تحلية المياه في دول الخليج العربي
تعتبر تحلية المياه واحدة من أهم الصناعات في دول الخليج العربي حيث تعتمد هذه الدول بشكل كبير على تحلية مياه البحر لتلبية احتياجاتها من المياه العذبة بسبب ندرة الموارد المائية الطبيعية.[1] وفقا لتقارير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تنتج دول الخليج العربي نحو 50% من إجمالي المياه المحلاة عالميا مما يجعلها الرائدة في هذا المجال على مستوى العالم.[2] تشير الإحصائيات إلى أن المملكة العربية السعودية تعد أكبر منتج للمياه المحلاة حيث تنتج نحو 7 ملايين متر مكعب يوميا تليها الإمارات العربية المتحدة بإنتاج يصل إلى 5 ملايين متر مكعب يوميا.[3]

من الناحية التكنولوجية تستخدم دول الخليج العربي تقنيات متقدمة في تحلية المياه مثل التناضح العكسي والتبخير متعدد المراحل حيث تعد هذه التقنيات الأكثر كفاءة في تحويل مياه البحر إلى مياه صالحة للشرب. وفقا لدراسات حديثة تستهلك عمليات تحلية المياه في الخليج العربي نحو 15% من إجمالي الطاقة المنتجة في المنطقة مما يجعلها واحدة من أكثر الصناعات استهلاكا للطاقة.[4]
بالإضافة إلى ذلك تشهد دول الخليج العربي استثمارات كبيرة في مشاريع تحلية المياه حيث بلغت قيمة الاستثمارات في هذا القطاع نحو 20 مليار دولار أمريكي في عام 2023 وفقا لتقارير اقتصادية. ومع ذلك تواجه هذه الصناعة تحديات بيئية مثل ارتفاع نسبة الانبعاثات الكربونية والتأثير على الحياة البحرية مما دفع دول الخليج العربي إلى البحث عن حلول مستدامة مثل استخدام الطاقة المتجددة في عمليات التحلية.
المقدمة
عدليُمثل الحصول على المياه العذبة النقية أحد التحديات الكبرى التي تواجهها شعوب العالم المتزايدة أعدادها، يوماً بعد يوم ففي الوقت الذي تتناقص موارد المياه العذبة في جميع أنحاء العالم تتجه الأنظار إلى مياه البحار والمحيطات المتاحة كمصدر مهم لتلبية الاحتياجات المتزايدة من المياه العذبة من خلال عمليات التحلية وتعد تحلية مياه البحر أحد الوسائل المستخدمة للحد من ظاهرة العجز المائي التي تعاني منها دول عديدة ومن ضمنها دول الخليج العربي التي تفتقر إلى المياه العذبة إذ لا تتوفر فيها أي انهار دائمة الجريان وتعتمد فقط على ما موجود من مياه جوفية التي غالباً ما تكون مياهها ذات ملوحة عالية لذلك اتجهت هذه الدول إلى تحلية المياه من البحر لمواجهة العجز المائي بالرغم من تكاليفها العالية وتعتمد تحليه مياه البحر على تحويل المياه المالحة إلى مياه نقية من الأملاح صالحة للاستخدام عبر إنشاء محطات ضخمة باستخدام التكنلوجيا الحديثة.
واقع الموارد المائية
عدليكتسب موضوع المياه أهمية خاصة لمحدودية المتاح منها كمياه الشرب وللزراعة والصناعة وطبقاً للمؤشر الذي يفضي إلى أن أي دولة يقل فيه متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنوياً عن (1000-2000 متر مكعب) تعد دولة تعاني من ندرة مائية وهذه الندرة في المياه تتفاقم باستمرار بسبب زيادة معدلات النمو السكاني العالية ويوضح تقرير البنك الدولي لسنة 1993 أن متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجددة والقابلة للتجدد في الوطن العربي مع استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض سيصل إلى 667 متر مكعب / سنة عام 2025 بعدما كان 3430 متر مكعب / سنة عام 1960 أي بانخفاض ما نسبته 80% وإذا كان الواقع المائي صعباً في الوطن العربي إذ لا يتجاوز نصيبه من الإجمالي العالمي للأمطار 1.5% في المتوسط بينما تتعدى مساحته 10% من إجمالي يابسة العالم فان واقع الحال في المشرق العربي يبدو أكثر تعقيداً إذ لا يتعدى نصيبه 0.2% من مجمل المياه المتاحة في العالم العربي في الوقت الذي ترتفع فيه معدلات الاستهلاك بشكل كبير فخلال الفترة (1980-1990) تضاعف الطلب على المياه لأغراض الزراعة في دول الخليج العربي ثماني مرات رغبة منها في تحقيق الاكتفاء الذاتي بالنسبة لبعض المواد الغذائية كما ازداد الاستهلاك المنزلي بمقدار ثلاثة أمثاله خلال نفس الفترة بسبب تحسن مستوى المعيشة وجاء الاهتمام والتركيز على تحلية مياه البحر كمصدر أساسي ومتجدد غير ناضب للمياه ومما لا شك فيه إن الدول الخليجية هي دول ساحلية مما يعطيها ميزة وجود مصدر للمياه بكميات لا حدود لها يمكن تحليتها والاعتماد عليها كمصدر أساسي للمياه وتمتاز تحلية مياه البحر بأن محطاتها يمكن إقامتها في مواقع قريبة من مواقع الاستهلاك مما يؤدي إلى توفير إنشاء خطوط نقل مكلفة جداً وتحتاج إلى تكلفة رأسمالية منخفضة لكل وحدة سعة مقارنة بتكلفة إقامة وتشغيل منشآت تقليدية مثل السدود ولكنها تحتاج إلى تكلفة تشغيلية أعلى بكثير تتألف من معدات ميكانيكية ولذلك فمن المتوقع أن يستمر تطوير كفاءتها وتخلو أقامتها من العوائق السياسية أو القانونية مثل العوائق التي تتعلق باستغلال الموارد الطبيعية المشتركة مثل الأنهار ومتوفرة بأحجام متنوعة وتقنيات مختلفة ومناسبة أكثر لعمليات تنظيم تمويل مشاريعها مقارنة بعمليات تمويل المشاريع المائية التقليدية وفترة إنشائها أقصر بكثير من فترة إقامة خطوط نقل مياه من مناطق نائية.
