مستخدم:محمد أبو المجد/ملعب
مقال الشاعر شعبان يوسف عن الشاعر المصري الراحل محمد أبو المجد والذي نشر في مجلة مصر المحروسة
هذا هو الإصدار الأول للشاعر الحبيب محمد أبو المجد.. وقد صدر ديوان (ورد الصمت) عام 1995، وقد أهداه الشاعر إلى حبيبته.. زوجته..( إلى..عبير.. كينونة العلاقة.. وبهجة الانشطار..وديمومة التحقق..وصوفية الوجد المتفرد.._زهرتى فى يديك..فرفقا بها_) ومن الواضح أن الشاعر كان يتكئ على تجربة رومانسية مفعمة ببعد صوفى.. ومشاعر تنبؤية متوجسة من مجهولات غامضة فى الكون والحياة، لذلك جاءت قصائده تحمل قدرا كبيرا من المجازات والمفردات البعيدة نسبيا عن الواقع الذى يصع الشاعر فى حالة اشتباك واقعية ..فمفرداته مثل النوارس والنعيب والجديب .. هى تلك المفردات التى كانت تحتملها قصيدة التفعيلة والتى كانت ماتزال قوية وسائدة آنذاك..وربما نلمح فى تجربة هذا الديوان أنفاس صلاح عبد الصبور، ولكن هذه الأنفاس لم تفقد قصائد أبى المجد خصوصيتها وبكارتها.. وعاش محمد أبو المجد تجربة إنسانية وفنية ووظيفية عامرة وغامرة بالمحبة والجمال الحقيقى والعطاء المثمر.. ولست متعاطفا مع الذين يعتبرون أبا المجد ضحية هذا أو شهيد ذاك.. لأنه كان يفعل كل ما يستطيع أن يفعله_مثل أى شخص محترم_ دون أن ينتظر مكافأة من هنا أو من هناك.. محمد حظى بمحبة لم يحد بها آخرون بشكل مطلق.. وعلينا أن نتعلم من محبته وننشرها ونكثف من نشر أشعاره التى لم يتعرف عليها الناس..لأنه كان يقدم الآخرين طوال الوقت دون أن يقدم نفسه.. أرجوكم قدموا أبا المجد الذى غاب عنا .قدموا محمد الشاعر والباحث والمسئول بعيدا عن ثعابين الغابة .. والحواة والاراجوزات والطبالين.. محمد يستحق أن محمد أنفسنا لكى نرد له بعض ما أعطانا بمحبة خالصة.. غاب محمد بجسده .. ولكنه يحضر بشعره ونبله وجماله.. وحاكموا البؤساء فى حفلة أخرى غير محراب محمد أبو المجد.. وهاهى إحدى قصائده من ديوانه الأول ..
ثيرا Image may contain: textمن روحه العظيمة.
(رحيل): النوارس راحلة والغمام الذى ظلل القلب حين الوجيب انزوى فى الغروب وأشعة شمس تعانق روحى فى فجرها آثرت .. أن تغيب لوحة رسمت.. حين حاصرتنى بالمودات عند انبعاث الحياة بقلبى الجديب ثم قلت "الوداع" وألقيتنى .. فى ضرام المغيب.
النوارس عائدة، فى انتظارك... صارخة فى المغيب وانثيال الأشعة فى موتها... ينحنى للهروب لم يعد هاهنا كائن يرتضى أن يواسى قلبى الوجيع ساءلتنى عيون المحارات: هل خمدت جذوة لابتسامك؟ فارقت الروح فى لحظة ... جسدا تعتريه الكروب؟ Image may contain: text
النوارس باكية.. فى نعيب.. حين عادت إلى مرفأ العيوب كانت الشمس، تسحب ذيل أشعتها والغمام يذوب مهجته كى يوارى _بجسمى_ بقايا الندوب فاجأتنى النوارس أن التى كنت عاشقها فى اغتر ابى.. ذوت لا تطيق عناق الغريب تسافر خلف سراب النهايات تترك عاشقها.. يكتوى... باللهيب!!
