إيتسوكوشيما
هذه مقالة غير مراجعة.(يناير 2025) |

جزيرةُ إيتسوكُوشيما هي التي تقعُ في أرضِ هيروشيما، بمحافظةٍ تُدعى هاتسُكايتشي، في موضعٍ يشهدُه بحرُ سيتو الداخلي ويُحيطُ به من الغربِ خليجُ هيروشيما. أُطلق عليها في الأزمان "أكي مياجيما" أو "مياجيما"، وهي ثابتةٌ في موضعِها، في الشمالِ الغربي من الخليجِ، حيثُ تُطلُّ على مياهٍ ساكنةٍ وشطآنٍ ممتدةٍ، فصارت معلمًا عالميا يُشارُ إليه بالبنانِ، ومكانًا يقصدُه السائحون من كلِّ حدبٍ وصوب.

(يقع بالقرب من قمة جبل ميسين )

ملخص
عدلإنَّ جزيرةَ إيتسوكوشيما (厳島)، التي يعني اسمُها "جزيرة الإلهة الصارمة"، قد كانت منذ قديمِ الزمان موضعَ تقديسٍ ومهبطَ أنظارِ العباد، حيثُ عُدت رمزًا للطبيعةِ المقدسة التي أُجلَّتْ وصارت معبدًا بغير جدرانٍ، تقصده الأرواحُ خاشعةً. وفي أواخرِ عهد هييان (平安)، الذي يُترجم إلى "السلام الأبدي"، بزغ نجمُ الجزيرة، حيثُ حملها معبدُ إيتسوكوشيما، الذي يعني "جزيرة الإلهة"، إلى مكانةٍ سامقة، مستندةً إلى دورها كمحورٍ للنقلِ البحري في بحرِ سيتو (瀬戸内海) الداخلي، الذي يُعرف بتعددِ جزره وجمالِ مياهه.
وفي عهد إيدو (江戸)، ارتفعت مكانةُ الجزيرة إلى أن أُدرجت ضمن "أعظم ثلاثِ مشاهدَ في اليابان"، إلى جانبِ أمانوهشيداتي (天橋立) في تانغو، التي تعني "الجسر السماوي"، وما تسوشيما (松島)، أي "جزيرة الصنوبر". وقد صارت مقصِدًا للسائحين والعابدين، وتُقدر اليوم جزيرتُها بعدد سكانٍ يبلغ 1800 نسمة، بينما تستقبلُ ثلاثة ملايينَ زائرٍ سنويًا، لتُظهر مكانتَها البارزة حين احتلت المرتبةَ الأولى ضمنَ تقرير "تريپ أدفايزر" لعام 2011.
معبد إيتسوكوشيما (厳島神社)
عدليتوسطُ الجزيرةَ معبدُ إيتسوكوشيما، الذي تميزَ بجمالِ أوتوري (大鳥居)، وهي بوابةٌ حمراءٌ عظيمةٌ قائمةٌ فوقَ مياه البحر، يُرمز بها إلى العبور نحو المقدس. وقد بُني هذا المعبدُ في أواخر عهد هييان، بأسلوب شيندن-زوكوري (寝殿造)، الذي يمثل القصورَ العريقة المتناغمة مع الطبيعة. صُممت قاعاتُ المعبدِ وجدرانُه لتنسجمَ مع الجبالِ والبحر، مُظهرةً وحدةَ الخلقِ والبناءِ البشري.
يحوي المعبدُ بين جدرانه كنوزًا ثمينةً، منها هييكي نو كيو (平家納経)، وهو مصحفٌ مُذهَّبٌ أهداه تيراموري (平清盛) ليُظهر مجدَ عشيرته. وقد أدرجت اليونسكو هذا المعبد وغاباتَ مياسان (弥山) المحيطة به ضمنَ قائمةِ التراثِ العالمي في عام 1996.
جمالُ الطبيعةِ وقمةُ مياسان
عدليمتدُّ جمالُ الجزيرةِ إلى قمةِ مياسان، التي يبلغُ ارتفاعُها 535 مترًا، وهي القمةُ التي وصفها إيتو هيروبومي (伊藤博文) بقوله: "إنَّ أعظمَ مشاهدِ اليابان تُرى من هنا." يُطلُّ الزائرُ منها على بحرِ سيتو وجزره الكثيرة، في مشهدٍ يخلبُ الأبصار. وقد أُدرجت الجزيرةُ ضمن حديقة سيتو الوطنية (瀬戸内海国立公園) عام 1934، وصارت موضعًا للتقديسِ والحفظ، لتحافظَ على كنوزها الطبيعية والثقافية.
