سورة الفيل
سورة الفيل هي سورة مكية، من المفصل، آياتها 5، وترتيبها في المصحف 105، في الجزء الثلاثين، بدأت بأسلوب استفهام ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ١﴾ [الفيل:1]، نزلت بعد سورة الكافرون.[1] وهي السورة التاسعة عشر حسب النزول.[2] يؤمن المسلمون نقلا عن المفسرين الذين نقلوا عن ابن إسحاق، أنها نزلت على النبي محمد لتذكير قبيلة قريش بما فعله الله بأصحاب الفيل الذين حاولوا هدم الكعبة وهم أبرهة الحبشي وجيشه وفيها تذكير بقدرة الله على العتاة ولم تكن قريش بند لأبرهة وجيشه وهم يعادون رسول الله محمد.[3][4]
| ||||||||||||||
---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|---|
المواضيع |
|
|||||||||||||
إحصائيات السُّورة | ||||||||||||||
| ||||||||||||||
تَرتيب السُّورة في المُصحَف | ||||||||||||||
|
||||||||||||||
نُزول السُّورة | ||||||||||||||
النزول | مكية | |||||||||||||
ترتيب نزولها | 19 | |||||||||||||
|
||||||||||||||
نص السورة | ||||||||||||||
|
||||||||||||||
بوابة القرآن | ||||||||||||||
تعديل مصدري - تعديل |
نص السورة
عدلنص سورة الفيل برواية حفص عن عاصم كما في مصحف المدينة النبوية:
لا اختلافَ في القراءات العشر للسورة، إلا أن أبا عمرو أدغم فيها حرفين وهما: «كيف فعل»، «فعل ربك».[5]
تعدادها
عدلعدد آيات سورة الفيل خمس آيات، في جميع مدارس عدد الآيات ليس فيها اختلاف.[6] أما عدد كلماتها فثلاث وعشرون كلمة كسورتي المسد والفلق. بينما عدَّها الخطيب الشربيني عشرون كلمة.[7] وأغلب أهل العدَّ على أن عدد حروفها ستة وتسعون حرفًا، ذكر ذلك أبو عمرو الداني،[6] والخطيب الشربيني.[7] وعدد حروفها المرسومة في المصحف العثماني 96 حرفًا.
التسمية
عدلوردت تسميتها في كلام بعض السلف «سورة ألم تر». فروى القرطبي في تفسير سورة قريش عن عمرو بن ميمون قال: صليت صلاة المغرب خلف عمر بن الخطاب فقرأ في الركعة الثانية ألم تر، ولإيلاف قريش. وكذلك عنونها محمد بن إسماعيل البخاري. وسميت في جميع المصاحف وكتب التفسير: «سورة الفيل».[8]
زمن النزول
عدلعٌدت السورة التاسعة عشرة في ترتيب نزول السور، نزلت بعد سورة الكافرون وقبل سورة الفلق. نقل ذلك جلال الدين السيوطي في الإتقان في علوم القرآن عن جابر بن زيد.[9] وكذلك نقل مجد الدين الفيروزآبادي في بصائر ذوي التمييز.[10]
وقيل: قبل سورة قريش لقول الأخفش أن السورتين متعلقتان ببعضهما، ومنهم من جعلهما سورة واحدة؛ كأبي بن كعب جعلها وسورة قريش سورة واحدة في مصحفه، ولم يفصل بينهما بالبسملة ولخبر عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب أن عمر بن الخطاب قرأ مرة في صلاة المغرب في الركعة الثانية سورة الفيل وسورة قريش، بينما أغلب علماء المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان. وعلَّق على ذلك ابن عاشور فقال: «ويجوز أن تكون سورة قريش نزلت بعد سورة الفلق وألحقت بسورة الفيل فلا يتم الاحتجاج بما في مصحف أبي بن كعب ولا بما رواه عمرو بن ميمون».[8]
مناسبتها مع سورة قريش
عدلالسورة متصلة بسورة قريش في المعنى، وكلاهما تضمّن ذكر نعمة من نعم الله على أهل مكة فالأولى تضمنت إهلاك عدوهم الذي جاء ليهدم الكعبة التي هي أساس مجدهم وعزهم، والثانية ذكرت نعمة أخرى هي اجتماع أمرهم، والتئام شملهم، ليتمكنوا من الارتحال صيفًا وشتاءً في تجارتهم.[11] قال الفراء: «هذه السورة متصلة بالسورة الأولى؛ لأنه ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة، ثم قال: ﴿لإِيلافِ قُرَيْشٍ﴾ أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش. وذلك أن قريشًا كانت تخرج في تجارتها، فلا يغار عليها، ولا تقرب في الجاهلية. يقولون هم أهل بيت الله جل وعز؛ حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة، ويأخذ حجارتها، فيبني بها بيتا في اليمن يحج الناس إليه، فأهلكهم الله ، فذكرهم نعمته. أي فجعل الله ذلك لإيلاف قريش، أي ليألفوا الخروج، ولا يجترأ عليهم.».[12]
سورتا الفيل وقريش هما سورتان مستقلتان بإجماع المسلمين، بينما جعلها أبي بن كعب مع سورة الفيل سورة واحدة، ولم يفصل بينهما في مصحفه بالبسملة التي كانوا يجعلونها علامة فصل بين السور.[8] فقد ذهب البعض بأن السورتين سورة واحدة واحتجوا عليه بوجوه:[13]
- أن السورتين لا بد أن تكون كل واحدة منهما مستقلة بنفسها، ومطلع هذه السورة لما كان متعلقا بالسورة المتقدمة وجب أن لا تكون سورة مستقلة.
