اغتيال الرفيقان

لا توجد نسخ مراجعة من هذه الصفحة، لذا، قد لا يكون التزامها بالمعايير متحققًا منه.

المقدمة

يحيى السنوار

إستشهاد يحيي السنوار

في يوم الأربعاء الموافق 16 أكتوبر من عام 2024، قتل الجيش الإسرائيلي الزعيم السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس يحيى السنوار بعد تبادل إطلاق نار في رفح، جنوب قطاع غزة. أفاد الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك أنه أثناء اشتباك بين مقاتلي حماس ولواء 828 بسلاماخ في رفح أُطلقت قذائف الدبابات على مبنى مفخخ وأُرسِلَت طائرة بدون طيار مزودة بكاميرا للتأكد من أنه كان خالٍ من المقاتلين. ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أنه أُجري اختبارات الحمض النووي لتحديد ما إذا كانت الجثة تعود للسنوار. وكان السنوار، الذي يُعد أحد أكثر المطلوبين في إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر، في المبنى مع شخصين آخرين. ووصفت العملية العسكرية بأنها غير مخطط لها وعشوائية. اُسْتُدْعِي المحققين الذين استجوبوا السنوار سابقا وكذلك طبيب أسنان للتعرف على الجثة والتي نُقلت لاحقًا إلى إسرائيل.

قال الكاتب المختص في الشأن الإسرائيلي إيهاب جبارين أن «عملية اغتيال السنوار كانت محض صدفة ومجرياتها خارج سياق الترتيبات العسكرية الإسرائيلية». يُستخدم «المقتل» للقتل غير المتعمد، بينما يُشير «الاغتيال» إلى القتل المتعمد والمخطط لشخص معين؛ لذا يُستخدم مصطلح «مقتل» عند الحديث عن يحيى السنوار وليس «اغتيال».

وُصِف السنوار بأنه مهندس الهجوم الأكبر والأكثر جرأة على إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، وهو الهجوم الذي أشعل شرارة حرب ضارية بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال، واعتبر السنوار رمزًا للصمود والقوة، قاد حماس بحزم منذ 2017، وكرس حياته لتعزيز قوة المقاومة، وتوطيد العلاقات مع إيران وحزب الله، ليصبح أحد أكثر الشخصيات تأثيرًا في الساحة الفلسطينية. رغم أنه كان هدفًا دائمًا لقوات الاحتلال، إلا أنه لم يتراجع أو يختبئ، وظل يقاتل على الأرض حتى النهاية، مرتديًا زيه العسكري وحاملاً بندقيته. ترك السنوار وراءه إرثًا من المقاومة والإرادة لأجيال قادمة، وهو الذي طالما قال إن الموت في سبيل الوطن والدين شرف لا يخافه.

شغل يحيى السنوار منصب قائد حركة حماس في قطاع غزة منذ فبراير 2017. تميزت قيادته بالتركيز على تعزيز القدرات العسكرية وإقامة تحالفات مع إيران وحزب الله،[5] ملتزمًا بتدمير إسرائيل.[6][7] يُعتقد أنه، إلى جانب محمد الضيف، كان أحد المهندسين الرئيسيين لعملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023.[8][9][10][11] خططت المجموعة تحت قيادته لهذا الهجوم لمدة عامين قبل تنفيذه.[12][13] بإطلاق هذا الهجوم، والذي هو الأكثر دموية في تاريخ إسرائيل، أشعل السنوار الحرب الفلسطينية الإسرائيلية في 2023، وهي واحدة من أكثر الصراعات دموية في القضية الفلسطينية. كما استدرج السنوار إيران وأعضاء آخرين في محور المقاومة،[6] بما في ذلك حزب الله، إضافة إلى حركة أنصار الله الحوثيون والمقاومة العراقية وحماس العراق، إلى الحرب مع إسرائيل.[6] صُنِّف السنوار كإرهابي من قبل الحكومة الأمريكية في سبتمبر 2015.[14]

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام بجرائم حرب ضد السنوار في مايو 2024.[15] بعد اغتيال إسماعيل هنية في إيران، اختير السنوار لرئاسة المكتب السياسي للحركة في 6 أغسطس 2024،[16] وفي الشهر التالي، وجّهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات جنائية ضد السنوار.[17][18][19]

يُذكر أن إسرائيل كانت على علم لعدة أشهر بأن السنوار يختبئ في حي تل السلطان في رفح، على الرغم من عدم معرفة موقعه الدقيق.[20] في 31 أغسطس، قُتِل ستة رهائن بالقرب من المبنى الذي قُتل فيه السنوار، ويُقال إنه كان في نفس النفق معهم.

