--123raghad ([[نقاش المستخدم:123raghad|نقا(ت ع م)

الإسلام بالمعنى العام هو:"التعبد لله تعالى بما شرعه من العبادات التي جاءت بها رسله، منذ أن أرسل الله الرسل إلى أن تقوم الساعة" فيشمل ما جاء به نوح صلى الله عليه وسلم من الهدى والحق، وما جاء به موسى، وما جاء به عيسى، ويشمل ما جاء به إبراهيم صلى الله عليه وسلم، إمام الحنفاء، كما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك في آيات كثيرة تدل على أن الشرائع السابقة كلها إسلام لله عز وجل. 

والإسلام بالمعنى الخاص بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم يختص بما بعث به محمد صلى الله عليه وسلم لأن ما بعث به صلى الله عليه وسلم نَسَخ جميع الأديان السابقة فصار من اتبعه مسلماً، ومن خالفه ليس بمسلم، لأنه لم يستسلم لله بل استسلم لهواه، فاليهود مسلمون في زمن موسى عليه الصلاة والسلام، والنصارى مسلمون في زمن عيسى عليه الصلاة والسلام، وأما حين بعث محمد صلى الله عليه وسلم فكفروا به فليسوا بمسلمين ولهذا لا يجوز لأحد أن يعتقد أن دين اليهود والنصارى الذي يدينون به اليوم دين صحيح مقبول عند الله مساو لدين الإسلام، بل من اعتقد ذلك فهو كافر خارج عن دين الإسلام، لأن الله عز وجل يقول: {إن الدين عند الله الإسلام}، ويقول: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه}. وهذا الإسلام الذي أشار الله إليه، هو الإسلام الذي امتن الله به على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته قال الله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً}. وهذا نص صريح في أن من سوى هذه الأمة بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا على الإسلام، وعلى هذا فما يدينون الله به لا يقبل منهم ولا ينفعهم يوم القيامة، ولا يحل لنا أن نعتبره ديناً قائماً قويماً، ولهذا يخطئ خطأ كبيراً من يصف اليهود والنصارى بقوله إخوة لنا، أو أن أديانهم اليوم قائمة لما أسلفناه آنفاً.

وإذا قلنا: إن الإسلام هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع، شَمِل ذلك الاستسلام له ظاهراً وباطناً فيشمل الدين كله عقيدة وعملاً وقولاً، أما إذا قُرن الإسلام بالإيمان فإن الإسلام يكون الأعمال الظاهرة من نطق اللسان وعمل الجوارح، والإيمان الأعمال الباطنة من العقيدة وأعمال القلوب، ويدل على هذا التفريق قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}، وقال تعالى في قصة لوط: {فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين. فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين}. فإنه فرَّق هنا بين المؤمنين والمسلمين لأن البيت الذي كان في القرية بيت إسلامي في ظاهره إذ إنه يشمل امرأة لوط التي خانته بالكفر وهي كافرة، أما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقاً الذين دخل الإيمان في قلوبهم ويدل لذلك -أي للفرق بين الإسلام والإيمان عند اجتماعهما- حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه وفيه أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت". وقال في الإيمان :"أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره".

فالحاصل أن الإسلام عند الإطلاق يشمل الدين كله ويدخل فيه الإيمان، وأنه إذا قرن مع الإيمان فُسِّر الإسلام بالأعمال الظاهرة من أقوال اللسان وعمل الجوارح، وفُسِّر الإيمان بالأعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد :


فقد كثر الكلام عن حكم التفسير العلمي التجريبي المادي للقرآن ، ووقع الناس فيه بين إفراط وتفريط ، وانقسم العلماء إلى مجيزين ومانعين ولذا فلا بد من بسط القول وذكر ما نراه في ذلك .

ونورد هنا مقتطفات من بحث "التفسير العلمي للقرآن بين المجيزين والمانعين" للشيخ محمد الأمين ولد الشيخ .