ومنطقة الخليج العربي من المناطق الجافة وشبه الجافة التي تعاني من ندرة المياه العذبة إذ لا يتعدى فيها نصيب الفرد من المياه المتجددة (500 متر مكعب / السنة) وتشكل الصحاري الغالبية العظمى من مساحتها دولها وتنعدم فيها المياه السطحية مثل الأنهار والبحيرات أما الأمطار فهي قليلة وغير منتظمة وتسقط في المعدل بما يقارب 100 ملم / سنة ويتبخر قدر كبير منها نتيجة لارتفاع كمية التبخر السنوية التي تصل إلى أكثر من 3500 ملم / سنة وفي ظل هذه الظروف القاسية أعتمد الإنسان في هذه المنطقة علي المياه الجوفية كمصدر أساسي لمياه الشرب وشهدت الأجزاء التي تمتعت بوفرة المياه الجوفية وسهولة استخراجها مثل البحرين وسلطنة عمان والمناطق الشرقية والشمالية للسعودية ومنطقة العين في الإمارات نمواً سكانياً وزراعياً متميزاً وفي قطر لجأ السكان إلى ضخ المياه الجوفية من المناطق الغنية بها، ولجأ السكان في عُمان والإمارات إلى إيصال المياه من سفوح الجبال إلى المناطق السكنية عن طريق الأفلاج أما في الكويت فقد أعتمد السكان على جلب المياه من شط العرب بواسطة المراكب الخشبية إلى جانب المياه الجوفية وشكلت الأمطار مصدراً محدوداً للمياه في المناطق التي تتميز بوجود أودية فيها مثل الإمارات والسعودية وعُمان ومع اكتشاف النفط في حوالي منتصف القرن العشرين حدثت في دول الخليج العربي نهضة اقتصادية وصناعية وزراعية رافقها نمو سكاني وتطور في أساليب وأنماط المعيشة وسهولة الحصول على المياه بفضل إنشاء شبكات نقل وتوزيع المياه التي انعكست على ارتفاع الطلب على المياه الجوفية وشكل ضغطاً عليها نتج عنه انخفاض مناسيب المياه الجوفية وتدهور نوعية مياهها.
أن الموارد المائية السطحية محدودة بشدة في المنطقة الساحلية على طول ساحل البحر الأحمر في السعودية وعلى طول ساحل بحر عُمان ولا توجد وديان دائمة الجريان إلا في المنطقة الساحلية في عمان كما تمثل شحة موارد خزانات (مكامن المياه الجوفية المتجددة) عقبة أمامها ولذا يتراوح متوسط نصيب الفرد سنوياً من الموارد المائية العذبة المتاحة في تلك الدول بين حوالي 60 – 370 متر كعب مما يجعلها أقل دول العالم تمتعاً بهذه الموارد ويمكن أن ينخفض متوسط نصيب الفرد من المياه العذبة المتاحة فيها ما يقرب من 94 متر مكعب بحلول عام 2030 على أساس توقع زيادة عدد السكان إلى حوالي 56 مليون نسمة والسعودية هي الوحيدة التي تمتلك كميات كبيرة حوالي 340 مليار متر مكعب من المياه الجوفية غير المتجددة في خزانات مياه جوفية عميقة ولكنها آخذة في النضوب بسرعة وظلت جميع دول الخليج العربي توفر معظم المياه اللازمة للاستخدامات البلدية والصناعية من تحلية مياه البحر على مدى الفترة الماضية وسيزيد اعتمادها على هذه الطريقة لتوفير إمدادات المياه مع تزايد النمو السكاني ومع أن التكلفة المالية لمياه البحر المحلاة المنتجة من المحطات الكبيرة التي أنجزت في الآونة الأخيرة انخفضت إلى ما يتراوح بين حوالي 0.45 و0.70 دولار أمريكي / متر مكعب في الولايات المتحدة وأماكن أخرى فإن متوسط تكاليف إنتاجها في دول الخليج العربي لا يزال يتراوح بين 1 و2 دولار أمريكي / متر مكعب.
وتشهد دول الخليج العربي الستة منذ العقود الثلاثة الماضية تنمية متسارعة في مختلف النواحي الاجتماعية والعمرانية والصناعية والزراعية، وصاحبها زيادات متعاظمة في الطلب على المياه وقد قامت دول الخليج العربي الستة بجهود مضنية ومستمرة في بناء محطات التحلية، وإعادة استخدام المياه المعالجة، وبناء السدود لحجز المياه السطحية فضلاً عن زيادة الكميات المسحوبة من الموارد المائية الجوفية ويمكن تقسيم مصادر المياه في دول الخليج العربي الستة إلى:
مصادر المياه التقليدية
عدل- الأمطار: يتراوح معدلها بين 1 و100 ملم سنوياً وتعد المصدر الرئيس للتغذية الطبيعية للعديد من الأحواض المائية الجوفية بالمنطقة مع ارتفاع معدلات التبخر بين 1000 و3000 ملم / سنة.
- الأودية الموسمية: تنتشر شبكات من الأودية الموسمية متباينة في كثافتها تبعاً للطبوغرافية ونوع التربة والبيئة التي تسود، وكمية سقوط الأمطار وتجري مياهها لفترات محدودة سنوياً.
المياه الجوفية
عدلتقدر المياه المتاحة حالياً في المنطقة بحوالي 35 مليار متر مكعب / سنة بينما المخزون الجوفي من هذه المياه يفوق 7700 مليار متر مكعب إلا أن المتجدد منه حوالي 42 مليار متر مكعب وتختلف نوعية المياه الجوفية من حوض إلى آخر كما أن معظمها توجد في المنطقة الوسطى ويعود تكوينها إلى عصور قديمة ولا زالت المعلومات غير مكتملة حول حالتها ما يتطلب برامج لتنميتها وتغذيتها من الأمطار بطرق مختلفة حتى يمكن الاعتماد عليها عند الحاجة بناء على احتمالات سقوط الامطار ما يستدعي إجراء التسجيلات الدقيقة لها ومتابعتها وتقويمها ومن أهم خزانات المياه الجوفية الموجودة في المنطقة هي: أحواض المنطقة الشرقية وحوض الحماد والرياض والربع الخالي ويقدر إجمالي الطاقة التخزينية لها بحوالي 500 مليار متر مكعب.[5]
المصادر المائية غير التقليدية
عدلتعد دول الخليج العربي من أكبر مناطق العالم إنتاجاً للمياه غير التقليدية، إما بواسطة معالجة مياه البحر، أو بواسطة تنقية مياه الصرف الصحي وإعادة استخدام مياه الإنتاج الزراعي وعلى الرغم من أن تنمية هذه المصادر المائية غير التقليدية تكلّف مبالغ باهظه بمقارنتها بالموارد المائية التقليدية؛ إلا أنه سيكون لها شأن يعتمد عليه في المستقبل بسبب تزايد الطلب على المياه على مر الزمن، نظراً لشح المصادر الأخرى للمياه وتتمثل الاستخدامات الرئيسية للموارد المائية الناتجة عن تحلية مياه البحر في الأغراض المنزلية والزراعية بشكل رئيس لاسيما في المناطق التي تُعاني من ندرة في المياه من حيث النوعية والكمية وتستخدم هذه التقنية عندما تتوافر لها الطاقة ويصل إنتاجها إلى معدلات تصل إلى أكثر من 2.5 مليار متر مكعب / سنة.
