التسوية بين الدول العربية وإسرائيل

التسوية بين الدول العربية وإسرائيل تعتبر موضوع معقد ومثير للجدل على مدى عقود. تعود جذور الصراع العربي الإسرائيلي إلى منتصف القرن العشرين حيث شهدت المنطقة سلسلة من النزاعات العسكرية والسياسية التي أدت إلى تفاقم التوترات بين الجانبين. بدأت محاولات التسوية منذ عام 1978 عندما تم التوصل إلى اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل والذي أسفر عن استعادة مصر لسيناء مقابل الاعتراف بإسرائيل.[1]

وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين، والمستشار الأمني الإسرائيلي آفي بيركويتز، ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مائير بن شبات يحضرون حفلًا قبل الرحلة التجارية الأولى رقم LY973 من تل أبيب، إسرائيل، إلى المنامة، البحرين، في 18 أكتوبر 2020.

توالت بعد ذلك جهود التسوية عبر مؤتمرات ومفاوضات متعددة بما في ذلك اتفاق أوسلو في التسعينيات[2] والذي كان علامة بارزة في العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية. ومع ذلك شهدت هذه العملية العديد من التحديات بما في ذلك استمرار الاستيطان والاعتداءات والانقسامات الداخلية في الجانبين.

مقدمة

عدل

عدم وجود تعريف محدد لمفهوم تسوية الصراع بين العرب وإسرائيل يفضي الى صعوبة التكهن بمستقبل التسوية التي تمت منذ عام 2016 لاسيما وانها تمت مع دول ليس لها حدود تماس مع اسرائيل ولا تمتلك حروباً مباشرة معها، اذ لا يمكن لأي تسوية ان تجد حلاً قطعياً لجميع مسببات الصراع العربي الاسرائيلي الذي يتصف بجملة من الاوصاف تجعل منه صراع يحمل ابعاداً اقليمية وسياسية واقتصادية واجتماعية وقيمية وحضارية وتاريخية، وهو مبني على نزعة عدائية كامنة في ذهنية اطرافه، وهذه ما يزيد من صعوبة تطبيق ذلك الصراع الى المنطق العلمي، رغم تحقق عمليات تسوية والحديث عن التحاق دول اخرى يبقى السؤال المهم طرحه وهو: هل ان كل تسوية بين الدول العربية واسرائيل قادرة على انهاء حالة الصراع والتحول الى حالة السلام؟

ان اطراف الصراع في هذه المرحلة التي تحكمها المتغيرات هي اقرب ما يكون الى حالة التسوية وليس السلام الذي يستوجب التغلب على مسببات الصراع، أن التسوية اقرب حل لجميع الاطراف ما عدا الدول العربية ذات المواجهة المباشرة مع اسرائيل التي تحكمها مسببات تعد من الثوابت التي لا يمكن تجاهلها، وان دراسة الواقع واستشراف المستقبل تشير الى ان طبيعة الصراع والمنطقة والمتغيرات المؤثرة فيها شهدت تحولاً في مسار التسوية خرج بتحقيق تسوية مع 4 دول عربية خلال عام واحد، الأمر الذي يثير احتماليات ومشاهد متنوعة تتلخص باستمرار عمليات التسوية وتحقيق أكبر عدد ممكن من الدول و او تراجع مسار التسوية والاكتفاء بهذا القدر ومبرراته.

مشهد استمرار التسوية

عدل

فرص ومحددات المشهد

عدل

يفترض هذا المشهد استمرارية اقدام الدول العربية على التسوية مع اسرائيل تحقيقاً للضغوط الامريكية والاسرائيلية، في ظل تصاعد التوترات الداخلية والمخاوف من التهديدات الايرانية للدول الخليجية التي تعتبرها عدوها الأول، لذلك يجب توافر الدعم الأمريكي والاسرائيلي، وربما تقوم هذه القيادات العربية بإجراء تعديلات على المبادرة العربية للسلام لمقاربتها مع المشروع الامريكي الذي لا يراعي الحقوق الفلسطينية، وهذا المشهد يقود الى قيادة المنطقة من قبل اسرائيل، لان التسوية معها تتجاوز القضية الفلسطينية الى السيطرة الاسرائيلية على المنطقة سياسياً على حساب تراجع للفاعلية العربية.

ان تتبع مسار التسوية العربية الاسرائيلي يفضي الى ان الدول العربية اصبحت تنظر الى مستقبل القضية الفلسطينية من منطلقين الأول هو انها ايقنت ان الخطابات المدوية وشعارات القضاء على اسرائيل لم تعد مجدية مع وجود التباين الواضح في القوة العسكرية والاقتصادية بين اطراف الصراع، اما المنطلق الثاني هو توجه الدول العربية نحو مسار الدبلوماسية والمواثيق الدولية والحقوقية التي من الممكن ان تقود الى تسوية وفي الوقت ذاته تقوم اسرائيل باستغلال التحولات والمستجدات لتشجيع الدول العربية في الدخول معها في تسوية طوعية وخلق تفاهم استراتيجي مشترك، وبالتالي خلق شركاء اقليميين وهو ما تحقق مع الامارات والبحرين، كما يوفر لها ذلك خلق تحالف برعاية امريكية وان احد اهم اهداف هذا التحالف هو توسيع مناطق النفوذ في مناطق البحر الأبيض المتوسط والبحر الاحمر والخليج العربي، وهذا يعني زيادة في دخول الدول العربية مسار التسوية مع اسرائيل وادراك اهمية المنافذ البحرية في الخليج العربي والبحر الاحمر اقتصادياً.

توظف اسرائيل الازمات التي تمر بها المنطقة لصالح تحقيق التسوية، كما حققتها مع السودان باستغلال ملف الارهاب والمغرب بتوظيف ملف الصحراء الغربية وتوظيفها لملف التهديدات الايرانية بالنسبة لدول الخليج العربي اضافة الى توظيف التقليص الامريكي للقوات والمعدات في المنطقة وتقديم نفسها على انها صمام الامان في المنطقة وبديلاً عن الولايات المتحدة الأمريكية، لذا تسعى اسرائيل الى المضي بالتسوية والعبور بها الى مراحل التحالف العسكري والامني.

