شمال إفريقيا ضد الرومان سنة 253م...[9]، ومع وصول الفاتحين الأوائل إلى المغرب بقيادة عقبة بن نافع سنة 62هـ/683م، وقيادته لفتوحات داخل المغرب " أطاعته بعض بطون هسكورة ولم يقاتلوه...ولما قفل راجعا مر على قوم لم يسلموا من هسكورة بموضع "ألزم" ببلد هسكورة فقاتلهم عقبة حتى قتل من أصحابه جملة كثيرة"[10].
وخلال الفترة الإدريسية تذكر المصادر التاريخية أن منطقة هسكورة عمها الإسلام وهو الأمر الذي يبرر وجود أنصار وأتباع للأدارسة بالمنطقة، وهو الأمر الذي حدا بعيسى بن إدريس أن يختار قبيلة من المنطقة لينزل بها، وهي قبيلة تسقى[11]، كما أن الوجود البورغواطي الذي أسس له بالمغرب رجل يهودي يدعى صالح بن طريف البورغواطي (مابين 150هـ و400هـ) لم تكن تأثيراته مجال هسكورة عامة وابزو على وجه الخصوص، لتأتي بعد ذلك مرحلة اجتثاثه التي احتلت فيها المنطقة موقع الريادة.
ومع وصول المرابطين للحكم شكلت المنطقة بموقعها الاستراتيجي أهمية كبرى في تحركات المرابطين لإخضاع باقي المناطق الواقعة بالأطلس فكانت البداية من دير الأطلس الآهل بالسكان ، والغني بالمياه النابعة من الأطلس في أحواض تاساوت، ووادي العبيد والواد الأخضر ، والتقى الغزاة مع فلول زناتة بني يفرن بسهول تادلا، فهزمت زناتة وحلفاؤها واعتصموا بالجبال[12]. ولا شك أن ابزو حظيت باهتمام الرابطين لموقعها الاستراتيجي وباعتبارها سوقا تجارية مهمة في منطقة هسكورة، خصوصا إذا علمنا أن تجار المدينة كانوا يمارسون التجارة حتى السودان ، كما أشار إلى ذلك الحسن الوزان عند زيارته لهذه المدينة مع بداية القرن السادس عشر[13]، وبالانتقال إلى العصر الموحدي فكون علاقة المرابطين مع المنطقة كانت علاقة نفور وفي أحسن الأحوال اتسمت بالفتور، فإن علاقة الموحدين معها كانت علاقة نصرة على اعتبار أن العصبية المصمودية كانت أساس الدولة الموحدية وهساكرة ابزو هم جزء لا يتجزأ من النسيج المصمودي، إذا فالمنطقة خضعت مباشرة لحكم الموحدين سنة 1132م، ولأن الدولة الموحدية تبنت المذهب العقائدي المهدوي المتأثر بالطقوس الشيعية، فإن كثيرا من الطقوس الشيعية، بصورة أو بأخرى، لا تزال حاضرة في عادات وتقاليد أهل ابزو[14].
مع مجيء المرينيين (656هـ- 875هـ/1258م- 1470م)، كان أول اتصال تم بين الهساكرة والمرينيين عندما قام يعقوب بن عبد الحق المريني بحملته على عرب الخلط. وقد جاء في كتاب الأنيس المطرب:"أن يعقوب بن عبد الحق، عند دخوله فاس سنة 656هـ/1286م، ارتحل عن وادي أم الربيع إلى ناحية تادلا، فغزا بها عرب الخلط وسبى حريمهم وأموالهم، ورجع عن تادلا، فنزل وادي العبيد، فأقام هناك، أياما ثم غزا صنهاجة وسباها وأقبل يدور في أحواز مراكش[15]. وبعد المرينيين جاء خلفاءهم (الوطاسيين)، الذين شكل عهدهم استمرارية للعهد المريني، وذلك بانتشار حياة الرعي والانتجاع التي عمت مناطق هسكورة وخاصة ابزو.ومع ذلك فقد عرفت ابزو زمن الوطاسيين ازدهارا عظيما لا تزال الذاكرة الشعبية تحتفظ ببعض التأثيرات التي خلفها الوطاسيين في نفوس البزيويين نذكر من بينها المثل البزيوي القائل:"من بني وطاس ما بقات ناس"[16].أما فيما يخص العهد السعدي (961هـ- 1069هـ/1559م- 1659م)، فقد استأثرت المنطقة في عهد أحمد المنصور الذهبي بعناية خاصة فعم مدينة ابزو استقرار سياسي ورخاء اقتصادي، مما سيؤدي إلى إنعاش التجارة وخاصة البعيدة المدى مع السودان الغربي، مما أدى إلى استفادة البزيويين من الوضع خاصة بعد غزو أحمد المنصور الذهبي للسودان، نظرا لكون سكان المجتمع البزيوي تجار بامتياز، وذلك بشهادة كل من الحسن الوزان ومارمول كاربخال، غير أن العهد السعدي لم يكن كله رخاء واستقرار، بل ستعرف معه ابزو بعض القلاقل الناجمة عن تغير أصاب البنية الديمغرافية بعد هجرة السكان الأصليين في مقابل استيطان قبائل عربية مهاجرة كبني هلال، الكيش، واعريب، درعاوة،...التي دخلت إلى المجال البزيوي وذلك مباشرة بعد وفاة أحمد المنصور الذهبي حيث دب النزاع على الملك بين أبنائه الثلاثة.
