مستخدم:Nouhaila Salah/ملعب
المقاولات الثقافية: رؤية تثمينية مغايرة للتراث الثقافي المغربي
عدلإن مقاربة موضوع التراث الثقافي خاصة منه المغربي يطرح علينا التريث استناداً إلى الشرط العلمي وحتى نحتكم إلى الموضوعية، كونه أولا يعنى بحضارة إنسانية ممتدة في الزمان والمكان، وتكتنفه الخصوصية بالإضافة إلى كونه شكل موضوعا لجملة من الكتابات التاريخية والفلسفية والأدبية والسوسيولوجية والأنثروبولوجية المحلية منها والوطنية داخل مجتمعنا المغربي، والعالمية أيضا بمختلف اللغات، ولعل الإشكالية الأساسية التي حاول الوقوف عندها جل الباحثون والباحثات، تجلت في التعريف بالتراث وتثمنه والحفاظ على خصوصياته، وخصوصاً في الراهن في ظل مجتمع معولم، كونه يعكس الذاكرة الجماعية المشتركة بين المجتمعات الإنسانية.
نلاقي في مقاربتنا أن المغرب عرف مند القدم بحكم موقعه عند ملتقى كل من حوض البحر الأبيض المتوسط وقارتي إفريقيا وأروبا تعاقباً وتمازجاً للحضارات قل أن يوجد به التاريخ والجغرافيا. وقد ورث المغرب من ماضيه هذا تراثاً ثقافيا متعدد المشارب ومعترفاً بتنوعه وغناه على المستوى العالمي، هذا التراث الذي يعتبر رمزاً للهوية وعنصراً أساسيا لذاكراتنا، وحاملا لمبادئنا وقيمنا المشتركة وقابلا للنقل إلى الأجيال القادمة[1].
وفي هذا السياق أولى المغرب، تاريخياً اهتماماً قوياً بالتراث، ويعود ذلك إلى 29نونبر 1912، تاريخ نشر الظهير الشريف المتعلق بالمحافظة على المواقع والنقائش التاريخية، ومنذ هذا التاريخ عرف التشريع المغربي تطوراً ملحوظا توج بإصدار مجموعة من النصوص التشريعية، التي تحدد أهمية التراث والأشخاص الذين يمكن لهم إدارته[2].
إذا كان دستور المملكة المغربية قد اعتراف بتلاحم وتنوع مقومات المجتمع المغربي والثقافية، وداعى إلى صيانتها وتثمنيها، فهذا راجع الى الأهمية الكبرى التي تكتسيها الثقافة كونها تراث إ نساني مشترك بين الثقافات. فالمجتمعات التي تسعى إلى التطور والتنمية تنطلق من هويتها وتراثها الثقافي، فالثقافة حسب ميلان كونديرا " هي ذاكرة الشعبية والوعي الجماعي لسيرورة التاريخ: وهي أيضاً طريقة للتفكير والعيش[3].
وقد ارتأينا من خلال مقالتنا أن نحاول التركيز على التراث الثقافي للمجتمع المغربي وفق مقاربة تسعى إلى التعريف به وتثمنيه عن طريق المقاولات الثقافية داخل مجتمعنا المغربي.
في تعريف التراث الثقافي
عدلإن الوقوف عند مفهوم التراث الثقافي يحيلنا إلى العديد من التعاريف باختلاف المرجعيات والسياقات والثقافات، ويمكن القول أن التراث الثقافي هو جزء من الهوية الثقافية للمجتمعات وهو أداة للتنمية المحلية المستدامة.
"فإذا كان الأجداد صنعوه وابتكاره فعلى الأجيال القادمة صونه وانقاده من العوامل التي تساهم في اندثاره. وتثمنيه باعتباره مورثاً ثقافيا يضم العادات والقيم والتقاليد والخبرات المعرفية، بالإضافة إلى المواقع الاثرية والمباني التاريخية. ويعد التراث علماً قائما بحد ذاته حيث يتخذ كتخصص دراسي نظراً لأهميته ومقاربته للعديد من المجالات الفنية، والثقافية المتنوعة، ونشير إلى أن التراث الثقافي يمكن له أن يصبح مورداً للدخل وسيلة للتنمية المجتمعية من خلال تثمنيه والترويج له من خلال مقاولات ثقافية وجلب السياح وطنياً وعالمياً تحقيقاً للتميز الثقافي الإنساني"[4].
