مستخدم:Mohamed Gohar Hamed/ملعب

مشكلة الاختصاص القضائي والتشريعي الدولي الخاص بدعاوى المسئولية والتعويض عن الضرر الواقع على الصحفيين بمناسبة أداء عملهم

عدل

ملحوظه :

عدل
هذا البحث تم تقديمة الى كلية الحقوق جامعة طنطا بجمهورية مصر العربية 

اسم الباحث :

عدل
محمد جوهر حامد .. تحت اشراف الاستاذ الدكتور بليغ حمدي استاذ القانون الدولى الخاص بكلية الحقوق جامعة طنطا ، وتمت مناقشة البحث من قبل الاستاذ الدكتور جمال الكردى استاذ ورئيس قسم القانون الدولى الخاص بكلية الحقوق جامعة طنطا


مقدمة :

عدل

إن من أنبل المهن هي مهنة الصحافة والإعلام بشكل عام فهي ضمير الأمة والعالم ، فالصحفي مهمته الأساسية إظهار الحقيقة لكي يطلع عليها الجميع ويبنى على أسسها مستقبل العالم، وقد لا يروق للبعض إظهار الحقائق فيحاول جاهدا أن يقصف قلم الصحفي ويكسر أدواته أو يخرسه إلى الأبد ، كما حدث مع الصحفي جمال خاشقجي الذي اغتيل في تركيا.

وعلى الرغم من قواعد الحماية المحلية والدولية المقررة للصحفيين تتنامى ظاهرة الاعتداء على الصحفيين ومؤسساتهم الصحفية الإعلامية إلى حد بلغ من الخطورة لا يحمد عقباه ، وتتجاهل العديد من الدول وبعض الأطراف تلك القواعد ، فالأمر لم يعد مجرد اعتداء وحسب ، بل أصبح ظاهرة تكتسي بطابعا منظما وفقا لإستراتيجية غاية في التنظيم في غالب الأحيان ، فهناك الكثير من الصحفيين قتل أو أختطف أو أعتقل بالإضافة إلى قصف المحطات الإذاعية والتلفزيونية أو تدمير المعدات الإعلامية ، وبذلك عدت ظاهرة متنامية في الخطورة منذ العدوان الأمريكي على العراق في العام 2003 الذي أُرخ له بأنه أول أسوأ التجارب التي عرفها الصحفيون كتطرف غير مرغوب فيه سواء في أوقات النزاعات المسلحة أو في أوقات السلم.

و تلك الظاهرة تنمو بوتيرة أسرع في الأراضي المحتلة ، و يتضح ذلك خلال مسيرات العودة التي ينظمها الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ، ولقد كشفت أحداث الحرب الأمريكية على العراق سنة 2003 ، مرورا بالعديد من الحروب وصولا لما يقع في الوطن العربي ومنطقة الشرق الأوسط والعالم من الأحداث رغم اختلاف ما يقع في هذه الدول من أحداث فقد تركت الكثير من المآسي التي لحقت بالصحفيين فسقط المئات منهم بين قتيل وجريح ، وتم اعتقال العديد منهم ، وذلك تعمدا من بعض الأطراف لاستهداف هذه الفئة.

ويجب التفرقة بين نوعين في مجال العمل الصحفي والإعلامي وكذلك بين نوعين من الصحفيين ، فهناك الصحفي المؤسسي الذي يعمل من خلال مؤسسة صحفية أو إعلامية تكفل له الحماية والدفاع عنه ، وهناك الصحفي الحر الذي لا ينتمي إلى مؤسسة صحفية أو إعلامية بذاتها ، كذلك نفرق بين المؤسسات الصحفية الخاصة والمؤسسات الصحفية والإعلامية الحكومية أو العسكرية.

والواقع أن من أبرز المشاكل القانونية الخاصة بدعاوى المسئولية والتعويض عن الضرر للصحفيين بمناسبة أداء عملهم هي مشكلة تحديد الاختصاصين القضائي والتشريعي ، وتلك المشكلة قد لا تثار في غيرها من القضايا ، نظرا لتمتع العمل الصحفي والقائمين عليه بخصوصية سواء في القوانين المحلية أو الاتفاقيات الدولية

. === مبحث تمهيدي

===

أولا : موضوع البحث :

عدل

التصدي لمشكلة الاختصاص القضائي والتشريعي الدولي الخاص بدعاوى المسئولية والتعويض عن الضرر الواقع على الصحفيين بمناسبة أداء عملهم ، ومحاولة إيجاد حلول لتلك المشكلة.

ثانيا : أهمية البحث :

عدل

لم تحظ الحماية للصحفيين ولا تعويضهم بمناسبة أداء عملهم الصحفي بعناية الباحثين والمهتمين عموما بالشئون الإعلامية أو حتى من المهتمين بقوانين الإعلام والاتفاقيات الدولية بشكل عام ، إضافة إلى ندرة ما كتب من مؤلفات وبحوث في مجال حماية الصحفيين وتعويضهم عن الإضرار التي تنجم بمناسبة أداء عملهم في أوقات الحرب وحتى في أوقات السلم. والواقع العملي في العمل الصحفي بشكل عام منذ بداية تطور الصحافة سواء في الصحافة المطبوعة أو الصحافة الإليكترونية وتطور الأداء الصحفي نتيجة الثورة التكنولوجية ، يؤكد تعرض تلك الفئة للإستهداف.

لذا صار من الضروري مواجهة تلك المشاكل الناجمة للصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية في مجتمع دولي تزايدت فيها النزاعات المسلحة وغلبت فيه المصالح الخاصة أيا ما كان ثمن الحفاظ عليها، لإخفاء الحقائق وطمس معالم ما قد يتم كشفه على الصفحات والنوافذ الإعلامية ، وإلقاء الضوء على مشكلة الاختصاص القضائي والتشريعي الدولي الخاص بدعاوى المسئولية والتعويض عن الضرر الواقع على الصحفيين بمناسبة أداء عملهم خاصة مع القصور الشديد في القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية في تلك المسالة.

==== ثالثا : الدراسات السابقة :

====
* مصاب إبراهيم ، وضعية الصحفيين في ظل القانون الدولي مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون فرع القانون الدولي و العلاقات الدولية جامعة الجزائر -  كلية الحقوق - بن عكنون ، (2010-2011) ، وأتت هذه الدراسة على وضع الصحفيين في المواثيق والإعلانات الدولية وكذلك في الاتفاقيات الدولية.
  • عبد القادر حويه ، الحماية الدولية للصحفيين ووسائل الإعلام في مناطق النزاع المسلح ، مزوار للطباعة والنشر والتوزيع ، الوادي ، الجزائر ، الطبعة الأولي ، وركز على الوضع القانوني الدولي للصحفيين ووسائل الإعلام في وقت النزاعات المسلحة مع توظيف مسألة الآليات الوطنية والدولية لتفعيل قواعد الحماية ، وأشار إلى دور بعض المنظمات الدولية الإعلامية في المبادرة بمشاريع لمعاهدات دولية خاصة بالصحفيين.

==== رابعا : نقد الدراسات السابقة :

====

بالرغم من تطرق الباحثين إلى قواعد الحماية الدولية للصحفيين إلا أنهم ركزوا فقط على تلك الحماية في مناطق النزاعات المسلحة ولم يتطرقوا إلى كيفية معالجة مشكلة الاختصاص القضائي والتشريعي الدولي في حالة وجود ضرر واقع على الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية.


=== الفصل الأول : ماهية العمل الصحفي

===

نظرا لأن الصحفيين يلعبون أدوار غاية في الأهمية في زمن السلم لتوعية المجتمع وكشف مجالات الحياة والأحداث سواء على المستوى المحلى أو المستوى الدولي ، لذا يحظى العمل الصحفي بأهمية بالغة في حياة المجتمعات وفى القوانين المحلية والدولية ولهذا حظي الصحفيين بأهمية كبيرة في مجال القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني ، وكذلك دورهم البالغ في أوقات الحرب لنقل الحقائق والأحداث إلى مختلف مناطق العالم ليطلع المهتمين على مجريات الأحداث في أماكن النزاعات المسلحة ، وهذا يقودنا إلى التساؤل .. من هو الصحفي ؟ وما تعريفه في القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والتشريعات المحلية؟ ، وما هو العمل الصحفي في القانون الدولي والاتفاقيات الدولية والتشريعات المقارنة؟ ، إضافة إلى التساؤل الأهم ما هي طبيعة الخطر الذي يتعرض له الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية بمناسبة أداء عملهم؟.


المبحث الأول : تعريف الصحفي والعمل الصحفي في القانون الدولي والاتفاقيات الدولية وبعض التشريعات المختلفة

عدل

إن الاختلاف بين رجال الفقه والقانون حول مدلول الصحفي ناتج عن الاختلاف حول مدلول الصحافة والصحفيين، وانعكس هذا الاختلاف في نطاق القانون الدولي بوجه عام و القانون الدولي الإنساني بشكل خاص.

