علم بيئة التربة

علم بيئة التربة هو علم دراسة التفاعلات بين بيولوجيا التربة وبين الجوانب الحيوية وغير الحيوية لبيئة التربة[1] وعلم مهتم بشكل خاص بدورة كيمياء جغرافية حيوية وتكوين واستقرار بنية المسام، وانتشار وحيوية مسببات الأمراض، والتنوع البيولوجي لهذا المجتمع البيولوجي الغني.

نظرة عامة

عدل

تتكون التربة من العديد من الكيانات الفيزيائية والكيميائية والبيولوجية، ومع حدوث العديد من التفاعلات فيما بينها تكون التربة عبارة عن مزيج متغير من المعادن المكسورة والمتآكلة والمواد العضوية المتحللة جنباً إلى جنب مع الكميات المناسبة من الهواء والماء توفر التربة جزئياً الغذاء للنباتات كدعم الميكانيكي.

يفوق التنوع والوفرة الحياة في التربة تنوع ووفرة أي نظام بيئي آخر، ويخضع تكون النباتات وقدرتها التنافسية ونموها إلى حد كبير للبيئة الموجودة تحت الأرض لذا فإن فهم هذا النظام يعد عنصراً أساسياً بعلوم النبات والبيئة الأرضية.

أحياء التربة

عدل

أحياء التربة كائنات ضرورية لتكون التربة، وتحلل القمامة، ودورة المغذيات، والتنظيم الحيوي وتعزيز نمو النباتات، ومع ذلك تظل كائنات التربة غير ممثلة بشكلٍ كافٍ في الدراسات حول عمليات التربة وفي تمارين النمذجة الحالية، وهذا نتيجة لافتراض أن الكثير من التنوع تحت الأرض زائد عن الحاجة بيئياً، وأن شبكات الغذاء في التربة تُظهِر درجة أعلى من النهم ومع ذلك تتراكم الأدلة على التأثير القوي للمرشحات غير الحيوية كدرجة الحرارة والرطوبة ودرجة حموضة التربة فضلاً عن خصائص موطن التربة في التحكم في أنماطها المكانية والزمانية.[2]

التربة أنظمة معقدة، وتكمن تعقيداتها في طبيعتها غير المتجانسة: أنها مزيجٌ من الهواء والماء والمعادن والمركبات العضوية والكائنات الحية، ويرتبط التباين المكاني سواء الأفقي أو الرأسي لجميع هذه المكونات بعوامل تكوين التربة التي تتراوح من المقاييس الدقيقة إلى المقاييس الكلية.[3] وبالتالي فإن التوزيع الأفقي غير المنتظم لخصائص التربة (درجة حرارة التربة، والرطوبة، ودرجة الحموضة، وتوافر النفايات/المغذيات، وما إلى ذلك) يدفع أيضاً إلى عدم انتظام كائنات التربة عبر المناظر الطبيعية،[4] وكان أحد الحجج الرئيسية لتفسير التنوع الكبير الملحوظ في مجتمعات التربة.[5] هو أن التربة تُظهِر أيضاً طبقات رأسية لمكوناتها الأولية على طول ملف التربة نتيجة للمناخ المحلي، وملمس التربة، وكمية الموارد وجودتها التي تختلف بين آفاق التربة، وعليه فإن مجتمعات التربة تتغير أيضاً في الوفرة والبنية قياسا مع عمق التربة.

الأحياء الكبيرة

عدل
 
الكائنات الحية الدقيقة في التربة، والتدرجات المناخية وتباين التربة تؤثر العوامل التاريخية، مثل المناخ والمواد الأم للتربة، على المناظر الطبيعية فوق وتحت الأرض، ولكن الظروف غير الحيوية الإقليمية/المحلية تقيد الأنشطة البيولوجية. وتعمل هذه العوامل على مقاييس مكانية وزمنية مختلفة ويمكنها تشغيل وإيقاف كائنات حية مختلفة في مواقع دقيقة مختلفة مما يؤدي إلى لحظة ساخنة في نقطة ساخنة معينة. ونتيجة لذلك، يمكن أن تحدث سلاسل غذائية صعودًا وهبوطًا على شبكة الغذاء. تظهر اللافقاريات في التربة. تشير القطع الناقص إلى البقع الساخنة (باللون الأحمر) أو الباردة (باللون الأزرق)، مع إعطاء الأسهم المنحنية بعض الأمثلة على العوامل التي يمكن أن تعمل على تشغيل/إيقاف لحظة ساخنة والأسهم السوداء المستقيمة (الخط الأسود المستمر = تشغيل، المنقط = إيقاف) توضح الآثار المترتبة على عمليات التربة على طول ملف التربة. في المربعات، يتم سرد خصائص النظام البيئي الرئيسية.