ومن بين هاته التعاريف يمكن العودة إلى "جوجن – Goggin"، إذ يراه: أسلوب متميز من أساليب الحياة كما ينعكس في مختلف جوانب الحياة كما ينعكس في مختلف جوانب الثقافة، وربما يمتد خلال فترة زمنية معينة وتظهر عليه التغيرات الثقافية الداخلية العادية ولكنه يتميز طوال تلك الفترة بوحدة أساسية مستمرة"[5].
فالتراث الثقافي يتمظهر في كافة المظاهر المادية من "مآثر ومتاحف ومبان عمرانية وأدوات" واللامادية " "معتقدات وتقاليد وطقوس ولغات وغيرها"، ومن مختلف تشكلات وتنويعات التراث الإنساني، باعتباره الثقافي الممارس والحي والمتنقل عبر الأجيال من خلال حاملي وممارس عناصره الأساسية، فهو مرتبط بهوية مبدعه. ويتمثل بحضوره وتجليه في التطور العمراني والذهني والتاريخي والاجتماعي للأفراد والجماعات والتجمعات والمجتمعات البشرية المعنية به، كونه المعبر عن أصالتها ووجودها وتمايزها على مستوى المجتمعات الإنسانية. فعلاقته جلية بالحقوق، هذا ما دفع المجتمع الدولي من منظمات دولية لمراجعة سبل التعريف به، وأساليب صونه بكافة أشكاله انطلاقا من بنية تشريعية وقانونية والتي تمثلت في صياغة اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي سنة 2003 من طرف منظمة اليونسكو ، وقد حاولت هاته الاتفاقية أن تؤكد أن الثقافة والتراث لا يمكن حصرها في الجوانب المادية الملموسة وحسب، فالثقافة حية ومستمرة في تغيرها وتمتلك في تجلياتها المادية جوهر الحياة والتراث الثقافي كل ما يؤجج المعاني التي تنقلها الشعوب على امتداد الأزمنة وهو ما ندعوه الجانب الحي والمتداول أو الممارس لدى المجتمعات وكل ما يجري تطويره بصفته أحد المكونات الأساسية لهوية المجتمعات البشرية الأصلية وكل ما يبرز تفرده وتميزه مقارنة مع مختلف المجتمعات البشرية الأخرى، هذا بالإضافة إلى أن أي ثقافة إنما تتكون من مجموعة من العناصر المركزية تميزها وتفردها.
ونظراً لأهمية خلق دينامية تراثية نجد الراحل الباحث محمد عابد الجابري انطلق من الحداثة الغربية لنقد التراث أي أنه داعا إلى تحديث التراث ليكون مواكباً للنهوض والتطور التقدم بالمجتمع[6].
حول مفهوم المقاولات الثقافية
عدلشكل مفهوم المقاولة الثقافية استثناءاً خاصاً لدى الباحثين المختصين ويرجع هذا لهيمنة مفهوم المقاولة التجارية في الساحة الفكرية والقانونية، ذلك أن الثقافة هي في أذهان الكثير من الناس تعد نسبياً أمراً بعيد عن المزيدات التجارية واستثمار الثقافي.
وتكمن صعوبة الإجماع على دلالة موحدة للمفهوم المركب " المقاولة الثقافية" في طغيان مفهوم " المقاولة التجارية" بشكل عام، وفي حداثة الوعي بما تمثله المقاولة الثقافية من كيان مزدوج الانتماء للقطاع وصنوه الاقتصادي، إضافة إلى سيادة مفاهيم ربحية تجارية في التدبير المقاولاتي، وأثرها على القوانين والإجراءات الإدارية المعمول بها في ميدان الاقتصاد والتجارة، مما جعل المقاولة الثقافية – إلى جانب انغماسها اليوم في سوق اقتصادية حرة معولمة – تواجه بين الحين والأخر مخاطر مادية وعواقب اقتصادية تنذر بزوالها في غياب قوانين وتنظيمات خاصة لدعم الصناعة الثقافية وتشجيع الإنتاج الثقافي[7].