ان ابرز مقومات هذا المشهد هو ادارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التي تميزت عن غيرها من الادارات السابقة بدعمها وتبنيها مسار التسوية، ويعتمد هذا المشهد على فرضية المصالح المشتركة التي ستحققها التسوية، ومن معززات هذا المشهد ايضاً دخول المنطقة في مشاكل تهدد الأمن القومي وغياب الافق لتسوية عادلة للقضية الفلسطينية التي ينظر اليها انصار هذا المشهد انها استنزفت خياراتها خلال العقود الماضية، ويضاف ايضاً تراجع الاخذ بالاعتبار ردود الفعل الشعبية، و اعتقاد بعض الانظمة العربية بضرورة الحصول على موافقة اللوبي الصهيوني لصعودها للسلطة.

كانت الادارة الامريكية في فترة حكم دونالد ترامب تسعى الى تحقيق اعتراف عربي باسرائيل بعيداً عن حل القضية الفلسطينية ومبدأ حل الدولتين، وهو ما تحقق اذ يعد مسار التسوية الابراهيمية نجاحاً للدبلوماسية الاسرائيلية وللرئيس الجمهوري الامريكي الذي حقق احلام اليمين الانجيلي المتطرف الامريكي الإسرائيلي.

ان السرعة التي يجري فيها مسار التسوية ونجاح الدبلوماسية الاسرائيلية في تصدير حجم الفوائد التي ستحصل عليها الدول العربية من التسوية معها جلعت من التسوية في حالة من الاستمرارية يضاف الى ذلك اعتبار ان اسرائيل محطة هامة للتقرب من الولايات المتحدة الأمريكية كما ان الدول العربية التي اتمت التسوية تسعى الى جانب اسرائيل الى استجلاب دول اخرى نحو مسار التسوية كون ذلك يمنحها نوعاً من الشرعية ويقلل من النقد الموجه ضدها.

كما ان عامل التفوق العسكري الاسرائيلي على الدول العربية يعزز من مشهد استمرارية التسوية، اذ تتفوق اسرائيل على الدول العربية تكنولوجياً وفي امتلاكها وسائل الحروب الحديثة المرتكزة على نتاج ثورة المعلومات اضافة الى تفوقها النووي كسلاح ردع ضد الدول المحيطة بها ومنعهم من المواجهة العسكرية، كما ان الوضع الاقليمي الراهن الذي يتصف بضعف الانظمة العربية وخلوه من التأثير لاسيما التأثير العراقي بعد الاحتلال الامريكي واحتواء القوى الاقليمية الأكثر عداء لاسرائيل مثل سوريا وايران والدعم الأمريكي في المحافل الدولية في ظل الهيمنة الأمريكية وتحكمها بمجريات الاحداث العالمية وازدياد تدخلها في المنطقة وتراجع الاهتمام في القضية الفلسطينية من الاجندة الدولية لصالح قضايا اخرى وانعدام المبادرات الدولية المنافسة للأمريكية لاسيما مبادرات الاتحاد الأوربي لحل القضية الفلسطينية وان اسرائيل تعمل على اعادة هيكلة المنطقة وانظمته لاسيما وان كل دولة تسعى الى بناء قواتها العسكرية بأسلوب مغاير عن بقية الدول وبحسب كينث والتز رائد النظرية الواقعية فإن تحقيق الأمن من اولويات الدول.

وبالفعل هنالك انظمة عربية ترغب بالتسوية مع اسرائيل ولم يحد من رغباتها الا الرفض الشعبي ورفض اسرائيل لبنود المبادرة العربية للسلام، لكن الوضع تغير منذ عام 2016 اذ حققت دولاً عربية تسوية مستغلة انشغال الشعوب بالأوضاع الداخلية متخذة من طول مدة الصراع والانقسامات الداخلية الفلسطينية مبرراً لها، كما يتوقع ايضاً ان تدفع هذه الانظمة الى اقرار التسوية عبر الجامعة العربية، او توفير مبررات تلزم بها بقية الدول العربية ما يساعد في استمرارية هذا المشهد هو تحول التسوية الى تطوير للعلاقات وتعزيز التعاون والتي تكللت في مناورات العلم الازرق في صحراء النقب في أكتوبر 2021 والتي شاركت بها 7 دول غربية ومشاركة عربية علنية، حيث شاركت جيوش عربية في مناورات بحرية مع القوات الاسرائيلية، اضافة الى مشاركة القوات الاسرائيلية في مناورة بحرية للأسطول الأمريكي الخامس مع اسطول الامارات العربية المتحدة، في تصورات هذا المشهد ومع تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن، ترجيح دخول عدد من الدول العربية في التسوية انطلاقاً من فرضية ان التسوية مصلحة مشتركة، وان ابرز الدول المرشحة هي السعودية وقطر وعمان وان كانت بإجراءات محدودة الاهداف منها كسر الحواجز التي لم تحقق التسوية في السابق تمهيداً لدخول دول اخرى مسار التسوية.[3]

مع جهود الرئيس الأمريكي جو بايدن لتحقيق تقارب سعودي اسرائيلي يعززه سماح السعودية للطائرات الاسرائيلية باستخدام مجالها الجوي وتنامي العلاقة السرية بين اسرائيل والسعودية وانتقاد بعض المسؤولين السعوديين للفلسطينيين وقطر ورغم تسابق الامارات للتسوية لإحراجها قد تحقق تسوية مع اسرائيل بالتزامن مع اهتمامها بالحصول على مقاتلات إف-15 إيغل وامكانية قطر في تحقيق استقرار تنشده اسرائيل في غزة نظراً لعلاقات قطر بحركة حماس والاخوان المسلمين.

ستحصل اسرائيل بموجب التسوية مع قطر على علاقة وظيفية هدفها تحقيق هدوء في قطاع غزة عبر تقديمها للمساعدات الاقتصادية والانسانية اما عُمان فهي الأكثر تقارباً مع اسرائيل وفقاً للمعطيات لاسيما وانها كانت تتبادل المكتب التجاري مع اسرائيل حتى عام 2000 وبحسب يوسي كوهين رئيس جهاز المخابرات الاسرائيلي (الموساد) ان اسرائيل اعادت اقامة علاقات رسمية مع عمان ووصفها بالوسيط السري في ازمات المنطقة، وانشاء مكتب تمثلي لوزارة الخارجية الاسرائيلية في عمان، واوضح ان هذه الفترة هي فرصة تاريخية للوصول الى تفاهم اقليمي يقود الى السلام الشامل ويعزز من فرص هذا المشهد تصريح للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب: "لدينا خمسة دول على الاقل يريدون الانضمام. نتوقع ان تكون السعودية واحدة من تلك الدول" وقال ايضاً: "سنجعل العديد من الدول توقع خلال الاسابيع والاشهر القادمة"، لا سيما مع الدول العربية ذات الانظمة المستقرة التي توفر لاسرائيل استقطاباً للتسوية على خلاف الدول العربية الاخرى التي لا تزال تعاني من ارهاصات الثورات العربية في عام 2011، او من التهديدات الايرانية، اذ ان لهذه الدول تأثير مباشر على الامن القومي الاسرائيلي.[4]