ويبين الجدول التالي إن السعودية تأتي في مقدمة تلك الدول في حجم إنتاجها من تحلية مياه البحر إذ بلغت 3000 ملیون متر مكعب / سنة لارتفاع نسبة الأملاح في المياه الجوفية وزيادة متطلبات سكانها والأنشطة الاقتصادية من المياه المحلاة تليها الإمارات ثم الكويت وقطر والبحرين وأخيراً عُمان التي تتوافر فيها مصادر مائية أخرى. إن نسبة الاعتماد على مياه البحر في التحلية تزيد عن 50% في كل من الكويت والإمارات لقله المصادر الأخرى وتقترب النسبة من النصف في البحرين وقطر لوجود بعض العيون المائية والسيول بينما تصل أدناها في السعودية وعُمان للأسباب المتقدمة.
جدول مصادر المياه المتاحة في دول الخليج العربي مليون متر مكعب / سنة
الدولة | سطحية | جوفية | بحرية | صرف صحي | المجموع | بحرية % |
الإمارات | 190 | 129 | 676 | 226 | 1221 | 55.4 |
البحرين | 0 | 127 | 119 | 15.2 | 261.2 | 45.6 |
السعودية | 5000 | 3000 | 1050 | 400 | 9450 | 11.1 |
عمان | 694 | 600 | 86 | 23 | 1403 | 6.1 |
قطر | 1.4 | 100 | 138 | 44 | 283.4 | 48.7 |
الكويت | 0.1 | 160 | 345 | 52 | 557.1 | 61.9 |
المجموع | 5885.5 | 4116 | 2421 | 760.2 | 13175.7 | 18.3 |
تطور تحلية مياه البحر
عدللم تكن عملية الحصول على المياه العذبة من المياه المالحة بواسطة التحلية حديثه على المجتمعات البشرية فهناك من الشواهد أن الإنسان قديماً قام بمحاولات ناجحة في هذا المجال ففي القرنين الثامن عشر والتاسع عشر كان الحصول على المياه العذبة عن طريق تحلية مياه البحر على ظهر السفن أمراً شائعاً باستخدام أسلوب الأنابيب المغمورة وأسلوب التبخير متعدد التأثير كما وجدت عدة حالات جرى فيها إنتاج المياه المحلاة على نطاق محدود على اليابسة بهدف الشرب منذ أواخر القرن التاسع عشر في مصر واليمن وتشيلي وفلوريدا وغيرها أما في دول الخليج العربي فقد كان أول استخدام للتحلية لإنتاج مياه الشرب عام 1907 في مدينة جدة السعودية ففي عام 1928 بلغ إنتاجها 135 متر مكعب / يوم وتزامن في عام 1953 قيام كل من قطر والكويت بإنشاء عدد من الوحدات تعمل بأسلوب الأنابيب المغمورة الشائعة آنذاك ففي دولة قطر تم إنشاء خمس وحدات بسعة 682 متر مكعب / يوم وفي دولة الكويت تم إنشاء عشر وحدات بسعة 4545.5 متر مكعب / يوم تلاها إنشاء عشر وحدات أخرى في عام 1955.
ويرجع تاريخ استخدام التحلية على نطاق تجاري في أواخر الخمسينات ولكن البداية كانت متواضعة فقد كان مجموع ما ينتج في جميع أنحاء العالم عام 1958 لا يزيد على 8000 متر مكعب / يوم واخذ في الأزدياد تدريجياً حتى وصل في عام 1965 إلى 263 ألف متر مكعب / يوم ومنذ ذلك التاريخ تضاعفت الطاقة الإنتاجية بمعدل يبلغ ثلاث مرات كل خمس سنوات لتصل عام 1980 إلى 7.6 مليون متر مكعب / يوم وكانت الطفرة في الرقم القياسي لزيادة الطاقة الإنتاجية جاءت خلال العام نفسه الذي أضيفت فيه 335 وحدة تحليه طاقاتها الإجمالية 1.8 مليون متر مكعب / يوم ولكن بعد عام 1980 أخذ معدل النمو في التناقص فخلال الخمس سنوات التالية كانت نسبة الزيادة نحو 50% انخفضت إلى نحو 11% في الخمس سنوات التي أعقبتها ثم في عام 1992 إلى 15.6 مليون متر مكعب / يوم وان ما يقارب من 65% من الطاقة الإجمالية العالمية لوحدات التحلية موجودة في الدول العربية فقد احتلت السعودية المرتبة الأولى عالمياً من حيث نسبة امتلاكها لوحدات تحلية المياه في العالم إذ إنها تمتلك 26.8% تليها الولايات المتحدة الأمريكية بنسبة 12% والكويت ثالثاً بنسبة 10.5% ويوجد في العالم حوالي 8000 محطة تحلية في حوالي 120 دولة وتنتج المحطة الواحدة أكثر من 100 متر مكعب / يوم وتتبع في دول الخليج العربي التقنيات الآتية في تحلية مياه البحر وهي:
التقنيات الحرارية
عدل- طريقة التبخير الومضي متعدد المراحل: تستخدم في جميع دول الخليج العربي وترتبط بمحطات إنتاج الطاقة الكهربائية وتعتمد على تسخين الماء المالح إلى درجة حرارة معينة تتراوح بين 90 و120 درجة مئوية في السخان الملحي ثم يتم ضخ هذا الماء إلى مجموعة غرف متتالية وذات ضغط منخفض مفرغة من الهواء فيحدث تبخر ومضي للماء عند درجة حرارة الدخول لكل غرفة وبما أن درجة حرارة المياه تنخفض من مرحلة إلى أخرى فأنه يتم زيادة خلخلة الضغط لكل مرحلة عن المرحلة السابقة لها لضمان استمرار عملية التبخر الومضي إما البخار المتصاعد في الغرف فيتم تكثيفه على أنابيب مياه التغذية وينتج عن هذا تسخين مبدئي لمياه التغذية قبل دخولها إلى السخان الملحي وبذلك يتم تقليل الطاقة اللازمة للتسخين.
- التبخير متعدد التأثير: وتتم في سلسلة من الأوعية أو غرف التأثير مستخدمة مبدأ تخفيض الضغط السائد في الغرف المتعددة وهذا يسمح لمياه التغذية بالغليان عدة مرات بدون تزويد حرارة إضافية بعد الوعاء الأول. ويكتفى بالاستفادة من الأبخرة المتصاعدة من المبخر الأول للتكثف في المبخر الثاني وعليه تستخدم حرارة التكثف في غلي ماء البحر في المبخر الثاني وبالتالي فإن المبخر الثاني يعمل كمكثف للأبخرة القادمة من المبخر الأول وتصبح هذه الأبخرة في المبخر الثاني مثل مهمة بخار التسخين في المبخر الأول وبالمثل فإن المبخر الثالث يعمل كمكثف للمبخر الثاني وهكذا ويسمى كل مبخر في تلك السلسة بالتأثير التي تتم بإمداد بخار التسخين إلى داخل أنابيب المبادل البخاري بالوعاء الأول إذ يتكثف ليكون مياه متكثفة أو مياه منتجة.