وفي هذا السياق واستناداً إلى ما تم طرحه يمكن لنا القول أن المقاولة الثقافية كائن اقتصادي – ثقافي بحيث يكون الجانب الأهم في خدمتها أو منتوجاتها له حمولة ثقافية. إنها تتمحور حول الفاعل الثقافي الفنان المبدع، فبدونه لا سبيل للكلام عن اللون الثقافي للمقاولة.
فالمقاولات الثقافية تشمل كافة المقاولات التي تهم قطاعات الثقافة بمختلف تعابيرها وتنوع تجلياتها، مثل التراث الثقافي المادي واللامادي، الفنون الجميلة، المسرح، الموسيقى، الرسم، الخط، والمخطوطات، الزخرفة، ومقاولات الصناعة الثقافية، من اتصال ونشر وتسجيل وتصوير وعرض، ومقاولات السياحة الثقافية، وغيرها من المقاولات التي ترتبط بالشأن الثقافي[8].
أهمية الثقافة ودورها الاقتصادي التنموي
عدلتكتسي الثقافة أهمية كبيرة في التنمية بمختلف جوانبها، من حيث مساهمتها في التنمية الفردية، وتسمح ببناء الهوية المحلية، فضلا عن أن لها بعداً اقتصادياً يكمن في كونها تشكل مورداً اقتصادياً، وذلك من خلال جذب السياح استقطاب الاستثمارات، وتوفير بيئة مناسبة للعمل، الأمر الذي ينعكس بالإيجاب على التنمية بشموليتها من قبيل " خلق مناصب اشتغال جديدة، جلب عملة صعبة إضافية، خلق مؤسسات فنية وحرفية، المساهمة في التنمية" تمويل خزانة الدولة بموارد مالية إضافية.
وفي نفس الوقت، فالثقافة كمفهوم له علاقة بالاقتصاد يتميز بثلاثة أبعاد وهي:
الاقتصاد الثقافي: والذي يتعامل مع المنتج الثقافي كسلعة أو خدمة.
ثقافة الاقتصاد: وهو الذي يتعامل مع السلوك كمؤثر الاقتصاد.
الاقتصاد الإبداعي: وهو الذي يتعامل مع الأفكار الإبداعية في الاقتصاد بهدف تحسنيه أو بناء أنواع جديدة من المؤسسات لم تكن معروفة من قبل.
إذ أن اقتصاديات الثقافة ومن خلال المقاولات الثقافية، تهتم بترويج التراث الثقافي إبداعاً وإنتاجاً واستهلاكاً وتوزيعاً. فالثقافة ليست عاملا فقط للنمو، بل هي محرك أساسي للتنمية[9].
رؤية عملية لتسويق التراث من خلال المقاولات الثقافية
عدليظهر أن الثقافة، في مكوناتها المادية والمؤسسية وفي أبعادها غير المادية والرمزية، التقليدية والعصرية تختزن رأسمالا غنياً ومتنوعاً يفرض وعياً سياسياً ومؤسسياً يعمل على استثماره وتثمنيه، وتجاوز عوامل الهدر الذي تهدده، سواء كان تراثاَ أو إبداعاً. فالأمر ليس ترفاً أو موضوعاً خطابياً، وإنما يتعلق بمكونات الهوية الوطنية، في تعددها للغوي والجهوي والوطني، وبذاكرة مشتركة، وبقيم يتعين اعتبارها في البرامج والمضامين التي يتعين استحضارها في كل السياسات العمومية، ولا سيما في مجالات اقتصاديات الثقافة.
فلا يمكن بأي حال من الأحوال تتبع مثلا جذور التراث الثقافي غير المادي التاريخية، كما هو الحال في نظيره المادي، حيث أن التراث غير المادي عملية تحيا بالامتلاك المستمر والانتقال الدؤوب عبر الأجيال، فتغيره المستمر واحد من خصائصه، فإذا كان لابد من الحفاظ أو صون عنصر ما فإنه من الصعب الإقرار بأي صيغة أو شكل يجب حفظه.