المفهوم اللغوي للصحفيين : ==== التعريف اللغوي لكلمة صحافي ففي قاموس أكسفورد تستخدم كلمة صحافة بمعنى "press"وهي تشمل الصحفي والصحيفة في نفس الوقت وكل ما هو مرتبط بالطبع والطباعة ونشر الأخبار والمعلومات

فهذا التعريف لا يميز بين الصحفي والصحافة ، مع أن التعريف القانوني لكلمة الصحافة " بأنها كل مطبوع يصدر باسم واحد بصفة دورية في مواعيد منظمة أو غير منظمة متى تحقق فيها شرط الدورية فهي "كل منشور دوري يصدر باسم واحد ويعبر عن الفكرة بواسطة الكتابة أو القول أو الصورة ويصدر بصفة دورية" . (1) وقد عرف قانون تنظيم الصحافة المصري لسنة 1996 الصحافة في المادة الأولى " بأنها سلطة تمارس رسالتها بحرية ..من خلال حرية التعبير وممارسة النقد ونشر الأنباء.."

المفهوم الفقهي للصحفيين :

عدل

انقسم الفقهاء في تعريف الصحفيين إلى اتجاهين : الاتجاه الأول : وينصب تعريف هذا الرأي للصحفيين انطلاقا من الأداة الإعلامية وهي الصحف بمختلف أشكالها وأنواعها سواء كانت يومية أو أسبوعية أو دورية الاتجاه الثاني : يرى أصحاب هذا الاتجاه أن الصحفي لا يقتصر على الشخص الذي يمارس مهنته في الصحافة المكتوبة بل يشمل الممتهن لجميع وسائل الإعلام.

ولم تقم الاتفاقيات الدولية التي تهتم بحماية الصحفيين بتحديد تعريف للصحفي سواء في اللوائح الخاصة بالقوانين وأعراف الحروب البرية الملحقة باتفاقيتي لاهاي لسنة 1899 و1907، والتي لم تتطرق هي الأخرى لتعريف مراسلي الصحف الذين يرافقون القوات المسلحة المنصوص عليهم في المادة 13. كما نجد أن المادة 81 من اتفاقية جنيف لسنة 1929 قد نصت على المراسل الصحفي دون أن تعطي أي تعريف له شأنها شأن الاتفاقيتين السابقتين. أما بخصوص اتفاقية جنيف الثالثة لسنة 1949 الخاصة بكيفية معاملة الأسرى نصت في المادة 4/أ4 على المراسلين الحربين الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا جزءا منها دون أن تعطي تعريف للصحفي، كذلك الشأن بالنسبة للمادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1977 والتي لم يرد فيها أيضا بيان مفهوم الصحفيين (2)

وتجدر الإشارة أن أول تعريف وضع للصحفي أو المراسل الحربي هو الذي تضمنته المادة 2/أ من مشروع اتفاقية الأمم المتحدة لحماية الصحفيين الذين يقومون بمهام خطرة في مناطق النزاع المسلح والتي لم يكتب لها أن ترى النور؛ حيث جاء فيها "كل مراسل أو مخبر صحافي ومصور تلفزيوني ومصور فوتوغرافي ومساعديهم الفنيين في السينما والإذاعة والتلفزيون الذين يمارسون النشاط المذكور بشكل معتاد بوصفها مهنتهم الأساسية" ، أما في قاموس القانون الدولي الإنساني فيعرف الصحفي في زمن النزاعات المسلحة بأنه "الشخص الذي يسعى للحصول على معلومات أو يقوم بالتعليق عليها أو يستخدمها لغرض نشرها في الصحافة أو الإذاعة أو على الشاشة أو مساعديهم".(3)

ويرى البعض أن المراسل الحربي هو ما عرفه القانون الدولي بأن "كل صحفي متخصص يتواجد في مسرح العمليات بتفويض وحماية من القوات المسلحة لأحد الأطراف المتحاربة وتتمثل مهمته في الإعلام بالأحداث ذات الصلة أثناء وقوع الأعمال العدائية" (4)

أنواع الصحفيين في مناطق الحروب والأحداث :
عدل

يعمل خلال النزاعات المسلحة وغيرها من المناطق سواء العسكرية أو المدنية لتغطية الأحداث ثلاثة أصناف من الصحفيين يختلفون من حيث مواد ونطاق الحماية.

أ. مراسل حربي ملحق بالقوات المسلحة :
عدل

هو صحفي مدني يرافق القطعات دون أن يكون جزءا منها بناءا على تصريح من القطعات التي يرافقها ويتبع تعليمات هذه القوات٬ وهذا النوع يتمتع بوضع أسير حرب إذا تم إلقاء القبض عليه٬ وهذا وفقا لما نصت عليه المادة 13 من اتفاقيات لاهاي1907 والمادة 81 من اتفاقية جنيف لسنة 1929 والمادة 4/أ4 من اتفاقية جنيف الثانية لسنة 1949 والفقرة 2 من المادة 79 من البروتوكول الإضافي الأول لسنة 1979. (5) ونشير في هذا الصدد إلى أن المبادئ التوجيهية لوزارة الدفاع البريطانية فيما يتعلق بالإعلام تكفل للصحفيين الملحقين بالقوات المسلحة وضع أسرى حرب إذا ما وقعوا في الأسر. عكس السلطات العسكرية الفرنسية التي تعتبر أن هذا الصنف هم على غرار المستقلين ليس لهم الحق إلا في وضع المدنيين كما تنص المادة 79 من البروتوكول الأول. (6)

ب. الصحفي المستقل: ===== هو كل صحفي ينتقل بمعزل عن القطعات العسكرية وليس جزءا منها ويعتبر مدنيا وفق أحكام اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 والبروتوكول الإضافي الأول والبرتوكول الثاني لسنة 1977 الخاص بالنزاعات غير ذات الطابع الدولي وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1738 لسنة 2006.

ت. الصحفي العسكري:
عدل

هو عسكري يعمل في مجال النشاط الإعلامي للجيش وينطبق عليه ما يقع على أفراد القوات المسلحة وهو لا يتمتع بأية حصانة خاصة. (7) رغم أن المشرع الدولي لم يغفل التطرق لقواعد حماية الصحفيين في النزاعات الدولية إلا أنه لم يأتي على ذكر للصحفيين في المعاهدات التي

تطبق على النزاعات المسلحة غير الدولية٬ ولكن يعتبر الصحفيين في هذه الأحوال مدنيين أو أشخاصا لا يشاركون مباشرة أو كفوا عن المشاركة في العمليات العدائية٬ وتسري عليهم وعلى طاقمهم كل الحماية المطبقة على المدنيين. (8)

ث. المندوب أو المراسل الصحفي : ===== هو كل صحفي يعمل لدي مؤسسة صحفية سواء كانت مؤسسة صحفية خاصة أو حكومية ، أو صحفي يعمل مندوبا لبعض المؤسسات الصحفية سواء كانت حكومية أو خاصة دون أن يكون منتمي إليها.

==== تعريف الصحفي في القانون المصري والقوانين المقارنة :

====
تعريف الصحفي في القانون المصري :
عدل

عرفت المادة الأولى من قانون تنظيم الصحافة والإعلام والمجلس الأعلى والصادر في عام 2018 الصحفي والإعلامي .

- الصحفي: كل عضو مقيد بجداول نقابة الصحفيين.

- الإعلامي: كل عضو مقيد بجداول نقابة الإعلاميين. -

تعريف الصحفي في القانون المغربي :
عدل

لم يضع القانون المغربي الصادر في أغسطس 2016 تعريفا محددا للصحفي ، وتلك احد نقاط الضعف في القانون المغربي.

تعريف الصحفي في القانون البحريني :
عدل

حدد المشرع البحريني ماهية الصحفي بأنه " من مارس مهنة الصحافة بصفة منتظمة في صحيفة يومية أو دورية أو وكالة صحفية أو عمل مراسلاً لإحدى وكالات الأنباء أو الصحف العربية أو الأجنبية أو أية وسيلة إعلامية أخرى ، متى كان عمله الكتابة فيها أو مدها بالأخبار والتحقيقات وسائر المواد الصحفية كالصور والرسوم أيًا كان نوعها".

تعريف الصحفي في القانون الفرنسي : ===== وفقًا لقانون العمل الفرنسي ، والذي أورد تعريفًا للصحفي في نص المادة (2/671) بأنه ( كل من يمارس مهنة الصحافة بصفة أساسية ومنتظمة في جريدة أو أكثر يومية أو دورية أو في وكالة أنباء ، ويستمد دخله الأساسي من هذا العمل). (9)

=== المبحث الثاني : الخطر الذي يتعرض له الصحفيين والمؤسسات الصحفية والإعلامية بمناسبة أداء عملهم

===

ويواجه الصحفيون وغيرهم من العاملين في مجال الإعلام العديد من المخاطر سواء في عملهم اليومي العادي أو أثناء الأحداث الاستثنائية التي يغطونها أو نتيجة لطبيعة عملهم التي يتصدون فيها للفساد وغيره من الملفات الساخنة التي قد تهدد حياتهم وحياة أسرهم للخطر وخاصة الذين يغطون مناطق الحرب مخاطر عدة. فبحكم طبيعة عملهم نفسها يجدون أنفسهم لا محالة عرضة للأخطار الملازمة للعمليات العسكرية. وبدلا من الهروب من المعركة يبحثون عنها. إلا أن أكبر خطر يهددهم هو العنف الذي يستهدفهم عمداً.