- التضاغط البخاري: تستخدم عادة في وحدات تحلية مياه البحر الصغيرة والمتوسطة السعة وبصفة عامة تتراوح سعة وحدات التحلية التي تستخدم هذه الطريقة بين 20 و2000 متر مكعب / يوم وغالباً ما تستخدم في المنتجعات السياحية والصناعات ومواقع حفريات الآبار، وتأتي الحرارة اللازمة لتبخير الماء من ضغط البخار بدلاً من التبادل البخاري المباشر للبخار المنتج في الغلاية وفي هذه التقنية يستخدم ضاغط ميكانيكي يدار بمحرك كهربائي أو تدفق بخار نفاث يعمل على خلخلة الضغط داخل غرفة المحطة فيحدث تبخر للماء عند درجة حرارة ماء التغذية ويتم ضغط البخار إلى أن ترتفع درجة حرارته فيصبح مصدر الحرارة اللازم لتبخير جزء آخر من ماء التغذية ويمر البخار الساخن بعد ضغطه حول أنابيب الماء المالح فيتم تكثيف البخار حول الأنابيب ويستفاد من حرارة المتكثف لرفع درجة حرارة الماء المالح داخل الأنابيب ولإنتاج كمية أخرى من البخار الذي بدوره يتم ضغطه لتعاد الدورة مرة أخرى ويخرج الماء المكثف من الوحدة كماء منتج.
التقنيات الغشائية
عدل- التناضح العكسي: هي عملية انتقال عكسي للماء من المحلول الأكثر تركيزاً إلى المحلول الأقل تركيزاً عبر غشاء شبه منفذ أو نصف مسامي تحت تأثير ضغط أعلى من الضغط الأسموزي للمياه العالية ويتم تسليطه على المياه العالية التركيز ويسمى الغشاء والذي يصنع من بوليمرات خاصة بشبه المنفذ لأنه يسمح بمرور جزيئات الماء ولا يسمح بمرور الأملاح ويتم الحصول على الضغط المطلوب بواسطة مضخات الضغط المرتفع. ويتحكم في قيمة الضغط المطلوب عدة عوامل أهمها درجة حرارة وملوحة مياه التغذية والإنتاجية المطلوبة وتصنع أغشية التناضح العكسي من أنماط مختلفة وهناك نوعان يتم استخدامهما على نطاق واسع هما الغشاء الملفوف حلزونيا والألياف الشعيرات الدقيقة المجوفة ويستخدم هذا النوعان لتحلية كل من مياه الآبار ومياه البحر.
- الديلزة (الفرز الغشائي الكهربائي): هي عملية تسليط جهد كهربائي معين على قطبين مختلفين أحدهما موجب والآخر سالب بحيث تمر مياه التغذية من بين الأقطاب فيحدث تجاذب للأيونات تتجه على إثره الأيونات الموجبة للقطب السالب والأيونات السالبة ناحية القطب الموجب وتمر المياه خارج الوحدة بعدما تكون انخفضت ملوحتها إلى درجة مناسبة للاستخدام وتعد الديلزة الكهربائية تقنية فعالة لتحلية المياه قليلة الملوحة حتى 2000 جزء في المليون.
واقع تحلية مياه البحر في دول الخليج العربي
عدلتعتمد دول الخليج العربي الستة حالياً على التحلية كمصدر رئيس المياه الشرب إذ تشكل المياه المحلاة أكثر من 80% من مجمل مياه الشرب أما باقي الكمية فتأتي من المياه الجوفية وتشكل مياه الأمطار مصدراً محدوداً لمياه الشرب في السعودية فمن الجدول التالي يظهر أن مجموع سعات التحلية في دول الخليج العربي بلغت 17.5004 مليون متر مكعب وهي موزعة تنازلياً: الإمارات، السعودية، الكويت، قطر، البحرين، عمان، إذ بلغت في كل منها 39.7 و29.9 12.9 و8.5 و5.1 و3.9 على التوالي ويتم إنتاج مياه التحلية من البحر في 289 محطة عملاقة تأتي السعودية في مقدمة الدول الخليجية التي تمتلك أكثر من ثلثي أعدادها وتنتشر تلك المحطات على ساحل الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر عمان وبحر العرب وفيما يتعلق بتقنيات التحلية المستخدمة فتشمل تقنية التبخير الومضي متعدد المراحل التي يتم استخدامها في جميع دول الخليج العربي تليها تقنية التناضح العكسي التي تستحوذ على ثلثي أعداد المحطات وتستخدم في جميع الدول عدا الكويت ثم تأتي تقنية التبخير متعدد التأثير كما تستخدم تقنيات الديلزة والتضاغط البخاري والمختلط وتستحوذ التقنيات الثلاثة الأولى على العدد الأكبر من محطات التحلية ما يعزز الثقة في استخدامها.
جدول عدد محطات التحلية موزعة حسب نوع التقنية وسعة التحلية مليون متر مكعب / يوم في دول الخليج العربي 2014
الدولة | تبخر وميضي | تناضح عكسي | تبخير متعدد | تضاغط بخاري | ديلزة | تناضح | مختلط | المجموع | السعة مليون متر مكعب /يوم | السعة % |
الإمارات | 14 | 18 | 3 | 6 | 41 | 6.9505 | 39.7 | |||
البحرين | 1 | 3 | 1 | 1 | 1 | 7 | 0.8933 | 5.1 | ||
السعودية | 12 | 164 | 7 | 183 | 5.2243 | 29.9 | ||||
عمان | 3 | 35 | 1 | 2 | 35 | 0.6746 | 3.9 | |||
قطر | 6 | 1 | 3 | 10 | 1.4929 | 8.5 | ||||
الكويت | 6 | 1 | 7 | 2.2644 | 12.9 | |||||
المجموع | 42 | 221 | 13 | 1 | 1 | 2 | 8 | 289 | 17.5004 | 100 |
وفي ظل النمو الاقتصادي المتزايد لدول الخليج العربي خلال العقود القليلة الماضية فأن الطلب على المياه يزداد بشكل متسارع بالرغم من الجهود الحثيثة لترشيد استهلاكها وعليه فإن التوسع في إنتاج مياه التحلية من البحر يكون من خلال إقامة مشاريع جديدة أو توسعة المحطات القائمة كان أمراً لا مناص منه مع استمرار الشحة في المصادر التقليدية فمن الجدول التالي يظهر إن نمو إنتاج المياه المحلاة الإجمالي بلغ 6.9% خلال الفترة من (2000-2014) وتأتي الإمارات في مقدمة تلك الدول في نسبة النمو إذ بلغ 44.5% يليها قطر 10.1% بينما تدنت نسبة النمو في السعودية إذ بلغت 2.2% بالرغم من امتلاكها أكبر عدد من المحطات مما يشير إلى انخفاض إنتاجها مقارنة بالدول الخليجية الأخرى واعتمادها على مصادر أخرى مثل المياه الجوفية.
