شريعت سنكلجي
شريعت سنكلجي (الفارسية:شريعت سنگلجي)، في مدينة طهران عاصمة إيران عام 1308 هـ أو 1890 م) في بيت علم ودين، فقد كان والده الشيخ «حسن شريعت» وجدّه الحاج «رضا قلي» كلاهما من علماء الدين وفقهاء الشرع المعروفين في عصرهم؛ فدرس «شريعت سنگلجي» منذ نعومة أظفاره مقدّمات العلوم الشرعية، ثم بدأ بتحصيل علوم الفقه على يد الشيخ عبد النبي المجتهد النوري (1344هـ)، ودرس الفلسفة على يد الشيخ الميرزا حسن الكرمانشاهي (1334هـ) وأخذ علوم الباطن والعرفان (أي الفلسفة الصوفية) على يد الشيخ الميرزا هاشم الإشكوري (1332هـ)، كما تتلمذ على الشيخ علي النوري والشيخ الشهيد الشهير فضل الله النوري (1330هـ).[1]
شريعت سنكلجي | |
---|---|
معلومات شخصية | |
مواطنة | إيران |
تعديل مصدري - تعديل |
مع أخيه
عدلفي عام 1326 هـ، رحل «شريعت سنگلجي» برفقة أخيه الشيخ محمد سنگلجي إلى النجف لإكمال دراسته الدينية، حيث تتلمذ هناك على كبار علماء الحوزة العلمية في النجف مثل السيد ضياء الدين العراقي (1361هـ)، والعلامة والمرجع الكبير السيد أبو الحسن الأصفهاني (1365هـ). بعد أن أمضى سنوات في تحصيل العلوم الشرعية في النجف عاد سنگلجي إلى طهران عام (1340هـ)، واشتغل بالوعظ والخطابة الدينية وهو في الثلاثين من عمره، فكان يلقي دروساً في ليالي الجمعة في مسجد والده الشيخ حسن سنگلجي، وفي الوقت ذاته كان يحضر مجلس دروس التفسير لأسد الله خرقاني (1355هـ) وقد تأثر بمنهجه الإصلاحي التوحيدي. اتسعت مجالس تدريس وخطابة الشيخ سنگلجي يوماً بعد يوم ولم يعد يتّسع لها مسجد حي «سنگلج» الصغير الذي أصبح مركزاً لتجمُُّع الشباب المتدين والمثقف واتخذ عنوان «دار التبليغ الإسلامي» وتحول إلى قاعة كبيرة، ثم انتقل نشاط دار التبليغ هذه إلى مكان يقع في شارع «فرهنگ» جنوب طهران. نحى الشيخ «شريعت سنگلجي» منحى إصلاحي تجديدي في دروسه حتى يمكن اعتباره – كما يرى بعض الباحثين [2] - «مؤسّس المدرسة السلفية القرآنية الشيعية الحديثة» في إيران، فقد أكّد على أن التوحيد هو أساس الدين وركيزته، وأنه لا بد من العودة بالدين إلى نقائه الأول. ويمكن أن نستـنبط من خلال ما ذكره في مقدمة كتابه هذا الذي نقدم له - كتاب «توحيد العبادة» - أنه تأثر في هذا المجال بما رآه وقرأه من كتب عن التوحيد الخالص أثناء أدائه فريضة الحج مما يوزّع عادة في الحرمين في ذلك الموسم، فأثَّر ذلك في روحه تأثيراً عميقاً إلى درجة جعلته يرمي الخاتم - الذي كان يضعه في يده ليتبرك به ويحفظه في البيادي والبحار! – في الصحراء وهو في الحافلة في طريقه من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ويستغفر الله عما كان مبتلى به مما رآه متنافياً مع التوحيد النقي الخالص، وأصبح لدى عودته إلى إيران من دعاة التوحيد الناصع، ونبذ كل شكل من أشكال الشرك والغلوّ والخرافات التي رأى أنها منتشرة بشكل كبير بين العوام والجهلة من أبناء قومه. هكذا أصبح الشيخ «شريعت سنگلجي» من أعلام حركة التنوير والتجديد والإصلاح الديني في إيران التي يطلق عليها