ويقال عادة إن الحقيقة هي أول ضحايا الحرب في الوقت الذي تحظى فيه التقارير الإعلامية الدقيقة وغير المتحيزة التي ترد من مناطق النزاع باهتمام كبير من جانب الجمهور. فلما كانت الصور والأخبار في عصر المعلومات تؤثر بشكل حاسم في نتاج النزاعات المسلحة, انتشرت بشكل رهيب عرقلة الصحفيين عن أداء مهامهم الإعلامية في أوقات النزاع المسلح. كما اتسع نطاق تداخل العراقيل بين رفض تنقل العاملين في مجال الإعلام وفرض الرقابة عليهم ومضايقتهم واحتجازهم تعسفياً وتوجيه الهجمات المباشرة ضدهم.

"وقد زاد عدد الصحفيين الذين استُهدفوا بالقتل انتقاماً منهم بسبب تغطيتهم الصحفية إلى الضعف تقريباً في عام 2018 مقارنة بالعام الذي قبله ، مما زاد مجموع عدد الصحفيين الذين لقوا حتفهم أثناء قيامهم بعملهم. وكانت أفغانستان هي البلد الأشد فتكاً بالصحفيين، مما تسبب بالجزء الأكبر من الزيادة في عدد الصحفيين القتلى في هذا العام، وكان المتطرفون في هذا البلد قد صعّدوا هجماتهم المتعمدة ضد الصحفيين.

وقد لقي ما لا يقل عن 53 صحفياً حتفهم في جميع أنحاء العالم بين يناير إلى ديسمبر 2018، وكان 34 صحفياً منهم قد استُهدفوا بالقتل. وقد تتبعت لجنة حماية الصحفيين ثلاثة أنواع من حالات وفاة الصحفيين أثناء أدائهم لعملهم: جرائم القتل الانتقامية؛ والوفيات أثناء تغطية عمليات قتالية أو من جراء النيران المتقاطعة ، والوفيات أثناء أداء مهمات خطرة أخرى ، من قبيل تغطية التظاهرات التي تتحول إلى مواجهات عنيفة (ثمانية صحفيين في عام 2018). وقد سجل مجموع الصحفيين القتلى ازدياداً، وكان قد بلغ 47 صحفياً قتيلاً على امتداد العام الماضي، ومنهم 18 صحفياً استهدفوا بالاغتيال، في حين قُتل 50 صحفياً في عام 2016. وفي السنوات الأخيرة، بدأ المتطرفون يشنون تفجيرات كبيرة في أفغانستان تتبعها تفجيرات أخرى بعد دقائق قليلة من التفجير الأول بهدف قتل الصحفيين وغيرهم من أوائل المستجيبين. وفي 30 أبريل/ نيسان 2018، أعلنت جماعة الدولة الإسلامية المقاتلة عن مسؤوليتها عن تفجير مزدوج أدى إلى مقتل تسعة صحفيين. واستخدم المهاجم مكيدة شنيعة إذ تنكّر بصفة موظف إعلامي وفجر نفسه وسط حشد من الصحفيين ممن سارعوا إلى مكان التفجير الأول. وكان من بين الضحايا مراسل لراديو 'أزادي' الذي تموله الولايات المتحدة، والخدمة الأفغانية لراديو أوروبا الحرة/ راديو ليبرتي، وكان هذا الصحفي قد غطى مؤخراً موضوع الإدمان على المخدرات ومساعي وزارة الداخلية لاستئصال الاتجار بالمخدرات في أفغانستان، وكان الصحفي على وشك الاحتفال بالذكرى السنوية الأولى لزفافه، وفقاً لراديو أوروبا الحرة/ راديو ليبرتي. وكانت آخر مادة نشرها هانانزي على صفحته على موقع فيسبوك عبارة عن نعي لزميل سابق قُتل بالرصاص على يد مسلحين مجهولين في الأسبوع السابق.

وتتواصل وفيات الصحفيين ممن يعملون في بلدان تمزقها الحروب، من قبيل سوريا واليمن، بيد أن عدد الصحفيين الذين قتلوا أثناء تغطيتهم لعمليات قتالية أو من جراء نيران متقاطعة تراجع إلى أدنى مستوى له منذ عام 2011، إذا ازدادت صعوبة وصول الصحفيين إلى هذه المناطق، كما بات الخطر كبيراً إلى درجة تدفع إلى عدم المخاطرة، مما أدى إلى انتشار الرقابة الذاتية، أو العيش في المنفى، أو ترك العمل في الصحافة. ففي سوريا، قُتل تسعة صحفيين على الأقل في عامي 2017 و 2018، مقارنة مع الرقم القياسي في عام 2012 حين بلغ 31 صحفياً قتيلاً. وفي اليمن، قُتل ثلاثة صحفيين في عام 2018، أما في العراق، فلم تتأكد لجنة حماية الصحفيين من مقتل أي صحفي بسبب عمله، وذلك للمرة الأولى منذ عام 2012. وفي مكان آخر في الشرق الأوسط، قُتل صحفيان فلسطينيان برصاص أطلقه جنود إسرائيليون بينما كان الصحفيان يغطيان الاحتجاجات في قطاع غزة. تحقق لجنة حماية الصحفيين في ملابسات مقتل 23 صحفياً آخر في عام 2018، ولكنها لم تتمكن لغاية الآن من التأكد من أن العمل في الصحافة كان الدافع لهذه الجرائم. ومن بين هذه القضايا، قضية الصحفي الأمريكي زاك ستونر، هو مدون مستقل متخصص في مقاطع الفيديو الموسيقية، وقد قتل بالرصاص في مدينة شيكاغوفي يونيو/ حزيران.

ومن بين النتائج الأخرى التي خرجت بها أبحاث لجنة حماية الصحفيين:

قُتل سبعة عاملين إعلاميين في عام 2018، من بينهم اثنان في كل من أفغانستان واليمن. قُتلت ثلاث صحفيات، مقارنة مع ثماني صحفيات في العام الماضي. وتاريخاً، تبلغ نسبة الصحفيات القتيلات 7% من مجموع الصحفيين القتلى.

قُتل خمسة صحفيين أجانب أثناء السنة: فقد قُتل صحفيان أكوادوريان في كولومبيا (كما قُتل سائقهما)، وقُتل ثلاثة صحفيين روس في ظروف غامضة في جمهورية أفريقيا الوسطى.

كانت الجماعات السياسية، والتي تتضمن جماعات متطرفة من قبيل تنظيم الدولة الإسلامية، هي أكبر مشتبه به في ارتكاب جرائم قتل الصحفيين، وذلك في 62% المئة من الحالات.

كان موضوع السياسة هو الموضوع الأشد خطراً للتغطية الصحفية، إذ كان يغطيه 26% من الصحفيين القتلى.

مهنة مراسل لوسائل الإعلام البصرية والسمعية كانت المهنة الأشد خطراً.

بدأت لجنة حماية الصحفيين بجمع سجلات مفصلة حول جميع حالات قتل الصحفيين في عام 1992. ويقوم موظفو اللجنة بإجراء تحقيقات مستقلة ويتحققون من ملابسات كل حالة وفاة. وتَعتبر لجنة حماية الصحفيين أن الجريمة مرتبطة بالعمل إذا كان موظفو اللجنة متأكدين إلى درجة معقولة أن الصحفي قُتل كانتقام مباشر بسبب عمله/عملها؛ أو من جراء نيران متقاطعة أثناء عمليات قتالية؛ أو أثناء القيام بمهمة خطرة من قبيل تغطية الاحتجاجات التي تتحول إلى مواجهات عنيفة ، وإذا كانت دوافع جريمة القتل غير معروفة، ولكن من المحتمل أن الصحفي قُتل بسبب عمله، فإن لجنة حماية الصحفيين تصنف الحالة بأنها "غير مؤكدة" وتواصل التحقيق بشأنها.

القائمة التي تعدّها لجنة حماية الصحفيين لا تتضمن الصحفيين الذين يلقون حتفهم من جراء المرض أو في حادث سيارة أو طائرة، إلا إذا كان الحادث ناجماً عن أعمال عدائية. وثمة منظمات صحفية أخرى تستخدم معايير أخرى وتتوصل إلى أعداد للصحفيين القتلى تختلف عن الأعداد التي تعلن عنها لجنة حماية الصحفيين. تتضمن قاعدة البيانات التي أعدتها لجنة حماية الصحفيين حول الصحفيين الذين لقوا حتفهم بسبب عملهم في عام 2018 تقارير قصيرة حول كل ضحية، إضافة إلى عوامل فرز لتفحّص التوجهات التي تدل عليها البيانات. كما تحتفظ لجنة حماية الصحفيين بقاعدة بيانات حول جميع الصحفيين القتلى منذ عام 1992، وجميع الصحفيين المفقودين أو السجناء بسبب عملهم.

