مستخدم:Ibrahim.behairy2020/ملعب

المدينة الإسلامية على مر العصــــور

عدل
        من الصعب دراسة التحولات العمرانية فى المدينة الإسلامية دون النظر إلى ماضيها قبل الإسلام وحاضرها القريب بعد الغزوة السياسية والثقافية التي تعرضت لها المنطقة من المغرب غرباً إلى العراق شرقاً. كما أنه من الصعب النظر إلى التحولات العمرانية للمدينة الإسلامية بشكل عام دون التعمق فى الظروف المحلية التي تأثرت بها كل مدينة على حدة، سواء ما نشأ منها كامتدادات للمدن التي كانت قائمة قبل الإسلام، أو ما نشأ منها كلية بعد الإسلام كتجمعات بشرية أقامها الولاة والحكام كعواصم إدارية لهم أو مستوطنات عسكرية مثل البصرة (14هـ -635 م) والكوفة (17هـ -641 م) والقيروان (48هـ- 670م) وغيرها. ومع ذلك فهناك ملامح عمرانية مشتركة تتميز بها المدينة الإسلامية، أهمها وجود المسجد الجامع كمركز للنشاط الديني والسياسي وتنتهي إليه الأنشطة التجارية والإدارية ، ومنها التركيب العمراني الذي يعكس التركيب الإجتماعى للسكان والذي يظهر فى تقسيمات المدينة إلى احياء وخطط أو حارات . كما أن هناك مسميات عامة للعناصر التخطيطية والمعمارية للمدينة الإسلامية التي إستمدت وصفها من إسلامية المجتمع الذي يسكنها.                                                                                 

لقد قسم هيوروبرت فى كتابه النمط العمراني فى الشرق الأوسط تطور مدن المنطقة إلى المراحل التالية: 1- مرحلة ما قبل الإسلام ( اى ماقبل عام 650 م ). 2- مرحلة العصور الإسلامية (من 650 م -1800 م). 3- مرحلة التدخل الغربي (من 1800 م- إلى 1950 م) 4- المرحلة المعاصرة (بعد عام 1950 م ).

        بهذا المنظور التاريخي يمكن متابعة التحولات العمرانية التي مرت بها المدينة الإسلامية . انه من الصعب تحديد الملامح العمرانية للمدينة فى المنطقة العربية قبل الإسلام نظراً لاندثار بعضها أو تطوير البعض الآخر بعد الإسلام. فمن المعروف أن معظم المدن التي أقيمت قبل الإسلام كانت فى أودية الأنهار مثل النيل أو دجلة أو الفرات . وكان الطابع الغالب على المستوطنات البشرية الرئيسية قبل الإسلام هو الطابع اليوناني الروماني الذي يعتمد على التخطيط الشطرنجي المتساوي التقسيمات مع وجود الأجورا أو (الفورم) كمركز إدارى وتجارى للمدينة، أما غير ذلك من المستوطنات فلم تتعد أن تكون تجمعات سكنية أشبه بالقرى عنها بالمدن مع وجود فراغات من الاراضي الفضاء بين بعضها البعض. وتظهر الدلائل الأثرية أن معظم مساكن هذه التجمعات السكنية كان لها أفنية داخلية بسبب الظروف المناخية والبيئية. كما كانت توجد أنظمة هندسية راقية لمد المدن بالمياه والري. فقد ظهرت المستعمرات اليونانية فى آسيا الصغرى وسوريا وفلسطين ثم فى أجزاء من مصر وشمال أفريقيا، وتبع ذلك امتداد الإمبراطورية الرومانية إلى مناطق شرق البحر المتوسط حيث شيدوا مدنهم فى المواقع الدفاعية كمراكز دفاعية تحولت بعد ذلك إلى مراكز تجارية تزخر بالأسواق والمصانع وتختلف المدن الرومانية عن المدن الأخرى جنوب البحر المتوسط وشرقه. إن التدرج الهرمي للمجتمع فى المدينة الرومانية كان واضحا بالنسبة للقرب من المركز الإداري للمدينة فالفئات الأعلى تسكن بالقرب من المركز ثم تأتى الفئات الأقل وهكذا. أما فى المدن الأخرى فكان التقسيم الإجتماعي مطبقا فى كل حي على حدة وهذا ما تميزت به المدينة الإسلامية فيما بعد. لقد بدأت مدن منطقة شرق البحر المتوسط فى التدهور حوالي عام 300 م .