مقال الباحث والناقد مصطفى عبد الغني عن ديوان فقط يعوزه الحزن للشاعر محمد أبو المجد والذي نشر في صحيفة الأهرام
يمكن القول هنا أننا أمام نص ينتمى إلى الشعر، غير أنه لا ينتمى إلى أى جنس أدبى آخر وذلك ليس غريبا فبجانب الشعر نحن أمام الرمزالدرامى والرمزالملحمى والرمزالروائى مرورا من الأجناس الأدبية المعروفة، إلى شكل جديد يحمل جينات اليوميات والسيرة الذاتية والمذكرات والضمائر والرسائل، إلى غير ذلك في خطاب جديد.
إننا أمام شاعر –محمد أبو المجد – يمكن معه استبدال عنوان هذا الديوان «فقط.. يعوزه الحزن» إلى عنوان دال جديد لا يندرج تحت أى جنس أدبى معروف بقدر ما ينتمى إلى خطاب صاحب النص الذي استلهمه صاحبه من وعى الشاعرالعربى وأحزانه وتجلياته في بدايات القرن الحادى والعشرين عبر رموز دالة وأول ما يلفت النظر في هذا الديوان، أنه وضع أمام القارىء بشكل أقرب إلى السهل الممتنع، فالقارىء كما تؤكد الدراسات النقدية، هو الذى يتلقى النص لكنه هنا هوالشاعر الذى يتحول إلى قارىء أيضا، فأصبح هو الذى ينتج النص ويعبر به حتى أصبح «بتعبير نقدى معروف» أقرب إلى العازف الذى يؤدى القطعة الموسيقية وهوما نتعرف عليه في الديوان حين يتلاشى في الخطاب الأخير المعنى المباشر إلى المعنى الشمولى الذى يتحول القارىء/ المتلقي إلى رمز تال في معادلة النص الدال في السياق الأخير وهوما نستطيع معه أن نعاود الاقتراب من القراءة.
إن الشاعر هنا يقدم لنا خطابه عبر الرموز التراثية مرة حين يعلو الصوت «إلى هذه الدرجة يستطيع الله أن يهب عبدا /مثلى/ سرا وجوديا../ كليلى؟» ومرة: «أما أنت/ فلا تملك -عندها-/ سوى أن تصفها بـ»»Lady وهو معنى مواز لـ«ملكة الملكات» ليصل في مرة ثالثة: «ولم تكن حياة ما سرى في جسدى (وهويضمنى إليه) بل خدر كدبيب العشق/ شفت فيه «طوق الحمامة».
إنه الحس الشعرى الدال بين الذات والتراث، فالرمز يتماهى في الخطاب الواحد ثم هو يتماهى مع الرموز الدرامية كثيرا حيث تتناثر إشاراته ويحمل المتن العديد من الرموز الدرامية بين الأقواس وخارجها ، ثم هو يمرمن تلك الرموز التراثية والمسرحية إلى حالة تأكيد الدلالة سواء بتغيير البنط أو بتعدد الضمائر؛ فتغيير البنط يحمل المعنى الدرامى وتداعياته كأن نلتقى بين سطور قصيدة بعبارة (صدمة أولى هى المرة الثانية/ كأنك هارب من غابة الفتنة إلى جحيم جنتها) وفى مرة أخرى يبدأ القصيدة بعنوان يحمل هذه الرموز(؟؟) ويتهادى بعبارة: لماذا لا أعنون قصيدتى هذه باسمك.. لتسود علامات الصمت بإشارة طويلة (............/..........) ليهمس بعدها: هل أفعلها؟. وهوما يفهم معه أنه يقوم بتغيير البنط من آن لآخر وتغيير الدافع الإبداعى/الرقمى، مما يشير إلى أن الشاعر هنا استفاد بعالم الميديا ورموزها إلى حد بعيد وهو ما لم نتعرف عليه لدى شعراء الألفية الثالثة.