في 17 أكتوبر 2024، أفاد الجيش الإسرائيلية بأن هناك «احتمالاً كبيراً» أن السنوار قد قُتِل. أطلق جنود من لواء بيسلماخ النار وتفرقت المجموعة، ودخل اثنان مبنى واحدًا والثالث الذي ثبت لاحقًا أنه السنوار، دخل مبنى آخر وصعد إلى الطابق الثاني. أصيب جندي من الجيش الإسرائيلي بجروح خطيرة أثناء تبادل إطلاق النار مع السنوار. ثم أطلقت دبابة قذيفة على موقع السنوار، وبدأ جنود المشاة في تمشيط المبنى لكن ألقى السنوار عليهم قنبلتين يدويتين؛ انفجرت إحداهما والأخرى لم تنفجر ثم انسحبت القوات وأرسلت طائرة مسيرة اكتشفته مصابًا بوجه مغطى يحاول إسقاط الطائرة المسيرة في الهواء مستخدمًا عصا. قُتل السنوار أخيرًا عندما انهار جزء من المبنى فوقه وهو مرتديًا زيًا عسكريًا، ويرتدي كوفية ويمسك ببندقية كلاشينكوف

ترتيب الأحداث

عدل

حوالي الساعة العاشرة صباحًا في يوم 16 أكتوبر 2024، لاحظت قوات الجيش الإسرائيلي أشخاصًا مشبوهين يدخلون ويخرجون من مبنى في محيطهم، وبعد ذلك صدر أمر بالاشتباك.[24][26] في الساعة الثالثة عصرًا، رصدت طائرة مسيرة تابعة للجيش الإسرائيلي ثلاثة مسلحين يخرجون من المبنى،[27] وكان اثنان منهم يرتديان البطانيات ويُفسحان الطريق للشخص الثالث للدخول لمبنى.[24][26] فتحت القوات النار، ودخل السنوارإلى مبنى آخر وصعد إلى الطابق الثاني.[24][26] أُصيب جندي إسرائيلي بجروح خطيرة في تبادل إطلاق النار الذي تلا ذلك.[24] أطلقت دبابة قذيفة على مكان تواجد السنوار، وبدأ الجنود في تمشيط المبنى. ألقى السنوار قنبلتين يدويتين باتجاه الجنود؛ انفجرت إحداهما ولم تنفجر الأخرى.[28][24][26] تراجعت القوات بعد ذلك وأرسلت طائرة مسيرة رصدت شخصًا مصابًا مغطى الوجه يحاول إسقاط الطائرة باستخدام عصا.[24][26] ذكرت تقارير إسرائيلية أن تشريح الجثة أظهر أن سبب الوفاة هو طلق ناري في الرأس.[29]

بعد الحادثة، اكتشفت القوات جثة تشبه السنوار إلى حد كبير، كانت ترتدي زيًا عسكريًا وتحمل قنبلة يدوية وسلاحًا ناريًا،[30] حيث وقع الاشتباك. أفادت تقارير أنه عُثِر معه على 40,000 شيكل نقدًا،[31] وولاعة، وجواز سفر لا يخصه وكان يعود لأحد معلمي الأونروا،[32][33][34] وتفيد التقارير أيضًا أن الجثث الثلاث التي عُثِر عليها كانت تحمل أموالاً وأسلحة وهويات مزيفة.[35][36]

أبلغ المسؤولون الإسرائيليون بعد ذلك مجلس الأمن الإسرائيلي باحتمالية مقتل السنوار. لم تكن القوات الإسرائيلية تستهدف السنوار بشكل محدد خلال العملية، ولم تتوقع وجوده حتى في المنطقة.[37]

أشارت التقارير الأولية إلى أنه سيُجرى اختبارات الحمض النووي والبصمات والأسنان للتأكد من الهوية رسميًا، حيث يحتفظ الجيش الإسرائيلي بسجلات السنوار منذ فترة سجنه. انتشرت صور على وسائل التواصل الاجتماعي يُعتقد أنها لجثة السنوار مع جروح في الرأس والساق.[37] ووفقًا لصحيفة «نيويورك تايمز»، كانت الصور متطابقة مع لقطات أرشيفية للسنوار، ومنها أسنانه والشامات المميزة.[38]