جدول إنتاج المياه المحلاة من البحر مليون متر مكعب / يوم موزعة على دول الخليج العربية للمدة (2000-2014)
الدولة | 2000 | 2014 | النمو % |
الإمارات | 465.7 | 1540 | 11.5 |
البحرين | 84.1 | 196.5 | 8 |
السعودية | 903.9 | 1149 | 2.2 |
عمان | 42.43 | 148 | 12 |
قطر | 113.4 | 328.4 | 10.1 |
الكويت | 286.8 | 498.1 | 5.1 |
المجموع | 1610 | 3362 | 6.9 |
مستقبل تحلية مياه البحر
عدليتطلب تحقيق الرفاهية للسكان وكما تدعو إليه أهداف الألفية التي وضعتها الأمم المتحدة لتحسين الظروف المعيشية توفر المياه الصالحة للشرب مع سهولة الوصول إليها لكل السكان. وأن السعي نحو التنمية يستلزم وجود وفرة في الكميات المعروضة من المياه بما يحقق الثقة في البنية الأساسية الخليجية ويشكل دعماً لنمو اقتصادها ولذلك فإن دول الخليج العربي تمتلك حالياً فائضاً طفيفاً في إنتاج المياه المحلاة قد يكفي بضع سنين مقارنة بالطلب وتشير التوقعات المستقبلية للعشرين عاماً القادمة إلى استمرار النمو على الطلب في جميع دول الخليج العربي وهو ما يدفع نحو وضع الخطط متوسطة وبعيدة الأمد لإنشاء مزيد من محطات التحلية كأحد أهم الخيارات.
وتشير الدراسات إلى أن دول الخليج العربي اعتمدت على تحلية مياه البحر، وباتت هذه التقنية توفر ما بين 50% إلى 90% من مياه الشرب فيها وأصبحت محطاتها تمثل أحد مفاصل الأمن الوطني لهذه الدول علما بأن كلفة إنشاء المحطة الواحدة لا تقل عن مليار دولار أمريكي فيما تقدر كلفة المشاريع المقررة في دول الخليج العربي الست خلال السنوات الخمس القادمة بـ 7 مليارات دولار أمريكي منها 2.9 مليار دولار أمريكي لمحطات تحلية بالسعودية و2.2 مليار دولار أمريكي في الإمارات أما المشروعات الأخرى فموزعة على البحرين والكويت وعُمان وقطر، ويطرح الخبراء عددًا من الخيارات أمام هذه الدول للتغلب على مشكلة المياه أهمها خصخصة قطاع المياه التي تبناها صندوق النقد والبنك الدوليين لكن دول الخليج العربي أحجمت عن تبنيها نطاق واسع لأنها ستنقل عبء السعر الذي سيحدده المستثمر إلى كاهل المستهلك لكن البحرين سمحت مؤخرًا للقطاع الخاص بتنفيذ مشاريع مائية مثل محطات التحلية وإقامة السدود المائية والخيار الآخر هو تعديل أسعار المياه بما يحقق استرداد التكلفة الخاصة بالمعالجة والصيانة والخيار الثالث هو الاستفادة من المشروعات الإقليمية ويتم ذلك من خلال إقامة مشاريع لنقل المياه من مناطق نائية عبر مسافات طويلة بواسطة أنابيب من مصر وإيران، وتركيا إلا أن تكلفتها الباهظة إلى جانب تأثيرها على البيئة البحرية فضلاً عن وجود بعض الشوائب في العلاقات السياسية لذا فإن على الدول الخليجية أن تركز جهودها في تنمية مواردها الذاتية من المياه من خلال الاستمرار في سياسة تحلية المياه. لذلك فأن تطوير التقنيات الفعالة والبنية التحتية القابلة للتطوير والتوسع لسد الحاجة إلى المياه الصالحة للشرب على قائمة أولويات الحكومات المحلية في منطقة الخليج العربي. فتحلية المياه المالحة من البحر العربي والخليج العربي هي الحل المنطقي لمشكلة ندرة المياه والمجال الذي يجدر بالبحوث العلمية أن توليه عناية بالغة ففي الوقت الحالي.
التقنيات المستقبلية في تحلية مياه البحر
عدليجري تطويرا تقنيات جديدة عديدة للتحلية لتقليل استهلاك الطاقة وإنتاج عمليات التحلية المستدامة بالاعتماد على التقنيات المتجددة منها التحلية بالامتزاز التي تُعد واحدة من أوفر تقنيات تحلية المياه المتاحة توفيرا للطاقة وكان فريق من الباحثين بجامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية في السعودية قد أنشأ نموذجاً تجريبياً ناجحاً، وتمت الموافقة رسمياً على إنشاء أول محطة صناعية ضخمة تستخدم تقنية التحلية بالامتزاز في السعودية وتستخدم تقنية التحلية بالامتزاز الطاقة الشمسية المباشرة أو فائض الحرارة من التطبيقات الصناعية في تحلية المياه عالية الملوحة ولكن لا تزال هناك بعض المخاوف المرتبطة بحجم تكلفة رأس المال المباشر، وتلك المخاوف التي ينبغي التعامل معها من خلال نمذجة وفحص دورة التكلفة وهنالك تقنية أخرى تعرف بتقنية التقطير الغشائي وهي تقنية حرارية منخفضة الاستهلاك من الطاقة تستخدم غشاء دقيقاً صاداً للماء لفصل الماء العذب من خلال التوازن بين السوائل والبخار، وتعتمد هذه التقنية على المزج بين التقنيات التقليدية للتقطير واستخدام الأغشية التي تتضمن الحرارة ونقل الكتلة ويعتمد مستقبل تحلية المياه على الخلط بين التقنيات القائمة والجديدة وينبغي للأبحاث المستقبلية أن تركز على المزج بين تقنيات الضغط الأسموزي الأمامي والتقطير الغشائي والتحلية بالامتزاز مع أو من دون تقنيات التحلية التقليدية مثل التحلية الحرارية أو الضغط الأسموزي العكسي وهذا المزج سوف يُسهم في تطوير تقنيات التحلية التي تعمل بالطاقة المتجددة كما أنه سيسهم في ترشيد استهلاك الطاقة ويتطلب الأمر التخطيط والإدارة الرشيدة الموارد المياه؛ لعلاج ندرة المياه في المنطقة إلى جانب تطوير تقنيات التحلية الفعالة والصديقة للبيئة في هذا السياق، يشير تقرير صدر عن البنك الدولى عن تحلية المياه باستخدام الطاقة المتجددة من جهته إلى أن الربط بين التحلية ومصادر الطاقة المتجددة يعد أحد الحلول المهمة التي يمكن أن تقلل من تكلفة هذه العملية ومن بين هذه المصادر المتجددة سواء كانت طاقة الرياح أو الكتلة الإحيائية أو الحرارة الأرضية أو الطاقة الكهرومائية تبرز الطاقة الشمسية في المنطقة؛ إذ تمثل أكبر مورد للطاقة فيها، ويمكن استخدامها في تحلية المياه.
تعد أنظمة تركيز الطاقة الشمسية خياراً جذاباً لإمداد محطات تحلية المياه بالطاقة على نطاق صناعي والعوائق الأساسية لاستخدام الطاقة الشمسية الحرارية في محطات تحلية المياه هي: انخفاض معدل الإنتاجية والكفاءة الحرارية المنخفضة ومتطلبات المساحة الواسعة لتلك المحطات ومن ثم فإن محطات التحلية القائمة على الطاقة الشمسية الحرارية ملائمة أكثر للإنتاج على نطاق صغير لاسيما في المناطق النائية القاحلة وفي الجزر ويمكن لأنظمة تركيز الطاقة الشمسية أن توفر إمدادات مستدامة للطاقة بشكل مستمر في محطات تحلية المياه وقد شرعت عدة دول عربية بالفعل منها الأردن ومصر والسعودية في تطوير مشروعات كبيرة لأنظمة تركيز الطاقة الشمسية.