- أن أبي بن كعب جعلهما في مصحفه سورة واحدة.
- ما روي عن عمرو بن ميمون عن قراءة عمر بن الخطاب في صلاة المغرب في الركعة الأولى سورة التين، وفي الثانية الفيل وقريش معًا، من غير فصل بينهما ببسم الله الرحمن الرحيم.
ورد على ذلك فخر الدين الرازي في تفسيره فقال:[13] «المشهور المستفيض أن هذه السورة منفصلة عن سورة الفيل، وأما تعلق أول هذه السورة بما قبلها فليس بحجة على ما قالوه، لأن القرآن كله كالسورة الواحدة وكالآية الواحدة يصدق بعضها بعضًا، ويبين بعضها معنى بعض، ألا ترى أن الآيات الدالة على الوعيد مطلقة، ثم إنها متعلقة بآيات التوبة وبآيات العفو عند من يقول به، وقوله: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ﴾ (القدر: 1) متعلق بما قبله من ذكر القرآن، وأما قوله: إن أبيا لم يفصل بينهما فهو معارض بإطباق الكل على الفصل بينهما، وأما قراءة عمر، فإنها لا تدل على أنهما سورة واحدة؛ لأن الإمام قد يقرأ سورتين.».
مناسبتها للسورة قبلها
عدلومناسبتها لما قبلها وهي سورة الهمزة أنه بين في السورة السابقة أن المال لا يغني من الله شيئًا فأقام الدليل على ذلك بقصة أصحاب الفيل. قال برهان الدين البقاعي: «ما قدم في الهمزة أن كثرة الأموال المسببة بالقوة بالرجال ربما أعقبت الوبال، دلَّ عليه في هذه بدليل شهودي وصل في تحريقه وتغلغله في الأجسام وتجريفه إلى القلوب في العذاب الأدنى كما ذكر فيما قبلها للعذاب الأكبر الأخفى، محذرًا من الوجاهة في الدنيا وعلو الرتبة، مشيرًا إلى أنها كلما عظمت زاد ضررها بما يكسبه من الطغيان حتى ينازع صاحبها الملك الأعلى، ومع كونه شهوديًا فللعرب ولا سيما قريش به الخبرة التامة.».[14]
تفسير السورة
عدلجاءت السورة تذكيرًا للنبي وقومه قريش بنعمة حفظ البيت الحرام، حيث ذكَّر الله أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة، فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل، الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود، فأبادهم الله. يقول ابن كثير: «وكانوا قوما نصارى، وكان دينهم إذ ذاك أقرب حالا مما كان عليه قريش من عبادة الأوثان. ولكن كان هذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله ﷺ، فإنه في ذلك العام ولد على أشهر الأقوال، ولسان حال القدر يقول: لم ننصركم - يا معشر قريش - على الحبشة لخيريتكم عليهم، ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه، خاتم الأنبياء.».[15]
تفسير سيد قطب
عدل- قال سيد قطب في تفسيرها: قول القرآن: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ١﴾ [الفيل:1] المراد بالرؤية العلم الظاهر ظهور الحس، والاستفهام إنكاري، والمعنى أ لم تعلم كيف فعل ربك بأصحاب الفيل، وقد كانت الواقعة عام ولد فيه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). وقول القرآن: ﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ٢﴾ [الفيل:2] المراد بكيدهم سوء قصدهم بمكة وإرادتهم تخريب البيت الحرام، والتضليل والإضلال واحد، وجعل كيدهم في تضليل جعل سعيهم ضالا لا يهتدى إلى الغاية المقصودة منه فقد ساروا لتخريب الكعبة وانتهى بهم إلى هلاك أنفسهم. وقول القرآن: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ٣﴾ [الفيل:3] الأبابيل - كما قيل - جماعات في تفرقة زمرة زمرة، والمعنى وأرسل الله على أصحاب الفيل جماعات متفرقة من الطير والآية والتي تتلوها عطف تفسير على قوله: «ألم يجعل كيدهم في تضليل». وقول القرآن: ﴿تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ٤﴾ أي ترمي أبابيل الطير أصحاب الفيل بحجارة من سجيل. وقول القرآن: ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ٥﴾ [الفيل:5] العصف ورق الزرع والعصف المأكول ورق الزرع الذي أكل حبه أو قشر الحب الذي أكل لبه والمراد أنهم عادوا بعد وقوع السجيل عليهم أجسادا بلا أرواح أو أن الحجر بحرارته أحرق أجوافهم، وقيل: المراد ورق الزرع الذي وقع فيها الأكال وهو أن يأكله الدود فيفسده وفسرت الآية ببعض وجوه أخر لا يناسب الأدب القرآني.[16]
تفسير المراغي
عدل- وقال المراغي في تفسيرها:[17] ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ١﴾ [الفيل:1] أي ألم تعلم الحال العجيبة والكيفية الهائلة الدالة على عظم قدرة الله تعالى وكمال علمه وحكمته، فيما فعل بأصحاب الفيل الذين قصدوا هدم البيت الحرام، فتلك حال قد جاءت على غير ما يعرف من الأسباب والعلل، إذ لم يعهد أن يجيء طير في جهة فيقصد قوما دون قوم، وهم معهم في جهة واحدة، فذلك أمارة أنه من صنع حكيم مدبر بعثه لإنقاذ مقصد معين. وإنما عبر عن العلم بالرؤية، للإيماء إلى أن الخبر بهذا القصص متواتر مستفيض، فالعلم به مساو في قوة الثبوت مع الوضوح، للعلم الناشيء عن الرؤية والمشاهدة. وخلاصة ذلك، إنك قد علمت ذلك علما واضحا لا لبس فيه ولا خفاء. ثم بين الحال التي وقع عليها فعله فقال: ﴿أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ٢﴾ [الفيل:2] أي إنك لترى ما كان عليه فعل الله بأولئك القوم، فقد ضيع تدبيرهم، وخيّب سعيهم. ثم فصل تدبيره في إبطال كيد أولئك القوم فقال: ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ٣ تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ٤﴾ [الفيل:3–4] أي إنه تعالى أرسل عليهم فرقا من الطير تحمل حجارة يابسة سقطت على أفراد الجيش، فابتلوا بمرض الجدري أو الحصبة حتى هلكوا. وقد يكون هذا الطير من جنس البعوض أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض، أو تكون هذه الحجارة من الطين اليابس المسموم الذي تحمله الرياح، فيعلق بأرجل هذا الطير، فإذا اتصل بجسم دخل في مسامّه، فأثار فيه قروحا تنتهى بإفساد الجسم وتساقط لحمه. ولا شك أن الذباب يحمل كثيرا من جراثيم الأمراض، فوقوع ذبابة واحدة ملوّثة بالمكروب على الإنسان كافية في إصابته بالمرض الذي يحمله، ثم هو ينقل هذا المرض إلى الجمّ الغفير من الناس، فإذا أراد الله أن يهلك جيشا كثير العدد ببعوضة واحدة لم يكن ذلك بعيدا عن مجرى الإلف والعادة، وهذا أقوى في الدلالة على قدرة الله وعظيم سلطانه، من أن يكون هلاكهم بكبار الطيور، وغرائب الأمور، وأدل على ضعف الإنسان وذله أمام القهر الإلهي، وكيف لا وهو مخلوق تبيده ذبابة، وتقضّ مضجعه بعوضة، ويؤذيه هبوب الريح. فهذا الطاغية الذي أراد أن يهدم البيت، أرسل الله عليه ما يوصل إليه مادة الجدري أو الحصبة، فأهلكته وأهلكت قومه قبل أن يدخل مكة، وهي نعمة من الله غمر بها أهل حرمه على وثنيتهم، حفظا لبيته حتى يرسل إليه من يحميه بقوة دينه، وإن كانت نقمة من الله حلت بأعدائه أصحاب الفيل الذين أرادوا الاعتداء على البيت بدون جرم اجترمه، ولا ذنب اقترفه. ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ٥﴾ [الفيل:5] أي فجعل هؤلاء القوم كعصف وقع فيه الآكال وهو السوس، أو أكلت الدواب بعضه، وتناثر بعضه الآخر من بين أسنانها. وصلّ ربنا على محمد الذي قصصت عليه ما فيه العبرة لمن ادّكر، وأوحيت إليه ما فيه مزدجر، لمن تدبر واعتبر، إنك أنت العليم الحكيم.