اسم الجزيرة ومصدر تسميتها
إنَّ جزيرة إيتسوكوشيما (厳島)، التي أُطلقت عليها أسماء شتى في التاريخ، تعني "الجزيرة المقدسة"، ويعود اسمها إلى تركيبٍ لغوي أصله "إيتسوكو" (斎く)، بمعنى التطهر من الأدناس وتقديس الجسد والروح لعبادة الإله، و"شيما" (島)، بمعنى الجزيرة. وقد ورد أن الاسمَ يرتبطُ باسمِ الإلهة إيتشيكيشيما-هيمي (市杵島姫)، إحدى بنات الإله سوسانو (素戔男)، والتي تعدّ من الثلاثة الآلهة المعروفات بـ"مونكاتا سانجو شين" (宗像三女神)، وهُنَّ إيتشيكيشيما-هيمي، وتاجوري-هيمي (田心姫)، وتاجيتسو-هيمي (湍津姫).
وقد قيل إنَّ هؤلاء الآلهة الثلاثة استرشدن بطيورِ الغربانِ المقدسةِ (神鴉)، التي قادتهنَّ إلى موضع المعبد على الجزيرة، حيث أُقيمت منذ ذلك الزمن مركزًا لعبادة الآلهة في ثقافة اليابان.
أسماء الجزيرة عبر التاريخ
لقد عُرفت جزيرة إيتسوكوشيما منذ عصورٍ قديمة، وذُكر اسمها في النصوص التاريخية المتعددة. من ذلك، أنها سُميت بـ"嚴嶋大明神"، أي "الإلهة العظيمة لجزيرة إيتسوكوشيما"، منذ عهد هييان (平安)، وأصبحت من أهم معالم اليابان. وفي عهد إيدو (江戸)، قام العالم الكونفوشيوسي هاياشي شونساي (林春斎) في كتابه "日本国事跡考" بتصنيفها ضمن "أعظم ثلاث مشاهد في اليابان"، مع أمانوهاشيداتي (天橋立) وما تسوشيما (松島).
وقد ورد وصف الجزيرة في كتابه كالتالي: "هذه الجزيرة، بما فيها من جزر صغيرة متناثرة، تبدو وكأنها موجاتُ القمرِ فوق سطحِ بحيرة، وهي من المشاهد التي تبهرُ الألباب بجمالها."
أسماء أخرى للجزيرة
في عصور لاحقة، وخصوصًا منذ عصر إيدو، أصبح يُطلق عليها اسم مياجيما (宮島)، الذي يعني "جزيرة المعبد"، وهو اسم يرتبط بموقعها الذي يضمُّ معبد إيتسوكوشيما الشهير. ولتمييزها عن الأماكن الأخرى التي تحمل اسمًا مشابهًا، أُضيف لها اسم الإقليم، فأصبحت تُعرف بـ"آكي نو مياجيما (安芸の宮島)"، أي "مياجيما آكي". وقد ورد ذكر ذلك في سجلاتٍ تعود إلى عام 1742، مما يعكس استمرارية أهمية الجزيرة عبر القرون.
مراجع أدبية وفنية عن الجزيرة
لقد ألهمت جزيرة إيتسوكوشيما العديد من الأدباء والفنانين عبر التاريخ، فجسدها أوتاغاوا كونيسادا (歌川国貞) في لوحته "الرسم الزيتي بالأسلوب الغربي: معبد إيتسوكوشيما"، وبرزت كذلك في أعمال أوتاغاوا هيروشيغي (歌川広重) في لوحاته "مشاهد اليابان الثلاث: آكي إيتسوكوشيما" و"احتفالات معبد إيتسوكوشيما".
الموقع الطبيعي والجغرافيا
إنَّ جزيرة إيتسوكوشيما (厳島) تقبعُ في أقصى الغربِ من خليجِ هيروشيما، غير بعيدٍ عن المدينة، إذ تفصلها عنها مسافةٌ تُقاربُ العشرين كيلومترًا جنوب غرب. قد أُحيطت هذه الجزيرةُ ببحرٍ هادئٍ، واتخذت لنفسها هيئةً بيضاويةً، يكتنفُها محيطٌ يبلغ ثلاثين كيلومترًا، وتمتدُّ مساحتها إلى ثلاثين كيلومترًا مربعًا. وإنَّ طولها من الشمال الشرقي إلى الجنوب الغربي ليبلغ تسعة كيلومترات، وعرضها في الاتجاه الآخر أربعة كيلومترات.
يفصلها عن برِّ اليابسةِ مضيقٌ يُدعى أونو سيتو (大野瀬戸)، حيث تضيقُ المسافةُ في أضيقِ أجزائه إلى ثلاثمائة متر، بينما يمتدُّ خطُّ العبارات بين ميناءي مياجيما-غوتشي ومياجيما على طول 1.8 كيلومتر. وعلى الجانب الجنوبي الشرقي، تنتشرُ جزرٌ صغيرة، كجزيرة إينو-شيما (絵の島) وجزيرة أونا-نامي-شيما (大奈佐美島).