لقد بات فهم المساهمة التي يمكن لتراث الثقافي أن يقدمها للمجتمع والاقتصاد المحلي والوطني أكثر إلحاحاَ، ويعود ذلك إلى الأهمية المتزايدة التي تعطى للتراث ولتبادل المنفعة الناتجة عنه. ونتيجة لوجود ظواهر مثل العولمة والنمو السكاني وضغط التنمية، بدأ قطاع التراث الثقافي ينعكس على العلاقة بين الصون والتنمية المستدامة، وفي هذا الصدد عبرت السيدة إيرينا بوكوفا – مدير عام اليونسكو، في الدورة 18 للجمعية العامة للدول الأطراف في اتفاقية التراث العالمي بقولها: " إن التراث العالمي هو لبنة في بناء السلام والتنمية المستدامة، وهو مصدر الهوية والكرامة للمجتمعات المحلية، وهو ينبوع المعرفة والقوة اللتين ستتم المشاركة بهما[10].
وإذا كان رهانا الأساسي يتبدى في الكشف عن مدى نجاعة المقاولات الثقافية في المساهمة في التنمية عن طريق استثمار التراث الثقافي. فإنه لا يمكن ألا نقر بأنه في المغرب توجد بنيات تهتم بالقطاعات المندرجة ضمن" اقتصاديات الثقافة" من سينما، وإنتاج سمعي بصري. غير أن ضمان انتظام هذه الأنشطة يقتضي وجود بنيات إبداعية مستقرة، تستند إلى مؤسسات تكوين واحتضان وتشجيع مهيكلة، كما يقتضي ضمان انتظام هذه الأنشطة، وفضاءات وأماكن عيش ثقافية تشتغل باستمرار، ونقصد هنا مقاولات ثقافية، تراعي التحول التكنولوجي الراهن بتنظيمها لتكامل بين اقتصاد تقليدي للمنتجات والبنيات الثقافية، أي بين لإرث الثقافي والصناعات الرقمية تماشيا مع واقع التواصل الحديث واستجابة لرهاناته[11].
فالتنمية المستدامة تعتمد في الجزء الأكبر على النمو الاقتصادي المستقر. ويمتثل التراث الثقافي هنا رصيداَ هاماَ لإحداث التغير، فهو يمثل قوة دافعة للتنمية الاقتصادية التي تشمل مجموعة من الأنشطة المادية واللامادية، وتساهم بوجه خاص في تعزيز الاقتصادات المحلية. ويمكن أن يمثل أيضاً، بوصفه تراثاً حياً، مصدراً الايجاد الحلول المبتكرة لمواجهة التغير وأن يساعد في تحقيق التنمية الاقتصادية الشاملة على الصعدين المحلي والدولي.
تسمح هنا المقاولات الثقافية بإدارة التراث الثقافي بطريقة تحافظ على استمراره في أشكال حديثة والترويج له. فالمقاولة الثقافية من شأنها أن تتحول محلياً إلى محرك للمبادرات الإبداعية الخلاقة وإلى استقطاب الكفاءات خصوصاً منها الشبابية التي تتوفر على مهارات كثيرة لا تجد مجالاً لتصريفها وتحويلها إلى منتوج قابل للترويج، كما أن تجمعها في إطار قطب المقاولة الثقافية، يمكن من تعزيز بناء الجاذبية السياحية والاستثمارية للتراث الثقافي، ويدفع نحو تحريك دورة الحركة الاقتصادية، ويمكن من تطوير البنيات التحتية للمجال، وتبقى أهم ميزة لشبكة المقاولات الثقافية هي خلقها لسيرورة تعاونية تكاملية بين حلقات المهن الثقافية داخل المجال الترابي، مما يقوي صورته ومضمون تسويقه بالنظر إلى إبرازها لخصائصها الثقافية صورته ومضمون تسويقه بالنظر إلى إبرازها لخصائصه الثقافية والاجتماعية والديمغرافية[12].
والملاحظ اليوم أن واقع المقاولات الثقافي بالمغرب لا زال يعاني مجموعة من التحديات والتي هي في الغالب متوقفة على الدعم العمومي، الشيء الذي يعيق مساهمتها الفعالة في تدعيم وجود بيئة ثقافية مساهمة في التنمية الاقتصادية للتراث الثقافي وتروجيه، حيث أنه لا توجد إحصاءات حول مؤشرات إنشاء المقاولات الثقافية والتي تختلف في بنائها عن المقاولات الربحية، فهي لم تغط إلى جزءاً بسيطاً من طيف المهن والصناعات الثقافية، ولم تبوؤها السياسات العمومية المتعاقبة بعد مرتبة البؤر الاستثمارية الواعدة، ولا أدل على ذلك من غياب إحصاء دقيق للمقاولات الثقافية على الصعيد الوطني لدى كل المعنيين المباشرين، ومنهم الاتحاد العام لمقاولات المغرب، والمندوبية السامية للتخطيط[13].