إيلانا بيسير هي مديرة تحرير في لجنة حماية الصحفيين. وعملت سابقاً محررة في وكالة أنباء 'داو جونز نيوزواير' وصحيفة 'ذا وول ستريت جورنال' في نيويورك ولندن وبروكسل وسنغافورة وهونغ كونغ". (10) ، ويتمتع الصحفيون بحكم وضعهم كمدنيين بحماية القانون الدولي الإنساني من الهجمات المباشرة شريطة ألا يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية. وتشكل أية مخالفة لهذه القاعدة انتهاكاً خطيرا لاتفاقيات جنيف وبروتوكولها الإضافي الأول. فضلاً عن أن التعمد في توجيه هجوم مباشر ضد شخص مدني يرقى أيضا إلى جريمة حرب بمقتضى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

الفصل الثاني : مشكلة الاختصاص القضائي بنظر دعاوى المسئولية والتعويض عن الضرر الواقع على الصحفيين بمناسبة أداء عملهم

مشكلة الصفة في دعوى المسئولية وجهة القضاء المختصة :

===== أولا : ضرورة توافر الصفة في دعوى المسئولية :

=====

لكي توجد المسئولية والحق في التعويض يلزم أن يوجد ضرر ما يلحق بشخص معين له مصلحة يحميها القانون أي يلزم توافر شرط الصفة في رفع الدعوى

===== ثانيا : الاختصاص القضائي بمنازعات دعاوى المسئولية والتعويض عن الضرر الواقع على الصحفيين :

=====

الشخصية الدولية مقتصرة على الدول والمنظمات الدولية لذا فإن الأهلية اللازمة لتحريك دعوى المسئولية الدولية قاصرة على الدول، وليس أمام الفرد سوى اللجوء لدولته طالبا الحماية وتوليها مهمة مقاضاة الدولة المسئولة أمام القضاء الدولي وفقا لقواعد القانون الدولي العام ، أو أن يقاضيها أمام القضاء الداخلي.

===== طرق سبل التقاضي الداخلية :

=====

الشروط اللازم توافرها لاختصاص القضاء الداخلي بتعويض الضرر الواقع على الصحفيين :

أولا : بالنسبة لأطراف دعوى المسئولية :
عدل

تشترط بعض الاتفاقيات الدولية أن يكون المدعي عليه في دعوى المسئولية شخصا طبيعيا أو اعتباريا خاضعا في نشاطه لولاية الدولة المزمع رفع النزاع أمامها ، واختصاص قضاء الدولة الداخلي بنظر منازعات التعويض لا يمتد إلى أعمالها التي تدخل في نطاق نشاطها الرسمي "أعمال السيادة" إذ تخضع الدولة في هذه الحالة لقواعد المسئولية الدولية وتطبق بشأنها قواعد القانون الدولي العام، أما ما تقوم به الدولة من أعمال ونشاط ذات طبيعة تجارية خاصة " الأعمال غير السيادية" فإنه يدخل في اختصاص القضاء الداخلي.ويقول الدكتور جمال الكردي "أنه لا يجوز حرمان المضرور من الاستفادة من نصوص الاتفاقيات الدولية بحجة أن دولته ليست طرفا في الاتفاقية ويطالب أيضا ويدعو إلى توحيد قواعد الاختصاص القضائي بما يؤدي إلى جواز رفع دعوى المسئولية أمام محاكم الدولة التي يخضع لولايتها المتسبب في الضرر." (11)

===== ثانيا : بالنسبة لموضوع الدعوى :

=====

محل دعوى المسئولية عادة المطالبة بإصلاح الضرر ويكون إما بالتعويض عن الضرر أو بالحصول على ترضية أخرى ويشترط للتعويض عن الضرر أن يكون قد وقع فعلا ويتعين على المضرور إثبات وقوع الضرر.

===== أسباب تفضيل سبل التقاضي الداخلية :

=====

يرجع تفضيل الشخص الذي يلحقه الضرر سبل التقاضي الداخلية لعدة اعتبارات :

1- توفير الجهد والوقت والنفقات.

2- أن التسوية القضائية للتعويض عن الضرر عن طريق بعض المحاكم الدولية ليست أمرا متاحا من الناحية العملية.

3- أن الأحكام الصادرة عن القضاء الداخلي في قضايا التعويض فضلا عن سرعة وسهولة تنفيذها تكفل تحقيق الحماية.

كيفية تحديد الاختصاص الداخلي بنظر منازعات دعاوى المسئولية والتعويض عن الضرر الواقع على الصحفيين :

==== تحديد الاختصاص القضائي الداخلي لن يخلو الأمر عن أحد فرضين :

====

===== الأول : وجود قواعد داخلية تحدد هذا الاختصاص .

=====
الثاني :
عدل
خلو النظام القانون الوطني من قواعد خاصة تحدد الاختصاص القضائي بنظر قضايا التعويض عن الضرر الواقع على الصحفيين ولا مفر في هذه الحالة من اللجوء للقواعد العامة في الاختصاص القضائي.

الاختصاص القضائي للمحاكم الوطنية وفقا للقواعد العامة ( اختصاص محكمة موطن المدعي عليه) " يـــــــنعقد الاختصاص بناءً على هذا الضابط الذي يعد المعيار الأصلي في الاختصاص لمحاكم الدولة التي يوجد بها موطن أو محل إقامة المدعي عليه وتضمنت العديد من الاتفاقيات الدولية الأخذ بهذا الضابط حيث يتصف بصفتين : الأولى : أنه ضابط شخصي ، والثانية : أنه ضابط مكاني.

===== المقصود بالموطن بصفة عامة :

=====

يقصد بالموطن الذي يبنى عليه الاختصاص القضائي الدولي الموطن بمفهومه الدولي وليس الموطن المقصود في القانون الداخلي والذي يتطابق مع العنوان البريدي للشخص.

===== الموطن في القانون المصري :

=====

يمكن التفرقة بين أربعة أنواع من الموطن في القانون المصري :

1- الموطن العام : يراد به المكان الذي يقيم فيه الشخص عادة

2- الموطن المختار : مكان يعينه الشخص ويختاره بإرادته لتنفيذ عمل قانوني معين.

3- موطن الأعمال أو الموطن الخاص : يقصد به المكان الذي يباشر فيه الشخص عملا أو تجارة أو حرفه.

4- الموطن الحكمي : موطن من ينوب قانونا عن ناقص الأهلية.

ولا يفرق المشرع الوطني بين كون المدعي عليه شخصا طبيعيا أو اعتباريا ، وفي حالة تعدد مواطن المدعي عليه كانت محاكم كل دوله من الدول التي يوجد له موطن فيها مختصة.

===== مبررات بناء الاختصاص على فكرة موطن المدعي عليه :

=====

أخذ المشرع المصري هذا المبدأ ترديدا للقواعد العامة للاختصاص المحلي ويبني هذا الضابط على أساس أن المدعي عليه برئ الذمة إلى أن يثبت العكس، ويقوي مبدأ قوة النفاذ أو ضمان الفاعلية الدولية للأحكام ويستند تقرير الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية بناءُ على ضابط الموطن إلى رابطة مكانية وإقليمية ـ ويرده البعض على فكرة السيادة.

يثار تساؤل هنا هل يصلح ضابط موطن المدعي عليه لبناء الاختصاص في مجال المسئولية عن الضرر الواقع على الصحفيين بمناسبة أداء عملهم؟ : ليس هناك ما يمنع من صلاحية موطن المدعي عليه لأن يكون ضابط لاختصاص المحاكم الوطنية لنظر نزاعات عن الضرر الواقع على الصحفيين بمناسبة أداء عملهم ، وكذلك يمكن مقاضاة الشخص الاعتباري المسئول عن الضرر الواقع على الصحفيين بمناسبة أداء عملهم أمام المحاكم المصرية بناءُ على ضابط موطن المدعي عليه إذا كان متوطن أو مقيم أو مارس النشاط في مصر.

===== الاختصاص وفقا للمعايير الاحتياطية :

=====

المعايير الاحتياطية التي لا يتقيد أعمالها بموضوع معين للدعوى أو ما يقال لها بالمعايير الاحتياطية العامة لا تخرج في الغالبية من التشريعات الوطنية عن الآتي :-

1- تمتع المدعي عليه بالجنسية الوطنية.

2- الاتفاق على الاختصاص أو الخضوع الاختياري

3- الاختصاص للارتباط بدعوى أصلية مرفوعة أمام القضاء الوطني.

وتعد الجنسية الوطنية للمدعي عليه والاتفاق على الاختصاص من أهم الضوابط الاحتياطية العامة في الاختصاص القضائي الدولي.


===== الاختصاص بحسب الضابط الخاص بالالتزامات (اختصاص محكمة نشأة الالتزام المترتب على الضرر الواقع على الصحفي) :

=====

===== أ- ضابط محل الالتزام ألتقصيري في النظم القانونية الوطنية والقانون ألاتفاقي :

=====

النظم القانونية على اختلافيها تعترف بضابط محل الالتزام ألتقصيري وتعتبره معيارا خاصا بالمسئولية التقصيرية يعتد به بجانب المعيار العام للاختصاص ويستند تقرير الاختصاص بناءً على هذا الضابط الخاص إلا أن الغالب أن تكون المحكمة المختصة وفقا له محكمة محل الالتزام ألتقصيري ويستند تقرير الاختصاص إلى اعتبارات التيسير على المدعي حيث يمكنه الاختيار بين أن يرفع دعواه أمام محكمة موطن المدعي عليه أو محكمة محل الالتزام. ومن الأفضل بناء الاختصاص على فكرة الملائمة أما نطاق ضابط محل الالتزام ألتقصيري فيمكن القول بأن محاكم دولة محل وقوع الفعل تختص من حيث الأصل بنظر كافة المنازعات المتعلقة به وقد أخذ المشرع المصري بهذا الضابط .