جيولوجيا الجزيرة وتكوينها الطبيعي
جزيرة إيتسوكوشيما تقفُ شامخةً على صخورِ الجرانيت، التي حملتها حركاتُ الأرضِ التكتونية في سلسلة جبال الصين إلى ما هي عليه الآن. وقد جاء انفصالُها عن البرِّ الياباني حين ارتفعَ مستوى سطح البحر بعد العصر الجليدي الأخير، فتحوَّلت إلى جزيرةٍ تكتنفُها المياه من كلِّ جانب.
وهي جزيرةٌ قلَّت فيها السهولُ، وازدحمتْ جبالها التي تعلو إلى ارتفاعٍ شاهق، كجبل مياسان (弥山) الذي تتصلُ به جبالٌ أخرى، فكانت أوديتُها عميقةً وشلالاتُها كثيرة. وقد ظهرت فيها صدوعٌ تمتدُّ شمالًا وجنوبًا، وشرقًا وغربًا.
ارتفاع جبل مياسان وعظم شأنه
إنَّ جبل مياسان يُعدُّ تاجَ الجزيرةِ وأعلى قِممِها، وقد بلغ ارتفاعه وفق قياسات هيئة المسح الجغرافي اليابانية 529.8 مترًا، بناءً على قياسات تعود إلى عام 1892. غير أن قياساتٍ حديثةً أكدت وجود نقطةٍ أعلى بجنوب القمة، يبلغُ ارتفاعها 535 مترًا.
مناخ الجزيرة وخصائصها الفريدة
تخضعُ الجزيرةُ لتأثير مناخِ بحرِ سيتو الداخلي، الذي يُعرفُ باعتداله ودفئه. ففي الصيف، ترتفعُ درجات الحرارةِ إلى أكثر من ثلاثين درجة مئوية، بينما يشهدُ الشتاءُ أيامًا باردةً تنخفضُ فيها درجات الحرارةِ إلى ما دون الصفر. وتُغطى الجبالُ بالثلوجِ كلَّ عام، ويصلُ الجمالُ إلى قمته حين يُزينُ الثلجُ معبد إيتسوكوشيما (厳島神社) وما حوله.
ويُعرف في الجزيرة ظاهرةٌ تُسمى "رياح مياسان" (弥山おろし)، وهي رياحٌ شديدةٌ تهبُّ من وادي أوتا عبر خليج هيروشيما، لتزيد من برودة الشتاء.
التنوع البيولوجي وسحر الغابات
تكتنفُ جزيرة إيتسوكوشيما غاباتٌ دائمةُ الخضرة، تُعدُّ مثالًا حيًا على جمالِ الطبيعة اليابانية. وهي غاباتٌ تمتازُ بأشجارٍ نادرة، كـميميزوباي (ハイノキ属) ومومي (針葉樹)، التي لا تُرى عادةً في المناطق المنخفضة بغرب اليابان. وعلى الرغم من ندرة الأنواع المستوطنة في الجزيرة، فإن بعض النباتات ارتبطت بها، كـميميزوما كايدي (ミヤジマカエデ) وميميزوما شيموتسكي (ミヤジマシモツケ).
وبفضل مكانةِ الجزيرة المقدسة، لم تمتد إليها يدُ الإنسانِ إلا قليلًا، فبقيت غاباتُها بكرًا على حالها. وتُعد الغابات البكر حول قمة مياسان مثالًا حيًا على ذلك، إذ حظيت بتصنيفها معلمًا طبيعيًا خاصًا، وأُدرجت ضمن التراث العالمي.
التحديات البيئية ومعالجتها
في السنوات الأخيرة، ظهرت تحديات بيئية في منطقة أوكا ميكاسا-هاما (御笠浜)، حيث انتشرت طحالبٌ بحريةٌ تُسمى أوسا (アオサ)، مما أدى إلى تشويه المناظر الطبيعية، وانبعاث روائح كريهة. وقد اتحدت جهود الهيئات المحلية والمتطوعين لتنظيف المنطقة بشكل دوري، في محاولة للحفاظ على جمال الجزيرة وبيئتها.
الحيوانات والحياة البرية
تنوع الحياة البرية وأسرارها
جزيرة إيتسوكوشيما (厳島) تكتنفُ بين ثناياها حياةً بريةً تنبضُ بالتنوعِ والإبداعِ الإلهي، حيثُ يستوطنها غزال اليابان (ニホンジカ) الذي يجوبُ جنباتها بحرية، والراكون الياباني (タヌキ) الذي أُدخل إليها بعد الحرب العالمية الثانية، وغرير اليابان (ニホンアナグマ) الذي يحفرُ في أرضها مسالكه الخفية، بالإضافة إلى أنواعٍ عديدةٍ من الخلد. وفوق هذه الأرض، ترتفعُ السماءُ بأكثرَ من مائة نوعٍ من الطيور التي تشدو بألحانها، فتُسبحُ لجمال الخلقِ في صمت الطبيعة.