مخرجات المشهد

عدل

مخرجات المشهد لصالح اسرائيل

عدل

تسعى اسرائيل لتحقيق جملة من الاهداف التي يرسمها مشهد تطور التسوية واتساع رقعتها الجغرافية بين الدول العربية اهمها:

  • توظيف التسوية لصالح رصيد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو وحزبه في انتخابات الكنيست الاسرائيلي الذي اتخذ من السلام ركيزة في استقرار الدول.
  • التسوية مع العرب توفر السلام لاسرائيل الذي يقلل من العبء الامني مقارنة بحالة استمرارية الصراع.
  • ان استمالة الدول العربية نحو التسوية تقود الى تجفيف موارد الدعم للفلسطينيين بشقيه السياسي والمادي وبالنتيجة محاصرة للفلسطينيين واضعاف الدبلوماسية الفلسطينية وتشجيع لفكرة الضم التي تلغي مبدأ حل الدولتين وفرض الاستيطان وتقويض حق العودة.
  • تحول في صورة إسرائيل من التهديد الى الحليف الاستراتيجي، واستغلال توظيف خطورة ادوار القوى الاقليمية.
  • التحول بالعلاقة مع الدول العربية الى مرحلة جديدة تتجاوز الثوابت المحددة لتطبيع العلاقات، وعلى رأسها بنود المبادرة العربية للسلام وتحقيق تراجع في الاجماع العربي على تلك المبادرة.
  • ان نجاح المشهد يؤثر في قرارات الدول العربية نحو دخولها في التسوية، حتى وان كان بدون علاقات رسمية.
  • ساهم مشهد التسوية في احراز انجاز لاسرائيل في مسار العلاقات مع الدول العربية بعد ان كانت منبوذة.
  • يوفر مشهد التسوية مجالاً حيوياً خارج الاجواء الاسرائيلية، مما يزيد من فرص تحقيق استراتيجية الردع الاسرائيلية.
  • يوفر هذا المشهد تعميقاً للتناقضات العربية التركية التي تصب في مصلحة اسرائيل.

اقتصادياً، سيوفر المشهد فرصاً لاسرائيل تتمثل بفتح الاسواق العربية امامها.

يعزز هذا المشهد من الرؤية الاسرائيلية لمسار المشترك الابراهيمي الذي تدعو اليه اسرائيل. المشترك الابراهيمي او ما تسميها اسرائيل الدعوة الابراهيمية التي تتخذ من الدين حلاً للصراعات، وهي بوتقة لصهر الأديان السماوية الثلاثة الإسلام واليهودية والمسيحية، لينتج منها ديانة جديدة، يزعم دعاتها أن من خلالها سيتحقق السلام والأخوة الإنسانية والمشترك الديني، وذلك من خلال جمع نقاط الاشتراك بين الديانات الثلاث ونبذ النقاط المختلف فيها جانبا، وبالطبع ستكون نقاط الالتقاء على الديانة اليهودية فقط، حيث إن المسلمين يعترفون بالديانات الثلاثة، بينما في الديانة المسيحية يعترفون باليهودية والمسيحية فقط، أما اليهود فلا يعترفون إلا باليهودية، اذ تعتمد على آلية دبلوماسية المسار الثاني، المفاوضات غير الرسمية أو ما يعرف بالدبلوماسية الروحية كساحة لتعاون وعمل رجال الدين والسياسة لمناقشة القضايا الحساسة خارج الأطر الرسمية، تمهيدًا لإعلانها حال الاتفاق عليها، وتمهيد الساحة لإعلانها رسميًا، تعد القيادات الصوفية هي الأكثر قربا للتعامل مع الفكرة وتقريب وجهات النظر على الأرض، حيث لا ينظر إلى الصوفية بوصفها مقصورة على الدين الإسلامي فقط، ولكنها تمتد إلى باقي الديانات السماوية، بل وتشتمل على الملحدين أيضًا، كبوتقة روحية قادرة على خلق المشترك والجمع بين المريدين على الأرض وتتخذ من تحقيق السلام في الشرق الأوسط كمدخل اساسي لتحقيق السلام العالمي باعتبار أن المنطقة هي نطاق تطبيق المبادرة.[5]

لا سيما وان مسألة تحديد الهوية المشتركة تعد أكثر مقبولية لدى الشعوب من خلال محاولات ايجاد ارضية حضارية مشتركة.

وفر هذا المشهد لاسرائيل حقلاً لتطبيق حي لاستراتيجية شد الاطراف التي تتلخص بإقامة علاقات تحالف مع جماعات عرقية واثنية محيطة بالدول العربية والموجودة على اطرافها والدفع بها لمناهضة السلطة المركزية لتحقيق الانفصال بهدف تفتيت تلك الدول وتقويضها، يتمثل التطبيق في حالة السودان اذ اهتمت اسرائيل بإقامة علاقات مع الدول الافريقية المحيطة به، وكذلك اهتمت بتحقيق تسوية معه لاختراق مصر.

يتيح هذا المشهد تراجع الدعم العربي للقضية الفلسطينية على حساب تقدم في دعم اسرائيل والترويج لها، وترك الفلسطينيين يواجهون مصيرهم بمفردهم.

ثقافياً، سيوفر هذا المشهد التطبيع الثقافي الذي يعد أحد مخرجات التسوية الأكثر خطورة التي تكمن في:

  • اختراق عقل المواطن العربي والتأثير في نزع الصراع من وجدانه، وضرب مناعته النفسية. دفع المواطن العربي بالقبول بوجود اسرائيل طبقاً لشروطها التي تفرضها وهي في موقع القوة.
  • نجاح الترويج لفكرة المشاركة مع اسرائيل وفي مختلف المجالات.
  • خطورة الانعكاس على المناهج التدريسية التي ستقوم بتحول فكري يتلاءم مع مخرجات التطبيع الثقافي، والاقلاع عن تدريس الأدبيات والنصوص والوثائق المناهضة لاسرائيل.
  • التعاون المشترك بين الدول العربية واسرائيل في مجال الانتاج الفني، وهو ما تحقق فعلياً بين الامارات العربية المتحدة واسرائيل في مجال السينما والتلفزيون لإحراز تعاون ثقافي وهو دليل واضح على التحول في الرؤية الاماراتية تجاه اسرائيل بعد ان كانت تنتج وترعى اوبريت الحلم العربي عام 1998[6]، الذي جمع فنانين من جميع الدول العربية لنصرة القضية الفلسطينية وتوحيد الموقف العربي ضد اسرائيل.
  • زيادة احتمالية دخول السعودية في التسوية مع اسرائيل بعد زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للسعودية في يوليو 2022[7]، واستخدام دلالات في الخطاب النهائي للزيارة تقلل من شأن المبادرة العربية للسلام باعتبارها دليل يسمح بتقييم التقدم المحرز وليس خطة لتحقيقه.