===== ب- ضابط محل وقوع الفعل المنشئ للالتزام ألتقصيري، والمسئولية عن الضرر الواقع على الصحفيين :

=====

يثبت الاختصاص بدعاوى المسئولية عن الفعل الضار أيضا لمحكمة محل نشأة الالتزام المترتب على الفعل الضار، ولكن المراد بدولة محل نشأة الالتزام الناشئ عن الضرر هل هي دولة الموقع المحدث للضرر أم دولة تحقق الضرر الناتج عنه إذا اختلف مكان تواجد كل منهما؟

اختلف الفقه بشأن الإجابة على هذا التساؤل وهناك اتجاهين رئيسيين في هذا الصدد

===== ج- الاتجاهات الفقهية بشأن تحديد المقصود بـ"محل نشأة الالتزام الناشئ عن الفعل الضار" :

=====

الاتجاه الأول : اختصاص محكمة موقع الضرر الواقع على الصحفيين : تعقد بعض الاتفاقيات الدولية في مجال حماية الصحفيين الاختصاص لمحاكم الدولة التي توجد في إقليمها المنشأة أو المؤسسة المسببة للضرر ويجد اختصاص محكمة موقع نشاط المؤسسة أو المنشأة تبريره في الأسباب التالية:

1- أن الضرر الواقع هو عماد المسئولية في منازعات الضرر الناتج عن الضرر.

2- تعد محاكم دولة موقع الضرر أفضل من الناحية العملية عن غيرها لسهولة جمع الأدلة الفاعلية لأحكام التعويض.

3- عقد الاختصاص لمحكمة موقع الضرر يتفق مع قاعدة أن المدعى يسعى إلى المدعي عليه في محكمته.

الاتجاه الثاني : اختصاص محكمة مكان تحقق الضرر الموجب للمسئولية:- عبرت الاتجاهات الفقهية المصرية وكذلك الاتفاقيات الدولية الأخرى إلى عقد الاختصاص بدعوى المسئولية عن الضرر لمحكمة تحقق الضرر المطلوب التعويض عنه وإصلاحه ويؤكد القضاء الوطني في العديد من الدول على ذات المبدأ ويؤيد جانب كبير من الفقه هذا الاتجاه لاسيما وأن هناك العديد من العقبات نقف أمام تحديد محكمة المؤسسة في بعض الفروض كالتالي :-

الفرض الأول : حيث يكون مصدر الضرر مشترك بين عدة دول كالحروب التي تشترك فيها أكثر من دولة أو طرف على سبيل المثال سوريا واليمن.

الفرض الثاني : تواجد الجهة مصدر الضرر في مكان لا يخضع للسيادة الإقليمية لدول معينة. والاتجاه المتزايد في العصر الحديث تحو تطبيق النظام القانوني الأصلح للمضرور ، يعد عقد الاختصاص لمحكمة موقع الضرر أصلح للمضرور حيث سيرفع دعواه بمقتضى هذا النظام أمام محاكم دولة موطنه أو محل إقامته.

==== الجنسية الوطنية للمدعي عليه :

====

===== أ- المبدأ في التشريعات الوطنية :

=====

تتضمن العديد من التشريعات الوطنية النص على اختصاص المحاكم الوطنية بالدعاوى المرفوعة ضد رعاياها أينما وجدوا وأكد المشرع المصري على الأخذ بهذا الضابط ولم يرد على اخذ المشرع المصري بهذا الضابط إلا قيد واحد متعلق بدعوى عقارية على عقار واقع في الخارج .ويمكن القول بأن ضابط الجنسية ضابط شخصي وقانوني وعام ، وأساس مبدأ اختصاص المحاكم الوطنية بنظر دعاوى المدعي عليه الوطني يرجع إلى اعتبار سياسيي مفاده أن من المهام الأساسية للدولة إقامة العدل بين مواطنيها.

===== ب- الوضع حال تعدد المدعي عليهم ، وازدواج الجنسية للمدعي عليه أو كونه شخص اعتباري :

=====

إذا تعدد المدعي عليهم يري البعض أن عقد الاختصاص للمحاكم الوطنية بناءً على أن أحدهم يحمل الجنسية الوطنية يمتد ليشمل باقي المدعي عليهم وفيما يتعلق بمزدوج الجنسية فيجيز الفقه اختصامه أمام محاكم أية دولة من الدول يحمل جنسيتها إذا كان تشريع الدولة يتضمن قاعدة بناء الاختصاص على كون المدعي عليه وطني الجنسية ، وبالنسبة للفرض الذي يكون المدعي عليه شخصا معنويا أو اعتباريا انقسم الفقه إلى فريقين الأول : يرى وجوب اقتصار النص على حالة المدعي عليه شخصا طبيعيا ، والثاني : يري عمومية النص لا تدع مجالا للشك للتفرقة بين كون المدعي عليه شخصا طبيعيا أو اعتباريا.

===== ج- الجنسية الوطنية للمدعي عليه و المسئولية عن الضر الواقع على الصحفي بمناسبة أداء عمله :

=====

يمكن مقاضاة الشخص لأي سبب أمام المحاكم المصرية بناءً على الاختصاص فقط على كونه يحمل الجنسية المصرية دونما حاجة لتوافر شروط أخري وعلى الرغم من ارتضاء أغلب القوانين الوضعية المعاصرة لضابط الجنسية في بناء الاختصاص القضائي للمحاكم الوطنية على ضابط الجنسية إلا أنه مني بانتقادات عديدة ، وتقرير الاختصاص للمحاكم الوطنية لنظر منازعاته يراعي عادة جانب المدعي عليه وتقرير الاختصاص هذا بناءً على ضابط الجنسية فقط قد لا يحقق المصلحة ويجافي اعتبارات العدالة خاصة إذا كان هذا الشخص متوطن في الخارج، لذا يمكن القول أن التوفيق كان حليف المشرع السوداني حيث استشعر ضعف رابطة الجنسية وحدها.

==== الاتفاق على الاختصاص أو الخضوع الاختياري :

====
1- مفهومه :
عدل

تسمح القوانين الوطنية المختلفة بامتداد العمل بمبدأ سلطان الإرادة المعمول به في مجال الاختصاص التشريعي وإنتاج آثاره في مجال الاختصاص القضائي حيث تجيز للأطراف الاتفاق على اختيار المحكمة التي تفصل في النزاع ذو الطابع الدولي. ويعد هذا الضابط من الضوابط المستقرة في التشريع المصري وغيره من التشريعات بصفة عامة يمكن القول بأنه يستوي بشأن ضابط الخضوع الاختياري أو الإرادي الاتفاق على الاختصاص أن يكون الاتفاق على الاختصاص سابقا أم لاحقا على قيام النزاع بين الأطراف بيد أنه فيما يتعلق بمنازعات المسئولية عن الأضرار فمن غير المنطقي أن يحدق الاتفاق على الاختصاص إلا في المرحلة اللاحقة على وقوع الفعل المترتب للضرر أي بعد وقوع النزاع إلا في أحوال نادرة، والخضوع الاختياري قد يكون صريحا وقد يكون ضمنيا والأمر سواء أمام التشريع المصري، وللخضوع الاختياري وجهان : الأول : ايجابي ، والثاني : سلبي.

===== 2- وجهات النظر الوطنية بشأن الاتفاق على الاختصاص :

=====

تختلف وجهات نظر الدول بشأن الخضوع الاختياري أو الاتفاق على الاختصاص بحسب ما كان سلبيا أم ايجابيا.

هناك أنظمة تساوى في المعاملة بين الصورتين ويبقى اختصاص المحاكم الوطنية ثابتا ولكن بصورة احتياطية في أحوال سلب الولاية ، وهناك أنظمة تحبذ الخضوع الاختياري في وجهه الايجابي فقط وتنبذه في وجهه السلبي ويشترط الفقه والقضاء لكي ينتج مثل هذا الاتفاق أثرة أربعة شروط :

الأول : أن نكون بصدد علاقة ذات طابع دولي أو عنصر أجنبي.

الثاني : ألا تمنع القواعد العامة في الاختصاص القضائي الدولي للمحاكم الوطنية.

الثالث : أن تتوافر صلة أو رابطة بين النزاع والمحكمة التي اتفق على اختصاصها. الرابع : ألا ينطوي الاتفاق بشأن الاختصاص على غش أو تدليس.

===== 3- نطاق الاتفاق على الاختصاص ومنازعات التعويض للصحفيين بمناسبة أداء عملهم :

=====

يمكن القول بان المحكمة المتفق على اختصاصها صراحة أو ضمنا برضاء الأطراف تختص بنظر الدعوى وبغض الطرف عن كون هذه الأخيرة تتعلق بالمعاملات أو بالأحوال الشخصية. والاتفاق على الاختصاص في مجال منازعات التعويض يتفق وهدف المشرع من التيسير على المدعي وتمتعه بالحماية القضائية من أجل الحصول على حقوقه وجبر ما لحقه من ضرر ويكون الاتفاق على الاختصاص بأية وسيلة ولو عبر شبكة الانترنت وضح فيها قبوله شرط الاختصاص القضائي بشأن العلاقة محل المنازعة بين الطرفين، وتجدر الإشارة إلى أمرين:-

===== الأول : أن قانون القاضي قد يتدخل ليحكم الآثار التي يرتبها الاتفاق على الاختصاص.