أكدت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، التي نشرت أيضًا صورًا للجثة، أن وحدة الشرطة الجنائية الإسرائيلية طابقت السجلات السنية للسنوار بشكل كامل.[39] وقالت الشرطة الإسرائيلية في بيان إن الجثة تطابقت مع سجلات أسنان السنوار وبصمات أصابعه.[40][41] وتم التأكيد على الهوية أيضًا من خلال اختبار الحمض النووي،[42] كما أكدت حماس من خلال باسم نعيم مقتله في حوالي الساعة الثالثة من بعد ظهر يوم الجمعة الموافق 18 أكتوبر 2024. اغتيال اسماعيل هنية

اغتالت إسرائيل يوم 31 تموز/يوليو 2024 إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس و‌رئيس الوزراء الفلسطيني الأسبق في العاصمة الإيرانية طهران بعدما كان في زيارةٍ لها للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان. قُتل إلى جانبِ هنية حارسه الشخصي القيادي الميداني في كتائب القسّام وسيم أبو شعبان. مثَّل اغتيال إسماعيل هنية أكبر خسارة في صفوف قادة حركة حماس مُنذ اندلاع عملية طوفان الأقصى. لم تُعرف بعد الطريقة التي قُتل بها هنية على وجه الدقّة، كما لم تُعلن إيران بعد نتائج التحقيق الذي فتحته حول عمليّة الاغتيال هذه، وتراوحت التقديرات بين ضربة صاروخية أو غارة جويّة أو حتى عبوة ناسفة فُجّرت عن بُعد. التزمت إسرائيل من جانبها الصمت فلم تتبنَّ العملية بشكلٍ رسمي، ولم تُعلن عن تفاصيلها بل ومنعت الوزراء وغيرهم من الساسة والحكوميين من الحديث في أيّ تفاصيلٍ تخصُّ هذه العملية. على الجانب المُقابل فقد توعَّدت إيران عبر مختلف قادتها بما في ذلك المرشد علي خامنئي بالانتقامِ لدم إسماعيل والردّ على إسرائيل في قلبها

خلفية

عدل

يُعتبر إسماعيل هنية من بين أبرز قادة حركة حماس، خاصة وأنه له باعٌ طويلٌ مع الحركة وقد انضمَّ لها منذ بداية تأسيسها في أعقابِ الانتفاضة الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي عام 1987. انتُخب الرجل رئيسًا للمكتب السياسي للحركة عام 2017، ثم غادر قطاع غزّة عام 2019 صوبَ العاصمة القطرية الدوحة حيث عزّز من نشاطه الخارجي هناك. عزَّز إسماعيل من مكانة حركة حماس في الخارج ولعب دورًا في كل المراحل التي مرَّت منها الحركة في السنين الأخيرة، فضلًا عن الدور الذي لعبه في بدايات الحركة بالإضافةِ لمناصبه الرسميّة.[7] على المستوى الشخصي فقد تعرّض هنية لعددٍ من محاولات الاغتيال الإسرائيلية وقد نجا في ثلاثةٍ منها على الأقل، كما قُتل في نيسان/أبريل 2024 ثلاثةٌ من أبنائه وأربعة من أحفاده في غارة جوية إسرائيليّة على قطاع غزة. يُوصَف إسماعيل الذي كان يعيشُ ما بين قطر وتركيا بأنّه «الوجه الدبلوماسي» لحركة حماس، ولعبَ دورًا كبيرًا عقبَ عملية طوفان الأقصى وما تلاها من حربٍ شاملة في التفاوض في محادثات وقف إطلاق النار غير المباشرة بين حماس وإسرائيل بوساطة أميركية قطرية مصرية.[8]