مخرجات المشهد لصالح الدول العربية

عدل

توفر افتراضات مشهد استمرارية التسوية بين الدول العربية واسرائيل جهود انظمة الدول العربية الداخلة في التسوية ان تقوم بإقناع الشعوب العربية بأن اسرائيل ليست عدواً وانما صديقة، عن طريق الاعلام العربي الذي يتحدث عن التطور التكنولوجي والعلمي والديمقراطية الاسرائيلية، ورواج الحديث عن التعايش السلمي وقبول الآخر ومصطلحات اخرى توجه الى الاجيال الناشئة تعزز من حق اسرائيل في التعايش كما أن لكل دولة عربية خصوصية تجاه التسوية مع اسرائيل الأمر الذي يفسر المواقف الازدواجية للأنظمة العربية، فهي تتخذ موقفاً لفظياً وفي ذات الوقت لا تجرؤ على اتخاذ اي موقف عملي وتترك مجالاً للتسوية وتنوع الانظمة العربية اما الانظمة العربية التي اعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية في مساندتها وحمايتها اصبحت بحاجة الى حماية بديلة ووجدت في اسرائيل ذلك باعتبارها القوة الاقليمية الأكثر ارتباطاً بالولايات المتحدة الامريكية لا سيما بعد انتقال مركز الثقل في توجهات السياسة الأمريكية نحو روسيا والصين وتراجع منطقة الشرق الأوسط من اولوياتها اضافة الى ان المؤسسة الأمنية والسياسية الامريكية لم تعد مستعدة للدخول في حروب واستنزاف للموارد في صراعات لا تمس امنها القومي المباشر بالمقابل قامت اسرائيل بتوظيف الانظمة العربية التي دخلت في التسوية لمحاصرة الفلسطينيين بعد ان كان الفلسطينيون يحتمون بتلك الانظمة.

بعد مرور أعوام على التسوية، ولتقييم مسار التسوية لابد من التوقف عند الفوائد والمكاسب التي حققتها الدول العربية، وبيان مدى مصداقية اسرائيل بتنفيذ وعودها لتلك الدول مقابل تحقيق التسوية والاهم من ذلك هو اي الطرفين حقق مكاسب على حساب الآخر؟

ان الاجابة على مثل هذا السؤال وفقاً للشواهد والاحداث التي اعقبت التسوية تبين لنا ان التسوية لم تحقق مكاسب للدول العربية مثلما حققتها لاسرائيل، لا شك ان الدول العربية خسرت الكثير اثناء دخولها التسوية وكذلك اي دولة ستلتحق بهذا المسار، بعد وضوح الاطماع الاسرائيلية وادراك انها لا يمكن لها ان تكون حليفاً او صديقاً للعرب في المستقبل لاسيما وان اسرائيل تسعى لخلق شرق اوسط جدید.

اذ تدرك الامارات ان التسوية مع اسرائيل لن توفر لها الحماية من ايران، لذا تفضل الامارات الاستفادة من التكنولوجيا المتطورة والتعاون الاستخباراتي ومجالات مواجهة الهجمات السيبرانية من اسرائيل بدلاً من تحقيق مواجهة بين ايران واسرائيل تكون فيها الامارات الخاسر الأول من خلال اتخاذها كحاضنة لتهديد ايران واستعمال مياه الخليج العربي ضدها وامكانية اتخاذ الامارات كنقطة انطلاق الأعمال تخريب ضد ايران وهذا بكل تأكيد سيعرض امن الامارات الى خطر الرد الايراني.

وان اسرائيل لن تعرض امنها للخطر بدافع توفير الحماية لحلفائها كما ان تفعيل شبكات الدفاع الخاصة بها يؤدي الى كشف اسرارها الدفاعية وعدم جرأتها على مهاجمة ايران للحد من برنامجها النووي رغم الدعم الأمريكي لذا فان التحالف مع اسرائيل لمواجهة ايران ما هو الا تضييق لمديات المناورة للدول العربية، وان هذا التحالف يمنع تلك الدول من الدخول في تحالفات بديلة اوسع وانجح ومن تلك الخيارات هي ان تذهب الدول العربية الى تحالف بيني يخرج بتمويل مصر من قبل الدول العربية الغنية وتهيئة الجيش المصري لمواجهة ايران او ان تقوم الدول العربية بالمبادرة لقيام حوار عربي تركي ايراني لحل قضايا المنطقة كما ان الملف الايراني يعد من أكثر الملفات تعقيداً بالنسبة للولايات المتحدة قدر تعلقه بأمن اسرائيل ومجريات الاحداث في اليمن والازمة السورية وسلاح حزب الله في لبنان، لذا تسعى الولايات المتحدة الى تحجيم الصراع الايراني مع اسرائيل للتهيئة لعقد اتفاق نووي طويل الاجل ليجنبها الدخول في صراع مباشر مع ايران.[8]