ومع انتقال زمام الحكم من السعديين إلى العلويين، كان أول لقاء بين الهساكرة والعلويين عن طريق حملة المولى الرشيد، فبعد وفاة المولى علي الشريف خرج المولى الرشيد من تافيلالت، فمر من تودغة، ودمنات قبل التحاقه بزاوية الدلاء[17]. ليتولى قيادتها منذ ذلك الحين قواد كبار تناوبوا على زمام الحكم فيها يتبعون السلطة المركزية في فاس، أما ابزو في هذه الفترة فقدت الكثير من زخمها وازدهارها التجاري وعادت دواوير متفرقة هنا وهناك، ولم تكن قط مستقلة فمرة تتبع لدمنات وأخرى لتادلا وثالثة للسراغنة إلا أن المنطقة بدأت تفقد بعد ذلك مكانتها المرموقة اقتصاديا واستراتيجيا...،إلا أن إشعاعها الصوفي الذي تميزت به من قبل استمر، فاستقبلت العديد من رجالات التصوف والتربية والسلوك، كالولي الصالح الصغير بن المنيار، كما أسس الشرقاويون زاويتهم بدوار بال ...
وهكذا إلى أن جاءت فترة الحماية ذلت تفقد الحاضرة البزيوية الكثير من رونقها وإشعاعها الذي تميزت به في السابق.
وإجمالا فإن كل هذه الحضارات والدول التي تعاقبت على حاضرة ابزو خاصة، والمجال النتيفي والهسكوري عامة،قد تركت بصمات واضحة في تاريخ هذه المدينة بشقيه المادي وغير المادي، وعلى رأسها العمارة التي تكاملت وتنوعت واختلفت بتكامل وتنوع واختلاف الخلفيات والمرجعيات والإثنيات التي استوطنت الحاضرة.
2ــ السكان: أصولهم وتأثيراتهم:
أــ السكان الأوائل:
يكاد يتفق المؤرخون في نسبة سكان ابزو للعنصر الأمازيغي، وجرت العادة على تقسيم الأمازيغ أو البربر إلى بتر وبرانس، وبالعودة إلى كتب التاريخ نجد أن القبائل الأمازيغ التي اتسمت بأهمية كبرى في توجيه تاريخ شمال إفريقيا وخاصة المنطقة المغاربية منها هي:"صنهاجة ومصمودة وكتامة"[18]، كما نجد أن قبائل أوربة هي فرع من المصامدة انتشرت على امتداد سهول وادي العبيد، ولا يستبعد أن يكون السكان الذين أسسوا حاضرة ابزو من هذه القبيلة، ولعل ما يؤكد ذلك قول عبد العزيز بن عبد الله وهو يحدد المجال الجغرافي الذي انتشرت فيه برابرة البرانس الذين تعد أوربة منهم هي قبيلة كسيلة الشهيرة...عقبها اليوم في سهول وادي العبيد[19] .
ومن المؤرخين من يرى أن مجال هسكورة عامة سكنه قبل المصامدة غيرهم، وعلى العموم فإن ابزو تنتمي على الأقل في العصور المتأخرة إلى قبيلة هسكورة كبرى القبائل الأمازيغية بالمغرب وهي اتحادية قبائل كانت تعرف نفس نمط العيش، وتتحرك حركة واحدة[20].
خلف تفكك اتحادية هسكورة أثرا بالغا على ساكنة المنطقة عامة وسكان ابزو على وجه التحديد، هذا التفكك والاختفاء قال عنه أحمد التوفيق:" أن صيرورة اختفاء هذه المجموعات البرى، وكذلك العوامل الحاسمة في اضمحلالها غير واضحة"[21]
هناك أسباب عدة أدت إلى حدوث هجرات جماعية، فحلت مجموعات بشرية محل المجموعات الأولى وإذا حاولنا أن نلقي الضوء على الكيفية التي حدث بها ذلك أمكن إرجاعها إلى أسباب عدة منها:
ــ وباء القرن السابع عشر الذي ضرب ودمر تادلة ودمر قبائل كانت تسكن مجال هسكورة، واضطرت كثير من الأسر والقبائل إلى الهجرة.
ــ النزاعات المختلفة على المجال الطبيعي بين القبائل تسفر عن طرد بعضها بعضا.
ــ الدولة المغربية كانت تقوم بإجراءات نقل جماعية لفرق صغيرة أو قبائل بأكملها.
ــ تعرض المنطقة لهجرة عارمة لعرب بني هلال من تادلا، وكيش مراكش،واليهود[22].