ردًا على عمليّة طوفان الأقصى، أعلنت إسرائيل أنها ستستهدفُ قادة حماس في كل مكان وستعملُ على تصفيتهم. أول عمليّة اغتيال إسرائيلية بارزة عقبَ الطوفان كانت يوم الثاني من كانون الثاني/يناير 2024 حينما اغتالَت القيادي الحمساوي البارز صالح العاروري في غارة جوية على العاصمة اللبانيّة بيروت،[9] ثمّ حاولت يوم 13 تموز/يوليو 2024 اغتيال محمد الضيف القائد العام لكتائب القسّام الذراع العسكري لحماس حين ارتكبت مجزرة بمواصي خان يونس راحَ ضحيّتها أكثر من 100 مدني فلسطيني ومع ذلك فقد نفى مسؤولون في حركة المقاومة الفلسطينيّة صحّة الشائعات الإسرائيليّة.[10] قبل ساعاتٍ من اغتيال هنية، أعلنت إسرائيل نجاحها في اغتيال فؤاد شكر القيادي البارز والكبير في حزب الله في غارة جويّة على بيروت.

نشرت حركة حماس في حوالي السادسة صباحًا بالتوقيت الفلسطيني (جرينتش + 03) بيانًا أعلنت فيه اغتيال إسماعيل هنية بطهران مؤكّدة أنه قضى إثر غارة صهيونية غادرة على مقر إقامته في العاصمة الإيرانيّة طهران دون تقديم مزيدٍ من التفاصيل.[12] أكّد في نفس الوقت تقريبًا الحرس الثوري الإيراني الخبر لوكالات أنباء محليّة، معلنًا أنّه يدرسُ أبعاد حادثة اغتيال هنية في طهران وسيُعلن عن نتائج التحقيق لاحقًا.[13] بدأت تتكشّفُ مع مرور الوقت بعضُ التفاصيل حيث ذكرت وكالة الأنباء الإيرانية أن إسماعيل هنية قد قُتل رفقة أحد حراسه الشخصيين إثر استهداف مقر إقامتهم في طهران.[14]

في الساعة الأولى التي أعقبت الاغتيال، حاولت شبكة سي إن إن التواصل مع مسؤولين في جيش الاحتلال الإسرائيلي للتعليقِ على اغتيال هنية وكان ردُّ الجيش بأنّه لا يتفاعلُ معَ تقارير وسائل الإعلام الأجنبية،[15] فيما تحدثت وسائل إعلام عبريّة حاولت هي الأخرى الحصول على سبقٍ صحفي من مصادر رسميّة في الحكومة الإسرائيلية عن إصدار مكتب نتنياهو توجيهاتٍ لوزراء الحكومة بعدم التعليق على اغتيال إسماعيل.[16] بُعيد ساعةٍ ونصف تقريبًا عن سريان خبر الاغتيال وتحديدًا بيان حركة حماس، أخبرَ مسؤولون إيرانيون صحيفة نيويورك تايمز الأمريكيّة بأنّ المجلس الأعلى للأمن القومي يجتمعُ بمقر المرشد الأعلى بحضور قائد فيلق القدس، ونشرت وكالة رويترز للأنباء عن مصدر مطّلع قوله إنّ أعلى هيئة أمنية في إيران ستقرر استراتيجية الرد على اغتيال إسماعيل هنية.[17]

سرعان ما بدأت مساجد الضفة الغربية ومخيمات الشتات في نعي إسماعيل هنية وتُليت بيانات النعي في مكبّراتِ عددٍ من المساجد مع ساعات الشروق.[18] تزامنت بيانات النعي هذه معَ دعوة القوى الوطنية والإسلامية في الأراضي الفلسطينية إلى الإضراب والخروج بمسيرات تنديدًا بالاغتيال.[19] خرجت أيضًا مظاهراتٌ في نفس يوم الاغتيالِ في عددٍ من مدن الضفة الغربية وعلى رأسها رام الله والخليل ونابلس. شهدت هذه المظاهرات الشعبيّة تنديدًا بالاغتيال ورفعَ المتظاهرون شعاراتٍ تدعو فصائل المقاومة للرد.[20]