قصة أصحاب الفيل في التاريخ
عدلحادث الفيل معروف متواتر لدى العرب، حتى إنهم جعلوه مبدأ تاريخ يحددون به أوقات الحوادث، فيقولون: ولد عام الفيل، وحدث كذا لسنتين بعد عام الفيل، ونحو ذلك.
ذكر ابن كثير والطبري وغيرهم، أن ذا النواس كان آخر ملوك حمير وكان مشركًا وهو الذي قتل أصحاب الأخدود. وكانوا نصارى قريبًا من عشرين ألفًا، وذكر ابن الكلبي أنه لم يفلت منهم إلا رجلٌ من اليمن يقال له دَوْس بن عازب ذي ثعلبان الحميري، مراغما لذي نُوَاس بالخَيْل حتى دخل الرَّمل ففاتهم، فعند ذلك قالت حِمْيَر دعوه فقد قتل نفسه. فلن يَنْجُوَ من الرمل، فنجا دَوْسُّ من الرمل، وكان على دين النصرانية. فشكا إلى ملك الحبشة ما لقي أهل نجران من ذي نواس، وقال إنهم أهل نصرانية، وأنت أحق من انتصر منهم لهم. فكتب ملك الحبشة إلى قيصر يُعْلِمُه، ويستأذنه في التوجه إلى اليمن. فكتب إليه يأمره بذلك، وأعلمه أنه سيظهر عليها، وأمره أن يولي دَوْس بن عازب الحِمْيَريْ أمر قومه. فبعث إليه ملك الحبشة سبعين ألفًا من الحبشة، وجعل على ضبطهم قائدًا من قُوَّده يقال له أرباط، وقال له: إذا ظهرتم على ذي نُواس فليكن دَزْسُ بن عازب على قومه، وكنت أنت على ضبط الجيش وساروا حتى خرجوا إلى أرض اليمن، وسمع بهم ذُ نُوَاس، فجمع لهم وخرج إليهم. فاقتتلوا قتالًا شديدًا. فانهزمت حِمْيَر وقُتِلَ بَشَرُّ كثير. فلما رأى ذو نواس وأصحابه ذلك أقحم فَرَسه البحر فأغرق نفسه.[15]
وكان أبرهة الحبشي من قادة جيش أرباط، فلما رأى ذلك أبْرَهة الأشرم نازع أرباط الجيش. فصارت الحبشة حِزْبَيْن. حزب مع أبرهة وحزب مع أرباط وتهيئوا للحرب، فتبارزا، وكان أبرهة رجلا قصيرا فحمل عليه أرباط فضربه بعمود كان معه - وهو يريد رأسه - فقصر وشرم حاجبه وعَيْنه وأنفه وشَفَتَه، فبذلك سمي الأشرم. وحمل عَتْوَدَة مولى أبرهة على أرباط فطعنه فقتله، واستولى عند ذلك أبرهة على الحبشة.[18][19]
وأرسل أبرهة يقول للنجاشي أنه سيبني كنيسة بأرض اليمن لم يُبنَ قبلها مثلها، فشرع في بناء كنيسة هائلة بصنعاء رفيعة البناء عالية الفناء مزخرفة الأرجاء سمتها العرب القليس؛ لارتفاعها لأن الناظر إليها تكاد تسقط قلنسوته عن رأسه من ارتفاع بنائها، وعزم أبرهة الأشرم على أن يصرف حج العرب إليها كما يحج إلى الكعبة بمكة، ونادى بذلك في مملكته؛ فكرهت العرب العدنانية والقحطانية ذلك، وغضبت قريش لذلك غضبًا شديدًا؛ حتى قصدها بعضهم وتوصل إلى أن دخلها ليلًا، فأحدث فيها وكر راجعًا، فلما رأى السدنة ذلك الحدث رفعوا أمره إلى ملكهم أبرهة، وقالوا له إنما صنع هذا بعض قريش غضبًا لبيتهم الذي ضاهيت هذا به، فأقسم أبرهة ليسيرن إلى الكعبة وليخربنه حجرًا حجرًا.[18]