وهكذا تم تقسيم مجال منطقة ابزو بين سكان أوائل أصليين وآخرين وافدين كما استقطبت منطقة ابزو عناصر أخرى تكونت أساسا من التجار على اعتبار أن منطقة ابزو كانت مركز رواج تجاري كبير فضلا عن موقعه المتواجد على الطريق التجارية: مراكش- سجلماسة- درعة.
ب ــ السكان الوافدون على الحاضرة ابزو:
إن الموقع الاستراتيجي لبزو ،كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل، جعل من الحاضرة ابزو عبر تاريخها الطويل منطقة مستقطبة للسكان بحكم مناخها الذي كان رطبا في السابق، فضلا عن تضاريسها الوعرة التي جعلت منها مكانا عصيا على الاختراق والتسرب، إضافة إلى الرخاء والتنوع الهائل في أنواع المزروعات والخضر والفواكه التي تزرع بالمنطقة أو يتاجر بها فيها.
ويمكن تصنيف هؤلاء السكان الوافدون كالتالي:
ــ القبائل الصحراويـة:أو أهل القبلة كما يطلق عليهم، وكونوا دواوير خاصة بهم كالنوالة، زالكن، المدرسة، وهذه الفئة هي التي كانت متخصصة في البناء بالمنطقة نظرا لمهارتها إضافة إلى ممارستهم للرعي و الترحال وتدريس القرآن.
ــ العنصر العربـي: ارتبط هجرة العنصر العربي إلى المنطقة أكثر بقدوم الإسلام.
ــ اليهـود: عمت هجرة اليهود نحو المغرب كافة التراب المغربي إلا أن تركزهم ظل أكثر في مناطق الأطلس الكبير والمتوسط.
ــ الأندلسيـون: ارتبطت هجرتهم نحو المغرب عامة و ابزو بصفة خاصة بمحاكم التفتيش الأسبانية التي لم تستثني اليهود أيضا فقاموا بإجلائهم عن إسبانيا بعد تحالف فردناند وإيزابيلا وخوضهما لما عرف في التاريخ بحروب الاسترداد.
ــ السودانيـون: ارتبط وجودهم بالمنطقة أكثر بتجارة القوافل، التي كانت تجلب العبيد كعبيد للعمل في القصور أو جواري أو يد عاملة، إلا أن أبرز فئة استقدمت هي فئة الجيش الذي بدأ يستقدم أكثر بعد غزو أحمد المنصور للسودان.
ــ التواجد البرتغالـي: تتحدث الرواية الشفوية عن كون البرتغاليين استقروا بمنطقة ابزو، إلا أن الذاكرة الجماعية لا تحتفظ لنا في هذا الصدد إلا على مجرد تخيلات.
[1] - المنصوري أحمد، الأجوبة البزيوية على الأسئلة التطوانية، مخطوط موجود بخزانة عائلة المنصوري بابزو، ص:1، نقلا عن المصطفى فرحات" ابزو محاولة لاستعادة الذاكرة المفتقدة"، ط1 ،2008، مطبعة وليلي، مراكش، ص: 8
1 ـ الدليل الموسع لأعلام حضارة ما بين النهرين، www.almahata.net
[2] - الموسوعة الشاملة للجغرافيا:www.islamport.com
[3] - www.alwarraq.com
[4] -
[5] - التقي العلوي، مقال: "أصول المغاربة"، مجلة البحث العلمي، القسم العربي، ع: 35، 1985، ص ص: 418-434.
[6] - البيدق أبو بكر، نقلا عن: المصطفى فرحات" ابزو محاولة لاستعادة الذاكرة المفتقدة"، ط1 ،2008، مطبعة وليلي، مراكش، ص:11
[7] - المعلمة، الجزء:4، ص: 1232.
- محمد بن الحسن الوزان، وصف إفريقيا، ص: 129[8]
[9] - أحمد التوفيق، المجتمع المغربي في القرن 19، (إينو لتان1860- 1912)، ط: 2، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، سلسلة أطروحات ورسائل، ص: 56.
[10] - صالح بن عبد الحليم، كتاب الأنساب، ص:26، نقلا عن المصطفى فرحات ، " ابزو محاولة لاستعادة الذاكرة المفتقدة"، ص: 44
[11] - شرارة مصطفى، مجلة الإسهام التربوي، مقال :"مشاهير أهل التصوففي ابزو.
[12] - الناصري، الاستقصا، ج: 2، ص: 30.
[13] - نفسه، ص: 102.
[14] - ابن أبي زرع، الأنيس المطرب، ص: 253 .
[15] - دائرة المعارف الإسلامية، ص: 459.
[16] - المصطفى فرحات، ابزو......،م، س، ص: 49.
[17] -أحمد التوفيق، م.س، ص146-147.
[18] - عبد العزيز بن عبد الله، معطيات الحضارة المغربية،ج/2، ص: 10
[19] - ن، م، ص: 11.
[20] - أحمد التوفيق، م .س، ص: 51.
[21] - أحمد التوفيق، م س، ص: 81.
[22] - المصطفى فرحات،م.س، ص:23- 24.