نظراً لأن كل هذه العوامل المحفزة لتغيرات التنوع البيولوجي تعمل أيضاً فوق سطح الأرض فإنه من المتوقع أن يكون هناك بعض التوافق بين الآليات التي تنظم الأنماط المكانية وبنية المجتمعات فوق وتحت الأرض، واسناداً لذلك كشفت دراسة ميدانية محدودة النطاق أن العلاقات بين تجانس وتغاير وثراء الأنواع قد تكون خاصية عامة للمجتمعات البيئية.[6] ، وعلى النقيض من ذلك أشار الفحص الجزيئي لـ 17.516 تسلسلًا لجين 18S rRNA  البيئي تمثل 20 شعبة من أحياء التربة تغطي مجموعة من المناطق الأحيائية وخطوط العرض حول العالم، وخلافاً ذلك كان الاستنتاج الرئيسي من هذه الدراسة هو أن التنوع الأحيائي تحت الأرض قد يكون مرتبطاً عكسياً بالتنوع البيولوجي فوق الأرض.[7][2]

يتناقض الافتقار إلى التدرجات العرضية المميزة في التنوع البيولوجي للتربة مع تلك الأنماط العالمية الواضحة التي لوحظت للنباتات فوق سطح الأرض وقد أدى ذلك إلى افتراض وجود عوامل فعلية مختلفة تتحكم فيها[8]، وعلى سبيل المثال في عام 2007 وجد لوزوبون ونايت أن الملوحة كانت العامل البيئي الرئيسي الذي يحدد تكوين التنوع البكتيري في جميع أنحاء العالم، وليس درجات الحرارة القصوى أو درجة الحموضة أو العوامل الفيزيائية والكيميائية الأخرى،[9] في دراسة عالمية أخرى في عام 2014 خلُص تيديرسو وآخرون إلى أن ثراء الفطريات لا علاقة له سببياً بتنوع النباتات ويمكن تفسيره بشكل أفضل بالعوامل المناخية تليها الأنماط البيئية والمكانية[10]

وإن الأنماط العالمية لتوزيع الكائنات الحية المجهرية موثقة بشكل أقل بكثير ومع ذلك يبدو أن الأدلة القليلة المتاحة تشير إلى أن كائنات التربة متعددة الخلايا تستجيب بشكل موسع للتدرجات الارتفاعية أو العرضية أو المساحة بنفس الطريقة الموصوفة للكائنات الحية فوق الأرض[11]، وعلى النقيض من ذلك وفق المقاييس المحلية يوفر التنوع العالي للموائل الدقيقة الموجودة عادة في التربة التقسيم المطلوب لإنشاء "نقاط ساخنة" للتنوع في غرامٍ واحدٍ فقط من التربة.[8][2]

الأحياء الدقيقة (الميكروبات)

عدل

تظهر التطورات الحديثة من دراسة الاستجابات على مستوى الكائنات الحية الفرعية باستخدام الحمض النووي البيئي الـ دي إن أي[12] أنها تتقدم بسرعة مع العديد من مناهج علم الجينوم، مثل علم الجينوم الميتاجينومي، وعلم الجينوم الميتاترانسكريبتومي، وعلم البروتينات، وعلم الجينوم البروتيني على الأقل بالنسبة لعالم الميكروبات.[13]، وقد تم اقتراح علم الجينوم الميتافينومي مؤخراً كطريقة أفضل لاحتواء علم الجينوم والقيود البيئية.[14]

البحث

عدل

تشمل اهتمامات البحث العديد من جوانب علم بيئة التربة وعلم الأحياء الدقيقة، ويهتم الباحثون بشكل أساسي بفهم التفاعل بين الكائنات الحية الدقيقة والحيوانات والنباتات، والعمليات البيوكيميائية التي تقوم بها، والبيئة المادية التي تتم فيها أنشطتها، وتطبيق هذه المعرفة لمعالجة المشاكل البيئية. تتضمن مشاريع البحث النموذجية فحص الكيمياء الحيوية والبيئة الميكروبية لتربة حقول الصرف الصحي المستخدمة لمعالجة مياه الصرف الصحي المنزلية، ودور ديدان الأرض الأنكيكية في التحكم في حركة المياه ودورة النيتروجين في التربة الزراعية، وتقييم جودة التربة في إنتاج العشب.[15]

