عنصرية عكسية
العنصرية العكسية (بالإنجليزية: Reverse racism) أو التمييز العكسي (بالإنجليزية: Reverse discrimination) هو مفهوم يَعتَبر التمييز الإيجابي وبرامج الوعي العرقي المشابهة التي تهدف إلى استدراك عدم المساواة العرقية شكلًا من أشكال العنصرية ضد البيض. وغالبًا ما يرتبط هذا المفهوم مع الحركات الاجتماعية المحافظة ومع الاعتقاد بأن المكاسب الاجتماعية والاقتصادية التي يحققها السُود في الولايات المتحدة وفي أماكن أخرى توقع ضررًا بالبيض.
لقد انتشر الاعتقاد بالعنصرية العكسية انتشارًا واسعًا في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ومع ذلك، يكاد لا يكون هناك دليل مبني على تجربة يظهر معاناة الأمريكيين البيض من التمييز المنهجي. وعلى وجه العموم تفتقر الأقليات العرقية والإثنية إلى القوة الازمة لإيقاع الضرر بمصالح البيض، الذين لايزالون يشكلون المجموعة السائدة في الولايات المتحدة. وتميل ادعاءات العنصرية العكسية إلى تجاهل مثل هذه التفاوتات في ممارسة القوة والسلطة، التي يرى العلماء أنها تشكل عنصرًا أساسيًا من عناصر العنصرية.[1]
بدأت الادعاءات حول العنصرية العكسية من جانب معارضي سياسات التمييز الإيجابي بالظهور على نحو ملحوظ في سبعينات القرن العشرين حيث شكلت جزءًا من رد فعل عكسي ضد المكاسب الاجتماعية التي يحققها أصحاب البشرة الملونة. وعلى الرغم من سيطرة الولايات المتحدة على ما يدور حول هذه القضية، إلا أن مفهوم العنصرية العكسية قد استُخدِم إلى حد ما في أي مكان قد تقلصت فيه سيادة البيض حول العالم، كما في أفريقيا الجنوبية بعد الأبارتايد (نظام فصل عنصري).[2]
الولايات المتحدة
عدلنظرة عامة
عدلغالبًا ما يرتبط مفهوم العنصرية العكسية في الولايات المتحدة بالمعارضة المتحفظة القائمة ضد سياسات الوعي العرقي التي تهدف إلى معالجة عدم المساواة العرقية، كالتمييز الإيجابي. تمكن آيمي إي. أنسيل من تحديد ثلاث ادعاءات رئيسية نابعة من العنصرية العكسية: (1) تدَّعي أن البرامج الحكومية التي تهدف إلى استدراك عدم المساواة العرقية تُوقع «بضحايا غير مرئية» عند البيض؛ (2) وتدعي أن التفضيلات العرقية تنتهك حق الفرد في الحصول على حماية متساوية عند الامتثال أمام القانون؛ (3) وتدعي أن نظرية الوعي العنصري بحد ذاتها تشكل عائقًا أمام تجاوز تَرِكَة العنصرية. ولقد اُستُخدِم أيضًا مفهوم العنصرية لوصف تعابير متنوعة ذات صلة بالعَداء وعدم الاكتراث تجاه البيض من قبل أفراد الأقليات.[3]
وعلى الرغم من إجراء القليل من الدراسات التجريبية عن موضوع العنصرية العكسية، إلا أن الدراسات القليلة الموجودة أظهَرَت ادلة قليلة تثبت أن الذكور البيض، على وجه الخصوص، يقعون ضحية لبرامج التمييز الإيجابي. وعلى وجه العموم تفتقر الأقليات الإثنية والعرقية إلى القوة الازمة لإيقاع الضرر بمصالح البيض، الذين لايزالون يشكلون المجموعة السائدة. وقد تجسَّدت علاقات المجموعتين عبر التاريخ نتيجة للإمبريالية الأوروبية وكذلك لقمع البيض للسود الذي دام طويلًا. يرى العلماء أن أوجه التفاوت هذه في ممارسة القوة والسلطة تُشكِّل عنصرًا أساسيًا من عناصر العنصرية؛ ومن وجهة النظر هذه، فإن المعتقدات والأمثلة الفردية على محاباة المَحرومِين لا تخلق العنصرية.[4]
التاريخ
عدلتعود المخاوف من أن تقدُّم الأمريكيين من أصل أفريقي قد يلحق الأذى بالأمريكيين البيض إلى زمن عصر إعادة الإعمار في سياق الجدل حول تقديم تعويضات عن الرِّق.