وأستمر هذا التدهور بعد ذلك مع ظهور الدولة القومية فى العراق وإيران وتقهقر الإمبراطورية الرومانية من المنطقة. وأستمر هذا الركود العمراني حتى عام 650 م وإنتشار الدولة الإسلامية غربا عبر شمال أفريقيا وتركيا، وشرقا عبر بلاد الفرس. وفى هذه المرحلة شهدت المنطقة أكبر نمو عمراني عبر تاريخها الطويل. الأمر الذي أعطى عمران الدولة الإسلامية خصائصه البيئية المتميزة. كما أتبعت التعاليم الإسلامية لإدارة المدن ببعدها الاجتماعي والحضاري وهذبت من كيان المدن التي فتحها الإسلام وأتجه معظم الحضر فى العصور الإسلامية ناحية الداخل بعيداً عن المدن الساحلية فأنتقل مقر الحكم فى مصر من الإسكندرية على الساحل إلى الفسطاط فى الداخل كما أنتقل مقر الحكم من تونس على الساحل إلى القيروان فى الداخل.                                                                                                              
       أن التكوين العمراني الإجتماعي للمدينة الإسلامية يصعب تحديده على أساس جغرافي كما هو الحال فى المدينة الغربية. فالترابط الإجتماعي والعرقي هو المكون لأحياء المدينة الإسلامية. لذلك فإن وحدة الفكر والعقيدة فى المجتمع الإسلامى والتي شكلت البناء العمراني للمدينة الإسلامية يربط ما بين الرباط فى المغرب غربا وبين مشهد فى إيران شرقا. كما يتميز النمط العمراني للمدينة الإسلامية كذلك بوجود سور يحيطها كخط دفاع عن المدينة بالإضافة إلى حمايتها من تلوث الهواء من غبار الصحراء. وتمتد الحركة فى المدينة الاسلامية – عند الدخول إليها من أبوابها الكبيرة – على طول القصبة الرئيسية للمدن حيث تتركز الأنشطة  التجارية. الأمر الذي يميزها بالاتجاه الطولي للاستعمالات التجارية. كما تمتد بنفس الصورة الأنشطة الحرفية فى شكل محلات وورش صغيرة متجاورة متعاونة مع بعضها فى إنتاج السلع المختلفة . ويحتل المسجد مركز المدينة فى منتصف القصبة وتتبعه المدارس الإسلامية، كما تتركز حوله الحرف المرتبطة بالنشاط المركزي مثل تجليد الكتب والخطاطين وصناعة السجاد أو الأنشطة الحرفية التي تسد حاجة الريفيين فتتجمع حول البوابات الرئيسية للمدينة . ومن القصبة التجارية الرئيسية للمدينة تتفرع الشوارع والطرقات التي تتجمع حولها الأحياء السكنية حيث الهدوء والسكينة والظلال والراحة النفسية والارتباطات الأسرية. وإذا كانت القصبة التجارية قد تغطى بعض أجزائها فإن الشوارع المحلية للأحياء أيضا قد تغطى بعض أجزائها كما هو موجود فى مدن شمال أفريقيا.                                                                               
        وتتميز حوائط الطرقات فى المدينة الإسلامية بالبساطة وقلة الفتحات والإرتفاع القليل الذي يتناسب مع عروض الشوارع . ومع بساطة التعبير المعماري للواجهات الخارجية فإن داخل المساكن يزخر بالثراء فى التفاصيل المعمارية والزخارف الداخلية وهذه ظاهرة تعلو وتهبط من منزل إلى آخر تبع لقدرة صاحب المسكن. وهكذا تتأكد روح المساواة والبساطة والتجانس فى الخارج كظاهرة إجتماعية مع ثراء الداخل تعبيرا عن الحرية الفردية . الأمر الذى يعكس القيم والتعاليم الإسلامية  الموجهة لحركة الفرد والمجتمع . ويعتبر الفناء الداخلي للمسكن ظاهرة اجتماعية تتواءم مع الحاجة المناخية.                             