اقتصادياً حققت الامارات تبادل في قطاع الاعمال بقيمة 500 مليون دولار وقطاع السياحة والثقافة كما اشارت بيانات الامم المتحدة في الفترة بين عامي 2020 و2021، ارتفعت قيمة الصادرات الاماراتية الى اسرائيل من 115 مليون دولار الى 632 مليون دولار، في الوقت الذي قفزت فيه الصادرات الاسرائيلية الى الامارات من 74 مليون دولار الى 384 مليون دولار، وضخ حوالي 1000 شركة اسرائيلية في السوق الاماراتية وتوقيع اتفاقية تجارة حرة. لم تحقق الامارات تقدماً في الحصول على طائرات إف-15 إيغل من الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت السبب الرئيس في دخولها التسوية، اذ تراوحت اسباب عدم تزويدها بين خشية الولايات المتحدة الامريكية من تسريب الامارات للتقنيات السرية الى الصين، وان الادارة الامريكية في حال موافقتها على اتمام الصفقة فإنها قد تفرض شروطاً تتمثل في عدم استخدامها في عمليات قتالية خارج الحدود الاماراتية، وان تسمح الامارات للخبراء الامريكان بتفتيش الطائرات بصورة دورية. اضافة الى ضرورة التفوق العسكري الاسرائيلي في المنطقة اذ تحتوي الصفقة ايضاً على طائرات إم كيو-1 بريداتور الأمر الذي سيجعل الامارات اول دولة عربية تحصل عليها اذا ما تمت الصفقة بنجاح، يذكر ان ادارة الرئيس الأمريكي جو بايدن اوقفت اتمام الصفقة التي وقعها الرئيس السابق دونالد ترامب لمراجعتها لتتطابق مع قانون مراقبة بيع الاسلحة الامريكية الى دول الشرق الأوسط التي تتعارض مع مبدأ التفوق العسكري الاسرائيلي. دفعت هذه التعقيدات في الصفقة الامارات الى البحث عن بدائل وهددت بإلغائها وابدت اعتراضها على الشروط بعد ان كانت الصفقة عبارة عن مكافئة للإمارات لقبولها التسوية مع اسرائيل.[9]

اما السودان، فقد حققت خروجها من قائمة الدول الراعية للإرهاب مقابل التسوية الأمر الذي يسمح لها بالاندماج مع المؤسسات العالمية الاقتصادية ومع الدول الكبرى لكن ذلك تحقق بفعل الابتزاز السياسي الذي مورس عليها من قبل الولايات المتحدة الأمريكية التي استغلت حاجة السودان للخروج من قائمة الارهاب بعد زوال حكم الرئيس السوداني السابق عمر البشير، فمن الطبيعي أن يتحقق الدعم الأمريكي للديمقراطية السودانية الجديدة دون شروط التسوية مع اسرائيل. في الوقت الذي اعتبرت فيه الحكومة السودانية ان مسار التسوية كان اجبارياً لخروج السودان من العزلة الدولية واعتبرته اطراف مؤثرة بأن مخرجاته عادت بانتقاص للسيادة الوطنية، وهذا يظهر حقيقة ان العقوبات الأمريكية كانت سياسية سببها الموقف السوداني من اسرائيل. كما ادت التسوية بين المغرب واسرائيل الى استمرارية الجزائر في اثارة التوتر في مناطق اقليم الصحراء للتعبير عن رفضها للسيادة المغربية عليها التي منحتها لها الولايات المتحدة الأمريكية ضمن صفقة التسوية مع احتمالية ان تقوم ادارة الرئيس الامريكي جو بايدن بإلغاء الاعتراف الذي وصف بانه تأسيس الصراع طويل الأمد، كما حصل المغرب ايضاً على صفقات سلاح امريكية بقيمة مليار دولار بتجهيز فوري احتوت على طائرات مسيرة متطورة بالإضافة الى مساعدات اقتصادية بقيمة 3 مليار سنوياً، الأمر الذي جعل المراقبين يصنفون المغرب على انه البلد العربي الوحيد المستفيد من التسوية لما حققه من مكاسب ملموسة.[10]

ان ما يثير المخاوف بشأن الغاء الولايات المتحدة الأمريكية اعترافها بسيادة المغرب على الصحراء الغربية هو تبني فريق الرئيس الأمريكي جو بايدن سياسة مسح الطاولة في تعامله مع منجزات الرئيس السابق دونالد ترامب، باعتبار ان منطلقات الديمقراطيين السياسية مغايرة للجمهوريين. وبهذا تكون المغرب قد حققت ما وعدت به مقابل التسوية مع اسرائيل وتلخص بالاتي:

  • تأكيد ادارة الرئيس الأمريكي جو بايدن انها لن تتراجع عن الاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.
  • تعيين مبعوث اممي جديد لمنطقة الصحراء الغربية لاستئناف المحادثات بشأن الحكم الذاتي.
  • افتتاح قنصلية امريكية داخل الصحراء الغربية، ومشاريع تنمية تقدر ب 3 مليار دولار.
  • حصل المغرب على صفقة اسلحة اسرائيلية متنوعة بين منظومة باراك المضادة للصواريخ وطائرات مسيرة واجهزة معلوماتية اسرائيلية المنشأ وشحنة مسيرات انتحارية نوع (Spy X).
  • صفقة اسلحة من الولايات المتحدة بقيمة 524 مليون دولار واخرى بقيمة 250 مليون دولار، تنوعت بین 18 منظومة اطلاق صواريخ و36 منظومة فاذفات صواريخ و40 صاروخ باليستي و40 سلاح نوع JSOW ومركبات نوع هامفي، اضافة الى موافقة البنتاجون الأمريكي على صفقة بقيمة 141.1 مليون دولار لشراء 6 انظمة لاسلكية مع قطع غيار وبرامج عسكرية ودعم فني من للقوات المغربية لاستخدام تلك المعدات.
  • اما تجارياً فقد حقق المغرب وفقاً لإحصائيات الامم المتحدة ارتفاعاً في صادراته الى اسرائيل في عام 2022، اذ بلغ 140 مليون دولار في الوقت الذي بلغت فيه الصادرات الاسرائيلي الى المغرب أكثر من 38 مليون دولار، وتوقيع اتفاقية تسهيل التجارة المتبادلة، واتفاق للسماح للشركات الاسرائيلية بالتنقيب عن النفط والغاز في المغرب.

حصلت الدول التي وقعت على اتفاقيات التسوية مع اسرائيل على وعود أمريكية لإنشاء صندوق لدعم مبادرات تتعلق بتنمية القطاع الخاص في المنطقة، ورصدت له 3 مليار دولار، الا ان مصيره مجهول منذ تولي ادارة جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية الصندوق روجت له الامارات و اسرائيل على انه يعزز من التجارة الاقليمية وبناء المشاريع الاستراتيجية ومشاريع امن الطاقة والكهرباء والزراعة والمياه.

تحاول الولايات المتحدة الأمريكية فرض تحول في مسار السلام كما تحاول اسرائيل ترويج مفهوم الأمن الجماعي في المنطقة من خلال انشاء تحالف عربي اسرائيلي في مواجهة ايران، كما تحاول فرض التطبيع من خلال توظيف اساليب التخويف والتسقيط والترغيب السياسي والاقتصادي. اظهرت مسارات التسوية ان التسوية بين الدول العربية واسرائيل لم تواجه نفس ردة الفعل العربية التي واجهتها مصر عند دخولها التسوية في عام 1979، التي تعرضت للمقاطعة العربية.

