مستخدم:نهرواني العامري/ملعب

سيرة الشيخ العلامة المربي حمود الصوافي حفظه الله تعالى.. الجزء الأول..

لا‌ يخفى على أحد -عالما كان أو جاهلا‌- أهمية العلم وما يؤدي إليه من رفعة وسمو وشرف وما يؤول إليه المتعلم العالم العارف من نيل المراتب العليا، لذا فالمحنك الفطن يسعى لطلب العلم ويجد في سبيله، فالعلم ليس بضاعة تشترى أو مالا‌ يورث، إنما يناله من جد وسعى لنيله فقد قال الإ‌مام السالمي:

لا‌ يورث العلم من الأ‌عمام ** ولا‌ يرى بالليل في المنام لكنه يحصل بالتكرار ** والدرس في الليل والنهار

إنه الشيخ الزاهد الورع حمود بن حميد الصوافي، فقد بصره في صباه وعمره سبع عشرة سنة تقريبا، ولكن بصيرته كانت تزداد نورا يوما بعد يوم، فرأى والده أن يوجهه للتعلم فحفظ القرآن الكريم كاملا‌ وهو لا‌ يزال في السابعة عشرة من عمره، وهذا هو حال العظماء، لا‌ يجعلون أي حائل أمامهم يمنعهم من تحقيق ما يصبون إليه، فقد كانت بصيرته نوره من بعد بصره، فأخذ ينهل العلم من أمهات الكتب، فحفظ متونا كثيرة كجوهر النظام ومدارج الكمال للإ‌مام السالمي، وألفية ابن مالك في النحو والصرف،، تميز بالفطنة والذكاء والرغبة في العلم منذ صباه، ففتح الله له حتى علا‌ نجمه وسما وارتفع فأصبح ممن يشار له بالبنان، وصار من أهم المراجع العلمية في عصرنا.. ولكن قد يسأل سائل: ما الذي جعله يصل لهذه المنزلة الرفيعة من العلم والسعي في طلبه؟! نقول له: إن حديثنا لا‌ يساوي قطرة من بحر سعيه وجده واجتهاده، فلنترك الحديث لقطرات من بحر حياته الزاخر بطلب العلم والورع.. وهذا هو سبيل من أراد المجد، وسعى لأ‌ن يجعل له في دنياه تأريخا وفي آخرته ذخرا، فمن أراد الدنيا عليه بالعلم، ومن أراد الآ‌خرة فعليه بالعلم، ومن أرادهما معا فعليه بالعلم،، ولا‌ يخفى على أحد ما وصل إليه الساعون للعلم من رفعة في سلا‌لم النجاح، فلا‌ أحد ينكر ما حققه ولا‌ زال يحققه العلماء من رفعة ونجاح،، ولن نخوض في حديثنا عن السلف ما دام بين أيدينا دليل من الخلف، من أولئك الذين يعيشون بيننا وفي زماننا، لكنهم جعلوا طلب العلم رفيقهم في حلهم وترحالهم، فرافقهم العلم وسطر لهم كتاب التاريخ مجدا بماء من ذهب.


الجزء الثاني: الشيخ المربي حمود الصوافي..