=====

الثاني : ما يشترطه البعض للاعتراف بقدرة الإرادة على إخراج النزاع من مجال ولاية القضاء الوطني لدولة ما وعقده بالتالي لقضاء دولة أخرى ضرورة أن توجد صلة ما بين العلاقة موضوع النزاع والدولة التي تم الاتفاق على اختصاص محاكمها بنظر النزاع الناجم عنها.

==== الاختصاص بحسب الاتجاهات الحديثة ( اختصاص محكمة موطن المضرور)

====

حماية المضرور وكفالة تعويضه هو هدف معظم التشريعات وأخذت الاتجاهات الحديثة بضابط موطن المضرور بوصفه الطرف الضعيف في علاقة المسئولية، ويرجع أساس هذا الاختصاص إلى رغبة المشرع في توفير أكبر قدر ممكن من الحماية للمضرور في مواجهة المسئول، واختصاص محكمة موطن المضرور يبدو اختصاصا منطقيا حيث أنه يخفف عن المضرور وبالتالي فإن المضرور يمكن أن يرفع دعواه على المسئول عن الضرر أمام محكمة موطن الأول أو محل إقامته خلافا للأصل العام، وقد كرست بعض الاتفاقيات الدولية في مجال الاختصاص القضائي الدولي مبدأ اختصاص محاكم الطرف الضعيف في العلاقة .

الاختصاص القضائي بدعاوى المسئولية التي يكون محدث الضرر فيها دولة أو منظمة دولية : فيما يتعلق بالدولة ترفع الدعوى بشأن ما تحدثه من أضرار بالأشخاص والخاصة والممتلكات أمام جهة قضاء دولي كمحكمة العدل الدولية والمسئولية بشأن ما تحدثه من أضرار هي بلا شك مسئولية دولية بيد أنه يجب مراعاة القواعد وهي باختصار :-

1- لا يستطيع شخص طبيعي مقاضاة الدولة التي تسببت في الإضرار به أو ممتلكاته إلا عن طريق دولة أخرى.

2- يجب أن توافق الدولة التي سترفع عليها الدعوى إذا كنا بصدد مقاضاتها أمام محكمة العدل الدولية أو محكمة دولية أخرى

أما بالنسبة للمنظمة الدولية فهي تسأل عن الضرر الذي تسببت فيه ويجب التفرقة بين الضرر الناجم عن الخطأ الشخصي للموظف الدولي في المنظمة والخطأ ألمرفقي ، فيسأل الموظف الدولي عن الخطأ الشخصي بصفته الشخصية أمام القضاء الداخلي لدولة موقع الضرر بحسب الراجح أو طبقا لما تقضي به قواعد توزيع الاختصاص القضائي داخل كل دولة.

أما الخطأ ألمرفقي فتسأل المنظمة عن الضرر الناجم وترفع دعوى المسئولية بشأنه للقضاء الدولي وتنطبق عليه قواعد القانون الدولي.

كيفية تحريك دعوى المسئولية من الصحفي المضرور بمناسبة أداء عمله ( الحماية الدبلوماسية) أوضحت المحكمة الدائمة للعدل الدولية أن للدولة الحق في حماية مواطنيها الذين تضرروا من جراء الأعمال المخالفة للقانون الدولي التي تقع من جانب دولة أخرى ، وهذا ما يعرف في فقه القانون الدولي بالحماية الدبلوماسية.

==== (1) المقصود بالحماية الدبلوماسية :

====

الحماية الدبلوماسية بصفة عامة هي نظام قانوني دولي يحق للدولة بمقتضاه التي لحق ضرر ما بأحد مواطنيها أو بماله جراء عمل ما قامت به دولة أخرى أن ترفع دعوى المسئولية الدولية ضد الأخيرة أمام القضاء الدولي بقصد الحصول على التعويضات المناسبة واللازمة لجبر الضرر.

==== (2) النظام الإجرائي للحماية الدبلوماسية :

====

تبدأ بطلب من الفرد المضرور يترتب على قبوله من جانب الدولة أن يثبت لها حق ذاتي معترف به من قبل القانون الدولي

وذاتية حق الدولة في الحماية الدبلوماسية يعني :

1- أن الدولة لها مطلق الحرية في تحديد وقت وطريقة تحريك دعوى المسئولية.

2- أن بإمكان الدولة التنازل عن ممارسة هذا الحق.

3- أن الدولة حرة التصرف في التعويض الذي يقضى به واستغلاله وتوزيعه كما تشاء. وكذلك المنظمة الدولية يمكنها كذلك مباشرة حق الحماية الوظيفية لموظفيها وممثليها

===== (3) الشروط التقليدية للتدخل بالحماية الدبلوماسية ومدى الحاجة للخروج عليها :

=====

يشترط القانون الدولي ثلاثة شروط :

الشرط الأول : انتماء المضرور بجنسيته إلى الدولة التي ستمارس حق الحماية.

تشير بعض الأنظمة الوطنية وكذلك الأعمال الدولية وآراء الفقهاء إلى ضرورة توافر هذا الشرط لإمكان ممارسة الحق في الحماية الدبلوماسية.

الشرط الثاني : استنفاد المضرور لطرق التقاضي الداخلية.

يجب أن يستنفذ المضرور طرق التقاضي الداخلية للحيلولة دون تنازع الاختصاص القضائي بين المحاكم الدولية والمحاكم الوطنية وحدوث تنازع قوانين.

الشرط الثالث : عدم إتيان المضرور لسلوك مخالف للقانون : يعنى هذا الشرط أن يكون سلوك الأجنبي المدعي للضرر قانوني أي انه لم ينتهك قوانين الدولة المسئولة ولم يبد أي نشاط يتعارض أو يخالف أحكام القانون الدولي.


الفصل الثالث : مشكلة الاختصاص التشريعي بنظر دعاوى المسئولية والتعويض عن الضرر الواقع على الصحفيين بمناسبة أداء عملهم

إذا تم تحريك دعوى المسئولية والتعويض عن الضرر الواقع على الصحفي بمناسبة أداء عمله أمام جهة قضاء دولي سيفصل القاضي فيه وفقا لقواعد القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية والجماعية التي يكون أطراف النزاع أطراف فيها فضلا عن قواعد العدل والإنصاف.

أما لو طرح النزاع أمام قضاء وطني واستكمل كافة أشكاله وشروطه الشكلية والموضوعية وانعقد الاختصاص له بنظرها ، فهنا تعرض مشكلة الاختصاص التشريعي أو القانون الواجب للتطبيق ، وما كانت لتثار مشكلة الاختصاص التشريعي لولا تدخل العنصر الأجنبي في العلاقة المطروحة أمام القاضي، وتعرف مشكلة تزاحم عدة قوانين حول علاقة ما بمشكلة تنازع القوانين.

===== وينبغي التفرقة بين ثلاثة فروض :-

=====

الأول : أن تكون الدول المتصلة بالمنازعة أطراف في اتفاقية دولية تحكم النزاعات، ولا خلاف في أن الاتفاقيات الدولية تكون بمثابة القانون الواجب للتطبيق.

الثاني : أن إحدى الدول المتصلة بالنزاع طرف في اتفاقية دولية، وفى هذا الفرض سيكون القانون الواجب التطبيق هو القانون الذي يشير إليه توزيع الاختصاص التشريعي في دولة القاضي (إما أحكام الاتفاقية أو القانون الداخلي للدولة التي لم ترتبط بأحكام الاتفاقية).

الثالث : ألا تكون أي من الدول المتصلة بالنزاع مرتبطة بأحكام اتفاقية دولية في هذا الصدد، والقانون الواجب تطبيقه هو القانون الذي تشير إليه قواعد الاختصاص التشريعي بدولة القاضي (ويكون القانون الواجب التطبيق هو القانون الداخلي لإحدى الدول الأطراف في النزاع).

===== تطبيق القواعد الموضوعية الخلافية :

=====

الاتفاقيات الدولية هي الوسيلة الطبيعية لتنظيم مشكلات تنازع القوانين لأنها ذات طابع دولي أو ذات عنصر أجنبي.وتضع قواعد موحدة بين الدول الأطراف لمشكلة تنازع القوانين ( قواعد إسناد) ـ وتتضمن الكثير من الاتفاقيات الدولية في مجال القانون الخاص نصوصا بموجبها يتم تحديد القانون الواجب التطبيق.

القواعد الموضوعية الاتفاقية الموحدة تبدو كأحد الوسائل الهامة لتلافي الخلاف الشديد في تحديد القانون الواجب التطبيق على العلاقة ذات الطابع الدولي، لكون الاتفاقية تخلق نوعا من القانون الدولي الخاص يحوي قواعد موضوعية موحدة لتنظيم العلاقات الخاصة الدولية.

