فاطمة الزهراء الرمنتة
( تشكك فوكوياما حديثاً في صحة نظريته " نهاية التاريخ " لكن أسبابه غير الأسباب التي نجملها في مقالتنا التالية) رأى صموئيل هنتنغتون، زميل فوكوياما في مادة الإقتصاد السياسي، أن هناك تواريخ عديدة (Histories) للبشرية لكل منها محركه الخاص به فهناك التاريخ القديم الذي تحرك بقوة رغبات وحسد الملوك والأمراء وتاريخ آخر تحرك بقوة صراع الأمم ثم تاريخ ثالث كان محركه صراع الإيديولوجيات وقد إنتهى مع نهاية الحرب الباردة ؛ والتاريخ الذي تخطه البشرية اليوم يتحرك بقوة صدام الحضارات كالصدام القائم اليوم بين الإسلام والحضارة الغربية المستندة إلى الديموقراطية الليبرالية . لم يقبل فوكوياما وكثيرون غيره مثل هذه القراءة للتاريخ ، فطالما يقص التاريخ تطور علاقة الإنسان بالطبيعة فلا يمكن أن تكون هناك أقاصيص متباينة لهذه العلاقة . لكن ، وقد ترتب عليه أن يعارض ماركس من أجل أن يصل إلى ذات النتيجة التي وصل إليها هنتنغتون وهي إنتصار الحضارة الغربية على ما عداها من حضارات وأن معارضة ماركس لا بدّ وأن تبدأ بتغيير محرك التاريخ الذي كان قد اكتشفه ماركس ، صراع الطبقات ، فقد قال فوكوياما أن للتاريخ محركاً واحداً هو التسلح (!!) وفي معرض إثباته لهذه " الحقيقة " قال أن التسلح هو المحصلة الناتجة عن قوتين مستقلتين هما (1) علوم الطبيعة الحديثة (Modern Nature Science) التي تكفل من جهة استمرار تقدم التاريخ وتوجيه مساره (Directionality) و (2) وعي الذات (Self-conscious) الذي يؤسس للصراع من أجل الإعتراف بالذات (Struggle For Self-recognition) وهو الخصيصة التي خص بها هيجل (Hegel) الإنسان من دون أقرانه في مملكة الحيوان . وعاد فوكوياما بهذه الخصيصة إلى خصيصة أخرى كان قد قال بها أفلاطون وهي نزعة الإنسان للسيادة والسيطرة (Mythos) ؛ وقد أخطأ باعتبارهما ذات الخصيصة علماً بأن معظم الحيوانات إن لم نقل جميعها تتحلى بهذه الخصيصة التي تنبثق من غريزة الصراع من أجل البقاء ، فلذلك نرى أن الأسود تحافظ على سيادتها المطلقة في عرينها ومثلها تفعل ذكور بعض أنواع القردة . وتتناطح أكباش الأغنام من أجل إعتراف القطيع بفحولة الكبش الأقوى . ومن الغريب أن يذهب فوكوياما هذا المذهب ، مذهب التسلح لضمان السيادة والبقاء ، في العام 92 بشكل خاص بعد أن انهار الإتحاد السوفياتي مباشرة وكان أقوى دولة في التسلح والعسكرة !!
ليس من فكرة ضمّنها فوكوياما في نظريته " نهاية التاريخ " لا تستحق النقض المطلق . لكن القيام بمثل هذا العمل يستوجب تسطير مئات الصفحات وهو ما لا تحتمله المقالة. لذلك نكتفي هنا بدحض أفكاره الرئيسية التي تشكل مفاصل أساسية في نظريته المحبوكة حبكة ضعيفة متهالكة .
الفكرة الأولى التي إنطلق منها فوكوياما وهي تغيير محرك عربة التاريخ ، الصراع الطبقي ، واستبداله بمحرك آخر آلته العلوم الطبيعية ويعمل على خصيصة الصراع لدى الإنسان من أجل الإعتراف بالذات ، هذه الفكرة تستند على إفتراضات غير قادرة على تفسير أسباب التوقف الفجائي لهذا المحرك عند نقطة معينة وعدم اشتغاله على الإطلاق إلا بعد ثورة إجتماعية وتغيير النظام الإجتماعي واستئصاله من جذوره . لو أن محرك فوكوياما هو المحرك الفعلي لعربة التاريخ لظلت هذه العربة تسير في خط واحد مستقيم دون توقف ولما تمرحل التاريخ تبعاً لذلك فعاشت البشرية عصراً طويلاً من العبودية ثم إنتقلت إلى عصر الإقطاع ثم إبتدأ عصر الرأسمالية بالميركانتيلية ؛ وظل يظهر في كل عصر طبقتان مختلفتان نوعاً عما سبقهما ، طبقة عليا تحكم وتمتلك الثروة وطبقة سفلى فقيرة ومحكومة . ثم لو كانت العلوم الطبيعية هي أساس التطور لما صادف التاريخ أية أزمات خلال رحلته المستمرة حيث أن تقدم العلوم لا ينعكس في أي شكل من أشكال الأزمة ، وفي مثل هذه الشروط لن يكون وارداً انهيار الإمبراطوريات القديمة ولكان العالم يعيش اليوم في ظل الإمبراطورية الرومانية أو حتى قبلها الفارسية أو الأشورية .
يجهد فلاسفة ما بعد الحداثة في معارضة ماركس ودحض فلسفته " المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية " فيلجأ معظمهم إلى القول بأن المعرفة هي محرك التاريخ كما قال فوكوياما عن علوم الطبيعة الحديثة . ويقتفي أنصارهم من الإقتصاديين أثرهم فيقولون ب " اقتصاد المعرفة " بزعم أن المعرفة قد غدت العامل الحدي في قيمة الإنتاج وليس الشغل كما افترض ماركس . واتساقاً مع هذه الطروحات قرر فوكوياما أن الإنسان ليس حيواناً إقتصادياً فقط بل هو قبل ذلك حيوان يعي ذاته (self-conscious) أي أنه ذو كبرياء وينزع إلى السيادة على سائر المحيطين به . وبهذا يعيدنا فوكوياما إلى الموضوعة الأثيرة لدى الفلاسفة المثاليين والتي تقول في النهاية أن " الله " خلق الإنسان في أحسن تقويم أو على صورته ومثاله أي بكامل وعيه ، مبتعداً بذلك عن ثنائية الإنتاج/المعرفة
المصدر :الحوار المتمدن - موبايل
نهاية التاريخ وفرانسس فوكويامافؤاد النمري2007 / 6 / 30