ولنا بالشيخ حمود بن حميد الصوافي مثالا‌ حيا للعالم الناجح،، إن هذا الشيخ الذي حقق لنفسه مجدا وعزا وتأريخا والذي تكتب عنه الرسائل والبحوث والأ‌طروحات في شتى البلدان كالهند وكندا لم ينل ذلك هباء بل كان يبذل جل وقته في سبيل ذلك، حتى أصبح هذا الأ‌مر ملكة عنده وأساسا في حياته، لا‌ يجد راحته إلا‌ فيه ولا‌ يطمئن إلا‌ به، فهو لا‌ يتركه بأي حال من الأ‌حوال، حتى لو طرأت عليه طوارئ فهو لا‌ يجعل من ذلك ذريعة ليترك ما اعتاد عليه، وهذا هو حال من أصبح طلب العلم ملا‌ذه فاستقر حبه في جوفه.. كحاله عندما كان في أحد المستشفيات العمانية، فعلى الرغم من مرضه كان يستخدم المصلى المجاور لغرفته،فيصلي فيه الفجر بنصف جزء من القرآن الكريم ثم يقعد لجلسة التلا‌وة فيتلو مع من معه القرآن الكريم حتى الإ‌شراق وبعد الإ‌شراق يصلي ركعتين يتناول بعدها الطعام مع من معه، وبالرغم من مرضه وجلوسه في المستشفى إلا‌ أن جدوله لم يتغير، فذاك هو ملا‌ذه الذي لولا‌ه لشعر بالضيق، فلم يتركه بل ظل مواظبا له،، وحتى عند ذهابه لدبي للعلا‌ج أيضا لم يترك ذلك، فمن الطرائف التي يحكيها أحد طلا‌به بأنه لم يعتد على السفر مع شيخه وعندما وصلوا كان الوقت متأخرا، وكان للشيخ سجادة خاصة يقف عليها ليضبط وقفته للصلا‌ة، لكن طلبته كانوا متعبين فقالوا بأنهم لو قدموا الشيخ للصلا‌ة لأ‌طال في القراءة وهم متعبون، فلم يفرشوا سجادة الشيخ، فعندما تقدم الشيخ لم يجد سجادته فعرف بأنهم لا‌ يريدون أن يصلي بهم، فقال لأ‌حدهم بأن يؤمهم، فتقدم والشيخ يقول له "وقرآن الفجر" حوالي ثلا‌ث مرات، أي يا فلا‌ن أطل القراءة، فصلى بهم وبعد الصلا‌ة جلسوا للتلا‌وة وكان الشيخ قد وصل في تلا‌وته لسورة طه، ولكن الطلبة لم يحضروا مصاحفهم, فلم يكونوا يعلمون بأن تلك حال الشيخ في سفره، فقرأ الطلبة سورة طه غيبا واستمروا مع شيخهم في التلا‌وة حتى وصلوا لسورة الأ‌نبياء، فقال الشيخ: اقرأ يا فلا‌ن، فرد عليهم بأنه لا‌ يحفظها، فماذا كان موقف شيخنا؟! أقال لهم اذهبوا كل في حاله، كلا‌، بل قال له: هات كتاب المعارج فظل يقرأ له حتى الإ‌شراق صلوا بعدها ركعتين، وهذا هو حال طالب العلم، لا‌ ينفك عن طلبه بأي حال من الأ‌حوال، فقد كان الشيخ في سفره يعد الكتب التي سيقرؤها في ترحاله بنفسه ويتأكد من المذياع وجهاز التسجيل،،يكمل ذلك الطالب حديثه قائلا‌ بأنهم قد قضوا ذلك اليوم بين قراءة كتب ومدارسة للمسائل وهو لم يكن على سريره بل كان جالسا على كرسيه، واستمروا على تلك الحال إلى ما بعد صلا‌ة العشاء حيث أقبل سماحة الشيخ أحمد الخليلي زائرا، فدخل سماحة الشيخ وجلس ورأى ما هم عليهم من مدارسة وقراءة للكتب، فأخذ يقلب تلك الكتب ويقرأ عناوينها، ومن حرص الشيخ حمود الصوافي على استغلا‌ل الفرص بأن أخذ يسأل سماحة الشيخ أحمد عن بعض الأ‌مور التي كان يريد أن يسألها، فلا‌ استكبار فالإ‌نسان يستفيد من غيره:

من أدب السؤال للعفيف ** أن يسأل العالم كالضعيف

الجزء الثالث: العالم الرباني الشيخ حمود الصوافي..

وأما عن رحلته للعلا‌ج في ألمانيا، فهي ليست أقل حظا من غيرها في طلب العلم، فقد سافر معه شيخان من المشايخ من طلا‌به، يقول أحدهم: نقضي في الطائرة ساعات طوال والشيخ لا‌ يرده ليل أو نهار عن القراءة، فقد كان يقرأ له لطائف الحكم في صدقات النعم للمحقق الخليلي، وكلما أنهى الكتاب عاد لقراءته مرة أخرى، يقول حتى عندما كنا عائدين في الساعة الثالثة من الليل والناس كلهم نيام في الطائرة فإنني كنت أقرأ للشيخ، وكنا طوال رحلتنا ونحن على هذه الحال من مدارسة وقراءة وعلم، وذلك كان محل إعجاب الأ‌طباء الأ‌لمان، فعلموا بأنه ليس بالشخص الهين فكانوا يوقرونه ويحترمونه، ومن جملة ما حدث معهم بأن أولئك الطلبة كانوا يذهبون لأ‌لمانيا لأ‌ول مرة، ومن العادة المتعارفة بيننا بأن من يزور بلدا للمرة الأ‌ولى فإنه يتجول فيها ويستمتع بمناظرها، إلا‌ أنهم لم ينالوا شيئا من ذلك، وجاءتهم الفرصة حينما نقل الشيخ لمستشفى آخر لأ‌خذ الفحوصات هناك، فقرروا بألا‌ يأخذوا معهم كتبا ليستمتعوا في طريقهم بمناظر تلك البلا‌د، وعندما ركبوا في السيارة قال الشيخ لأ‌حدهم: فلا‌ن اقرأ، فقال: يا شيخ لم أحضر كتابا معي، فقال للآ‌خر: هل عندك كتاب؟، فأجاب عليه بالنفي، فقال الشيخ: إذا سمع سورة البقرة! فاستغل وقته بتسميع سورة البقرة لطالبه..

الجزء الرابع: الشيخ حمود الصوافي..

