مستخدم:هيا تركي الحربي/ملعب

الشاهد على العصر

يقول ابن خلدون: "إن فن التاريخ من الفنون التي تتداوله الأمم والأجيال وتُشد إليه الركائب والرحال، وتسمو إلى معرفته السوقة والأغفال، وتتنافس فيه الملوك والأقيال، وتتساوى في فهمه العلماء والجهال ، إذ هو في ظاهره لا يزيد على أخبار عن الأيام والدول ، والسوابق من القرون الأول" ،

متى بدأ تدوين التاريخ:

أول الأمم التي ظهر بها تدوين التاريخ هي تلك الحضارات البشرية التي ظهرت في محيطنا الإقليمي سواءً كانت في بلاد الرافدين أو في مصر وذلك في مطلع الالف الثالث قبل الميلاد ؛ حينما اخترع سكان بلاد الرافدين الخط المسماري واخترع سكان وادي النيل الخط الهيروغليفي.

ثم تلى ذلك التدوين عند العرب في شبه الجزيرة العربية حيث ظهر في البداية بصورة بدائية حيث كان الاهتمام قبل الإسلام بالأيام والأنساب لذا كانت الروايات الشفوية والقصص والاخبار تعتبر ملكاً مشتركاً للعائلة او القبيلة ولم تكن من اختصاص الافراد، وكان طبيعياً أن تتسم بالمبالغة والفخرة غير ذلك مما يلائم الاوضاع الاجتماعية السائدة لديهم حول الحسب والنسب ، إلى أن جاء الإسلام حيث تركز الاهتمام على السيرة النبوية وسيرة الصحابة وكتابة الغزاوت، وبرز الإسناد كعامل هام في كتابة التدوين التاريخي في هذه الفترة فقيمة الرواية أو الحديث تتوقف على مدى سلامة الإسناد وتسلسله واستخدام هذا الاتجاه الطبري وابن مسكويه وابن الاثير وأبو الفداء.

الصفات الواجب توافرها في " الشاهد على العصر":

"الشاهد على العصر" لا بد وأن يكون متحلي ببعض الصفات الضرورية، التي إن لم تكن لديه - كلها أو معظمها – فليسعى لاكتسابها ما دام قد رفع شعاره المرموق " أنا شاهد على العصر" .

فالتاريخ لا يُدرس عفواً ولا يكتب اعتباطاً، وليس كل من يحاول الكتابة في التاريخ قد يصبح مؤرخاً، كما يتصور كثيرٌ من الناس، أو كما يتخيل بعض الكتاب حينما يسطرون بأقلامهم صفحات طويلة عن حوادث ماضية أو معاصرة؛ ويعتقدون حينها أنهم بذلك أصبحوا مؤرخين أو شاهدين على العصر.

الصفات الواجب توافرها في " الشاهد على العصر":

• لا بد وأن يكون محباً للدرس، جلداً صبوراً، لا تمنعه وعورة البحث ولا مصاعبه ولا عقباته عن مواصلة العمل، ولا توقفه ندرة المصادر، ولا يصرفه عن عمله؛ غموض الوقائع التاريخية أو اختلاطها واضطرابها .
• ينبغي عليه ألا يتسرع أو يقتضب معلومة تعجيلاً لنيل منفعة، لأن هذا سيكون على حساب العلم والحقيقة التاريخية، فعلى الشاهد على العصر أن يكون أميناً مخلصاً فلا يكذب ولا ينتحل ولا ينافق أصحاب الجاه والسلطان ولا يخفى الوقائع والحقائق التي قد لا يعرفها غيره في بعض الأحيان، والتي قد لا ترضيه أو ترضى قومه، ومن يخرج عن ذلك لا يمكن أن يُعد شاهداً موثوقاً.
• ينبغي عليه أن يقضي الأسابيع والأشهر وهو يعمل ويرتحل من بلد لآخر، في وطنه وفى كل مكان يمكن أن يعثر فيه على ما يفيده .
• يجب على "الشاهد على العصر" أن تتوفر لديه ملكة النقد، فلا يجوز له أن يقبل كل كلام يُقال ولا أن يصدق كل وثيقة أو مصدر بغير الدرس والفحص والاستقراء، واذا فقد الشاهد ملكة النقد سقطت عنه صفته، وأصبح مجرد شخص يحكى كل ما يبلغه على أنه حقيقة واقعة، وليس بهذا يدرس أو يكتب التاريخ أو يُشهد على العصر.
• ومن الضروري على "الشاهد على العصر" أيضاً أن يكون بعيداً عن حب الشهوة والظهور، وألا يسعى من تلقاء نفسه إلى كسب الألقاب والجاه والمناصب، بل عليه أن يكرس نفسه لعمله العلمي في صمت وسكون، وليعلم بعد ذلك أن الألقاب ستأتيه راغمة !!
• كما أن عليه أن يكون - كغيره من رجال العلم - ذا عقل واعٍ مرتب منظم، لكي يستطيع أن يميز بجلاء بين الحوادث المختلفة، وينسق بتميز أنواع الحقائق المتنوعة.
• ومن الصفات الأساسية في "الشاهد على العصر" أن يحرر نفسه بقدر المستطاع من الميل والإعجاب أو الكره والبغض لعصر خاص أو لناحية تاريخية معينة.
• كما يجب عليه أن يكون صاحب إحساس عال ٍ وذوق رفيع وعاطفة جياشة وتسامح لطيف وخيال متدفق، بالقدر الذى يتيح له أن يدرك آراء الغير ونوازع الآخرين المختلفة.