المؤرخون بالفارسية لقب «نوگرايي دينى» والتي كان أهم ما يميزها المناداة بالعودة إلى القرآن ونبذ الغلو الخرافات الكثيرة التي علقت بالدين عبر الأزمنة وتراكمت عليه كالغبار الكثيف فذهبت بجماله ونضارته ونقائه ونفَّرت المثقفين منه. وككل مصلح مجدِّد وُوجهت دعوة الشيخ «سنگلجي» بالرفض من جانب المؤسسة الدينية التقليدية الرسمية، ومورست عليه ضغوط كثيرة، حتى أنه يذكر في أحد كتبه أنه قد جرت محاولتان لاغتياله، بيد أنهما باءتا بالفشل.[3]
مع شاه إيران
عدلوقد صادف أن لاقت دعوته التجديدية والإصلاحية هذه استحساناً من شاه إيران آنذاك «رضا خان البهلوي»، الذي كان يسعى لإصلاح المؤسسة الدينية والحد من تدخلها في الأمور، ففسح له المجال للعمل في حين كان يضيِّق بشدة على سائر علماء الدين المناضلين ضد طغيانه، فكانت هذه النقطة مما أُخِذَ على «شريعت سنگلجي» حيث اعتبره بعضهم من حاشية ذلك الملك الظالم، مع أن هذه التهمة ليست منصفة إذْ لا يعني استفادة الشيخ من فرصة العمل الإصلاحي التي أتاحها له «رضا خان» أنه كان تابعاً له أو موافقاً على كل أفعاله وراضياً بها.
مؤلفاته
عدلألّف الشيخ «شريعت سنگلجي» كتباً عديدةً من أهمّها كتابه «توحيد عبادت» أي (توحيد العبادة) الذي نقدم له، والذي نقد فيه كثيراً من العقائد والممارسات التي أصبحت رائجة بين المسلمين لا سيما بين عوام الشيعة الإمامية عند مراقد أئمة أهل البيت عليهم السلام وذراريهم من تعظيمٍ للقبور وغلوٍّ بالأئمة وطوافٍ حول أضرحتهم وقبور ذراريهم المنتشرة في كل حدب وصوب ونَذْرٍ النذور لها وذبح القرابين باسمها والاستغاثةٍ بأصحابها لقضاء الحاجات وكشف الكُرَب والتوسل بالأحجار والأشجار والاعتقاد بالتنجيم والخرافات فبين أنها أعمال شركية تتنافى مع توحيد العبادة الذي هو أساس الإسلام، مما جعله يحسب على التيار المناصر للحركة السلفية في إيران آنذاك. أما الكتاب الأهم الآخر الذي ألفه «سنگلجي» والذي يكشف بوضوح عن منهجه الإصلاحي فكان كتابه: «كليد فهم قرآن» أي (مفتاح فهم القرآن)، حيث رأى سنگلجي فيه أن المسلمين هجروا القرآن، فكان نصيبهم الفشل والخسران، وأن الحّل الوحيد يكمن في الرجوع إلى الكتاب الكريم. إلاّ أنّ السؤال كيف يمكن فهم القرآن؟ هذا ما يجيب عنه «شريعت سنگلجي» بأخذ الدين عن السلف لا عن الخلف، أولئك ـ أي الخلف ـ الذين جاؤوا مع الفلسفة والتصوّف والاعتزال.[4] ولكي يؤسّس لمرجعية القرآن ودور السنّة الشريفة طرح في كتابه أفكاراً أساسيةً هامَّةً حول القرآن الكريم منها أن النص القرآني غير محرّف، ويذكر سنگلجي أدلّته على ذلك، وأن القرآن قابلٌ للفهم تماماً، لا يحتاج إلى غيره، وأن القرآن مستوعب لتمام قضايا الدين الأساسية، دون أن يعني ذلك التخلي عن السنة النبوية بل ينتقد سنگلجي تلك الحركة التي حاولت رفض السنّة الشريفة رفضاً مطلقاً، ويرى أنّ الحاجة قائمة لها، لكن القبول بمبدأ حجية السنّة، لا يعني تدخّلها في شؤون الدين كافّة، من هنا يطرح سنگلجي تفصيلاً في دور السنّة يتمثّل، برأيه، في الحاجة إلى السنّة في مجال الشرعيات، لأنّها تفصّل أمر الكتاب الكريم، أما العقائد الأساسية التي عليها مدار النجاة والهلاك فالقرآن تكفَّل ببيانها ولا حاجة ـ عند سنگلجي ـ للسنّة فيها.