رهان تثمين التراث الثقافي عن طريق المقاولات الثقافية
عدلتدعونا هذه الحيثيات إلى لتدارك الأمر والعمل على استثمار هذا التراث الثقافي الذي تزخر به المملكة، وفتح شروط لتمويل المقاولات الثقافية.
فتثمين وتعبئة التراث الثقافي مشاريع تنموية، هو الرهان الحقيقي لضمان وصيانة واستدامة التراث والتنمية داخل المجتمع المغربي. إذ أن تثمين الموارد التراثية الثقافية قد يطال ويؤثر في العديد من القطاعات: السياحية، الفلاحية منتوجات الصناعة التقليدية ذات الجودة العالية ومهارات أخرى. كما أن تعبئة وتثمين التراث الثقافي ضرورة تقتضيها متطلبات صيانة الشخصية المحلية وتقوية الهوية، وكذا دينامية النسيج الاقتصادي المحلي[14].
والجدير أنه مع مرور الوقت، يزداد التنوع الثقافي في الممارسات الثقافية بشكل ملحوظ، وتزداد معه الحاجة إلى فهم إدارته عبر المقاولات الثقافية مواكبة لتغيراته، حتى يتسنى سد ثغرات المعرفة مع كل ثقافة بمختلف تنوعاتها. وهنا تزداد الحاجة الى العناية بالمقاولات الثقافية، ومقاولات صناعة الثقافة والإنتاج الثقافي، للحفاظ على خصوصياته الثقافية، وضمان تنوع تعابيره، حيث أضحى الاقتصاد الذي يركز على الثقافة مجالا متميزا ، لفت اهتمام العديد من الدول الذي أدركت مردوده السياسي والاجتماعي والثقافي والتنموي ومدى مساهمته في تثمين التراث الثقافي للشعوب ، إلى جانب ما يزخر به من حراك وأنشطة ومشاريع مثمرة لتعزيز التنوع الثقافي، والحفاظ على الخصوصية الذاتية، وتحصين الهوية الحضارية، مما يملي واجبات ومهام على مستوى التقنين والتشريع وإعادة النظر في الهياكل الإدارية والإجراءات التنظيمية لمؤسسات ومراكز وإدارات الحقل الثقافي. ويدفع إلى عناية أشمل واهتمام أوسع بتحرك المقاولة الثقافية والتشجيع على إنشاءها والاستثمار من خلالها في الميزات الثقافية للملكة المغربية صوناً لها وحفاظا على طابعه الهوياتي[15].
إن اقتصاديات الثقافة في الراهن تؤشر على واقع تحولات كبرى بفعل الثورة الرقمية، فتطور هذه التكنولوجيا لها انعكاس على الاقتصاد بصفة عامة. ولكن تأثيرها على الصناعة الثقافية بارز أيضاً: فهناك تحول عميق في البنية التحتية وطرق التغطية من حيث السرعة والكمية والأسعار وتعدد الوسائط، والعروض المتنوعة لمقدمي خدمات الأنترنيت، والتغير الجذري لأنماط والإنتاج والاستقبال للمنتوج الثقافي. حيث أن استثمار التراث الثقافي كمشروع تنموي للمقاولات الثقافية، يعكس لنا البناء الذي ينظر إلى التراث ليس فقط كعناصر ثقافية أو سياحية، لكن كإمكانات مهمة لتنمية متجددة تستجيب لانتظارات المواطنين، وكرابط بين مجموعة من الأنشطة الاقتصادية المندرجة قصداً في العصرنة. وهو مسلسل يسعى إلى تركيز المبادرات المحلية في إطار شبكة من الخدمات المتبادلة من أجل خلق تنمية اقتصادية[16]. هذا بالإضافة إلى خلق فرص الشغل المرتبطة بتحسين إطار الحياة والبيئة المحلية.