التحديات التي تواجه تحلية مياه البحر
عدلهناك عدد من التحديات التي تقف في الاعتماد على التحلية كمصدر رئيس للمياه في دول الخليج العربي وتتمثل في ما يأتي:
ارتفاع تكلفة الإنتاج والنقل: إذ تبلغ تكاليف إنشاء المحطة الواحدة حوالي 200 مليون دولار أمريكي ويمكن أن تتعدى هذا المبلغ أما تكلفة إنتاج 1 متر مكعب من المياه المحلاة أكثر بكثير من تكلفة إنتاج ونقل المياه السطحية والجوفية ولا يزال عنصر التكلفة الرئيس يتمثل باستثمار رأس المال الأولي لإنشاء المحطة 30-60% من إجمالي التكلفة في حين تمثل تكاليف التشغيل والصيانة من 40-70% وتتراوح تكلفة الطاقة بين 20-70% وتمثل اليد العاملة والمواد من 10-30% واستبدال المرشحات الغشائية من 10-20% حسب حجم المحطة ونوعها ويكلف إنتاج تحلية متر مكعب من المياه ما بين 0.4-0.6 دولار أمريكي عند استخدام مياه قليلة الملوحة بينما تصل التكلفة من 1-1.10 دولار أمريكي عند تحلية مياه عالية الملوحة وقد تصل التكلفة في بعض الأحيان إلى 2 دولار أمريكي وقد تراوحت تكاليف الإنشاء المقامة للفترة من (1992-1997) بین (1047-1774) دولار أمريكي / متر مكعب من الطاقة المتاحة في اليوم وتعتمد تكلفة الإنتاج أيضا على التكنولوجيا المنتجة أي السرعة متعددة المراحل أو التناضح العكسي وحجم المحطة وعمرها وما إذا كانت المحطة مزدوجة الغرض الافتراضي توليد الماء والطاقة الكهربائية ونوعية ماء المصدر وموقع المحطة وسعر الفائدة وقطع الغيار وتكاليف الصيانة وتكلفة الطاقة واليد العاملة ومعامل تحميل المحطة.
لقد كانت التكلفة العالية نسبيا للطاقة ولم تزل أكثر العوامل تقييداً بشان إنتاج الماء بواسطة عملية التحلية غير إن توافر الوقود الغزير المدعوم من الحكومة في دول الخليج العربي قد خفف من اثر هذا العامل وسمح لها بالتوسع في إنتاج ماء التحلية وزيادة الاعتماد على هذا المصدر، وبالنظر لتكاليف الطاقة المدعومة من الحكومة في هذه الدول فأن تكاليف التحلية التي فيها أقل من دول أخرى إذ إن متوسط التكلفة في السعودية يتراوح بين (0.50-0.75) دولار أمريكي / متر مكعب وفي الإمارات تتراوح بين (1-1.45) دولار أمريكي وفي الكويت 0.94 دولار أمريكي وفي قطر بين (1.14-1.64) دولار أمريكي وفي البحرين 0.56 دولار أمريكي وفي أنحاء أخرى من العالم لا تحصل تكاليف الطاقة على إعانات حكومية تزيد تكاليف الإنتاج نوعاً ما فعلى سبيل المثال تتراوح تكاليف الإنتاج في الولايات المتحدة الأمريكية بين (2.06-2.6) دولار أمريكي وفي مالطا تبلغ التكاليف 1.18 دولار أمريكي. لذا فأن تكلفة وحدة إنتاج الماء العذب في دول الخليج العربي تتراوح بين (1-1.5) دولار / متر مكعب وذلك بالنسبة لمحطات التحلية التي تبلغ قدرتها الإنتاجية 2000 متر مكعب /يوم استناداً إلى تكاليف الطاقة الدولية وبالنسبة للمحطات التي تزيد قدرتها عن 100 ألف متر مكعب / يوم يمكن خفض التكاليف بين (0.7-0.8) دولار أمريكي وفي حال الماء الأجاج الذي تقل ملوحته عن 10 آلاف جزء بالمليون تتراوح التكاليف بين (0.4-0.5) دولار أمريكي بالنسبة للمحطات الكبيرة.
إن انعدام مصادر التمويل عقب انهيار قطاع المال العالمي سوف يرغم المتعاقدين على إلغاء المشاريع الجديدة أو تأجيلها إلى حين توافر المصادر المالية اللازمة ويمكن التغلب على ذلك باستخدام أحدث التقنيات التي تؤدي إلى تخفيض استهلاك الطاقة بنسبة 70% ويجب الاهتمام بمجال الأبحاث لإيجاد الحلول التي من شانها أن تقلل من تكلفة تحلية المياه وتؤدي إلى تحسين التقنيات الحالية.
تدني أسعار استهلاك المياه: وهي أرخص الأسعار الاستهلاكية في العالم ما يفاقم من قضية الإسراف في الاستهلاك وعدم دفع القيمة الحقيقة للمياه في دول تعاني من هشاشة في المياه.
تعاني أنظمة المياه في المدن من عدم الكفاءة إذ يفوق الهدر نسبة 30% من المياه المخصصة لأغراض الشرب والاستخدام المنزلي بسبب تدني مستويات الصيانة والتخلف التكنولوجي وضعف الإدارة الفنية والمالية وهذا الهدر غير مقبول بسبب التكاليف العالية لهذه المياه المحلاة، مقارنة بالكلفة الزهيدة لخفض الهدر، كما يقلل الكلفة الرأسمالية والتشغيلية أيضاً.
ضعف المخزون الاستراتيجي للمياه في بعض الدول: وهي القدرة الاستيعابية للدولة من كمية المياه للاستعمال الفوري ففي الإمارات التي تعد الدولة الأكثر تطوراً في المنطقة في هذا المجال يصل مخزون المياه الاستراتيجي إلى حوالي الشهر، بينما لا يتعدى المخزون الاستراتيجي الحالي للبحرين يوماً واحداً مما يعني الحاجة إلى إعادة تعبئة المخزون يومياً لتفادي نفاذه مما يثير أسئلة أساسية حول جاهزية الدولة لأية كوارث أو حالات طارئة محتملة وقد ذاق البحرينيون جزءاً من هذا السيناريو الأسود في أغسطس 2004 فيما عرف بيوم الاثنين الأسود حين انقطعت الكهرباء ليوم كامل في ذروة حرارة الصيف مما أدى إلى توقف محطات تحلية المياه وبنهاية اليوم كان المخزون المائي في البحرين قد وصل إلى درجة النفاذ.