وقد لخص البحث في آخره، ونحن نقدم هذه الخلاصة ثم نعود إلى بعض التفاصيل قال في آخر البحث : والإعجاز العلمي يعني تأكيد الكشوف العلمية الحديثة الثابتة والمستقرة للحقائق الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة بأدلة تفيد القطع واليقين باتفاق المتخصصين . وتهدف دراسته وإجراء البحوث فيه إلى إثبات صدق محمد صلَّى الله عليه وسلَّم في ما جاء به من الوحي بالنسبة لغير المؤمنين ، وتزيد الإيمان وتقوي اليقين في قلوب المؤمنين وتكشف لهم عن عجائبه وأسراره ، وتعينهم على فهم حكمه وتدبر مراميه . ويعتمد الإعجاز العلمي على الحقائق المستقرة التي تثبت بأدلة قطعية ، ويشهد بصحتها جميع أهل الاختصاص ، دون الفروض والنظريات . كما يجب أن يدل نص الكتاب أو السنة على الحقيقة العلمية بطريق من طرق الدلالة الشرعية ، وفقاً لقواعد اللغة ومقاصد الشارع وأصول التفسير ، فإن خرجت الحقيقة العلمية المدعاة عن جموع معاني النص لم تكن حقيقة في الواقع ونفس الأمر . ويجب أن يكون الباحث في مجال الإعجاز العلمي في القرآن والسنة من العلماء المشهود لهم بالتأهيل العلمي في مجال تخصصه ، إضافة إلى قدرته على فهم النصوص الشرعية من مصادرها ، والاستنباط منها ، وفق قواعد اللغة وأصول التفسير، وعليه أن يستشير المتخصصين في العلوم الشرعية في ما يخفى عليه وجه الإعجاز فيه . ويستحسن أن تقوم بهذه البحوث مجموعات عمل تجمع الخبراء في العلوم الكونية والشرعية . وتقوم لجان الخبرة ومجموعات العمل التي تجمع المفسرين والعلماء الكونيين بإعداد البحوث وإجراء الدراسات في مجال الإعجاز العلمي، حتى توجد المؤسسات التعليمية التي تخرج العالم بمعاني التنزيل وحقائق العلم .اهـ

وقد ذكر جمعا من الفريقين -المجيزين والمانعين- فقال :

المجيزون للتفسير العلمي للقرآن الكريم : أما مجيزو التفسير العلمي وهم الكثرة ، فيمثلهم الإمام محمد عبده ، وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا ، والشيخ عبد الحميد بن باديس ، والشيخ محمد أبو زهرة، ومحدث المغرب أبو الفيض أحمد بن صديق الغماري ، ونستطيع أن نعد منهم الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، صاحب أضوء البيان في تفسير القرآن بالقرآن . وهؤلاء الذين يتبنون التفسير العلمي للقرآن يضعون له الحدود التي تسد الباب أمام الأدعياء الذين يتشبعون بما لم يعطوا . ومن هذه الحدود : 1- ضرورة التقيد بما تدل عليه اللغة العربية فلا بد من : أ) أن تراعى معاني المفردات كما كانت في اللغة إبان نزول الوحي . ب) أن تراعى القواعد النحوية ودلالاتها . ج) أن تراعى القواعد البلاغية ودلالاتها. خصوصاً قاعدة أن لا يخرج اللفظ من الحقيقة إلى المجاز إلا بقرينة كافية .

2- البعد عن التأويل في بيان إعجاز القرآن العلمي .

3- أن لا تجعل حقائق القرآن موضع نظر ، بل تجعل هي الأصل : فما وافقها قبل وما عارضها رفض . 4- أن لا يفسر القرآن إلا باليقين الثابت من العلم لا بالفروض والنظريات التي لا تزال موضع فحص وتمحيص . أما الحدسيات والظنيات فلا يجوز أن يفسر بها القرآن، لأنها عرضة للتصحيح والتعديل إن لم تكن للإبطال في أي وقت.