[5] ومن مؤلفاته أيضاً: كتاب «محو الموهوم»[6] يقع في 41 صفحة، نشره أحد تلامذته ومريديه ويدعى «حسين قلي مستعان» بعد سنة من وفاة الشيخ أي عام 1362 هـ وأثبت فيه وفاة الخضر وإلياس عليهما السلام ووفاة جميع الأنبياء بما في ذلك عيسى بن مريم عليهما السلام، وبحث بالتفصيل في الآيات المتعلقة برفع عيسى ورأى عدم دلالتها على بقائه حياً. كما أنَّه ألَّف كتاباً هاماً ردَّ فيه على عقيدة الرجعة، فقام تلميذه الشيخ «عبد الوهاب فريد التنكابني» بتوسعة الموضوع وتأليف كتاب مفصل وكامل في هذا الموضوع اسماه «الإسلام والرجعة»، نهج فيه نهج أستاذه في تفنيد هذه العقيدة من أساسها. لقد تحوّل سنگلجي إلى تيار في إيران، إذ وقع تحت تأثيره جماعة، واستمرّ تياره في النفوذ والتنامي داخل الوسط الديني في إيران حتى نهاية الخمسينات من القرن العشرين حين طغت عليه الأحداث السياسية للثورة الإيرانية، فغاب عن الواجهة. لكن عديداً من المثـقَّفين المتنوِّرين لا يزالون يهتمّون بكتاباته وكتابات المجدِّدين ودعاة تصحيح العقائد أمثاله وينشرونها خاصّة في العقدين الأخيرين. أنجب «شريعت سنگلجي» ولدين هما «محمد باقر» و«عبد الله». وتُوفي في طهران عام 1362هـ الموافق و1943م عن عمر لم يتجاوز الـ53 عاماً، ف وغفر له.[7]
المصادر
عدل- ^ كان الشيخ فضل الله نوري من علماء الشيعة البارزين والمناضلين في إيران وكان في بداية الأمر من أنصار الثورة الدستورية فيها في مطلع القرن العشرين، لكنه لما رأى ما آلت إليه تلك الثورة من تنحية الشريعة الإسلامية واستبدالها بالقوانين الوضعية أصبح من أشد المعارضين لها والمخالفين للديمقراطية الغربية، والمطالبين بتحكيم الشريعة الإسلامية في البلاد، وقد قبض عليه وحوكم بتهمة الخيانة ثم أعدم عام 1909م.
- ^ انظر: حيدر حب الله، «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، التَكَوُّن والصيرورة»، بيروت: مؤسسة الانتشار العربي، 2006م، ص 612 فما بعد.
- ^ شريعت سنگلجي، «كليد فهم قرآن»، ص 5-7.
- ^ شريعت سنگلجي، «كليد فهم قرآن»، ص 3- 4-5
- ^ المصدر السابق، ص 39-41.
- ^ هو غير كتاب «محو الموهوم وصحو المعلوم» الذي ألفه المرحوم آية الله السيد أسد الله خرقاني (المتوفى 1355هـ = 1936م)، والذي يقع في 382 صفحة، وموضوعه مختلف.
- ^ استقيت هذه الترجمة لحياة المؤلف من عدة مصادر أهمها: كتاب المؤرخ الإيراني المعاصر «رسول جعفريان» المسمى: «جريانها وسازمانهاى مذهبى-سياسى إيران» (أي التيارات والمنظمات الدينية-السياسية في إيران), طهران، نشر مؤرخ، ط 8، 1386هـ ش (2007م)، الفصل الثامن: التيارات المطالبة بإعادة النظر في عقائد الشيعة، ص 811 إلى 816. ومن كتاب الباحث اللبناني الفاضل «حيدر حب الله»: «نظرية السنة في الفكر الإمامي الشيعي، التَكَوُّن والصيرورة»، بيروت: مؤسسة الانتشار العربي، 2006م، ص 612 فما بعد.