وذكر مقاتل بن سليمان أن فتية من قريش دخلوها، فأججوا فيها نارًا. وكان يوما فيه هواء شديد، فاحترقت وسقطت إلى الأرض، فتأهب أبرهة لذلك وسار في جيش كثيف، واستصحب معه فيلًا عظيمًا، يقال له محمود، وكان قد بعثه إليه النجاشي ملك الحبشة لذلك، ويقال كان معه أيضا ثمانية أفيال، وقيل اثنا عشر فيلًا غيره. ليهدم به الكعبة بأن يجعل السلاسل في الأركان وتوضع في عنق الفيل ثم يزجر ليلقي الحائط جملة واحدة، فلما سمعت العرب بمسيره أعظموا ذلك، ورأوا أن حقًا عليهم المحاجبة دون البيت.[18]
فخرج إليه رجل من أشراف أهل اليمن وملوكهم يقال له ذو نفر، فدعا قومه ومن أجابه من سائر العرب إلى حرب أبرهة وجهاده عن بيت الله، وما يريده من هدمه وخرابه، فأجابوه وقاتلوا أبرهة فهزمهم، وأسر ذو نفر، فاستصحبه معه ثم مضى لوجهه حتى إذا كان بأرض خثعم اعترض له نفيل بن حبيب الخثعمي في قومه شهران وناهس فقاتلوه، فهزمهم أبرهة وأسر نفيل بن حبيب، فأراد قتله ثم عفا عنه واستصحبه معه ليدله في بلاد الحجاز. فلما اقترب من أرض الطائف خرج إليه أهلها ثقيف وصانعوه خيفة على بيتهم الذي عندهم الذي يسمونه اللات، فأكرمهم وبعثوا معه أبا رغال دليلًا.[20]
فلما انتهى أبرهة إلى المغمس وهو قريب من مكة نزل به. وأغار جيشه على سرح أهل مكة من الإبل وغيرها فأخذوه، وكان في السرح مائتا بعير لعبد المطلب بن هاشم، وبعث أبرهة إلى مكة وأمره أن يأتيه بأشرف قريش وأن يخبره أن الملك لم يجئ لقتالكم إلا أن تصدوه عن البيت، فدُل الرسول على عبد المطلب بن هاشم وبلغه عن أبرهة ما قال، فقال له عبد المطلب: والله ما نريد حربه وما لنا بذلك من طاقة، هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم فإن يمنعه منه فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبينه فوالله ما عندنا دفع عنه، فقال له الرسول فاذهب معي إليه، فذهب معه. فلما رآه أبرهة أجله، وكان عبد المطلب رجلا جسيما حسن المنظر، ونزل أبرهة عن سريره وجلس معه على البساط وقال لترجمانه: قل له ما حاجتك؟ فقال للترجمان: إن حاجتي أن يرد علي الملك مائتي بعير أصابها لي، فقال أبرهة لترجمانه: قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك، ثم قد زهدت فيك حين كلمتني، أتكلمني في مائتي بعير أصبتها لك وتترك بيتا هو دينك ودين آبائك قد جئت لهدمه لا تكلمني فيه؟ فقال له عبد المطلب: إني أنا رب الإبل وإن للبيت ربا سيمنعه.قال: ما كان ليمتنع مني. قال: أنت وذاك. ويقال إنه ذهب مع عبد المطلب جماعة من أشراف العرب فعرضوا على أبرهة ثلث أموال تهامة على أن يرجع عن البيت، فأبى عليهم ورد أبرهة على عبد المطلب إبله، ورجع عبد المطلب إلى قريش فأمرهم بالخروج من مكة والتحصن في رؤوس الجبال تخوفا عليهم من معرة الجيش، ثم قام عبد المطلب فأخذ بحلقة باب الكعبة، وقام معه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرون على أبرهة وجنده.[20]