يحاول هذا المشهد اثبات ان اسرائيل فاعل اقليمي يخضع للحماية الغربية، لا يمكن تجاهله وتراجع الصراع العربي الاسرائيلي وان التسوية مع اسرائيل هي اضافة نوعية للدول العربية التي تدخل في المسار لا سيما وان الانظمة العربية تعرضت وبفعل احداث الثورات العربية عام 2011، الى ضعف في بنية الحكم وتأسيساً على ما تقدم تعد التسوية بين الدول العربية واسرائيل تحولاً استراتيجياً مهماً وفي ذات الوقت خطيراً، اذ يعد نقطة قوة وانجاز لصالح اسرائيل.

ان مشهد استمرارية وتوسع مسار التسوية مع اسرائيل محكوم عليه لصالح اسرائيل على حساب الدول العربية، باعتبار ان معادلة الصراع صفرية وان كل ما تحققه اسرائيل ما هو الا خسارة عربية رغم كل الوعود والاتفاقيات التجارية والاقتصادية والعسكرية التي اشتملتها اتفاقيات التسوية الاخيرة الا انها لا تلبي احتياجات الدول العربية في النهوض والتقدم كونها محدودة ومصاغة لضمان الامن الاسرائيلي وعدم التفوق عليها في كل المجالات.

من خلال سرد مخرجات التسوية لصالح الدول العربية مقارنة بها مع اسرائيل اتضح انها مصالح شكلية كلفت الدول العربية موقفاً اما شعوبها الرافضة للتسوية ولتقبل اسرائيل تحت اي صورة.

مشهد تراجع مسار التسوية

عدل

الانطلاقة في وصف هذا المشهد تأتي من حقيقة ان اسرائيل ومنذ دخولها مسار التسوية الأول مع مصر عام 1978، لم تحقق مصالحة تاريخيه مع محيطها الاقليمي وبالأخص مع الفلسطينيين بل انها مستمرة في عدائها لهم وسياسة احتلال الاراضي، ما أثر سلباً في مسار التسوية السابق والحالي فضلاً عن انها لا تمتلك حدود سياسية دولية، ومصدر عداء لجيرنها، ان كل هذه التناقضات التي تجتمع في اسرائيل تدفعها نحو اقامة حروب انطلاقاً من ذرائع شتى وعدم احترامها للمجتمع الدولي، مع كل من الفلسطينيين وسوريا ولبنان وهو ما انعكس فعلياً عندما اغلقت المغرب مكاتب الاتصال في اسرائيل عام 2000، على اثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية وعُمان التي كانت الاقرب الى اسرائيل والتي استقبلت ثلاثة رؤساء وزراء اسرائيليين منذ مطلع التسعينيات وقطر التي كانت تقيم علاقات مع اسرائيل منذ انطلاق مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، وتطورت عام 1995 حتى انتكست عام 2000 وانقطعت عام 2008 عندما اغلقت قطر المكاتب التجارية الاسرائيلية على اثر الهجوم الاسرائيلي على قطاع غزة لذا فان السمة الابرز في هذا المشهد هي قيام اسرائيل بتجاوز على الدول العربية، وهذا أمر متوقع لاسيما وان العرب يعدوها العدو الأول بالاستناد الى رواسب تاريخية ووقائع انية تتمثل في احتلالها للأراضي العربية.

يُضاف اليها حالة التوتر الداخلي الذي تشهده اسرائيل متمثلاً بفقدان سيطرة الحكومة على مجريات التظاهرات التي اندلعت مطلع سبتمبر 2023، وعدة احداث مفصلية في المشهد السياسي الاسرائيلي الداخلي وعلى عدة محاور اهمها احتمالية الحرب في الجبهة الشمالية واستهلاك حكومة بنيامين نتنياهو لورقة اتفاقيات التسوية المنجزة التي كان يستغلها لتهدئة الشارع الاسرائيلي والتي استنزفت اهميتها مع انتهاء مدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الحكم وفشله في الانتخابات بعد ان كان يعول على منجزات التسوية الاسترضاء اللوبي الإسرائيلي، وهذا يدل على ان التسوية ما هي الا جزء من حملة انتخابية امريكية وان ما يزيد من تعزيز افتراضات هذا المشهد هو ترتيب الأولويات في حكومة الرئيس الأمريكي جو بایدن ورفض الشعوب العربية للدخول في تسوية مع اسرائيل العدو الأول للعرب، ومع كل ما تحقق من تسوية فإنها تظل بعيدة عن الشرعية الشعبية لأنها تمت بمعزل عن الاعتراف الشعبي بالرغم من جميع الاحداث التي تمر بها المنطقة الا ان الشعوب العربية تبقى رافضة للتسوية.

ان مشهد تراجع عمليات التسوية يتيح التقليل من شأن الاتفاقيات التي وقعتها اسرائيل مع دول عربية محددة من خلال عدم اشتراك كامل الدول العربية فيها ما يعني غياب التنسيق الشامل لحدوث تكتلات اقليمية وهذا مستحيل مع وجود دول عربية تعتمد في سياستها على التوازن في علاقاتها مع ايران والولايات المتحدة الأمريكية مثل سلطنة عُمان والعراق.

لم تختلف مسارات التسوية المحققة منذ عام 2016، عن التي تمت مع مصر والاردن باعتبارها تمت مع انظمة سياسية وليس مع الشعوب مع رفض الشعوب العربية للتسوية مع اسرائيل. يضاف الى ذلك ان مسارات التسوية التي تحققت لم تأخذ ذات الوتيرة مع الدول العربية الأربعة، هناك تباين في تطبيق الاتفاقيات الامارات هي الأكثر فعالية والاسرع في تطبيق الاتفاقيات في الوقت الذي لم تشهد فيه التسوية مع السودان أكثر من الاعلان عن السلام المتبادل وان ما يضعف مشهد استمرار التسوية مع السودان والعودة الى القطيعة هو وجود قوى فاعلة في السودان ترفض التسوية وتعدها تجاوزاً من طرف الحكومة والقيادة العسكرية اللذان لا يمتلكان تفويضاً شعبياً ولا من اللجنة المركزية لقوى اعلان الحرية والتغيير و وجود قوى اسلامية ويضاف ذلك ان السودان في مرحلة انتقالية لم تكتمل فيها المؤسسات الدستورية.