نقلت وكالة تسنيم الإيرانية عن مصدرٍ في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان الإيراني عقدها لاجتماعٍ حول اغتيال هنية، فيما نقلت وكالة الأنباء الإيرانية بيانًا للمرشد خامنئي مما ذكر فيه أنّ الانتقام لدم هنية من واجبات الدولة الإيرانية لأن الاغتيال وقع على أراضيها، كما أشار إلى أن الكيان الصهيوني الذي وصفهُ بالمجرم والإرهابي مهَّد بهذا الاغتيال الأرضية لمعاقبته بقسوة.[21] استمرَّ النظام الإيراني في التهديد والوعيد على لسان مختلف مسؤوليه فبعدَ بيان خامنئي جاء بيانٌ آخرٌ من الحرس الثوري الإيراني الذي قال إنّ جريمة النظام الصهيوني ستواجَه بردٍ قاسٍ من جبهة المقاومة القوية وإيران خاصة،[22] أمّا البعثة الإيرانيّة بالأمم المتحدة فقد نقلت للأخيرة رسالة مفادها أنّ الرد على الاغتيال سيكون عمليات خاصة أكثر صرامة لزرع الندم في نفوس مرتكب الاغتيال،[23] كما توعّد أمين مجلس الأمن القومي الإيراني بعدمِ التخلّي عن حقّ طهران في الثأر لدماء ‌إسماعيل هنية مضيفًا أنّ الكيان الصهيوني سيتلقى ردًا مناسبًا.[24]

نال والدي ما تمنى، ونحن في ثورةٍ ونضالٍ مستمر ضد الاحتلال. المقاومة لن تنتهي باغتيال القيادة وحماس ستظلُّ تقاوم حتى التحرير.

— عبد السلام هنية نجل القائد السياسي لحماس إسماعيل هنية في حديثٍ للإعلام سويعات بعد إعلانِ اغتيال والده.[25]

نشر جيش الاحتلال الإسرائيلي بعد ساعتين من انتشار خبر الاغتيال بيانًا قال فيه إنّ لا تغييرات في سياسة الدفاع في الجبهة الداخلية وأنه بصدد إجراء تقييمٍ للوضع دون تبنّي عملية الاغتيال، قبل أن ينشرَ المكتب الصحفي للحكومة الإسرائيلية صورة لهنية على الحساب الرسمي في فيسبوك مع عبارة «تم التخلص منه»،[26] ومثَّل هذا المنشور أول اعترافٍ أو شبه اعتراف رسمي من إسرائيل بأنها التي تقفُ خلف عملية الاغتيال.[27] مع ذلك فقد ظهرَ المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية في المساء في مؤتمرٍ صحفي تحدث خلاله حول الضربة التي وجّتها إسرائيل البارحة (29 تموز/يوليو) لحزب الله في معقله بالضاحية الجنوبية من بيروت، ولمّا سُئِل عن اغتيال إسماعيل هنية رفض المتحدث التعليق.[28]

لم تُعرف بعد مرور 12 ساعة على الأقل طريقة الاغتيال على وجه التحديد ولا الكيفية التي تمّت بها، ومنعت إيران وسائل الإعلام من تغطية الحدث بشكل مباشر حيث لم تظهر أيّ صورٍ أو مقاطع فيديو على المباشر للموقع الذي كان فيه إسماعيل هنية والذي اغتيلَ فيه واكتفت بالقول أنها بدأت تحقيقات معمّقة وستُعلن النتائج عمّا قريب.[29] رجّحت بعضٌ من وسائل الإعلام الإيرانية أن عملية الاغتيال جرت عبر صاروخٍ أُطلق من بلد إلى بلد وليس من داخل إيران، ولم تذكر وسائل الإعلام هذه الدولة المشتبه في انطلاق الصاروخ الدقيق أو الموجَّه منها.[30] ما جاءت به وسائل الإعلام المحلية هذه هو نفسه ما ذهبت إليه هيئة البث الإسرائيلية التي قالت إنّ هنية قُتل بصاروخ أطلق من دولة خارج إيران دون تقديم مزيدٍ من التفاصيل.[31] نقلت وكالة فارس عن مصادرها قولهم إنّ مقر إقامة إسماعيل هنية الذي استُهدف يقعُ في منطقةٍ في شمال العاصمة الإيرانية طهران، وقدّمت وكالة الأنباء الإيرانية تفاصيل إضافية حين نشرت مقالة تحديثيّة ذكرت فيها أنّ الاغتيال وقعَ حوالي الثانية صباحًا (توقيت إيران) مضيفةً أنّه كان يُقيم في مقر خاص لقدامى المحاربين بالعاصِمة.[32] نفى وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن تورّط بلاده في عملية الاغتيال هذه، وقال إنّ الإدارة الأمريكية لم تتلق إخطارًا مسبقًا بشأن الهجوم ولم يكن لها أي دور فيه.[33] رغم النفي الأمريكي الأولي فإنّ الخارجية الأمريكية جددت في تصريحاتٍ على لسان مسؤوليها ومتحدثها الإعلامي التزام الإدارة الأمريكيّة بأمن إسرائيل والدفاع عنها ضد أي هجمات وصفها بالمتهوّرة قد تشنها إيران واصفًا هذا الالتزام بالصارم والذي لا يتزعزع.[34]