المانعون من التفسير العلمي: أما المانعون من التفسير العلمي فيمثلهم في هذا العصر شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت ، والأستاذ سيد قطب ، ود . محمد حسين الذهبي. وهؤلاء المانعون يقولون : 1- إن القرآن كتاب هداية ، وإن الله لم ينزله ليكون كتاباً يتحدث فيه إلى الناس عن نظريات العلوم ، ودقائق الفنون ، وأنواع المعارف . 2- إن التفسير العلمي للقرآن يعرض القرآن للدوران مع مسائل العلوم في كل زمان ومكان ، والعلوم لا تعرف الثبات ولا القرار ولا الرأي الأخير. 3- إن التفسير العلمي للقرآن يحمل أصحابه والمغرمين به على التأويل المتكلف الذي يتنافى مع الإعجاز ، ولا يسيغه الذوق السليم . 4- ثم يقولون : إن هناك دليلاً واضحاً من القرآن على أن القرآن ليس كتاباً يريد الله به شرح حقائق الكون ، وهذا الدليل هو ما روي عن معاذ أنه قال: يا رسول الله إن اليهود تغشانا ويكثرون مسألتنا عن الأهلة . فما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ، ثم ينقص حتى يعود كما كان . فأنزل الله هذه الآية : &64831; يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...&64830;(البقرة:189) . ولكن هل تكفي هذه الحجج لرفض التفسير العلمي ؟

1- إن كون القرآن كتاب هداية لا يمنع أن ترد فيه إشارات علمية يوضحها التعمق في العلم الحديث ، فقد تحدث القرآن عن السماء ، والأرض ، والشمس والقمر ، والليل والنهار ، وسائر الظواهر الكونية . كما تحدث عن الإنسان ، والحيوان والنبات . 2- ولم يكن هذا الحديث المستفيض منافياً لكون القرآن كتاب هداية ، بل كان حديثه هذا أحد الطرق التي سلكها لهداية الناس . 3- أما تعليق الحقائق التي يذكرها القرآن بالفروض العلمية فهو أمر مرفوض ، وأول من رفضه هم المتحمسون للتفسير العلمي للقرآن . 4- أما أن هذا اللون من التفسير يتضمن التأويل المستمر ، والتمحل ، والتكلف، فإن التأويل بلا داع مرفوض ، وقد اشترط القائلون بالتفسير العلمي للقرآن شروطاً من بينها أن لا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا إذا قامت القرائن الواضحة التي تمنع من إرادة الحقيقة . أما الاستدلال بما ورد في سبب نزول الآية : &64831; يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ &64830; فهو بحاجة إلى أن يثبت، وإلا فهو معارض بما رواه الطبري في تفسيره عن قتادة في هذه الآية: قالوا سألوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم جعلت هذه الأهلة ؟ فأنزل الله فيها ما تسمعون &64831; هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ...&64830; فجعلها لصوم المسلمين ولإفطارهم ولمناسكهم وحجهم ولعدة نسائهم، ومحل دينهم في أشياء، والله أعلم بما يصلح خلقه . وروي عن الربيع وابن جريج مثل ذلك . ففي هذه الروايات التي ساقها الطبري، أن السؤال هو : لم جعلت هذه الأهلة؟ وليس السؤال ما بال الهلال يبدو دقيقاً ثم يزيد حتى يستوي ويستدير ثم ينقص؟ . ولذلك فإنه لا دليل في الآية على إبعاد التفسير العلمي .


ثم قال الباحث: والخلاصـة : 1- أن التفسير العلمي للقرآن مرفوض إذا اعتمد على النظريات العلمية التي لم تثبت ولم تستقر ولم تصل إلى درجة الحقيقة العلمية . 2- ومرفوض إذا خرج بالقرآن عن لغته العربية . 3- ومرفوض إذا صدر عن خلفية تعتمد العلم أصلاً وتجعل القرآن تابعاً . 4- وهو مرفوض إذا خالف ما دل عليه القرآن في موضع آخر ، أو دل عليه صحيح السنة . 5- وهو مقبول بعد ذلك إذا التزم القواعد المعروفة في أصول التفسير من الالتزام بما تفرضه حدود اللغة ، وحدود الشريعة ، والتحري والاحتياط الذي يلزم كل ناظر في كتاب الله . 6- وهو – أخيراً – مقبول ممن رزقه الله علماً بالقرآن وعلماً بالسنن الكونية لا من كل من هب ودب ، فكتاب الله أعظم من ذلك . وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


