"مستقبل اقتصاديات الدول الخليجية " مصدر الصورة : موقع نون بوست الإلكتروني" “ http://www.noonpost.org"

منذ عدة أشهر وبالتحديد في الربع الأخير من عام 2015م، حدثت مفاجئة من العيار الثقيل للدول النفطية لاسيما دول مجلس التعاون الخليجي الذي أغرقها الطمع في الإعتماد شبه الكلي على النفط في دعم موازناتها وإقامة مشاريع وجاهة ووضعها لخطط تنموية طويلة الأمد وهي تعتمد على مصدر واحد لدخل وعدم الأخذ بسياسية التنويع الإقتصادي محمل الجد، الآن وبعد مرور هذه الفترة من إنخفاض أسعار النفط فهل الإجراءات التي أتخذتها حكومات هذه الدول أبلت البلاء الحسن أم أنها أغرقتها في مزيد من الديون للبنوك الغربية ؟ وما الذي قامت به حكومات هذه الدول لتجنب مزيدا من الإغراق بالديون الأجنبية أذا كانت بالفعل وقعت بالفخ الإقراضي ؟ وما مستقبل هذه الدول في ظل عدم وجود رؤية واقية تفتقر إلى أبسط عناصر الليونة للتكيف مع المتغيرات الإقتصادية الشبه يومية ؟ وهل حقا لشعوب هذه الدول قابلية لتكيف مع المتغيرات الإقتصادية الجديدة بعد ما عاشت على الرفاهية المفرطة ما يقارب خمسة عقود منصرمة؟ بدائل مؤقته في الواقع المتتبع في السياسات التي أتبعتها الدول النفطية (الخليجية) منذ بداية أنخفاض أسعار النفط كانت تركز على بدائل مؤقته التي يمكن الوثوق بها لدعم موازنتها الإ أن هذه البدائل بدأت في كثير من الحالات ليست كافية لتتحمل عبء ثقيل ألقي على عاتقها لسد عجز الموازنات المالية الضخمة التي أعتمدتها هذه الدول ، وقد أختلفت هذه الدول في وضع البدائل بين الإعتماد في الغالب على التجارة والصناعة والسياحة ، فلنبدأ بالسياحة ، وضعت معظم هذه الدول خططا لرفع مساهمة قطاع السياحة من دخلها الوطني من ثمانيات القرن الماضي الإ أن في الحقيقة معظم هذه الإستراتيجيات لم تكن مرضيا عنها، فهذه الدول في الواقع تتميز بالظروف البيئية الغير ملائمة لمنافسة أقطاب السياحة العالمية وهل يمكن بهذا الظروف أن تجلب الأفواج السياحية التي يمكن أن تحقق المردود الإقتصادي المرجوا منها ؟ فالسياحة البيئية لهذه الدول لا تؤهلها لمنافسة دول عدة تتميز بالمناخ البيئي الجذاب وتمتلك الخبرة والمواد البشرية لإنعاش قطاع السياحة ، ففي الحقيقة الدولة الخليجية تقع في نطاق المناخ الحار جدا و لها تجربة جديدة في إدارة قطاع السياحة وتحتاج إلى سنوات عدة حتى تستطيع منافسة أقطاب السياحة العالمية ، وقد أتجهت بعض الدول إلى إقامة المعارض والمؤتمرات فهي توفر قدرا من الجذب ولكن ليس بالمستوى المطلوب ،وبالتالي عنصر السياحة يبقى بعيد المنال حتى يكون هو المحرك الأساسي لدعم اقتصاداتها و موازناتها ، أما عنصر التجارة والصناعة فهما وجهان لعملة واحدة ؛ تقع معظم هذه الدول في مواقع حساسة لخطوط التجارة العالمية لاسيما موقع سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة . تسهيلات خجولة

نبدأ من سلطنة عمان فهي تشرف على مضيق هرمز الذي يعبر منه 40%  من التجارة العالمية وأنفتاحها على المحيط الهندي مما يؤهلها بأن تكون مركز تجاري عالمي تضاهي بولندا في أوروبا وماليزيا في آسيا إذا أحسنت إستغلال هذا الموقع المتميز ، وفي الآونة الأخيرة ظهرت المبادرات لإستغلال هذا الموقع من خلال إقامة الموانئ وتقديم بعض التسهيلات الخجولة والمتحفظة الى حد ما لجذب الاستثمارات الخارجية ، ولكن حتى الأن لن تصل إلى المستوى الذي يرضي بعض المستثمرين ذات الثقل العالمي  للإستثمار بشكل أوسع في جغرافيتها  .