اعترفَ القيادي في حركة حماس خليل الحية خلال مؤتمرٍ صحفي شاركَ فيه رفقة زاهر جبارين من طهران سويعاتٌ بعد اغتيال هنيّة بأنّ الأخير لم يكن في مكانٍ سري أو بعيدًا عن الأضواء ناسفًا أن يكون اغتياله منجزًا استخباريًا كما تُصوّر إسرائيل. الحية أكّد أيضًا أنّ حماس تنتظرُ التحقيقات الكاملة من السلطات الإيرانية.[35] خرجَ نتنياهو في نحو الثامنة مساءً (بالتوقيت الفلسطيني) في تصريحٍ صحفي ومن جملة ما قال فيه كان التبنّي الواضح لما يصفها بالضربات الإسرائيلية خلال الأسابيع الماضية ضدّ كلٍ من حماس وحزب الله والحوثيين. جدَّد نتنياهو التأكيد على أنّ إسرائيل ستُصفّي حساباتها مع كل من يمس بها أو يرتكب مجازر ضدها ومتوعدًا بهدرِ دم كل من يمسّ إسرائيل.[36]

طريقة الاغتيال

عدل

[عدل]

افتراضات صحفية

عدل

[عدل] اعتُبر اغتيال إسماعيل هنية من طرفِ إسرائيل في قلبِ العاصمة الإيرانية وفي وضعٍ حساسٍ جدًا وتصعيد كبير فشلًا استخباراتيًا كبيرًا للنظام الإيراني، بل ذهبت عددٌ من وسائل الإعلام إلى اعتبار ما حصل إحراجًا هائلًا لحرس الثورة الذي يتفاخر بأسلحته وقدرته على «تدمير إسرائيل».[4] هذا الإخفاق لم يتمثل في الاغتيال فحسب، بل حتى في المكان الذي يُفترض أن يكون مؤمّنًا جدًا ومحميًا كونه يستضيفُ كبار الشخصيات والضيوف البارزين مثل هنية.[37]

عمومًا فقد تضاربت الأنباء والأقاويل حول طريقة الاغتيال، حيث ذهبت بعضٌ من وسائل الإعلام إلى ترجيحِ أنّ ما حصل هو غارة جوية فيما قالَ آخرون (وسائل إعلام محليّة ودولية) إنّ العملية تمّت عبر صاروخ موجّه أُطلق من مكانٍ ما وحصل مجددًا اختلافٌ فيما إذا كان الصاروخ الموجّه قد انطلق من طائرة حربية إسرائيلية أم من موقعٍ ما خارج إيران أو من الداخل.[38] رجّحت مثلًا قناة الميادين اللبنانية المقرّبة من حزب الله أن الموقع الذي كان يتواجدُ فيه هنية تعرّض لقصفٍ صاروخي أُطلق من خارج إيران،[39] بينما رجّحت القناة 12 العبرية أن الاغتيال كان عبر ضربة صاروخية من داخل إيران.[40]

نشرت جريدةُ نيويورك تايمز مقالًا أثار الكثير من اللغط وقدّم افتراضيّة جديدة تمامًا حينما قالت نقلًا عن مسؤول أمريكي ومسؤولين من دول في الشرق الأوسط إنّ اغتيال هنية كان عبر عبوة ناسفة هُرّبت سرًّا إلى دار الضيافة في طهران قبل نحو شهرين كاملين.[41] وضّحت الجريدة كيف أن العبوة فُجّرت بمجرد التأكد من وجوده داخل غرفته في دار الضيافة، لكنها لم تُقدم أيّ شروحات وتفاصيل إضافية حول الكيفية التي أُخفيت فيها العبوة بالمقر كل هذا الوقت مشيرةً إلى أن التخطيط لاغتيال رئيس المكتب السياسي للحركة في طهران استغرق شهورا وتطلَّب مراقبة مكثفة للمبنى.[41] نشرت صحيفة جيروزاليم بوست مقالة أخرى عقبَ هذا التقرير وقالت إنها تأكّدت بشكلٍ مستقلٍ منه ومن صحّته.[42] اعتبرَ التلفزيون الإيراني كافّة التقارير المنتشرة تحت عنوان تفاصيل عملية اغتيال هنية غير دقيقة ووصفها بالتكهنات غير الرسمية، وهو نفس ما ذهبَ له ممثل حماس في إيران حينما قال إنّ هدف تقرير صحيفة نيويورك تايمز بشأن اغتيال هنية هو دفع التهمة عن الاحتلال.[43]