بدأت الادعاءات حول العنصرية العكسية بالظهور في سبعينات القرن العشرين على نحو ملفتٍ للنظر، وذلك بناءً على وجهة نظر عمياء اللون من الناحية العرقية والتي مفادها أن أي معاملة مهنية ترتبط بالانتماء إلى المجموعة العرقية هي معاملة خاطئة أخلاقيًا. وحيثما تُستخدم سياسات الماضي القائمة على الوعي العرقي مثل قوانين جيم كرو للحفاظ على سيادة البيض، فإن البرامج المعاصرة كالتمييز الإيجابي تهدف إلى الحد من عدم المساواة العرقية. وعلى الرغم من النجاحات التي حققتها برامج التمييز الإيجابي على هذا الصعيد، لكن المعارضين المتحفظين زعموا احتواء هذه البرامج على شكل من أشكال العنصرية ضد البيض. وقد تَعزز هذا الرأي بقرار من المحكمة العليا يُطلق عليهِ قرار أعضاء مجلس جامعة كاليفورنيا في. باكي (Regents of the University of California V. Bakke) الصادر عام (1978)، الذي نَصَّ على أن الكُوتا العرقية المخصصة لطلاب الأقليات تُعد تمييزية ضد البيض.[5]
المواقف العامة
عدلعلى الرغم من أنه ليس مدعومًا من الناحية التجريبية، إلا أن الاعتقاد بالعنصرية العكسية واسع الانتشار في الولايات المتحدة، حيث ساهم في تطور حركات اجتماعية محافظة أمثال حركة حفل الشاي. وبدأت ادعاءات العنصرية العكسية في القرن الواحد والعشرين بالميل إلى الاعتماد على النوادر الفردية، التي تستند غالبًا على تقارير منقولة عن ثلاث أو أربع مصادر، كفقدان وظيفة شخص أبيض لصالح شخص أسود. ويربط آنسيل فكرة العنصرية العكسية مع فكرة «ذكر أبيض غاضب» في السياسة الأمريكية. ولقد زاد إعقاد البيض بالعنصرية العكسية على نحوٍ ثابت منذ قيام حركة الحقوق المدنية عام 1960 حيث كانت جزءً من ردة فعل ضد إجراءات الحكومة التي تهدف معالجة التمييز العنصري.
لقد ارتبط فَهم تناقص التمييز ضد السود بعلاقة متبادلة باعتقاد البيض بتزايد التمييز ضد البيض. وأفاد باحثون في جامعتي تافتس وهارفارد عام 2011 أن العديد من الأمريكيين البيض شعروا حينها كما لو أنهم يعانون من أكبر قدر من التمييز بين المجموعات العرقية، على الرغم من وجود بيانات تفيد بعكس ذلك. رأى المُجيبون السود أن العنصرية ضد السود مشكلة مستمرة، في حين رأى البيض أن هذا النوع من العنصرية أصبح أمر من الماضي، لدرجة انهم اعتبروا التعصب ضد البيض أكثر انتشارا. كتب المؤلفون أن من بين المُجيبين البيض منذ تسعينات القرن الماضي:
حَلَّ البيض محل السود كضحايا رئيسيين للتمييز. وأصبح هذا المنظور الناشئ ملحوظًا بشكلٍ خاص لأنه بأي مقياس تقريبًا […] تستمر الإحصائيات في الإشارة إلى نتائج أسوأ بكثير بالنسبة للأمريكيين السود مقارنة بالأمريكيين بالبيض.[2]
يزعم المحافظون في الولايات المتحدة أن التمييز الإيجابي القائم على الانتماء إلى مجموعة عرقية محددة يهدد النظام الأمريكي القائم على الفردية وحُكم الجدارة. وأظهرت دراسات نفسية أُجرِيَت على أمريكيين بيض أن الاعتقاد بالعنصرية ضد البيض يرتبط بدعم التسلسل الهرمي العرقي القائم في الولايات المتحدة ويرتبط أيضًا باعتقاد قائم على حكم الجدارة مفاده أن النجاح ناتج عن «العمل الشاق». ذكر غالبية البيض (57%) ممن خضعوا لاستطلاعٍ أجراه معهد البحوث الدينية العام انهم يعتقدون أن التمييز ضد البيض يُعد مشكلة لا تقل أهميتها عن التمييز ضد السود، في حين لم يوافق هم هذا الرأي سوى أقليةً من الأمريكيين من أصلٍ أفريقي (%29) ومن الأمريكيين من أصلٍ إسباني (%38).