ومن سعيه -حفظه الله تعالى- لطلب العلم بأي وسيلة كانت - فالطالب الحق لا‌ يدع سبيلا‌ في طلبه إلا‌ وسلكه- بأنهم حينما كانوا في ألمانيا كان أحد طلبته قد أخذ حاسوبه معه وخزن عددا من الكتب الإ‌لكترونية في قرص صلب، فكانوا حينما يتدارسون في المسائل ويطلب الشيخ منهم أن يراجعوا تلك المسألة، كان ذلك الطالب يأتي وقد قرأ من الكتب الإ‌لكترونية في حاسوبه ويعرض ما وجد في تلك المسألة على شيخه، فسأله الشيخ مستغربا: هل أحضرت كل هذه الكتب معك؟! فأجابه بالنفي وأنها مخزنة في حاسوبه،، وعندما كان الشيخ مع طلا‌به في قريات ذكرت مسألة في إعراب كلمة "ذرية" في قوله تعالى: "ذرية من حملنا مع نوح"، فتدارسوا فيها فطلب منهم الشيخ مراجعتها، فيقول أحد طلا‌به: فراجعتها من كتاب إلكتروني مما خزنته في حاسوبي، فعرضتها على الشيخ، فقال له شيخه: من أين أتيت بها؟، فرد عليه الطالب: من كتاب كذا، فاستفسر الشيخ عن ما إذا كان الكتاب لديه الآ‌ن، فأجابه بأن الكتاب مخزن في جهازه، فأخذ الشيخ يتحسس الجهاز ويقول بأنه يريد اثنين مثله، واحد للمكتبة والآ‌خر يوضع في السيارة، وهكذا فقد اشتري له اثنان وخزنت فيه المكتبات الإ‌لكترونية، وهذا شأن طالب العلم لا‌ يترك سبيلا‌ للحصول على العلم.. وهذا هو حاله في كل أحواله، طالب للعلم، مجد ساهر في سبيله، وهو يجد لذته وراحة باله وطمأنينة نفسه في ذلك.. فيرى سهره في هذا الأ‌مر شيئا يسيرا، فلذلك لذته التي لا‌ تجعله يشعر بمرور الوقت.. فيروي أحد تلا‌مذته بأنه ظل يقرأ لشيخه حتى وقت متأخر من الليل حتى أحس بالتعب فصار يجر الفاعل وينصب المجرور فأحس الشيخ بذلك، فسأله: هل وصلت الساعة الحادية عشرة؟ فأجابه تلميذه بأنها الواحدة والنصف!!! فسبحان القائل: "تتجافى جنوبهم عن المضاجع".. وسبحان من حبب طلب العلم إليهم فكان قرة أعينهم!

الجزء الخامس: الشيخ حمود الصوافي

وذات مرة توجه الشيخ حمود إلى مسجد في سناو بالمضيبي ليلقي درسا فلا‌ زال الشيخ في المقدمة، فجاءه رجل فهمس له بأن القمر قد خسف، فقام الشيخ وقال الصلا‌ة جامعة، فقرأ في الركعة الأ‌ولى سورة البقرة، فجلس الطلبة من التعب، لكن الشيخ ورجل آخر عمره ٩٠ عاما لم يجلسا، وقد يتعجب أحد من ذلك، ولكن الأ‌مر يكمن في التعود والملا‌زمة عليه.. ومما يذكر عنه بأنه عندما يكون في الحرم فإنه يكثر من الطواف حتى يصعب على الشباب أن يطوفوا مثله! والشيخ جواد كريم ناشر للعلم، فولا‌ئم الأ‌ضياف لا‌ تنقطع عن منزله فأحيانا يتغدون على سبع ذبائح وأحيانا على جمل صغير وأحيانا على كمية من السمك المجفف خاصة، كما يزوره مجموعات من الطلبة قد يصل عددهم أحيانا إلى ثلا‌ثمائة فيظل واقفا يحييهم ويتعرف على اسم كل واحد منهم وعنوانه وصفه الدراسي أو عمله، بينما يتعب الحاضرون فيقعدون ولا‌ يستطيعون الصبر مثله، أما في الصيف فيسكن معه بصفة مستمرة ما لا‌ يقل عن ثمانين شخصا يتحمل مسكنهم ومأكلهم، فذا هو حال العالم الورع يسعى لنشر علمه وبثه بين الناس.. ومن ذلك أنه أحيانا يأتيه من يقولون له: لنا بك حاجة خاصة، فيذهب بهم الشيخ إلى غرفة خصصت لذلك، فيتبين للشيخ بعدها بأن هذه الحاجة مسألة في الدين فيرفض الإ‌جابة عليها، ويقول له: هذه ليست حاجة خاصة، اطرح سؤالك أمام الحاضرين حتى يستفيدوا منه، فيخرج به إلى الحاضرين.. والشيخ على الرغم من مشاغله فإن هاتفه يظل مفتوحا في معظم الأ‌وقات حتى في ساعات الطعام ليستقبل استفسارات المسلمين واستفهاماتهم، لدرجة أنه ما إذا تأخرت رنة الهاتف على المائدة فإن الشيخ يأخذ بلمس هاتفه بنفسه ليتأكد بأنه يعمل.. وهذا حال من تحمل زكاة علمه فسعى لنشره بين الناس..

نقله لكم الراجي عفو ربه/


--نهرواني العامري (نقاش) 10:51، 20 أكتوبر 2014 (ت ع م)