وذكر مقاتل بن سليمان أنهم تركوا عند البيت مائة بدنة مقلدة لعل بعض الجيش ينال منها شيئا بغير حق فينتقم الله منهم، يقول ابن كثير: «فلما أصبح أبرهة تهيأ لدخول مكة وهيأ فيله، وكان اسمه محمودًا، وعبأ جيشه فلما وجهوا الفيل نحو مكة أقبل نفيل بن حبيب حتى قام إلى جنبه، ثم أخذ بإذنه وقال: ابرك محمود وارجع راشدًا من حيث جئت، فإنك في بلد الله الحرام ثم أرسل إذنه فبرك الفيل.[21] وخرج نفيل بن حبيب يشتد حتى أصعد في الجبل، وضربوا الفيل ليقوم فأبى، فضربوا في رأسه بالطبرزين وأدخلوا محاجن لهم في مراقه فنزعوه بها ليقوم فأبى، فوجهوه راجعًا إلى اليمن فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك ووجهوه إلى المشرق ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى مكة فبرك. وأرسل الله عليهم طيرًا من البحر أمثال الخطاطيف والبلسان مع كل طائر منها ثلاثة أحجار يحملها: حجر في منقاره وحجران في رجليه أمثال الحمص والعدس ولا يصيب منهم أحدا إلا هلك. وليس كلهم أصابت وخرجوا هاربين يبتدرون الطريق ويسألون عن نفيل ليدلهم على الطريق، هذا ونفيل على رأس الجبل مع قريش وعرب الحجاز ينظرون ماذا أنزل الله بأصحاب الفيل من النقمة.» وجعل نفيل بن حبيب يقول:[21][22]
أين المفر والإله الطالب | والأشرم المغلوب ليس الغالب |
وقال:
ألا حييت عنا يا ردينا | نعمناكم مع الإصباح عينا | |
ودينة لو رأيت ولا تريه | لدى جنب المحصب ما رأينا | |
إذا لعذرتني وحمدت أمري | ولم تأس على ما فات بينا | |
حمدت الله إذ أبصرت طيرا | وخفت حجارة تلقى علينا | |
فكل القوم تسأل عن نفيل | كأن علي للحبشان دينا |
روى السكري عن ابن سلام الجمحي أنه بعد خروج أبرهة الحبشي وقومه يريدون الكعبة، جعلوا لا يمرون على قبيلة من العرب إلا أخذوا منهم أناسًا كرهائن حتى بلغوا الى المغمس من مكة فحبس الله الفيل وأرسل عليهم الطير الأبابيل ففر من العذاب من ملوك اليمن ناس كثير من كندة وحمير والحبش وهربوا الى جبال هذيل فقتلتهم هذيل وأسرت بعضهم ورجع أبرهة الى صنعاء بمن معه من الرهائن فأتت كنانة إلى هذيل وقالوا لهم أخرجوا بمن كان عندكم من أسراء كندة وحمير والحبش فخرج بالأسرى سادات هذيل وهما معقل بن خويلد الهذلي،[23] وغافل بن صخر الهذلي وقدموا اليمن فافتدوا أسرى العرب من كنانة وبعض أهل نجد بالأسرى اللذين كانوا معهم فعتقوهم وأعادوهم إلى ديارهم.[24]
إعراب السورة
عدلإعراب سورة الفيل[25][26] | |||||
---|---|---|---|---|---|
الآية | الإعراب | ||||
﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصۡحَـٰبِ ٱلۡفِيلِ ١﴾ | «قُلۡ»: الهمزة حرف استفهام تقريري، و«لم» حرف نفي وقلب وجزم، والفعل المضارع مجزوم بلم وعلامة جزمه حذف حرف العلة من آخره، والفاعل مستتر. «كيف» اسم استفهام مفعول مطلق «فعل ربك» ماض مبن على الفتح، وفاعله مرفوع بالضمة، والكاف في محل جر مضاف إليه، والجملة سدت مسد مفعولي ترى. «بأصحاب» جار ومجرور، «الفيل» مضاف إليه.[27] | ||||