يرى منظر النظرية العرقية النقدية ديفيد ثيو غولدبرغ أن مفهوم العنصرية العكسية يمثل إنكارًا لواقع التمييز العنصري التاريخي والمعاصر، في حين تُظهر المختصة بعلم الإنسان جين إتش هيل في كتاباتها أن تُهَم العنصرية العكسية تميل إلى إنكار ممارسة امتياز البيض وسلطتهم في المجتمع. وفي كتاب العنصرية من دون عنصريين، يقول عالم الاجتماع إيدوارد بونيال-سيلفا أن تصورات البيض للعنصرية العكسية ناتجة عما يسميه الأيديولوجية الجديدة المهيمنة المتمثلة في «العنصرية عمياء اللون»، التي تعتبر عدم المساواة العرقية أمر من الماضي، وبالتالي فهو يسمح لها بالاستمرار عن طريق معارضة الجهود الملموسة الرامية إلى الإصلاح. وكتب العالم القانوني ستانلي فيش، في مقال أُعِيدَت طباعته على نطاقٍ واسع، أنه يمكن اعتبار «العنصرية العكسية» وصفًا دقيقًا ومقنعًا على التمييز الإيجابي فقط إذا اعتبر المرء أن سرطان العنصرية لا يمكن تمييزه أخلاقيًا ولا طبيًا عن العلاج الذي يُطَبق عليه.
المراجع
عدل- ^ Susan de Villiers and Stefan Simanowitz, "South Africa: The ANC at 100", Contemporary Review 294, March 2012; accessed via ProQuest, November 6, 2015. نسخة محفوظة 2014-02-26 على موقع واي باك مشين.
- ^ ا ب Karen MacGregor, "Mandela slams 'reverse racism'", Times Higher Education", March 24, 1995. asp storyCode 97135 sectioncode 26/ نسخة محفوظة 2020-07-06 على موقع واي باك مشين.
- ^ Abiola Sinclair, "MEDIA WATCH: All is not well, disappointments, racial clashes", New York Amsterdam News, September 16, 1995; accessed via ProQuest. "The students maintained that the university was living in the apartheid past with the upper echelons reserved for whites. The students are demanding that some jobs be reserved for Blacks. AZASM had denied the charge of reverse racism. They maintain it is unfair for thousands of Black teachers to be out of work while white teachers sit up in good jobs in Black schools." نسخة محفوظة 2018-10-17 على موقع واي باك مشين.
- ^ Dean Murphy, "Apartheid-Era Leader Defies Subpoena; S. Africa: Truth commission urges contempt charges against former President Pieter W. Botha", The Washington Post, December 20, 1997; accessed via ProQuest. "The move to charge Botha is particularly sensitive because it comes just days after President Nelson Mandela, in a racially charged address to the ruling African National Congress, harshly criticized white South Africans for protecting their positions of privilege and doing little to reconcile with the black majority. The speech, hailed as accurate by blacks, brought calls of reverse racism from many whites." نسخة محفوظة 2018-10-17 على موقع واي باك مشين.
- ^ Kate Dunn, "Mandela Hits White Wealth", The Christian Science Monitor, February 26, 1998. نسخة محفوظة 2018-11-06 على موقع واي باك مشين.