اما البحرين ورغم كل ما قدمته من دعم في مسار التسوية لكن ذلك لن يؤهلها لتكون محمية امريكية أو اسرائيلية ولن تخرج من دائرة كونها جزء من الاستثمار الاسرائيلي للصراع الدائر في المنطقة ولا توجد اي مشتركات بين البحرين واسرائيل وتوجهات الرأي العام البحريني مغايرة تماماً لحكومته، اذ خرجت تظاهرات في مدن البحرين في 2 أكتوبر 2020، للتنديد باتفاقية التسوية واطلاق دعوات لمقاطعة السلع الاسرائيلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي حيث روجت وسائل التواصل الاجتماعي مشهداً مناهضاً لاتفاقيات التسوية انطلاقاً من فكرة ان الانسان العربي الاصيل لا يقبل التطبيع مع اسرائيل ودعت الى المصالحة مع ايران بدلاً من التناقض معها وضرورة الوقوف بوجه الضغوطات الأمريكية الدافعة نحو التسوية، كما اظهرت حجم الخطر الاقتصادي الذي تتسبب فيه التسوية مستشهدة بالخسارة المصرية التي قد تلحق بها بسبب توسع دائرة التسوية التي ستؤدي الى التقليل من فاعلية قناة السويس اذا ما تم العمل في مشروع خط انابيب ايلات عسقلان عبر البحر الأحمر بين الامارات واسرائيل، كما حققت اطروحة الرفض الشعبي للتطبيع مع اسرائيل على النسبة الأكبر من الاطروحات التي تناولتها وسائل التواصل الاجتماعي التغريدات. وهذا يفضي الى انحسار التسوية بين اسرائيل والانظمة العربية دون الشعوب الرافضة لها، ومع وجود الاستراتيجية الاسرائيلية القائمة فان مفهوم اللا استقرار سوف يسود المنطقة ولن يخرجه منها أي تسوية او اتفاق.

ان الاتفاق السعودي الايراني الذي ختم الجهود الدبلوماسية للعراق وعُمان والصين، جاء ليقوض من مسار التسوية مع السعودية، وتراجع المشروع الناتو العربي الاسرائيلي الموجه ضد ايران واحتمالية مراجعة باقي الدول العربية لمواقفها من ايران، وبذلك خسرت اسرائيل احد انتصاراتها من مسار التسوية وهذا يعزز من دور العراق في تفاعلات المنطقة لما يمتلكه من قدرات وامكانيات تؤهله لذلك وعرقلة لجهودها في مسار التسوية التي تتطلع اليها مع السعودية لما له من عوائد معنوية تكمن في مكانة السعودية بين الدول العربية والاسلامية، واحباط للتقدم الاسرائيلي في مشهد تسعى الى تقديمه للدول العربية تعبر عن نفسها فيه على انها صمام امام من الخطر الايراني والدليل على ذلك تصريح المعارضة الاسرائيلية بفشل السياسة الخارجية لحكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وتصريح رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق نفتالي بينيت: "ان تجديد العلاقات بين السعودية وايران هو تطور خطير بالنسبة لاسرائيل وانتصار سياسي بالنسبة لإيران". بل ان التحليلات الاسرائيلية ذهبت ابعد من تأثير الاتفاق على التسوية معتبرة انه تمهيد لرسم خريطة جديدة للشرق الأوسط وعودة للاتصالات لتحقيق اتفاق نووي جديد وهو دلالة على صعود الدور الصيني في المنطقة وتراجع الدور الأمريكي واحتمالية تنامي علاقات دول عربية اخرى مع ايران مثل مصر وتمهيد لإنهاء الحرب في اليمن والدفع بحلول للازمة اللبنانية، وان الخاسرين من هذا الاتفاق هما الولايات المتحدة الأمريكية واسرائيل، والغاء مشروع خط القطار المقترح بين السعودية واسرائيل الذي اعلن عنه رئيس الوزراء الاسرائيلي قبل ساعات من اعلان الاتفاق وبذلك سيزيد هذا الاتفاق من عزلة اسرائيل.

في المقابل اظهرت اتفاقيات التسوية مواقف لدول عربية زادت من عمق التناقض مع اسرائيل وحدت من تنامي مسار التسوية. العراق اعرب قطع الطريق امام أي تسوية مع اسرائيل رغم العمل على تهيئة البيئة السياسية والثقافية والاجتماعية لتقبل الأمر، الا ان العراق رفض ويرفض التسوية على المدى القريب والمتوسط مع اسرائيل وان اي حكومة تخوض في هذا المسار فقد حكمت على نفسها بالعزلة عن شعبها، أن الشعب العراقي يعد القضية الفلسطينية التزاماً اخلاقياً وانسانياً، واستحالة التطبيع في المديين القريب والمتوسط على الرغم من التحول الديمقراطي الحاصل في العراق منذ عام 2003 واعادة بناء الدولة العراقية.

ويمكن الاستشهاد بالنزاعات العربية الاسرائيلية السابقة التي اظهرت توحيد المواقف العربية ضد اسرائيل وان موجة التسوية لن تستمر وستنحسر في المدى القريب وان الانظمة العربية التي وقعت اتفاقيات التسوية ستجد ان مسار التسوية جاء في مصلحة اسرائيل التي لم تغير مشروعها المتمثل بترسيخ وجود اسرائيل من خلال تفكك الدول العربية واستغلال ضعفها وتخلفه واستمرار حالة الصراع الذي يعد السمة المميزة في العلاقات بين الدول.

ان مفهوم التسوية بالنسبة لاسرائيل يستند الى ضرورة توفير امنها الكامل واقامة علاقات طبيعية مع الدول العربية وانهاء الثقل التاريخي للقضية الفلسطينية وتسوية كافة اشكال الصراع.

اسهمت عملية طوفان الاقصى في أكتوبر 2023، في اعادة ترتيب اولوية القضية الفلسطينية لاسيما وان هناك دفع دولي نحو مسار التسوية بين العرب واسرائيل لدمج اسرائيل في المنطقة من خلال مشاريع استراتيجية اخرها كان الممر الهندي الأوروبي الذي يمر عبر الشرق الأوسط، كما اسهمت في دفع الولايات المتحدة الأمريكية نحو اعادة التموضع في المنطقة وبحسب سليمان بشارات مدير مركز يبوس للدراسات أن عبارة شرق اوسط جديد في خطاب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يجب التوقف عندها مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية بحاملة الطائرات الأمريكية جيرالد فورد تعد واحدة من افخم واكبر حاملات الطائرات في العالم، يبلغ وزنها حوالي 100 الف طن مصممة بتقنيات هندسية وتكنولوجية متطورة تعمل بالدفع النووي وتجسد رمزاً للقوة العسكرية الأمريكية، تضم ما يقارب 5000 بحار و مجموعة من الطائرات الحربية والطرادات والمدمرات ارسلتها وزارة الدفاع الأمريكية الى شرق المتوسط على خلفية احداث عملية طوفان الاقصى الى المنطقة يدعم الرؤية الامريكية الاسرائيلية في خلق شرق اوسط جديد يتميز بتهجير سكان غزة الى صحراء سيناء المصرية وهو ما ترفضه مصر قطعاً الأمر الذي يُعزز من فرص اعادة تشكيل الصراع العربي الاسرائيلي وتراجع موجة التسوية العربية مع اسرائيل التي اثبتت انها غير قادرة على حماية نفسها ولا غيرها من الدول وبالنتيجة ستكون التسوية غير مجدية للدول التي تروج لها.