وقد وصل بنا التعبير إلى درجة إفادة الشاعر من معطيات عصره فتلمس في التعبير عن همومه الكثير من معطيات هذا العصر عبر إشارات رومانسية وتأملات فلسفية وأسرار شخصية فضلا وهو أكثر ما يلاحظ هنا، ذلك التعبير الدال حين يلاحظ تلمسه للإشارات الرقمية وأفادته منها فهو يحمل وعيا شديد بالثقافة العربية والغربية كارتجاليات شعرية للمتنبى ومقاطع دالة لشكسبير ثم – وهو اكثر ما يلاحظ هنا يتماهى مع هذا الوعى الفائق بلغة العصر وثقافاته الشعرية، خاصة وهو ينهى قصيدته الأخيرة عن سرقة الزمن وبندول الساعة الذى لايتوقف أبداعلى هذا النحو:
( يغوص في نوره ، يتـدثـر..، يتـمتـم يـرنـــــو، يصـعـــــد.. يــ.... ــصــ..... ــعــ...........ـــــــــد..،
. . . . . . . . .،
الديوان: فقط..يعوزه الحزن
الشاعر: محمد ابو المجد
الناشر: دار ميريت 2016
مقال الباحث عاطف عبد المجيد عن ديوان فقط يعوزه الحزن للشاعر الراحل محمد أبو المجد والذي نشر في صحيفة القدس العربي
يباً تفصلُ ما بين الديوان الأول (وِرْدُ الصمت) للشاعر محمد أبو المجد وبين ديوانه الثاني (فقط يُعْوِزه الحُزْنُ)،وهذا يعني فيما يعني أموراً عدة..منها أن مرحلة حمل جنين القصيدة وتأملها لدى الشاعر يستهلك مساحة زمنية طويلة بل طويلة جداً.كما يعني أن شاعرنا قد مسح ـ بممحاةٍ نظيفة ـ من قاموسه الشعري كلمتيّ الاستسهال والإسهال اللتين جنيتا على الشعر في الآونة الأخيرة. وكذلك يعني أن الشاعر ليس مَعْنياً تماماً ـ وبشكل مؤرِّق ـ بكمَِّ إنتاجه الشعري مثلما هو مَعْنيّ بكَيْفِه..وبهذا فهو ينظر إلى الشعر نظرة مغايرة لتلك النظرة التي ينظرها إليه كثير من الشعراء. وهنا يمكن لي أن أقول على لسان محمد أبو المجد: إن ديواناً واحداً جيداً يحمل توقيعي لهو أفضل عندي من عشرات الدواوين التي تُكتب في أيام قلائل وتُنسى في ثوان معدودة وبعد ذلك يظل أصحابها نادمين على كتابتها ما بقيوا على قيد الحياة.إنه يتبوأ في هذا الديوان مقعداً منعزلاً مبتعداً عن مقاهي الباقين الذين تتشابه نصوصهم حدَّ التطابق ليضفي على نصه /معشوقه الأثير مسحة شعرية تخصه وحده دونهم..ليولد النص حاملاً نكهة ومذاقاً ليس لهما اي صدى في الكتابات الأخرى. ونظراً إلى أن القصيدة لدى محمد أبو المجد تستغرق فاصلاً زمنياً ممتداً فإنها تُولد مُحمَّلة بالصورة الشعرية غير المكرورة والفكرة الطازجة واللفظة الحية المناسبة ـ إلى أقصى درجة ـ في موضعها: كيف لفنجان قهوة أن ينفث دخان الحقيقة في وجهكَ ويوزع مواطن الألم بالعدل )المشوب بالتآمر( على ساعات ترصد انهياركَ بعين وبالأخرى.. تبارك تخاذلك؟ (2) إن هذه القصائد التي يضمها (فقط يُعْوِزه الحزن)..لا يمكن لقاريء أن يفك شفرات مغاليقها بسهولة ويُسر من دون أن يبذل جهداً في تأمل أسرارها وخباياها..غير أن هذا لا يعني ـ من جهة أخرى ـ أن هذه القصائد تُبحر في لُجَج الإنغلاقية أو يمِّ الطلاسم..بل على العكس من ذلك..هي فقط تحتاج إلى قاريء مُدرَّبٍ قضى فترةً لا بأس بها من حياته في معكسر التذوق والتلقي الشعرييْن حتى يكون ممتلكاً لمعطياتٍ تمكنه وتؤهله للوقوف في محرابها الشعري والتفاعل معها وبصحبتها كما ينبغي. ومن هنا أقول إن القراءة السريعة غير المتأنية وغير المتأمِّلة لهذه القصائد من شأنها أن تظلمها ظلماً بيناً..ولا تقوم بالكشف عن جمالياتها الشعرية والبيانية والمجازية. (3) أول ما يُلفت النظر في هذا الديوان هو طريقة توزيع الأسطر الشعرية على فضاء الصفحة الأبيض..غير أن هذا التوزيع تم بشكل طيّع مما يُسهِّل تلقِّي القصيدة والتجاوب معها وبهذا هو لم يلجأ إلى الأشكال البهلوانية ـ التي يحتاج معها القاريء إلى مرشد يفسر له مغاليقها وربما لم يفهم ـ كما يفعل آخرون يقومون بتوزيع الأسطر الشعرية على فضاء الصفحة بشكل يصعب معه فهم من أين تبدأ القصيدة وأين تنتهي..وهذا يعني أن الشاعر قد استفاد من تقنية الطباعة لكن بشكل وُظِّف لمصلحة القصيدة وليس ضدها.كذلك تلفت النظر في هذا الديوان سلاسة الجمل والتراكيب الشعرية وانسجامية الإيقاع المرتبط بالحالة الشعورية للنص الشعري:
- عندما يخدش وعيي صمتك المفخخ
سيكون من السهل عليك اجتياز حقول الكآبة دون مقاومة متوقعة أو خسائر..تُذكر.