        ويمتاز التشكيل العمراني للمدينة فى فترة العصور الإسلامية  بوجود عناصر معمارية متميزة تعبر عن محاولة الفكر المعماري لإيجاد الحلول المعمارية المناسبة لمناخ المناطق الجغرافية المختلفة فى العالم الإسلامى، ويعتبر الملقف من أهم هذه العناصر . والملقف يختلف فى تصميمه من منقطة إلى أخرى . ففي المناطق الحارة الجافة يوجه إلى ناحية الشمال حيث تهب الرياح معظم أوقات السنة بحيث يتم توجيه هذا الهواء من أعلى إلى أسفل ليمر على عناصر رطبة وذلك لزيادة نسبة الرطوبة في الهواء وبالتبعية لزيادة الإحساس بالبرودة فى أيام الصيف الحارة. وفى المناطق الأخرى الرطبة الهواء يوجه الملقف إلى أربع جهات حتى تزيد فرصه هبوب الرياح بحيث يتم توجيه هذا الهواء من أعلى إلى أسفل ليمر على مواد تمتص فيه الرطوبة فى أيام الصيف وبالتبعية يزيد الإحساس بالبرودة. وفى أحيان أخرى يمكن توجيه الهواء الجاف ليمر على خزانات مياه أسفل المباني لتزيد من رطوبته وفى نفس الوقت ليخفض من درجة حرارة المياه المخزنة، ويعنى ذلك أن العناصر المعمارية فى المدينة الإسلامية هي نتيجة طبيعية لتفاعل الإنسان مع البيئة من ناحية ولتجاوبه مع التعاليم الإسلامية والخصوصية من ناحية أخرى.
        واذا كانت القصبة التجارية تعتبر أهم الملامح العمرانية فى المدينة الإسلامية فان الميادين العامة بها لم تظهر بنفس أهميتها فى المدن الغربية . وذلك باستثناء بعض الأمثلة مثل ميدان شاه في أصفهان بإيران بطول 510 م وعرض 165 م تحيطه العقود والمحلات التجارية ويطل عليه مسجد شاه عند مدخل السوق الرئيسي للمدينة والمغطى بالأقبية فى كثير من أجزائه.
        فى القرن السادس الميلادي بدأت المدينة الإسلامية تعانى من ظاهرة التوقف العمراني ، وذلك بسبب الظروف التاريخية التي تعرض لها العالم الإسلامى بعد ذلك ، مع بداية عصر المماليك ثم العصر التركي وما أصاب المدن فيها من تخلف إقتصادي أدى إلى التخلف العمراني هذا بالإضافة إلى تحول التجارة بين الشرق والغرب إلى الطريق البحري حول رأس الرجاء الصالح. فى هذه الفترة بدأت المدينة الإسلامية تعانى من نقص فى السكان بسبب الهجرة من الحضر إلى الريف، إذ كان أعداد سكان مدن مثل القاهرة وفأس وبغداد تقدر بمئات الآلاف قبل القرن السادس عشر هبطت إلى حوالي المائة ألف فى مائتي الف ثلاثمائة سنة. كما تعرضت بعض المدن الإسلامية مثل حلب وبغداد بعد ذلك إلى إنتشار الطاعون الذي أدى إلى فقدان عدد كبير من سكانها ومع إنهيار الإمبراطورية التركية فى القرنين السابع والثامن عشر تعرضت المدن الإسلامية إلى حالات من الفوضى العمرانية. وهكذا كان العصر الذهبي للمدينة الإسلامية فى الفترة بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر حيث شهد العالم الاسلامى طفرة كبيرة من النمو الاقتصادي صحبه طفرة من التقدم العلمي والفني والحضاري . وإستمرت المدينة الإسلامية بعد ذلك فترة تتراوح بين أربعمائة وخمسمائة سنة من الركود الحضاري والعمراني لم يضاف فيها أى معالم عمرانية على المدينة الإسلامية. وأستمر هذا الحال حتى القرن التاسع عشر عندما بدأت تظهر آثار الثورة الصناعية فى أوروبا والتي تبعها مرحلة النمو الإقتصادي والتوسع الإستعماري، الأمر الذي أحدث تحولات جذرية فى المدن الإسلامية بعد ذلك .  ولم تظهر هذه التحولات فى النواحي العمرانية فقط بل امتدت أيضا إلى الجوانب الاجتماعية والنظم الاقتصادية وتقهقرت بذلك القيم التي كانت تسود المدينة الإسلامية من قبل. ففقدت المدينة الإسلامية بذلك شخصيتها الحضارية ومقوماتها العمرانية.