مراجع

عدل
  1. ^ "Soil ecology". مؤرشف من الأصل في 2024-08-28.
  2. ^ ا ب ج Briones, Maria J. I. (7 Dec 2018). "The Serendipitous Value of Soil Fauna in Ecosystem Functioning: The Unexplained Explained". Frontiers in Environmental Science (بالإنجليزية). 6. DOI:10.3389/fenvs.2018.00149. ISSN:2296-665X. Archived from the original on 2024-08-28.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة الاستشهاد: دوي مجاني غير معلم (link)
  3. ^ Lin، Hangsheng؛ Wheeler، Dan؛ Bell، Jay؛ Wilding، Larry (25 مارس 2005). "Assessment of soil spatial variability at multiple scales". Ecological Modelling. Scaling, fractals and diversity in soils and ecohydrology. ج. 182 ع. 3: 271–290. DOI:10.1016/j.ecolmodel.2004.04.006. ISSN:0304-3800. مؤرشف من الأصل في 2024-09-02.
  4. ^ "Soil Ecology and Ecosystem services". مؤرشف من الأصل في 2024-09-02.
  5. ^ Nielsen، Uffe N.؛ Osler، Graham H. R.؛ Campbell، Colin D.؛ Neilson، Roy؛ Burslem، David F. R. P.؛ van der Wal، René (13 يوليو 2010). "The Enigma of Soil Animal Species Diversity Revisited: The Role of Small-Scale Heterogeneity". PLoS ONE. ج. 5 ع. 7: e11567. DOI:10.1371/journal.pone.0011567. ISSN:1932-6203. PMC:2903492. PMID:20644639. مؤرشف من الأصل في 2024-08-27.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة الاستشهاد: دوي مجاني غير معلم (link)
  6. ^ Nielsen، Uffe N.؛ Osler، Graham H. R.؛ Campbell، Colin D.؛ Neilson، Roy؛ Burslem، David F. R. P.؛ van der Wal، René (13 يوليو 2010). "The Enigma of Soil Animal Species Diversity Revisited: The Role of Small-Scale Heterogeneity". PLoS ONE. ج. 5 ع. 7: e11567. DOI:10.1371/journal.pone.0011567. ISSN:1932-6203. PMC:2903492. PMID:20644639. مؤرشف من الأصل في 2024-06-05.{{استشهاد بدورية محكمة}}: صيانة الاستشهاد: دوي مجاني غير معلم (link)
  7. ^ Wu، Tiehang؛ Ayres، Edward؛ Bardgett، Richard D.؛ Wall، Diana H.؛ Garey، James R. (25 أكتوبر 2011). "Molecular study of worldwide distribution and diversity of soil animals". Proceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America. ج. 108 ع. 43: 17720–17725. DOI:10.1073/pnas.1103824108. ISSN:0027-8424. PMC:3203765. PMID:22006309. مؤرشف من الأصل في 2024-07-15.
  8. ^ ا ب Bardgett، Richard D.؛ van der Putten، Wim H. (1 نوفمبر 2014). "Belowground biodiversity and ecosystem functioning". Nature. ج. 515: 505–511. DOI:10.1038/nature13855. ISSN:0028-0836. مؤرشف من الأصل في 2024-08-19.
  9. ^ "Temporal and spatial variability in soil food web structure". مؤرشف من الأصل في 2024-09-20.
  10. ^ "1 Global diversity and geography of soil fungi" (PDF). مؤرشف من الأصل (PDF) في 2024-02-03. {{استشهاد ويب}}: line feed character في |عنوان= في مكان 2 (مساعدة)
  11. ^ Decaëns, Thibaud (2010-05). "Macroecological patterns in soil communities". Global Ecology and Biogeography (بالإنجليزية). 19 (3): 287–302. DOI:10.1111/j.1466-8238.2009.00517.x. ISSN:1466-822X. Archived from the original on 2024-05-13. {{استشهاد بدورية محكمة}}: تحقق من التاريخ في: |تاريخ= (help)
  12. ^ "Environmental DNA – An emerging tool in conservation for monitoring past and present biodiversity". مؤرشف من الأصل في 2022-12-20.
  13. ^ "Soil as a Biological System and Omics Approaches". مؤرشف من الأصل في 2024-07-10.
  14. ^ Jansson، Janet K؛ Hofmockel، Kirsten S (1 يونيو 2018). "The soil microbiome   —   from metagenomics to metaphenomics". Current Opinion in Microbiology. Environmental Microbiology * The New Microscopy. ج. 43: 162–168. DOI:10.1016/j.mib.2018.01.013. ISSN:1369-5274. مؤرشف من الأصل في 2022-12-25. {{استشهاد بدورية محكمة}}: no-break space character في |عنوان= في مكان 21 (مساعدة)
  15. ^ "College of the Environment and Life Sciences". مؤرشف من الأصل في 2024-02-05.