وقد عقد المؤتمر العالمي الأول للإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مدينة إسلام آباد بباكستان في الفترة من 25-28 من صفر 1408هـ الموافق 18-21 أكتوبر 1987م ، وذلك تحت الرعاية المشتركة للجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد ، وهيئة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ، ورابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة .وقد اشترك في هذا المؤتمر 228 عالماً ينتمون إلى 52 دولة، كما شارك في هذا المؤتمر 160 مراقباً . ولقد قدم للؤتمر 78 بحثاً علمياً غطت 15 تخصصاً علمياً ، تم اختيارها من بين أكثر من 500 بحث وردت للجنة المنظمة للمؤتمر من كل أنحاء العالم .

وقد خرج المؤتمر بمجموعة من التوصيات كان أولها ما يلي :

يوصي المؤتمر الجامعات والمؤسسات التعليمية بالعناية بقضايا الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في مناهجها الدراسية ، والعمل على إعداد وتدريس مادة جديدة في كل كلية أو معهد تعنى بدراسة آيات وأحاديث الإعجاز العلمي الداخلة في تخصص هذه الكلية أو المعهد، وذلك لربط حقائق العلم بالوحي، تعميقاً للإيمان وتقوية لليقين في قلوب
الدارسين. اهـ

وقد ألف الشيخ عبد المجيد الزنداني كتابا مستقلا في تأصيل الإعجاز العلمي، ومما ورد في مقدمته قوله : وصف الإعجاز هنا بأنه علمي نسبة إلى العلم . والعلم : هو إدراك الأشياء على حقائقها. أو هو صفة ينكشف بها المطلوب انكشافاً تاماً.

والمقصود بالعلم في هذا المقام : العلم التجريبي. وعليه فيعرف الإعجاز العلمي بما يلي: تعريف الإعجاز العلمي: هو إخبار القرآن الكريم أو السنة النبوية بحقيقة أثبتها العلم التجريبي ، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا مما يظهر صدق الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في ما أخبر به عن ربه سبحانه.

لكل رسول معجزة تناسب قومه ومدة رسالته : ولما كان الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم يبعثون إلى أقوامهم خاصة ، ولأزمنة محدودة فقد أيدهم الله ببينات حسية مثل : عصا موسى عليه السلام ، وإحياء الموتى بإذن الله على يد عيسى عليه السلام ، وتستمر هذه البينات الحسية محتفظة بقوة إقناعها في الزمن المحدد لرسالة كل رسول ، فإذا حرف الناس دين الله بعث الله رسولاً آخر بالدين الذي يرضاه، وبمعجزة جديدة ، وبينة مشاهدة . المعجزة العلمية تناسب الرسالة الخاتمة والمستويات البشرية المختلفة: ولما ختم الله النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلم ضمن له حفظ دينه ، وأيده ببينة كبرى تبقى بين أيدي الناس إلى قيام الساعة ، قال تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ (الأنعام: من الآية19) ومن ذلك ما يتصل بالمعجزة العلمية .وقال تعالى: لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ(النساء: من الآية166) .

وفي هذه الآية التي نزلت رداً على تكذيب الكافرين ، بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم بيان لطبيعة المعجزة العلمية ، التي تبقى بين يدي الناس ، وتتجدد مع كل فتح بشري في آفاق العلوم ، والمعارف ذات الصلة بمعاني الوحي الإلهي .

قال الخازن عند تفسير هذه الآية : "لكن الله يشهد لك يا محمد بالنبوة ، بواسطة هذا القرآن ، الذي أنزله عليك" وقال ابن كثير: "فالله يشهد لك بأنك رسوله ، الذي أنزل عليه الكتاب ، وهو القرآن العظيم … ولهذا قال : أنزله بعلمه : أي فيه علمه الذي أراد أن يطلع العباد عليه ، من البينات والهدى ، والفرقان، وما يحبه الله ويرضاه ، وما يكرهه ويأباه ، وما فيه من العلم بالغيوب ، من الماضي والمستقبل.

