مستخدم:Abdallah elrefaey/ملعب

يستعمل القرآن الكريم بُنيةَ الكلمة استعمالاً في غاية الدقة والجمال: 1- فمن ذلك استعمال الفعل والاسم. فمن المعلوم أن الفعل يدل على الحدوث والتجدد والاسم يدل على الثبوت تقول: هو يتعلم وهو متعلم. فـ (يتعلم) يدل على الحدوث والتجدد أي: هو آخذٌ في سبي التعلم بخلاف: (متعلم) فإنه يدل على أنَّ الأمر تم وثبت وأن الصفة تمكنت في صاحبها. ومثله: هو يجتهد ومجتهد. وربما كان الأمر لم يحدث بعد ومع ذلك يؤتى بالصغية الاسمية للدلالة على أن الأمر بمنزلة الحاصل المستقر الثابت وذلك نحو قولك: أتراه سيفشل في مهمته؟ فتقول: هو فاشل وذلك لوثوقك بما قررته أي: كأن الأمر تم وحصل وإن لم يحدث فعلاً، ومن هذا الضرب قوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]. فهو لم يجعله بعد ولكن ذكره بصيغة اسم الفاعل للدلالة على أن الأمر حاصل لا محالة فكأنه تم واستقر وثبت. ومثله قوله تعالى لنوح عليه السلام: {وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُمْ مُّغْرَقُونَ} [هود: 37] فلم يقل: سأغرقهم أو إنهم سيغرقون. ولكنه أخرجه مخرج الأمر الثابت أي: كأن الأمر استقر وانتهى. ومثله قوله تعالى في قوم لوط عليه السلام: {وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُواْ إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هَاذِهِ الْقَرْيَةِ} [العنكبوت: 31] ولم يقولوا: سنُهلك. فذكرها بالصيغة الاسمية للدلالة على الثبات أي: كأن الأمر انتهى وثبت. فخلاصة الأمر أن الفعل يدل على الحدث والتجدد والاسم يدل على الثبوت والاستقرار. وقد استعمل القرآن الفعل والاسم استعمالاً فنياً في غاية الفن والدقة. فمن ذلك قوله تعالى: {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذالِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [الأنعام: 95]. فاستعمل الفعل مع الحي فقال: (يخرج) واستعمل الاسم مع الميت فقال: (مخرج) وذلك لأن أبرز صفات الحي الحركة والتجدد فجاء معه بالصغية الفعلية الدالة على الحركة والتجدد، ولأن الميت في حالة همود وسكون وثبات جاء معه بالصغية الاسمية الدالة على الثبات فقال: {وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ} [الأنعام: 95]. وقد تقول: ولماذا قال في سورة آل عمران: {وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ} [آل عمران: 27] بالصيغة الدالّة على التجدد في الموطنين؟ فنقول: إنَّ السياق في آل عمران يختلف عنه في الأنعام، وذلك أن السياق في آل عمران وهو في التغيير والحدوث والتجدد عموماً، فالله سبحانه يؤتي مُلْكه مَنْ يشاء أو ينزعه منه، ويُعِزُّ من يشاء أو يُذِله، ويغير الليل والنهار، ويخرج الحي من الميت، ويخرج الميت من الحي، وغير ذلك من الأحداث، فالسياق كله حركة وتغيير وتبديل فجاء بالصغية الفعلية الدالة على التحدد والتغيير والحركة. قال تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَآءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * تُولِجُ اللَّيْلَ فِي الْنَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي الْلَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران: 26-27]. في حين أن السياق في سورة الأنعام مختلف وليس السياق في التغييرات وإنما هو في صفات الله تعالى وقدرته وتفضله على خلقه. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذالِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ الْلَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذالِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام: 95-96]. فأنت ترى أنه بدأ الآية بالجملة الاسمية وكان مُسْنَدها اسماً أيضاً ثم جاء بعده باسمين آخرين هما (مخرج الميت) و(فالق الإصباح) ثم ذكر أنه (يخرج الحي) بالصورة الفعلية لما ذكرت من حركة الحي بخلاف ما في الآية آل عمران من دلالة على التغير والحركة. فالسياق مختلف ولذا تتوالى الأفعال في هذه الآية، فوضع كل صغية في المكان اللائق بها. ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَآءٌ عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنْتُمْ صَامِتُونَ} [الأعراف: 193]. "فَفرَّقَ بين طرفي التسوية فقال: (أدعوتموهم) بالفعل ثم قال: (أم أنتم صامتون) بالاسم ولم يسوِّ بينهما فلم يقل: أدعوتموهم أم صمتّم بالفعلية. أو: أأنتم داعوهم أم صامتون. وذلك أن الحالة الثابتة للإنسان هي الصمت وإنما يتكلم لسبب يعرض له. ولو رأيت إنساناً يكلم نفسه لاتَّهمته في عقله. فالكلام طارئ يحدثه الإنسان لسبب يعرض له ولذا لم يسوِّ بينهما بل جاء للدلالة على الحالية الثابتة بالاسم: (صامتون) وجاء للدلالة على الحال الطارئة بالفعل: (دعوتموهم) أي: أأحدثتم لهم دعاء أم بقيتم على حالكم من الصمت". جاء في (الكشاف) في هذه الآية: "إن قيل: هلا قيل: أم صَمَتُّم؟ ولِمَ وضعت الجملة الاسمية موضع الفعلية. قلت: لأنهم كانوا إذا حَزَبَهم أمر دعوا الله دون أصنامهم.. فكانت حالتهم أن يكونوا صامتين عن دعوتهم. فقيل: إن دعوتموهم لم تفترق الحال بين إحداثكم دعاءهم وبين ما أنتم عليه من عادة صمتكم عن دعائهم". ومن ذلك قوله تعالى: {ذالِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 131]. وقوله: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 117]. فقد جاء في الآية الأولى بالصغية الاسمية (مهلك) وفي الثانية بالصيغة الفعلية (ليهلك) وذلك أن الآية الأولى في سياق مشهد من مشاهد يوم القيامة عمّا كان في الدنيا قال تعالى: {وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَامَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِّنَ الإِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَآ أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَآ إِلاَّ مَا شَآءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ * وَكَذالِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ * يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَاذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * ذالِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ} [الأنعام: 128-131]. فقد ذكر صفة الله وهو أنه لم يهلك قوماً بظلم وهم غافلون لم يُكَلَّفُوا وليم يأتهم رسل ينذرونهم. فالذين لم ينذروا غافلون قال تعالى: {لِتُنذِرَ قَوْماً مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ} [يس: 6]. فهو في سياق أمرٍ ثبتَ واستقرَّ وانتهى فجاء بالصيغة الاسمية الدالة على الثبوت. في حين أن الكلام في سورة هود على هذ الحياة وشؤونها وذكر سنة الله في الأمم قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَآ أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ * وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ الَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ * وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ * فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ * وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: 112-117]. فهو - كما ترى - في سياق الدنيا وسنن البقاء فجاء بالصيغة الفعلية لأن الأمم تَحدثُ وتتجدج وتهلك ويأتي غيرها وهكذا. فجاء بالصيغة الدالة على الحدوث والتجدد (ليهلك). ثم انظر كيف جاء في الآية الأولى بـ (لم) الدالة على المضي (ذلك أنْ لم يكنْ رَبُّكَ) لأن الأمر حصل وتم في الدنيا فهو ماضٍ بالنسبة إلى الآخرة. وجاء ههنا بلام الجحود التي تدخل على الفعل المضارع للدلالة على الاستمرار والتجدد فقال: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَىا} [هود: 117]. أما ما ختم به كل آية من الآيتين فله كان آخر.