الخاتمة

عدل

بعد استعراض لمشاهد مستقبل التسوية العربية الاسرائيلية، يرجح مشهد انحسار او تراجع مسار التسوية بين الدول العربية واسرائيل وفقاً لجملة المعطيات المذكورة سلفاً واستقراء لتاريخ التسوية منذ بداياتها، اظهرت ثبات الموقف الشعبي العربي ورفض الشعوب العربية لمسارات التسوية وستظل الاتفاقيات محسورة بين الانظمة العربية واسرائيل ولن تشهد تطوراً لافتاً مادامت الشعوب العربية ترفض ذلك، وان ادارة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب اذ انها خلقت تحولاً في مسار التسوية، الا ان ذلك لا يلزم حكومة الرئيس جو بايدن او الحكومات التالية، كما ان الدول العربية وضحت ورسخت موقفها الرافض للتسوية على الاقل في المدى القريب، أن موجة التسوية هي دليل فشل اسرائيل في التقارب مع دول عربية ذات اهمية في مشهد الصراع العربي الاسرائيلي.

الاستنتاجات

عدل

لم تحصل الدول العربية المحققة للتسوية على مكافئات نوعية أو قيمة تتناسب مع حجم ما قدمته من تنازلات وان ما حصلت عليه لا يتجاوز الوعود والانجازات الشكلية فعلى الناحية الفعلية استحالة دخول اسرائيل في حرب مباشرة مع ايران نيابة عن دولة عربية بل انها ستعرض الدول العربية للخطر الفعلي اذا ما قامت اسرائيل ببناء قواعد عسكرية لها قريبة من ايران.

ان اخطر ما انتجته مسارات التسوية هو التطبيع الثقافي، الذي يحاكي الوجدان والعقل العربي الجمعي عبر استهدافه بمجموعة من الحملات الدعائية والممارسات الممنهجة للتأثير في الاجيال اللاحقة وتطبيع التعامل مع اسرائيل والقبول بوجودها ودمجها في منظومة المنطقة العربية.

استراتيجياً، اتاحت اتفاقيات التسوية مكسباً لاسرائيل تمثل بالاقتراب من خصومها الذي يوفر لها امكانية الرد على ايران من خلال استغلال الاراضي الاماراتية والبحرينية، ومحاصرة وتقييد مصر والحصول على نفوذ في البحر الاحمر ومضيق باب المندب من خلال اتفاق التسوية مع السودان.

استخدمت اسرائيل مسار التسوية المنفرد وفضلت الابتعاد عن المسار الجماعي كون الأخير يلزمها بتقديم تنازلات ويفرض على الدول العربية واقع توحيد الموقف والمطالب.

زادت اتفاقيات التسوية من الفجوة الحاصلة بين المغرب والجزائر فيما يخص الصراع الحدودي القائم بين البلدين، كما عملت على خلق فجوة بين مصر والسودان لتقربها من اسرائيل، وعمقت الخلافات الخليجية البينية وزادت من عزلة قطر خليجياً.

لا يتوقع من حكومة الرئيس الأمريكي جو بايدن أن تخوض في مسار التسوية، انما ستكتفي بما حققته الحكومة السابقة لها من منطلق أن توجهات السياسة الخارجية للديمقراطيين اشترط عرفاً ان يكون مغايراً للجمهوريين، اضافة الى مستجدات الأحداث الدولية متمثلة بالحرب الروسية الاوكرانية وتحولات النظام الدولي في صعود الصين وروسيا كقوى عظمى يدفع الولايات المتحدة الأمريكية بترتيب الأولويات في التعاطي.

تعد حكومة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب هي الاكثر اهتماماً ورعاية لمسارات التسوية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، اذ لم تحقق أي حكومة سابقة اربعة اتفاقيات تسوية في مدة قياسية، ويعود ذلك الاهتمام الى كونه ارتكز على ارضاء اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق دعم لحكومته واتخذ من مسار التسوية صفقة تجارية بحكم شخصيته ذات التاريخ الطويل في التجارة التي سيطرت على سلوكه في التفاوض وتحقيق الاهداف السياسية.

بعد فشل صفقة القرن اتخذت الولايات المتحدة الأمريكية توجها بديلاً ظناً منها انه اكثر مقبولية من سابقته اذ اتخذت من الدين غطاء لمسار التسوية عندما اطلقت على مسارات التسوية بالاتفاقيات الابراهيمية واستغلال مفهوم المشترك الابراهيمي بين الاديان السماوية ووصفت الاتفاقيات المحققة بالاتفاقيات الابراهيمية.

مصادر

عدل
  1. ^ "الصراع العربـي - الإسرائيلي في إطار حوار الحضارات".
  2. ^ "اتفاق أوسلو".
  3. ^ "مناورات العلم الأزرق".
  4. ^ "إسرائيل تعلن عن إنشاء "مكتب تمثيلي" لها في دولة عربية".
  5. ^ ""الدبلوماسية الروحية والمشترك الإبراهيمي".. المخطط الاستعماري الجديد".
  6. ^ "أوبريت الحلم العربي.. فنانون شاركوا بالغناء في النسختين".
  7. ^ "الديوان الملكي السعودي: الرئيس الامريكي يزور السعودية 15 و16 يوليو القادم".
  8. ^ "تحليل الصراع بين إيران وإسرائيل باستخدام الذكاء الاصطناعي ونظرية الألعاب".
  9. ^ "الإمارات بنسبة 81.4%.. دول عربية صدَّرت لـ"إسرائيل" بـ2 مليار دولار خلال العدوان على غزة".
  10. ^ "أمريكا توافق على صفقة عسكرية مع المغرب بأزيد من مليار دولار".