        فى عام 1798 دخل نابليون مصر وكان ذلك التاريخ بداية للتغريب الحضاري والعمراني للمدن الإسلامية، وتبع ذلك بفترة دخول الانجليز إلى المنطقة . وأنتهت بذلك الصورة التقليدية للمدينة الإسلامية خاصة فى الإمتدادات الجديدة  التى ظهرت خارج نطاق المدن القديمة وإن كان هذا التأثير قد إمتد إلى داخل بعضها أثناء فترة الإستعمار الغربي بين عامي 1800 ،1950 حيث ظهر التأثير الغربي على المدن الإسلامية واضحا فى المدن المصرية حيث تركزت معظم الأنشطة الاقتصادية والصناعية. الأمر الذي ساعد على النمو السكاني والعمراني الكبير خاصة فى القاهرة التي زاد تعدادها من 260,000 نسمة عام 1800 م إلى أكثر من 2 مليون نسمة عام 1950 م . وفى نفس الفترة شهدت العديد من المدن سوريا وتركيا والجزائر نفس الظاهرة ولكن بمعدلات مختلفة من التطور.                                                                                                      
        بدأت مدينة القاهرة تتعرض للتغريب العمراني – كما يقول دكتور خالد زيادة فى مقالة فى مجلة الفكر العربي (29) – مع الحملة الفرنسية (1798 – 1801) عندما شهدت محاولة لإخضاعها للنموذج العمراني الأوروبي. فقد عمد الفرنسيون إلى القيام بعمليات واسعة النطاق تشمل هدم المباني وتوسيع الطرقات وبناء المباني والجسور وإدخال نماذج من الإنشاءات لم تكن معروفة فى القاهرة من قبل. وتجاوزت الإجراءات الفرنسية النطاق العمراني لتصل إلى مجالات الإدارة المدنية والحياة الإجتماعية . وكما يقول المؤرخ عبد الرحمن الجبرتى فى كتابه " تاريخ عجائب الآثار فى التراجم والإخبار" لقد شرع الفرنسيون فى تكسير أبواب الدروب والعطف والحارات كما صعدوا إلى القلعة وغيروا بعض أجزائها وهدموا قصر يوسف صلاح الدين . ومع تواجد الفرنسيين بدأت بعض الجاليات الأجنبية المقيمة فى مصر من قبل فى فتح عدة محلات لبيع الأشربة والأطعمة والخمور. أما فى مجال الإدارة فقد أتخذوا بعض التدابير التي تحكم تواجد الأغراب بالمدينة أو دفن الموتى قرب المساكن أو تثبيت الملكية أو إصدار وثائق الشخصية مع إستخراج شهادات الميلاد للمواليد الجدد. كما نادوا فى الأسواق بنشر الثياب والأمتعة لذهاب العفونة الموجبة للطاعون . وانشئوا ديوانا سموه محكمة القضايا . وفى نفس الوقت " شرعوا- كما يقول الجبرتي – فى هدم أخطاط الحسينية وخارج باب الفتوح وباب النصر من الحارات والبيوت والمساكن والمساجد والحمامات والحوانيت والأضرحة وردموا مكانها بالأتربة الممهدة على خط معتدل من الجانبين وهكذا بدأوا في شق الطرق وإنشاء الجسور وزرع الأشجار على جوانبها وفى نفس الوقت استخدم الفرنسيون الأجانب المقيمين فى مصر ومن فى ملتهم لتثبيت حكمهم وأفاضوا عليهم من الخيرات والثروات.                                                                                
          لقد استدعت النظم الحديثة فى مد المدن بالمرافق والخدمات العامة إيجاد نمط جديد فى التخطيط العمراني يتعارض مع النمط التخطيطي للمدينة التقليدية القديمة. وهكذا ظهرت أنماط جديدة من التخطيط العمراني فى المناطق الجديدة وبذلك دخلت المدينة الإسلامية عصرا جديدا من التحول العمراني نتيجة للإنجازات التكنولوجية التي أنتقلت من الغرب لتوفير شبكات الطرق للسيارات ومد شبكات المرافق العامة. وصحب ذلك بالتبعية أنماط من العمارة الغربية ظهرت فى العديد من المباني العامة مثل البنوك والمحاكم والجماعات والمدارس والإدارات بل والقصور والمساكن الخاصة. الأمر الذي أثار حفيظة المفكرين والمعماريين فى العالم الاسلامى وسعيهم للبحث عن صيغة يعود بها الوجه الحضاري للمدينة الإسلامية المعاصرة ملتزما بالقيم والتعاليم والمناهج الإسلامية. وهو الأمر الذي أصبح مرتبطا فى الأساس بالتحويلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لبناء الحضارة الإسلامية المعاصرة. 

[1]

  1. ^ www.cpas-egypt.com/Articles/Baki/articles_seminar/61.doc