كما أن المستهلكين بدأوا يبتعدون عن الشكل التقليدي للإنتاج والاستهلاك، كما عملت الرقمنة على تحويل سلاسل الإنتاج بأكملها حيث تم إنشاء مصادر جديدة للقيمة، وتداول المعرفة وظهور فاعلون جدد في الحقل الثقافي[17].
ومن هنا فإن غايتنا من هاته الورقة تجلت في التعريف بالتراث الثقافي والأهمية التي يمكن أن تشكلها المقاولات الثقافية إذا ما عملت الدولة على دعمها، صحيح أن وزارة الثقافة شكلت منعطفاَ حاسما في دعم تثمين التراث الثقافي، لكن مجهوداتها تظل غير كافية لوحدها، لهذا وجب انخراط كافة الفاعلين في هذه الدينامية.
- ^ المملكة المغربية وزارة الثقافة،مذكرة تقديم قانون يتعلق بحماية التراث الثقافي والمحافظة عليه وتثمنيه، الصفحة1.
- ^ المملكة المغربية وزارة الثقافة،مذكرة تقديم قانون يتعلق بحماية التراث الثقافي والمحافظة عليه وتثمنيه، الصفحة1.
- ^ مها كيال ،ما بين الثقافة والتراث الثقافي، مقالات متنوعة (2009-2011)، الصفحة 3.
- ^ د.رتيبة ركملة، محاضرة علمية حول مدخل لدراسة التراث الثقافي، مداخلة منشورة على قناة يوتيوب لجامعة ابن زهر كلية اللغات والفنون والعلوم الإنسانية. https://youtu.be/D5Mh6UczNlI
- ^ الطاهر بوقش، الموروث الثقافي ودوره في خدمة المجتمع، مسرحية (عام الحبل) أنموذجا لمصطفى نطور، منشورات دفاتر، الصفحة 117.
- ^ طلال معلا، التراث الثقافي غير المادي تراث الشعوب الحي، سلسلة أوراق، العدد الرابع مركز دمشق للأبحاث والدراسات، 2017، الصفحة 2 _3.
- ^ منظمة الايسيسكو الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المقاولات الثقافية في الدول الأعضاء، تقرير تم نشره في 1433ه الموافق لسنة 2012م، الصفحة 3
- ^ منظمة الايسيسكو الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المقاولات الثقافية في الدول الأعضاء، تقرير تم نشره في 1433ه الموافق لسنة 2012م، الصفحة 14_15.
- ^ تقرير المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، دراسة حول الاقتصاد الثقافي في الجزائر واقع وآفاق، مارس 2021، الصفحة 7_9.
- ^ إدارة التراث الثقافي العالمي، دليل موارد التراث الثقافي، صدر في شهر تشرين الثاني نوفمبر 2016،عن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة اليونيسكو، الصفحة 20.
- ^ تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، اقتصاديات الثقافة، إحالة ذاتية، رقم 25/2016، الصفحة 49.
- ^ مراد الريفي، الموارد الاقتصادية للثقافة: المقاولات الثقافية كرافعة لاقتصاد الوطني،(3/3)، مقالة منشورة يوم 8يونيو2019. https://aldar.ma/32427.html
- ^ مراد الريفي العلمي، الموارد الاقتصادية للثقافة: المقاولات الثقافية كرافعة لاقتصاد الوطني،(3/3)، مقالة منشورة يوم 8يونيو2019. https://aldar.ma/32427.html
- ^ محمد خالي، ثنائية العلاقة بين السياحة والتراث ودورها في تثمين التنمية المحلية بالمغرب، مجلة دراسات في علوم الإنسان والمجتمع، جامعة جيجل، الصفحة 107_108.
- ^ منظمة الايسيسكو الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المقاولات الثقافية في الدول الأعضاء، تقرير تم نشره في 1433ه الموافق لسنة 2012م، الصفحة 71.
- ^ تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، اقتصاديات الثقافة، إحالة ذاتية، رقم 25/2016، الصفحة 49.
- ^ تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، اقتصاديات الثقافة، إحالة ذاتية، رقم 25/2016، الصفحة 49.