تواجه دول الخليج العربي تحديات تنظيمية في إدارة الموارد المائية ناتجة عن سوء إدارة بالإمكان تطويرها وتفاديها ومنها تعدد المؤسسات المسئولة عن المياه وضعف دورها في أحكام الرقابة وعدم التنسيق فيما بينها، ما انعكس بالسلب على أدائها في معالجة قضايا المياه ما يتطلب إنشاء وزارات مياه في أغلب الدول، فضلاً عن إنشاء هيئات عامة للإشراف على المياه وتولى القطاع العسكري أحياناً مسؤولية إنشاء محطات تحلية المياه في بعض الدول ونجد في العديد من دول الخليج العربي أن مسئولية المياه موزعة على عدة مؤسسات مختلفة وتدار بمعزل عن بعضها البعض، فمثلا المياه الجوفية ومياه الزراعة ومعالجة مياه الصرف الصحي والتحلية والشبكات؛ كثيراً ما تُدار من قبل أجهزة مختلفة كما تفتقر معظم المؤسسات المائية إلى مقومات البحث والدراسة الإقليمية وتعاني أنشطة البحث العلمي التي تتولاها الجامعات ومراكز البحوث بالمنطقة من ضعف مقومات التشجيع، وقلة الدعم من الجهات المختصة وتعاني دول الخليج العربي من ضعف القدرات البشرية ونقص في الكوادر الفنية المؤهلة بالرغم من زيادة أعداد الخريجين من الجامعات والمتدربين وغياب قواعد البيانات المشتركة والاكتفاء بالبحوث الفردية أو النظرية فضلاً عن محدودية الوعي الجماهيري والمشاركة في صنع القرار وانتشار الأمية في مجال استخدامات المياه، وتدني مستويات الوعي لاسيما بين القطاع الأكبر من المستفيدين من المياه (قطاع الزراعة والقطاع السكني).
زيادة معدلات النمو السكاني: وزيادة الفجوة بين العرض والطلب وتتأثر الاحتياجات المائية بالزيادة السكانية وبالأحوال الاجتماعية الاقتصادية للسكان فاستعمالات المياه لسكان المدن مثلاً تزيد على مثيلتها لسكان المناطق الأخرى ويرتبط أي مخطط قومي لتحقيق الأمن الغذائي، ارتباطا وثيقاً باستراتيجية الأمن المائي، وما يتطلبه ذلك من توفير المزيد من المياه، أخذاً في الاعتبار النمو السكاني، وخطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية بكل فاعليتها وهنا تنشأ أسئلة حقيقية حول مدى استدامة وفاعلية خطط المنطقة في التواصل من أجل بناء مشاريع عقارية ضخمة، ومدن جديدة والتواصل في نمو سكاني مطرد في خضم الموارد الطبيعية الشحيحة، لاسيما المياه.
عدم وجود معلومات كافية والمعرفة غير الوافية لكل من الموارد المائية الطبيعية والمحتملة، وكذلك الاحتياجات المائية الحالية والمستقبلية.
تعدد وقصور السياسات المائية وغياب عنصر التكامل والشمولية.
مواجهة التحديات التي تواجه زيادة على المياه
عدلتتمتع دول مجلس التعاون الخليجي بوفرة في احتياطي النفط والغاز، وبالرغم من ذلك تعاني الندرة في موارد المياه والأراضي الصالحة للزراعة ووفقًا للأمم المتحدة تصنف جميع دول الخليج العربي عدا عمان بوصفها تعاني من ندرة حادة في المياه بسبب نقص حجم الأمطار السنوية واعتماد المنطقة بشكل كبير على المياه الجوفية غير الدائمة ونظراً للدور الحيوي والرئيس الذي تقوم به المياه في عملية التنمية أولت تلك الدول اهتمامها بقضايا المياه وبكل ما يتعلق بها واتبعت عدداً من السياسات والإجراءات اهمها ما يأتي:
تبنت سياسات لا مركزية في إدارة المياه وإنشاء وصيانة بنك للمياه وأطر مشاركة للتعامل مع قطاع المياه.
إنهاء مشروع الربط المائي الخليجي الذي تبلغ تكلفته نحو مليار دولار أمريكي وسيسهم في موازنة الطاقة الإنتاجية للمياه وأن عام 2020 هو البداية لانطلاقه بحيث يكون بحر عُمان من أهم المصادر المائية في حال نقص إمدادات المياه القادمة من الخليج العربي مع الأخذ بالاعتبار أن الوصول للاكتفاء الذاتي من المياه لن يتحقق إلا بالتخلي عن الزراعة في المنطقة نظراً لاستنزافها كميات كبيرة من المياه.
تبني منهجيات تحلية المياه التي باتت المصدر الرئيسي للإمدادات المائية المنزلية والبلدية والصناعية.
تشجيع الاعتماد على تقنية التناضح العكسي في محطات التحلية التي تساعد في بناء مستقبل أكثر استدامة عبر الحد من استهلاك الطاقة الأحفورية في محطات المعالجة وتخفيف تلوث المياه العادمة.
استخدام الطاقة الشمسية في تحلية المياه إذ كان للإمارات تجربة ناجحة في تحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية عبر ثلاث محطات تجريبية بطاقة إنتاج إجمالية تبلغ 648 متر مكعب يومياً وهو ما يمهد الطريق نحو إيجاد حلول أكثر استدامة لتحلية المياه في المستقبل.
أقر قادة دول الخليج العربي الست تنفيذ مشروع لإنشاء شبكة مياه خليجية بتكلفة 10 مليار دولار أمريكي ويشمل المشروع إنشاء محطتين واحدة على ساحل الخليج العربي والثانية على ساحل بحر عُمان بحيث في حال طرأت مشكلة على صعيد مياه الخليج العربي فإنه بالإمكان الاستفادة من المياه التي ستزودها بها المحطة الأخرى نظراً لإطلالتها على محيط واسع تتجدد فيه المياه.
إقامة نظام الإمدادات المياه وتحلية مياه البحر المشتركة المياه إذ يقوم المشروع على تحلية مياه البحر من خارج مياه الخليج العربي ونقلها وتوزيع المياه الصالحة للشرب بين جميع الدول الأعضاء وتبلغ تكلفته نحو 7 مليار دولار أمريكي ويشمل مرافق لتخزين المياه الصالحة للشرب ويعتمد على إقامة سلسلة من محطات لتحلية المياه في جميع الدول لإنتاج الماء وتخزينه ومن ثم إمكانية نقله وتوزيعه على دول الخليج العربي كل حسب حاجته.
وقعت هيئة مياه وكهرباء أبوظبي اتفاقية شراكة استراتيجية مع القمة العالمية للمياه التي عقدت خلال الفترة من 20 إلى 22 ديسمبر 2014 في العاصمة أبوظبي كما استضافت هيئة مياه وكهرباء أبوظبي ضمن جهود تطوير قطاع المياه منصة لمشغلي المياه في هذه الدول وبالشكل الذي سيسهم في تعزيز مجالات التعاون فيما بينهم وتبادل الأفكار والخبرات والتقنيات الخاصة بقطاع المياه لاسيما وأن التوقعات تشير إلى أن حجم استثمارات هذه الدول في مشاريع المياه المزمع تنفيذها بحلول العام 2022 سيصل نحو 300 مليار دولار أمريكي.