من أمثلة الاتفاقيات : الاتفاقية الدولية الخاصة بسلامة الصحفيين والعاملين الإعلاميين واستقلاليتهم : الغرض من هذه الاتفاقية هو تعزيز، وحماية، وضمان سلامة الصحفيين وغيرهم من المهنيين العاملين في وسائط الإعلام في أوقات السلم، وأثناء النزاعات المسلحة، وحماية قدرتهم على ممارسة مهنتهم بحرية واستقلالية في بيئة داعمه ، دون التعرّض للمضايقات، أو الترهيب، أو الاعتداء على سلامتهم الجسدية.

المصاعب حال توزع عناصر المسئولية بين عدة دول والاتجاهات الفقهية والتشريعية بشأنها :

1- اختلاف موقع جهة الإضرار عن موقع الضرر : تتضمن معظم التشريعات نصوصا تقتضي بسريان قانون البلد الذي وقع فيه الفعل المنشئ للالتزام ، وقد تفرق الفقه بشأن تحديد القانون الواجب التطبيق حال وقوع الخطأ في دولة وتحق الضرر المترتب عليه في أخرى في اتجاهين هما :

الأول : يذهب إلى تطبيق قانون الدولة المتواجد فيها النشاط أي قانون مكان الخطأ أو السلوك الضار وبصرف النظر عن المكان الذي تحققت فيه نتيجته أي الضرر، ويستند هذا الاتجاه إلى اعتبارات من أهمها أن الخطأ هو عماد المسئولية.

الثاني : يذهب إلى ضرورة الاعتداد بقانون الدولة التي تحقق فيها الضرر ويؤيده غالبية الفقه في فرنسا ومصر، ويستند إلى أن قواعد المسئولية تهدف في المقام الأول إلى إصلاح الضرر المترتب على الضرر وحماية المضرور ، وتضمنت العديد من الاتفاقيات الدولية النص على إعطاء البلد الذي يقع فيه الضرر الاختصاص التشريعي بدعاوى المسئولية والتعويض الضرر.

2- تعدد دول موقع النشاط : اختلف الفقه بشأن الفرض الذي تكون الوقائع المكونة للفعل الضار موزعه فيه ويذهب الفقه الفرنسي إلى وجوب الاعتداد بقانون المكان الذي تحققت فيه الواقعة الرئيسية التي ترتب عليها الضرر.

محاولات إقصاء القانون المحلي :

1- اختصاص القانون الشخصي : يذهب جانب من الفقه إلى إخضاع الالتزامات غير التعاقدية بصفة عامة والمسئولية عن الضرر إلى القانون الشخصي. ولم يتفق أنصار هذا الاتجاه بشان تحديد ماهية القانون الشخصي المقصود، ويفضل فريق آخر اعتبار القانون الشخصي هو قانون الجنسية كمبدأ عام ، وينتقد غالبية الفقه هذا الاتجاه على أساس أن الالتزامات غير التعاقدية من المسائل المالية وليست من المسائل الشخصية.

2- تطبيق قانون القاضي :

يؤيد جانب من الفقه الفرنسي فكرة إخضاع الالتزامات غير التعاقدية والمسئولية عن الضرر لقانون القاضي واهم حججهم:

1- أن القوانين المنظمة للمسئولية عن الأضرار هي من قبيل قوانين البوليس والأمن المدني.

2- الأخذ بقانون القاضي لحكم الالتزامات غير التعاقدية لتعلق هذا النوع من الالتزامات بالنظام العام في دولة القاضي.

3- الأخذ بقانون القاضي حل يتسم عند البعض بالبساطة لكونه يتلافى المشاكل التي تثور عند تحديد مكان وقوع الفعل الضار.

والواقع أن الفقه يرفض فكرة إخضاع الالتزامات غير التعاقدية لقانون القاضي، وليس صحيحا أن قواعد المسئولية هي من قوانين البوليس

3- الدعوة إلى تطبيق قانون الإرادة في مجال المسئولية المدنية :

ينادي جانب من الفقه بمد العمل بقانون الإرادة إلى مجال المسئولية المدنية ، فيمكن لطرفي العلاقة المضرور والمسئول اختيار قانون موقع النشاط سبب الضرر أو قانون موطن أو محل الضرر ، ويمكننا القول بأن هذا الاتجاه يقوم على فكره منطقية فليس هناك ما يمنع طرفي العلاقة من اختيار القانون الذي يحكم التزاماتهم غير التعاقدية.

4- الميل نحو الأخذ بفكرة القانون الأصلح للمضرور : يرى جانب من الفقه إمكانية تطبيق القانون الأصلح للمضرور ويستوي أن يكون هذا القانون هو قانون مباشرة السلوك أم قانون محل تحقق الضرر أم قانونا آخر، ويفيد الأخذ بالقانون الأصلح للمضرور بالنظر إلى الاختلاف من دولة إلى أخرى.

والمرجح في تحديد القانون الأصلح للمضرور بصفة عامة ليس سلطة القاضي وإنما المضرور نفسه باعتباره الأعلم بمصالحه، وفى مجال المسئولية عن الضرر الواقع على الصحفيين فإن القانون الأصلح يتم تقديره بالنظر إلى عدة مؤشرات أو معايير أهمها القانون الذي يكفل تعويضا أكبر وأسرع لمن لحقه الضرر.

==== * أحكام المسئولية بشأن الضرر الواقع على الصحفيين :

====

يلقي الالتزام على عاتق الدول واجبين أساسيين :-

الأول : الامتناع عن كل ما من شأنه منع الضرر الواقع على الصحفيين ووضع التشريعات الوطنية الكفيلة بمنعه.

الثاني : التعاون مع غيرها من الدول على المستويين الإقليمي والعالمي من أجل حماية الصحفيين.

أساس المسئولية : المراد بأساس المسئولية السبب الذي من أجله يضع القانون عبئ تعويض المضرور على عاتق شخص ما ، ومن ثم فلا مفر من تطبيق القواعد العامة في هذا الشأن.

==== المسئولية في صورتها التقليدية والحديثة :

====

===== 1- مدي الحاجة إلى المسئولية في وجهها التقليدي :

=====

تقوم المسئولية في القانون الداخلي على الخطأ سواء كان عمدي أم غير عمدي ويمثل ركن الخطأ عماد المسئولية ويتعين على طالب التعويض أن يثبت الخطأ الذي يدعى وقوعه من الغير والضرر الذي يعد الغير مسئولا عنه وعلاقة سببيه بيت الخطأ والضرر .

والخطأ بشكل عام هو التقصير والانحراف عن السلوك المعتاد مع الإدراك والتمييز ويتمثل بالإخلال بواجب قانوني، وقد يتحقق الخطأ بمجرد الامتناع عن فعل يوجب القانون إتيانه متى كان ذلك في الاستطاعة.

ويتخذ الخطأ عدة صور كمخالفة القوانين واللوائح والإهمال، وفرص إثبات الخطأ تزداد بالنظر للنصوص التشريعية الخاصة التي تنشئ التزامات قانونية لمن يمارسون نشاطا قد ينجم عنه أضرارا بالصحفيين ،

ولا يختلف القانون الدولي عن القانون المحلي.

===== 2- المسئولية وفقا للنظريات الحديثة :

=====

نتيجة للصعوبات التي واجهت النظرية التقليدية في المسئولية اتجهت الأنظار إلى نظرية أخرى هي " الخطأ المفترض" التي يتركز نطاقها في الأشياء الخطرة التي تستلزم حراستها عناية خاصة إذ يكون الشخص مسئولا عما تحدثه هذه الأشياء من ضرر، ولا تنتفي المسئولية عن الخطأ المفترض إلا في حالة واحدة وهي أن يستغرق خطأ المضرور خطأ المسئول، وفي جميع الأحوال يحتفظ المضرور بحقه في طلب التعويض استنادا إلى المسئولية عن الأفعال الشخصية في حال عدم توافر شروط تطبيق نظرية الخطأ المفترض.

وبالنظر لصعوبة الأخذ بنظرية الخطأ المفترض اتجه الفقه إلى تقليص دور الخطأ في مجال المسئولية والاعتماد على فكرة ضمان المخاطر أي المسئولية الموضوعية، وتستند بشكل كامل على موضوعها أو محلها وهو الضررـ إذ يتم تعويض المضرور حتى ولو لم يقع من المسئول ثمة خطأ. وأساس نظرية المسئولية الموضوعية يكمن في فكرة تحمل التبعية .

وفي القانون الدولي وجدت نظرية " العمل غير المشروع" لها الكثير من المناصرين وفي منطوق هذه النظرية لا يلزم وقوع خطأ ما لقيام المسئولية عن الأضرار وإنما يلزم وجود إخلال بالتزام قائم.

المسئولية عن الضرر الواقع على الصحفيين إبان المنازعات المسلحة : يرى البعض عدم ملائمة تطبيق كل من نظرية العمل غير المشروع أو نظرية المسئولية الموضوعية على بعض الحالات الخاصة بالصحفيين لاسيما تلك التي تقع إبان النزاعات المسلحة، وينبغي التفرقة بين حالتين:

الأولي : إذا ما كانت الأضرار الناجمة أثناء النزاعات المسلحة نتيجة اشتباكات بين القوات ودون أن يقصد كل طرف وقوع الضرر.