﴿أَلَمۡ يَجۡعَلۡ كَيۡدَهُمۡ فِی تَضۡلِيلࣲ ٢﴾ | الهمزة للاستفهام التقريري، ولم حرف نفي وقلب وجزم، و«يجعل» فعل مضارع مجزوم بلم وعلامته السكون، والفاعل مستتر تقديره هو يعود على الله تعالى. وكيدهم مفعول به أول منصوب بالفتحة، والهاء في محل جر مضاف إليه. و«في تضليل» جار ومجرور، والجملة في موضع المفعول الثاني.[28] | ||||
﴿وَأَرۡسَلَ عَلَيۡهِمۡ طَيۡرًا أَبَابِيلَ ٣﴾ | الواو حرف عطف، و«أرسل» فعل ماض مبني على الفتح، وفاعله ضمير مستتر تقديره هو، والجملة الفعلية معطوفة على «ألم نجعل» لأن الاستفهام فيه للتقرير فكان المعنى قد جعل ذلك. و«عليهم» جار ومجرور. و«طيرا» مفعول به منصوب بالفتحة، و«أبابيل» نعت لطيرا لأنه اسم جمع منصوب بالفتحة. | ||||
﴿تَرۡمِيهِم بِحِجَارَةࣲ مِّن سِجِّيلࣲ ٤﴾ | «ترميهم» مضارع مرفوع بالضمة المُقدرة، والهاء مفعوله، والفاعل مستتر. «بحجارة» جار ومجرور متعلقان بالفعل. «من سجيل» جار ومجرور وجملته صفة لحجارة، والجملة الفعلية صفة ثانية لطيرًا.[26] | ||||
﴿فَجَعَلَهُمۡ كَعَصۡفࣲ مَّأۡكُولِۭ ٥﴾ | «فجعلهم» الفاء عاطفة، والفعل ماض مبن على الفتح، والهاء في محل مفعول به أول، والفاعل مستتر. «كعصف» جار ومجرور متعلقان بالفعل وهما في موضع المفعول الثاني. «مأكول» صفة عصف. والجملة الفعلية معطوفة على ما قبلها.[26] |
المراجع
عدل- ^ المصحف الإلكتروني، سورة الفيل، التعريف بالسورة نسخة محفوظة 31 يناير 2019 على موقع واي باك مشين.
- ^ الفهرس الكامل لترتيب سور القرآن الكريم نسخة محفوظة 18 ديسمبر 2015 على موقع واي باك مشين.
- ^ تفسير البغوي - الحسين بن مسعود البغوي - الجزء الثامن ص 532
- ^ القرطبي الجزء العشرين ص 189.
- ^ الواسطي (2004)، ج. 2، ص. 723.
- ^ ا ب الداني (1994)، ص. 289.
- ^ ا ب الشربيني (1868)، ج. 4، ص. 587.
- ^ ا ب ج ابن عاشور (1984)، ج. 30، ص. 543.
- ^ السيوطي (1974)، ج. 1، ص. 96.
- ^ الفيروزآبادي (1973)، ج. 1، ص. 98-99.
- ^ قطب (2003)، ج. 6، ص. 3982.
- ^ القرطبي (1935)، ج. 20، ص. 200- 201.
- ^ ا ب الرازي (2000)، ج. 32، ص. 295.
- ^ البقاعي (1984)، ج. 22، ص. 249.
- ^ ا ب ابن كثير (1998)، ج. 8، ص. 458.
- ^ في ظلال القرآن - سيد قطب.
- ^ تفسير المراغي - أحمد مصطفى المراغي.
- ^ ا ب ج ابن كثير (1998)، ج. 8، ص. 459.
- ^ الطبري (1967)، ج. 2، ص. 125.
- ^ ا ب ابن كثير (1998)، ج. 8، ص. 460.
- ^ ا ب الطبري (1967)، ج. 2، ص. 135.
- ^ ابن كثير (1998)، ج. 8، ص. 461.
- ^ جواد علي (2001)، ج. 18، ص. 61.
- ^ السكري (1995)، ج. 1، ص. 388.
- ^ سلامة (2006)، ص. 198.
- ^ ا ب ج الدعاس (2004)، ج. 3، ص. 469.
- ^ درويش (1992)، ج. 10، ص. 585.
- ^ درويش (1992)، ج. 10، ص. 586.