وقال أبو العباس ابن تيمية : فإن شهادته بما أنزل إليه ، هي شهادته بأن الله أنزله منه ، وأنه أنزله بعلمه ، فما فيه من الخبر ، هو خبر عن علم الله ، وليس خبراً عمن دونه ، وهذا كقوله : فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ (هود: من الآية14) وليس معنى مجرد كونه أنزله أنه معلوم له ، فإن جميع الأشياء معلومة له ، وليس في ذلك ما يدل على أنها حق ، لكن المعنى : أنزله فيه علمه ، كما يقال: فلان يتكلم بعلم ، فهو سبحاه أنزله بعلمه ، كما قال:

قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ(الفرقان: من الآية6)

وإلى هذا المعنى ذهب كثير من المفسرين. وهكذا تسطع بينه الوحي ، المنزل على محمد –صلَّى الله عليه وسلَّم – بما نزله فيه من علم إلهي، يدركه الناس في كل زمان ومكان ، ويتجدد على مر العصور ، ولذلك قال:"ما من الأنبياء نبي إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحياً ، أوحاه الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة". قال ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث :"ومعجزة القرآن مستمرة إلى يوم القيامة ، وخرقه للعادة في أسلوبه ، وفي بلاغته ، وإخباره بالمغيبات ، فلا يمر عصر من الأعصار ، إلا ويظهر فيه شيء مما أخبر به أنه سيكون ؛ يدل على صحة دعواه … فعم نفعه من حضر ومن غاب ، ومن وجد ومن سيوجد" إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ*وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (صّ:88)، وبينة القرآن العلمية يدركها العربي والأعجمي ، وتبقى ظاهرة متجددة إلى قيام الساعة . ففي القرآن أنباء تعرف المقصود منها ، لأنها بلسان عربي مبين ، لكن حقائقها وكيفياتها لا تتجلى إلا بعد حين.قال تعالى :لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام:67)، قال الفراء في تفسير الحين الذي ذكرته الآية أنه :"بعد الموت وقبله، أي لتظهر لكم حقيقة ما أقول (بعد حين) أي في المستأنف." وذهب السدي الكبير إلى هذا المعنى، وقال ابن جرير الطبري ، بعد ذكر الأقوال المتعددة ، في تفسير الحين الذي ذكرته الآية : وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، أن يقال : إن الله أعلم المشركين بهذا القرآن أنهم يعلمون نبأه بعد حين ، من غير حد منه لذلك الحين بحد ، ولا حد عند العرب للحين، لا يجاوز ولا يقصر عنه ، فإذا كان ذلك كذلك ، فلا قول فيه أصح من أن يطلق ، كما أطلقه الله، من غير حصر ذلك على وقت دون وقت.

لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام:67) .وشاء الله أن يجعل لكل نبأ زمناً خاصاً يتحقق فيه ، فإذا تجلى الحدث ماثلا للعيان أشرقت المعاني ، التي كانت تدل عليها الحروف والألفاظ في القرآن ، وتتجدد المعجزة العلمية عبر الزمان ، وإلى هذا الزمن أشار القرآن في قوله تعالى: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (الأنعام:67) ويبقى النبأ الإلهي محيطاً بكل الصور ، التي يتجدد ظهورها عبر القرون.وقال ابن جرير الطبري :"لكل نبأ مستقر ، يقول : لكل خبر مستقر ، يعني قرار يستقر عنده ، ونهاية ينتهي إليها ليتبين حقه وصدقه ، من كذبه وباطله .وسوف تعلمون. يقول : وسوف تعلمون أيها المكذبون بصحة ما أخبر به". وقال ابن كثير : قال ابن عباس وغير واحد : أي لكل نبأ حقيقة ، أي لكل خبر وقوع ، ولو بعد حين ، كما قال تعالى: وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (صّ:88)

لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ(الرعد: من الآية38).

إلى هذا ذهب كثير من المفسرين.