التحقيق الإيراني الرسمي

عدل

[عدل] نشرَ الحرس الثوري الإيراني يوم الثالث من آب/أغسطس نتائج تحقيقاته والتي خلص فيها إلى أنّ اغتيال هنية نُفذ بمقذوفٍ قصير المدى يزن رأسه المتفجّر 7.5 كيلوغرام أُطلق من خارج مكان استقرار هنية الذي هو مقرٌ لإقامة الضيوف الأجانب ويخضع لكافة البروتوكلات الأمنية بحسب الحرس الذي توعَّد من جديدٍ في نفس البيان بأنّ «دماء إسماعيل لن تذهب هدرًا والنظام الصهيوني سيتلقى العقاب الشديد على الجريمة».[44][45] نقلَ مسؤولون إيرانيون لصحيفة نيويورك تايمز خبر اعتقال الدولة لأكثر من 20 شخصًا على خلفية عملية الاغتيال، وأكّد المسؤولون أن من بينِ المعتقلين ضباط استخبارات ومسؤولون عسكريون وموظفون بهيئة دار الضيافة.[46]

الجنازة

عدل

[عدل] أعلنت حركة حماس أنّ مراسم تشييع رسمي وشعبي لإسماعيل هنية ستُقام في طهران يوم الخميس الموافق للأول من آب/أغسطس قبل نقل الجثمان إلى الدوحة يوم الجمعة الموافق للثاني من نفس الشهر حيث ستُقام صلاة الجنازة على روح القائد في مسجد الإمام محمد بن عبد الوهاب بعد صلاة الجمعة بحضور شعبي وفصائلي ومشاركة قيادات عربية وإسلامية.[47][48] كانت الحكومة الإيرانية قد أعلنت في وقتٍ مبكّر الحداد العام لمدة 3 أيامٍ بعد الاغتيال،[49] كما أعلنَ رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يعلن الحداد وتنكيس الأعلام ليومٍ واحدٍ حدادًا على القيادي الحمساوي.[50] مع حلول المساء أُقيم تجمّعٌ شعبيٌّ كبيرٌ في ساحة فلسطين وسط طهران لتأبين إسماعيل هنية.[51]

بدأت في صباح يوم الخميس فاتح آب/أغسطس في العاصمة الإيرانيّة طهران مراسم تشييع إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، والتي شاركَ فيها أغلب المسؤولين والقادة في الدولة الإيرانية بما في ذلك المرشد خامنئي الذي أمَّ صلاة الجنازة على جثمان الراحل وسطَ حضور الآلاف من المشيّعين في جنازة كبيرة.[52][53]

وصل بعد السادسة مساءً من يوم الخميس (1 أغسطس) جثمان إسماعيل هنية إلى الدوحة تمهيدًا لتشييعه في اليوم الموالي وهو ما كان. شارك في الجنازة عددٌ من أبرز قادة حماس بما في ذلك خليل الحية الذي أمَّ بجموع المصلين كما حضر أمير دولة قطر تميم بن حمد ووالده حمد آل ثاني ووفد إيراني بالإضافة لشخصيات أخرى.[54] كان لافتًا غيابُ الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن المشاركة في جنازة الرجل وهو الذي حضر جنازة رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق شمعون بيريز من قبل. كان لافتًا كذلك غيابُ عدد من القادة العرب وممثليهم من المستوى الرفيع رغم زعمِ أغلب الدول العربية بدعمِ فصائل المقاومة الفلسطينية والوقوف لصفّها في وجه الاحتلال وفي سبيلِ القضية الفلسطينية.