رؤية 2030 أما موقع المملكة العربية السعودية ، فهي ذات مكانة سياسية وإقتصادية إقليمية وعالمية ،فقد قطعت شوط كبير في مجال الصناعة خلال السنوات القليلة الماضية ، وأدركت مؤخرا أهمية موقعها الجيوسياسي الذي يؤهلها بأن تلعب دور القوة الإقتصادية في المنطقة مدعومة بالحراك السياسي لها ، وخصوصا قربها من جمهورية مصر العربية ، بالإضافة إلى المقومات التي تتميز بها عن دول العالم الإسلامي، وقد أطلقت مؤخرا رؤية المملكة لعام2030. وهو مايجعلها محط أنظار العالم لما تحمله هذه الرؤية من إستراتيجيات تحمل في طياتها الأمل لإزدهار اقتصاديات المنطقة المرتبط بها وعلى الرغم من النظرة الإيجابية الى هذه الرؤية لا أن التنبؤ بنجاحها مرهون بتقلبات الأسواق العالمية . سيولة مالية ضخمة

أما دولة الإمارات العربية المتحدة فعمدت منذ بداية نهضتها على تنويع مصادر دخلها وهو الإعتماد على التجارة في المقام الأول مستفيدة من موقعها الإستراتيجي ، وأستطاعت أن تجذب الأستثمارات الخارجية نتجية التسهيلات التي تقدمها مما أهلها بأن تكون قبلة للمستثمرين من مختلف دول العالم ، وكان لعنصر التسهيلات وتقديم الحوافز للمستثمرين العامل الأول لتوسعة قاعدة التجارة لها وهو ما جعلها تتبؤ مكانة إقليمية وعالمية بين الدول الناشئة اقتصاديا وفي الآونة الأخير استطاعت أن تبهر العالم نتيجة دخولها في مجال استكشاف  الفضاء واعتمادها على الطاقة النووية كبديل لطاقة المستخدمة الآن وهو نتيجة لسيولة المالية التي تتمتع بها الدول ووقوفها في وجه دولة قطر المنافس الأقوى لها اقتصاديا.
وانتهجت دولة قطر السياسة الإقتصادية المفتوحة(السوق الحرة) لتستطيع بذلك سبق الدول الخليجية في جذب رؤوس الأمول الإجنبية لها مدعومة بإرتفاع صادراتها من الغاز الطبيعي الذي لازال يشكل عنصر قوة لإقتصاد دولة قطر ، أما دولة الكويت فهي دولة نفطية في المقام الأول وقد تكبدت ميزانيتها الاقتصادية التي وضعتها مؤخرا إلى مزيدا من الإغراق بالديون الأجنبية ، وهو مايتوقع تزايدها إذا لم تراجع تلك السياسات ولكن بالرغم من اعتمادها الشبة كلي الى النفط لإ أنها استطاعت تتخذ إجراءات تقشفية على خلاف دول خليجية أخرى ،  أما مملكة البحرين فتبقى سياستها الاقتصادية مرتبة بعض الشي بنجاح السياسة الاقتصادية لدول الخليجية وخصوصا المملكة العربية السعودية نتيجة لعلاقتها القوية بها .

تكتل اقتصادي خليجي والجدير بالذكر إلى أنه على الرغم من المساعي الحثيثة للإستفادة من تجارب بعض الدول الأخرى في مواجهة أزماتها الإقتصادية إلا أن لهذه الدول خصوصيتها الثقافية والإقتصادية وبالتالي على هذا الدول الخروج برؤية إقتصادية تحقق التعاون والتوازن والتكامل فيما بينها ، لتحقق لنفسها قدرا من الإستقلالية و الحماية من التبعية الإقتصادية للبنوك العالمية، فهناك ما يؤهلها بأن تكون تكتل إقتصادي متين وهو أستغلال القواسم المشتركة بين شعوبها حالها كحال بعض الدول التي قطعت شوط طويل في التعاون الإقتصادي لاسيما دول أمريكا الجنوبية التي شكلة تكتل اقتصادي وهو ما يسمى بــ (المير وكسور) و استطاعت ان تحفظ مكانتها كتكتل اقتصادي له ثقله العالمي المصنف في المرتبة الخامسة كأقوى التكتلات الاقتصادية ، وغيرها الكثير من النماذج الناجحة وبالتالي تستطيع الدول الخليجية أن تشكل تكتل اقتصادي مستغلة القواسم المشتركة بين شعوبها ويكون لهذه التكل عناصر قوة أساسها التجارة و الصناعة وتقديم التسهيلات الجمركية بين حدود هذه الدول التي تضمن لها نوع من الحماية لتصدير منتجاتها فيما بينها ، وبالتالي تنتقل من مرحلة التعاون إلى مرحلة التوازن والتكامل ولسد أحتياجاتها عن طريق تشجيع الصناعات المحلية لتحقق الأكتفاء الذاتي لها وأن تكون صناعاتها موجهة في المقام الأول لتصدير فيما بينها لتضمن مزيدا من الإنتاجية والإستثمار وبالتالي توفير مزيدا من فرص العمل والمضي قدما لتحقيق مزيدا من المشاريع التنموية وهو ما يؤهلها في استعادة الثقة في اقتصاداتها على المدى البعيد.


كتب: حمود العبري hamoodalabri@gmail.com