الثانية : عندما يكون الضرر الناجم قد وقع إثناء النزاعات المسلحة عن عمد.

في الحالة الثانية يحمل المعتدي المسئولية عن الضرر ويمكن التركيز على قواعد المسئولية المطلقة التي لا تقبل الأعذار .

الخصائص العامة للمسئولية الدولية : لا يقر القانون الدولي في وضعه الراهن للفرد الذي لحقه ضرر ما داخل دولة معينة ينتمي إليها بجنسيته أو يقيم فيها بالحق في التقدم مباشرة برفع دعوى مسئولية دولية أمام القضاء الدولي ضد الدولة المتسببة فيها ، والمسئولية الدولية تتميز بعدة سمات أهمها : أولا : أنها لا تنشأ وفقا للنظرية التقليدية إلا بين أشخاص القانون الدولي، ويرى البعض أن حرمان الفرد من مقاضاة الدولة الأجنبية التي مست بحقوقه أمام المحاكم الدولية فيه الكثير من التعسف لأسباب كثيرة أهمها :

1- أن دولة الفرد قد لا تكون راغبة في رفع دعوى بالنيابة عنه.

2- أن الاتصالات الدبلوماسية بين الدول وإجراءات رفع الدعوى تأخذ وقتا طويلا في العادة.

ثانيا : المسئولية الدولية قد تكون مباشرة وقد تكون غير مباشرة.

ثالثا : لا تتعارض المسئولية الدولية مع فكرة سيادة الدولة.

شروط المسئولية بالنسبة للروابط ذات العنصر الأجنبي : تشير العديد من الاتفاقيات الدولية إلى التزام الدول بإتاحة اللجوء إلى محاكمها وفقا لما تقضي بها أنظمتها القانونية الوطنية من أجل الحصول على تعويض جراء ما لحقه من أضرار نتيجة للأضرار الناجمة عن سلوك الأشخاص الطبيعيين أو الاعتبارين فيها ، وفضلا عن ذلك فإن قواعد القانون الدولي لا تحمل الدولة مسئولية الأفعال الضارة الناشئة عن تصرفات رعاياها إلا إذا توافرت شروط معينة أهمها أن تكون الدولة قد علمت أو بوسعها أن تعلم أن النشاط المعنى ينفذ في إقليمها.


==== الخاتمة :

====

في هذا البحث حاولت جاهدا وعلى خطى أساتذتي الأفاضل أن أقدم ما استطعت حلولا للاختصاصين القضائي والتشريعي للأضرار التي تقع على الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي بمناسبة عملهم المهني.


=== قائمة المراجع :

===

1. د.باسم خلف العساف ، حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة ، الطبعة الأولى ، دار زهران للنشر والتوزيع.

2. جميل حسين الضامن: المسؤولية الدولية عن انتهاك حماية الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة في ضوء أحكام القانون الدولي٬ ماجستير في القانون الدولي، دار الكتب القانونية، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر- الامارت٬ طبعة 2012 .


3. حماية الصحفيين ووسائل الإعلام في أوقات النزاع المسلح: الكسندر بالجي جالوا، مختارات من المجلة الدولية للصليب الأحمر 2004.

4. د. حسين عبد الله قايد ، حرية الصحافة ، دارسة مقارنة في القانونين الفرنسي والمصري ، دار النهضة العربية ، رسالة دكتوراه ، جامعة القاهرة 1994.


5. مصاب إبراهيم ، وضعية الصحفيين في ظل القانون الدولي مذكرة لنيل شهادة الماجستير في القانون فرع القانون الدولي و العلاقات الدولية جامعة الجزائر - كلية الحقوق - بن عكنون ، (2010-2011)

6. د. ليلـى عـبــد المجميد ، التـشــريـعــات الإعلامية ، جامعة القاهرة.


7. جوتيار محمد رشيد صديق , الحماية الدولية للصحفيين في مناطق النزاعات المسلحة , رسالة ماجستير غير منشورة , كلية القانون , جامعة بغداد , 1999.

8. د. أحمد أبو الوفا , الفئات المشمولة بحماية القانون الدولي الإنساني , القانون الدولي الإنساني , ط3 , اللجنة الدولية للصليب الأحمر , القاهرة , 2006.


9. د. صلاح الدين عامر , اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بملاحقة مجرمي الحرب , القانون الدولي الإنساني , ط3 , لجنة الصليب الأحمر , القاهرة , 2006 , ص 258 .

10. عبد القادر حويه ، الحماية الدولية للصحفيين ووسائل الإعلام في مناطق النزاع المسلح ، مزوار للطباعة والنشر والتوزيع ، الوادي ، الجزائر ، الطبعة الأولي


11. اتفاقية جنيف بشأن حماية المدنيين المؤرخة في 12 أغسطس 1949 .

12. البروتوكول الثاني الإضافي عام 1977 إلى اتفاقيات جنيف المعقودة في 12 أغسطس 1949 المتعلق بحماية ضحايا النزاعات المسلحة غير الدولية.


13. أحمد قسمت الجداوي دراسات في القانون الدولي الخاص ، الاختصاص القضائي الدولي والجنسية ، القاهرة 1986.

14. رقية عواشيرية، حماية المدنيين والأعيان المدنية في النزاعات المسلحة غير الدولية ، أطروحة دكتوراه ، كلية الحقوق ، جامعة عين شمس ، القاهرة 2001.


15. مصطفى أحمد فؤاد، الإطار العام للقانون الدولي الإنساني ، 2011.

16. عبد الرحمن أبو النصر ، إتفاقية جنيف الرابعة لحماية المدنيين لعام 1949م ، وتطبيقاتها في الاراضي الفلسطينية، جامعة الأزهر ، غزة، الطبعة الأولى ، 2000م.


17. د.جمال محمود الكردي ، حلول مشكلة الاختصاصين القضائي والتشريعي بدعاوى المسئولية والتعويض عن مضار التلوث البيئي العابر للحدود ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2015.

18. كريمه مزور، دور المنظمات الدولية الإعلامية في حماية حقوق الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة ، بحث مقدم لنيل درجة دكتوراه علوم في الحقوق تخصص: قانون عام ، جامعـــــــة العربـــــي بـــن مهيــــدي ، الجزائر ، 2016- 2017.


=== قائمة مواقع الانترنت :

===

1. حماية الصحفيين والخط الساخن للجنة الدولية – أسئلة متكررة https://www.icrc.org/ar/document/hmy-lshfyyn-wlkht-lskhn-lljn-ldwly-syl-mtkrr

2. موقع منظمة مراسلون بلا حدود http://ar.rsf.org

3. موقع الاتحاد الدولي للصحفيين باللغة العربية http://ifj-arabic.org

4. موقع اللجنة الدولية لحماية الصحفيين http://cpi.org

5. القانون الدولي الإنساني وحماية الإعلاميين الذين يغطون النزاعات المسلحة: كونت دورمان، الموقع الالكتروني للجنة الدولية للصليب الأحمر: www.icrc.org/ara/resource/document..

6. تقرير للجنة حماية الصحفيين منشور في ديسمبر 2018 https://cpj.org/ar/2018/12/030116.php#more


=== ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

===

1- د.باسم خلف العساف ، حماية الصحفيين أثناء النزاعات المسلحة ، الطبعة الأولى ، دار زهران للنشر والتوزيع ، 2010 ص 45.

2- جميل حسين الضامن: المسؤولية الدولية عن انتهاك حماية الصحفيين ووسائل الإعلام أثناء النزاعات المسلحة في ضوء أحكام القانون الدولي٬ ماجستير في القانون الدولي، دار الكتب القانونية، دار شتات للنشر والبرمجيات، مصر-الامارت٬ طبعة 2012 ص: 27 و28.

3- حماية الصحفيين ووسائل الإعلام في أوقات النزاع المسلح: الكسندر بالجي جالوا، مختارات من المجلة الدولية للصليب الأحمر 2004، ص غير متوفرة.

4- جميل حسين الضامن: مرجع سابق، ص: 28

5- جميل حسين الضامن: مرجع سابق، ص: 38

6- الكسندر بالجي جالوا: مرجع سابق، ص: 4

7- جمال حسين الضامن: مرجع سابق، ص: 38 و39

8- القانون الدولي الإنساني وحماية الإعلاميين الذين يغطون النزاعات المسلحة: كونت دورمان، الموقع الالكتروني للجنة الدولية للصليب الأحمر: www.icrc.org/ara/resource/document..

9- د. حسين عبد الله قايد ، حرية الصحافة ، دارسة مقارنة في القانونين الفرنسي والمصري ، دار النهضة العربية ، رسالة دكتوراه ، جامعة القاهرة 1994 ، ص 343 وما بعدها .

10- تقرير للجنة حماية الصحفيين منشور في ديسمبر 2018 https://cpj.org/ar/2018/12/030116.php#more

11- د.جمال محمود الكردي – حلول مشكلة الاختصاصين القضائي والتشريعي بدعاوى المسئولية والتعويض عن مضار التلوث البيئي العابر للحدود – دار النهضة العربية – القاهرة 2015 ص 18 ، 19