- حدثها عن النيل
سترى في وجهه ضحكة (ساشا( وستزغرد مياهه عندما تغمس إصبعها كم من الوقت تريد أيها العذاب لتلتقي بالشمس؟ (4) لا شك في أن قارىء قصائد فقط يُعْوِزه الحزن سيشعر برعشة تنتابه وهو ينتقل من سطر شعري إلى مثله ومن قصيدة إلى أخرى ومن تأويل دلالة مُكتَشفة إلى غيرها. هذه الرعشة ممتزجة بقدر من المتعة اللذيذة التي يحسها القاريء ويتذوق مفرداتها وهو يتعاطى نصاً يحمل فيما بين ثناياه كل وجوه الروعة والجمال. كذلك نجد أن أبو المجد في ديوانه هذا إضافة إلى أنه مولع بالسرد الذي يتخذه ثيمة في معظم قصائد الديوان..نجده مولعاً باستخدام الصورة الشعرية المركبة التي تتجاور جزيئاتها الصغيرة لتكون في النهاية الصورة الشعرية في نسختها الأخيرة: ما الذي منعك من طبع قُبلة هادئة على إصبعها المنفلت من يدك وأنت تصافحها.مودعاً ثم تلصق إصبعها برفق..على شفتيها وتخطف من عينيها نظرة عميقة تعبر بك الغياب الذي تهادنتما معاً. (5) في قصيدة ليلى يرسم الشاعر صورة جديدة لـ(ليلى) المعشوقة الأسطورية /الأنثى المُشتهاة /النصف الآخر المكمل لإنسان ليس عادياً..لإنسان شاعر..واصفاً إياها بالمرأة التي تزلزل غفوته وتتوغل داخله وتنتشي بروحه كما تحرض الشِّعر ضده وتربك عثراته المتفاوتة لمطاردة قصيدة تحاصره لليلة كاملة: كيف أستدرج ليل عينيها..ثانية وأتيقن من انفجار التاريخ عن أسطوريتها فأقتنص في لحظة.. روحها البعيدة كبئر والأليفة كعاصفة؟ ثم في نهاية القصيدة يصفها بأنها سر وجودي: أإلى هذه الدرجة يستطيع الله أن يهب عبداً مثلي سراً وجودياً..كـ(ليلى)؟! (6) كذلك نلمس في قصائد هذا الديوان حضوراً طاغياً للأنثى بمدلولاتها القريبة وبمدلولاتها البعيدة والتي تُوؤل وتُفسر بأشياء أخرى يتوق الشاعر إلي الوصول إليها وإلى الاقتران بها وهو يمارس طقوس الحياة بكل تفاصيلها.والأنثى ـ في مدلولها القريب ـ تشير إلى أكثر من كيان..فمرةً تكون هي الزوجة ومرة تكون هي الابنة ومرة أخرى تكون هي الأنثى الأسطورية والتي قد لا توجد سوى في الأحلام: عندما تلمس يدك موطن الألم في جسمي تنبت زهرة صبار بدلاً منه ويهدأ (فزع إنساني( كان يهددني بموت داخلي بطيء. وفي موضع آخر يقول: متى أرسم وجهك على قصيدة نثر؟ سأنشغل ساعتها عن تلك القصيدة وعن الكتابة بشكل عام فوجهك نافذة علوية. ثم يطمع الشاعر أو يطمح في رحلة تَقَرّبه منها لأن تكون هذه الأنثى له وحده دون سواه وهو لا يكتفي سوى بهذا: سأكتفي إذن بأن يصبح وجهك.. خاصاً بي وسأخدع القصيدة عندما أكتب فوقها جهة اليسار قليلاً اسمك! والأنثى كما يراها في قصيدة أخرى هي كائن نصف خرافي وفضاء يشبه اليقين.