أنباء الأرض والسماء في القرآن والسنة ، تتجلى في عصر الاكتشافات : وأن خبر القرآن والسنة ، وما فيهما من أوصاف لما في الأرض والسماء ، هو نبأ إلهي عما في الأرض والسماء ، ممن هو أعلم بما خلق فيهما من أسرار .ُقلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ(يونس: من الآية18)

فالخبر بما في الأرض والسماء ، نبأ عما في الأرض والسماء . ولقد زخر القرآن والسنة ، بأنباء الكون وأسراره ، وتفجرت في عصرنا علوم الإنسان ، باكتشافاته المتتالية ، لآفاق الأرض والسماء، فحان الحين لرؤية حقائق العلم، الذي نزل به الوحي في القرآن والسنة .حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ (فصلت: من الآية53).

ولقد أعلنت البشرية اليوم قبولها العلم طريقاً إلى معرفة الحق ، بعد أن كبلت طويلاً بأغلال التقليد الأعمى ، فشيدت للعلم البناء ، وفرغت لخدمته العلماء ، ورصدت له الأموال ، وما أن وقفت العلوم التجريبية على قدميها إلا وبدأت في تأدية رسالتها ، التي حددها الله لها في جعلها طريقاً إلى الإيمان به ، وشاهداً على صدق رسوله .

وقال الشيخ الزنداني أيضاً: الفرق بين التفسير العلمي والإعجاز العلمي فالتفسير العلمي : هو الكشف عن معاني الآية أو الحديث في ضوء ما ترجحت صحته من نظريات العلوم الكونية أما الإعجاز العلمي : فهو إخبار القرآن الكريم ، أو السنة النبوية ، بحقيقة أثبتها العلم التجريبي أخيراً، وثبت عدم إمكانية إدراكها بالوسائل البشرية ، في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهكذا يظهر اشتمال القرآن أو الحديث على الحقيقة الكونية، التي يؤول إليها معنى الآية أو الحديث، ويشاهد الناس مصداقها في الكون ، فيستقر عندها التفسير، ويعلم بها التأويل، كما قال تعالى: لِكُلِّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٌّ وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ(الأنعام:67)


وقد تتجلى مشاهد أخرى كونية عبر القرون ، تزيد المعنى المستقر وضوحاً وعمقاً وشمولاً لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أوتي جوامع الكلم فيزداد بها الإعجاز عمقا وشمولاً ، كما تزداد السنة الكونية وضوحا بكثرة شواهدها المندرجة تحت حكمها.

وقال : ولقد قامت هذه الأبحاث على قواعد نوجزها فيما يلي:- (أ) علم الله هو العلم الشامل المحيط الذي لا يعتريه خطأ ، ولا يشوبه نقص، وعلم الإنسان محدود ، يقبل الازدياد ، ومعرض للخطأ. (ب) هناك نصوص من الوحي قطعية الدلالة ، كما أن هناك حقائق علمية كونية قطعية. (ج) وفي الوحي نصوص ظنية في دلالتها ، وفي العلم نظريات ظنية في ثبوتها . (د) ولا يمكن أن يقع صدام بين قطعي من الوحي وقطعي من العلم التجريبي، فإن وقع في الظاهر ، فلابد أن هناك خللا في اعتبار قطعية أحدهما. (هـ) عندما يُري الله عباده آية من آياته ، في الآفاق أو في الأنفس مصدقة لآية في كتابه، أو حديث من أحاديث رسوله يتضح المعنى، ويكتمل التوافق ، ويستقر التفسير ، وتتحدد دلالات ألفاظ النصوص ، بما كشف من حقائق علمية، وهذا هو الإعجاز. (و) إن نصوص الوحي قد نزلت بألفاظ جامعة تحيط بكل المعاني الصحيحة في مواضيعها التي قد تتتابع في ظهورها جيلا بعد جيل . (ز) إذا وقع التعارض بين دلالة قطعية للنص ، وبين نظرية علمية رفضت هذه النظرية، لأن النص وحي من الذي أحاط بكل شيء علما ، وإذا وقع التوافق بينهما كان النص دليلا على صحة تلك النظرية ، وإذا كان النص ظنيا والحقيقة العلمية قطعية يؤوّل النص بها . (ح) وإذا وقع التعارض بين حقيقة علمية قطعية ، وبين حديث ظني في ثبوته ، فيؤول الظني من الحديث،ليتفق مع الحقيقة القطعية،وحيث لا يوجد مجال للتوفيق فيقدم القطعي .