التوقعات المستقبلية للطلب والعرض على المياه في دول الخليج العربي
عدليبين الجدول التالي السيناريوهات المتوقعة للعرض والطلب على المياه في دول الخليج العربي كما أوردها تقرير البنك الدولي عام 2000 وهي:
السيناريو الأول: بقاء الوضع الحالي ويتوقع إن يستمر حجم الموارد المائية المتاحة (العرض) دون تغيير وهذا سيؤدي إلى وجود أزمة مائية وانخفاض رصيدها من الموارد المائية مما سينعكس على تدني حصة الفرد الواحد من المياه وتراجع التنمية الاقتصادية.
السيناريو الثاني: زيادة حجم الموارد المائية المتاحة (العرض) مع استمرار زيادة الطلب على المياه وهذا سيخفف من حدة الأزمة المائية وسيكون انخفاض رصيدها من الموارد المائية أقل وسيكون تأثيره على حصة الفرد والتنمية الاقتصادية بشكل أقل.
جدول السيناريوهات المتوقعة للعرض والطلب على المياه في دول الخليج العربي (مليون متر مكعب / سنوياً)
السيناريوهات | المتغيرات | 2015 | 2020 | 2025 |
الأول | العرض | 13.57 | 13.57 | 13.57 |
الطلب | 40.24 | 44.86 | 49.38 | |
رصيد الموارد المائية | -26.67 | -31.29 | -35.81 | |
الثاني | العرض | 18.44 | 19.87 | 21.36 |
الطلب | 40.24 | 44.86 | 49.38 | |
رصيد الموارد المائية | -21.8 | -24.99 | -28.02 | |
الثالث | العرض | 18.44 | 19.87 | 21.36 |
الطلب | 32.88 | 35.44 | 37.81 | |
رصيد الموارد المائية | -14.44 | -15.57 | -16.45 |
السيناريو الثالث: زيادة حجم الموارد المائية مع إصلاح السياسات مع استمرار زيادة الطلب على المياه مما سيؤدي إلى إن انخفاض رصيدها من الموارد المائية سيكون باقل ما يمكن ولن يؤثر كثير في تدني حصة الفرد من المياه كما لن تتأثر مشاريع التنمية الاقتصادية في الدول الخليجية مجتمعة.
ومن الجدول التالي فإن كل دول الخليج العربي سوف تعاني من عجز شديد في المستقبل لاسيما السعودية إذ ستعاني من عجز مائي كبير حتى عام 2030 تأتي بعدها كل من الإمارات، قطر، عمان، الكويت، والبحرين التي ستعاني عجزاً مائياً قليلاً ولكن العجز المائي سيكون من الصعب التغلب عليه في السعودية والإمارات ولكن من الممكن معالجته في المستقبل فيما اذا تم تنمية تحلية مياه البحر والمصادر المائية الأخرى مياه الصرف الصحي، حصاد المطر، سحب المياه بالأنابيب من الدول الإقليمية، وغيرها. والمياه المحلاة من البحر قابلة للزيادة في المستقبل لأنه يمكن تطوير المحطات السابقة أو بناء محطات جديدة.
جدول حجم الاحتياجات والعجز المتوقع لدول الخليج العربي (مليون متر مكعب / سنة)
السنوات | المتغيرات | الإمارات | البحرين | السعودية | عمان | قطر | الكويت | المجموع |
2015 | الاحتياجات | 5080 | 510 | 29315 | 2132 | 1149 | 1310 | 39496 |
العجز | 3343 | 14 | 13726 | 652 | 677 | 445 | 18857 | |
2020 | الاحتياجات | 6085 | 588 | 25552 | 2527 | 1499 | 1674 | 37925 |
العجز | 4348 | 92 | 17489 | 1047 | 1027 | 809 | 24812 | |
2025 | الاحتياجات | 6856 | 678 | 33131 | 3016 | 1956 | 2554 | 48191 |
العجز | 5119 | 182 | 21305 | 1535 | 1484 | 1272 | 54827 | |
2030 | الاحتياجات | 8026 | 782 | 36988 | 3753 | 2554 | 2724 | 54827 |
العجز | 6289 | 286 | 25162 | 2273 | 2082 | 1859 | 37951 |
من خلال التحليل السابق فإن أمام دول الخليج العربي خيارين هما:
الأول هو بقاء هذه الدول في الاعتماد على محطات تحلية المياه بالرغم من تكلفتها العالية مما يتوجب على حكوماتها أن تمول هذه المشاريع مما سيكلفها أموال إضافية في ظل الأزمة المالية العالمية وتقلبات أسعار النفط مع استمرار جائحة كورونا والأزمات العالمية لذلك يجب التفكير بإنشاء محطات ذات تكلفة أقل وإنتاجية أكثر لتوفير القدر اللازم من الأموال فضلاً عن التوعية بأهمية المياه وترشيد استهلاكه ومن الأحسن بقاء الدولة هي المسيطر على قطاع المياه.
الثاني شراء المياه من الدول الغنية بالمياه (العراق، إيران، تركيا) وهذا يعيد للأذهان إمكانية طرح مشروع أنابيب السلام مرة أخرى لأن الشارع العربي سيكون أكبر معارض لهذا المشروع لأنه المشروع ذا خطين احدهما يمر بإسرائيل ثم لدول الخليج العربي لذا فان بعض دول الخليج العربي لن تقبل بالوقت الحالي بإعادة فكرة المشروع إذ يعتمد المشروع حول عقد اتفاقيات سلام وتطبيع بين إسرائيل وسوريا والأردن وجميع دول الخليج العربي بالرغم من معاهدات السلام بين إسرائيل والبحرين والإمارات لأن خط نقل المياه لابد أن يمر بالسعودية لذا فان دول الخليج العربي ستستمر في نهج السيناريو الأول، وهو الأمثل لها بالرغم من التكاليف الباهظة.
الاستنتاجات
عدلإن التحديات المائية تمثل هاجساً حقيقياً لدول الخليج العربي الستة المنضوية تحت مجلس التعاون الخليجي لاسيما في ظل طبيعتها الصحراوية القاسية وندرة الموارد المتجددة والاستهلاك المفرط وهذا يحتم جعل مسألة تحلية المياه من البحر امر لابد منه بالرغم من التكاليف الباهظة في إنشاء محطات التحلية وتكاليف الإنتاج في ظل الأزمة المالية العالمية وتقلبات أسعار المياه بالتزامن مع زيادة الطلب على المياه نتيجة التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها دول الخليج العربي.
مصادر
عدل- ^ "متى بدأت تحلية المياه".
- ^ "تقرير: دول مجلس التعاون الخليجي تضاعف جهودها لترشيد استهلاك المياه وسط ارتفاع الطلب الناجم عن زيادة السكان والنمو الاقتصادي".
- ^ "من الكنداسة إلى أكبر منتج في العالم".
- ^ "وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟".
- ^ "المصادر المائية بدول الخليج".