معلومات المراجع المُفصَّلة
عدل- محمد بن جرير الطبري (1967)، تاريخ الرُّسُل و المُلُوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم (ط. 2)، القاهرة: دار المعارف، OCLC:934442375، QID:Q114456807
- الخطيب الشربيني (1868)، السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير، القاهرة: الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، OCLC:236016840، QID:Q115641715
- القرطبي (1935)، الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان: تفسير القرطبي، القاهرة: دار الكتب والوثائق القومية، OCLC:17965928، QID:Q115683910
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - عبد الفتاح القاضي (1981)، البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة (ط. 1)، بيروت: دار الكتاب العربي، OCLC:457123342، QID:Q115641917
- محمد الطاهر بن عاشور (1984)، التحرير والتنوير من التفسير، تونس: الدار التونسية للنشر، OCLC:11603545، QID:Q115641984
- محي الدين درويش (1992)، إعراب القرآن الكريم وبيانه (ط. 3)، دمشق، حمص: اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع، دار ابن كثير، دار الإرشاد للشؤون الجامعية، OCLC:4771426697، QID:Q115640897
- أبو عمرو الداني (1994)، البيان في عد آي القرآن، تحقيق: غانم قدوري الحمد (ط. 1)، الكويت: مركز المخطوطات والتراث والوثائق، OCLC:32312189، QID:Q115651867
- السكري (1995)، شرح أشعار الهذليين، تحقيق: محمود محمد شاكر، عبد الستار أحمد فراج، الكويت: دار العروبة، OCLC:1158634934، QID:Q131398753
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - ابن عادل الحنبلي (1998)، اللباب في علوم الكتاب، تحقيق: عادل أحمد عبد الموجود، علي محمد معوض (ط. 1)، بيروت: دار الكتب العلمية، OCLC:714395326، QID:Q115730072
- ابن كثير الدمشقي (1998)، تفسير القرآن العظيم: تفسير ابن كثير، تحقيق: محمد حسين شمس الدين (ط. 1)، بيروت: دار الكتب العلمية، OCLC:914363003، QID:Q115701544
- فخر الدين الرازي (2000)، مفاتيح الغيب: تفسير فخر الدين الرازي (ط. 3)، بيروت: دار إحياء التراث العربي، OCLC:1158766639، QID:Q115730115
- جواد علي (2001)، المفصل فى تاريخ العرب قبل الإسلام، بيروت: دار الساقي، QID:Q120985941
{{استشهاد}}
: صيانة الاستشهاد: ref duplicates default (link) - محمد بن جرير الطبري (2001)، جامع البيان عن تأويل آي القرآن: تفسير الطبري، تحقيق: عبد الله بن عبد المحسن التركي (ط. 1)، القاهرة: هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان، OCLC:1103746918، QID:Q97221368
- سيد قطب (2003)، في ظلال القرآن (ط. 32)، القاهرة: دار الشروق، QID:Q127172787
- أحمد الدعاس؛ أحمد حميدان؛ إسماعيل القاسم (2004)، إعراب القرآن الكريم (ط. 1)، دمشق، بيروت: دار النمير، دار الفارابي، OCLC:957327916، QID:Q115640158
- أبو محمد الواسطي (2004)، الكنز في القراءات العشر، القاهرة: مكتبة الثقافة الدينية، QID:Q127692631
- جلال الدين السيوطي (2006). لباب النقول في أسباب النزول (PDF). بيروت: دار الكتاب العربي. ISBN:9953-27-134-8. OCLC:1053839290. QID:Q116996141.
- محمد حسين سلامة (2006). إعراب جزء عم: إعراب وتفسير وبلاغة وأسباب النزول (ط. 1). القاهرة: دار الآفاق العربية. ISBN:977-344-102-4. OCLC:587740694. QID:Q115683765.
- محمد بن علي الشوكاني (2007). فَتحُ القَدِير: الجامِع بَين فَنَّيِ الرواية والدِّراية مِن عِلمِ التفسير. مراجعة: يوسف الغوش (ط. 4). بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر. ISBN:9953-420-75-0. QID:Q117717783.
- محمد بن عبد الرحمن الشايع (2011). أسماء سور القرآن الكريم. البحوث العلمية المحكمة (19) (ط. 1). الرياض. ISBN:978-603-8055-27-4. OL:25317555M. QID:Q115615370.
{{استشهاد بكتاب}}
: صيانة الاستشهاد: مكان بدون ناشر (link) - جلال الدين السيوطي (2011)، تفسير الدر المنثور في التفسير بالمأثور، بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، QID:Q117742927