أنثى تحسده عليها بقية الإناث اللاتي تشتعل صدورهن ببارود الغيرة ولا يملك هو سوى أن يصفها بكلمة Lady.إنها هي تلك الأنوثة التي تقوم بقهر صمته وثرثرته بكثير من اللاوحشية واللا عفوية وكذلك اللا تكرارية: لم تكن مصافحة تلك بل انفجار عدمي عرَّى تاريخي وفضح أمامه محاولاتي الجامحة.. للنزوع إلى الأنثى. إنها الأنثى التي وهبها الله شفتين تقدران على بث قدر حان من الحياة وليونة تضع الدنيا بين أصابع الشاعر وكأنها عملة معدنية يلهو بها.والأنثى في إحدى صورها في هذا الديوان هي الابنة (مهيا) وهي إحدى امرأتين تمثلان جنتين يصطرع الشاعر فيما بينهما:امرأة جئتُ منها وامرأة صغرى جاءت مني. وها هو يقول في قصيدة تستطيعه مهيا جدا: أَأُتيتِ الحكمة على غفلة مني؟ واقتنصتِ بهاء الروح قبيل الآوان؟ لماذا إذن تنامين ..؟ أَلِتسكتَ ربات الحكمة عن بوحها؟ لتغيظي شيطانيْكِ لبعض الوقت أم لتقتلي مهرجان البيت.. بصمتك؟ (7) كذلك تُمثّل الإسكندرية بالنسبة إلى الشاعر أنثى مغايرة يشتهي لقياها والبوح بما في دواخله أمام بحرها ليزيح أو يزيل عن صدره هموماً تجثم فوقه منذ أزمنة شتى: أنت هناك لا تتذكر هيرودوت ولا قايتباي وتنسى تماماً (زنقة الستات) ومنزل سيد درويش المهدوم وتغيب عن وعيك محطة الرمل وميامي و(المعمورة) الخاوية. إذن ثمة وَلَهٌ يقطن في مخيلة الشاعر يدفعه دفعاً لمغازلة هذه المدينة ويحضه على محبتها: سينمو عشب نادر على شاطىء كامب شيزار وسيبهر المارة بابتساماته الرطبة ويفاجئهم بضحكة عاشقة ضحكة صغيرة وسريعة ومنتَزَعة تتوقف لها حركة المرور وعبث الموج وخشخشة الرمال.. في يكتبني فأعرف جسدي تقوم الذات الشاعرة بدور الأنا والآخر في الوقت نفسه..إذ تقوم بدور الأنثى بدايةً ثم بدور الذكر وتجري وقائع هذه القصيدة على طريقة المونولوج الداخلي: ما الذي جرى لي.. أنا البنت المتيمة به..؟! من سيعصمني من فوران تفاصيل هواه ويقودني فوراً إلى مهربه؟ ويأتي الدور على الذكر ليعلن أنه يفتقد هذه الأنثى في افتقاده للمرأة التي أعادها إلى جسده هواه.هذا هو الذكر نفسه الذي يعشق الشِّعر والجمال ويمتلك جهازاً سحرياً يستطيع إبطال مفعول الموت. (8) وهكذا طوَّف بنا الشاعر محمد أبو المجد على متن ديوانه (فقط يُعْوِزه الحزن) في عوالم متباينة..رافقتنا فيها روح العاشق مصطحباً معه أنثاه التي هي بمثابة المحراب الذي يُولِّي وجهه شطره ومُحلقاً بنا في أفضية شتَّى احتسينا منها متعةً لا حدود لها وإن كنا قد عُدْنا منها بقليلٍ من الشجنْ .