وقال الشيخ الزنداني حفظه الله : وتتمثل أوجه الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في ما يلي: 1- في التوافق الدقيق بين ما في نصوص الكتاب والسنة، وبين ما كشفه علماء الكون من حقائق كونية ، وأسرار علمية لم يكن في إمكان بشر أن يعرفها وقت نزول القرآن . 2- تصحيح الكتاب والسنة لما شاع بين البشرية في أجيالها المختلفة ، من أفكار باطلة ، حول أسرار الخلق لا يكون إلا بعلم من أحاط بكل شيء علما. 3- إذا جمعت نصوص الكتاب ، والسنة الصحيحة ، وجدت بعضها يكمل بعضها الآخر ، فتتجلى بها الحقيقة ، مع أن هذه النصوص قد نزلت مفرقة في الزمن، وفي مواضعها من الكتاب الكريم ، وهذا لا يكون إلا من عند الله ؛ الذي يعلم السر في السموات والأرض . 4- سن التشريعات الحكيمة التي قد تخفى حكمتها على الناس وقت نزول القرآن، وتكشفها أبحاث العلماء في شتى المجالات. 5- في عدم الصدام بين نصوص الوحي القاطعة ؛ التي تصف الكون وأسراره، على كثرتها ، وبين الحقائق العلمية المكتشفة على وفرتها ، مع وجود الصدام الكثير، بين ما يقوله علماء الكون ، من نظريات تتبدل مع تقدم الاكتشافات، ووجود الصدام بين العلم ، وما قررته سائر الأديان المحرفة المبدلة.وصدق الله القائل : &64831; وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48)بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ(49)وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ(50)أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ(51)قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ(52) &64830; (العنكبوت:48-52). تنبيه : وكلامنا هنا محصور في قضايا الإعجاز العلمي؛ الذي تسفر فيه النصوص عن معان لكيفيات وتفاصيل جديدة عبر العصور ، أما ما يتعلق بالعقائد والعبادات ، والمعاملات والأخلاق ، فقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضح تفسيرها.


وقال الشيخ الزنداني حفظه الله : سرور رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بظهور التوافق بين الوحي ، وبين الواقع: روى مسلم في صحيحه عن فاطمة بنت قيس قال : … فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته جلس على المنبر وهو يضحك فقال : "ليلزم كل إنسان مصلاه. ثم قال: أتدرون لم جمعتكم ؟" قالوا : الله ورسوله أعلم. قال "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ، ولكن جمعتكم لأن تميما الداري ، كان رجلا نصرانيا ، فجاء فبايع وأسلم ، وحدثني حديثا وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال"، ثم ذكر لهم خبر تميم الداري ورحلته ؛ التي استغرقت أكثر من شهر في البحر، وجاءت موافقة لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم من قبل. وكان الناس يشككون في نسب أسامة بن زيد ، فعن عائشة رضي الله تعالى عنها – قالت : إن رسول الله دخل عليَّ مسروراً ، تبرق أسارير وجهه، فقال: ألم تري أن مجززاً نظر آنفا إلى زيد بن حارثة ، وأسامة بن زيد (وفي رواية، وعليهما قطيفة ، قد غطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما) فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض . وهكذا جاء الدليل من الواقع المشاهد ؛ ليحسم الخلاف ، فبرقت له أسارير وجه الرسول صلى الله عليه وسلم.

وكم يسر المؤمن في عصرنا ، وهو يشاهد حقائق الواقع، والمشاهدات الكثيرة، قد جاءت مصدقة لما جاء به الوحي، قبل ألف وأربعمائة عام.

فهذا تلخيص واف لأدلة المجيزين للتفسير العلمي وضوابط الأخذ به، ونحن مع هذا الرأي إذا انضبط بالشروط والقيود السابقة الذكر.

والله أعلم