رمزية الغزلان والقرود في الجزيرة
لقد أصبحت الغزلان والقرودُ رمزين بارزين للجزيرة، إذ تظهرُ في مرافئ العباراتِ تُحيي الزوار، وتُجسدُ في أشكالٍ رمزيةٍ تُزين المعالم، حتى غدت "رموز مياجيما" تتناقلها الألسنُ وتراها الأبصار، فكانت شهادةً حيةً على ارتباطِ الإنسانِ بالطبيعةِ في هذا المكان.
تاريخ الغزلان وآثار الحروب
لقد عانت غزلان الجزيرة في أعقاب الحرب العالمية الثانية من ويلات الصيد، إذ جعلها جنود الحلفاء هدفًا للرياضة، فانخفضت أعدادها انخفاضًا شديدًا. لكن الجزيرةُ على كل حال بقت موطنًا لهذه الكائنات، حيث أكدت الدراساتُ الحديثة أن الغزلان التي تعيش الآن هي من سلالةٍ أصيلةٍ تحملُ في دمائها تاريخًا متجذرًا في هذه الأرض. ورغم شائعاتٍ تقول إنَّ بعض الغزلان قد نُقلت من معبد كاسوجا الكبير (春日大社) في نارا، إلا أن الوثائق التاريخية على جانبي المعابد لم تُثبت هذا الادعاء.
القرود وقصتها في الجزيرة
لم تكن القرود جزءًا من الحياة البرية للجزيرة في عصورها الأولى، إذ لم تُذكر في السجلات القديمة أو الرسومات الأثرية. ولكن في عام 1962، نُقل 45 قردًا من جزيرة شودو إلى إيتسوكوشيما ضمن مشروعٍ لتعزيز السياحة ودراسة الأنواع البرية، حيث تكاثرت هذه القرود وأصبحت جزءًا من المشهد الطبيعي. وفي السنوات الأخيرة، نُقلت بعض هذه القرود إلى محافظة آيتشي ضمن خطةٍ مدروسةٍ للحفاظ على التوازن البيئي.
تحديات إدارة الغزلان
إنَّ تزايد أعداد الغزلان في الجزيرة جلب معه تحدياتٍ بيئيةً خطيرة، حيث أدَّى نقص الغذاء إلى اعتداء الغزلان على لحاء الأشجار وبراعمها، بل إنَّ بعضها استخدم قرونه لشحذها على الأشجار الصغيرة، مما تسبب في موتها. وتفاقمت المشكلة حين بدأت الغزلان تتجه نحو السياح لتسرق طعامهم، مسببةً إصاباتٍ للبعض.
وفي عام 1998، أنشأت بلدية مياجيما لجنةً خاصةً لمعالجة هذه المشكلة، فأصدرت قرارًا بحظر إطعام الغزلان، وأطلقت خطةً لإعادتها إلى بيئتها البرية، حيث جرى الاهتمام بالغزلان التي تعاني من سوء التغذية، ثم إعادتها إلى الجبال بعد معالجتها. وبفضل هذه الجهود، انخفض عدد الغزلان في المناطق الساحلية إلى النصف بحلول عام 2012، مما أسهم في تخفيف الضرر وتوزيع الغزلان بشكلٍ أكثر توازنًا.
الأنواع المستوطنة وتهديدها بالانقراض
ومن عجائب هذه الجزيرة، وجود نوعٍ مستوطنٍ من اليعاسيب يُعرف بـيعسوب مياجيما (ミヤジマトンボ)، الذي لا يُوجد في أي مكانٍ آخر سوى على هذه الجزيرة. ينتمي هذا اليعسوب إلى سلالةٍ من جنوب الصين، لكنه أصبح نوعًا فريدًا يعيش في إيتسوكوشيما فقط. إلا أنَّ مواطنه الطبيعية بدأت تتقلصُ بفعل الأعاصير والتوسع السياحي، مما دفع وزارة البيئة اليابانية والباحثين إلى بذل جهودٍ جبارةٍ للحفاظ عليه وإعادة تأهيل بيئته.
التاريخ
إنَّ جزيرة إيتسوكوشيما (厳島)، المعروفة أيضًا باسم مياجيما (宮島)، تحملُ بين طياتِ تسميتها معانيَ متجذرةً في عمقِ التاريخِ والثقافةِ اليابانية. وإن اختلفت الألسنُ في نطقِها والأقلامُ في رسمِها، فإنَّ لكلِّ اسمٍ مقامًا ومقامًا. فاسمُ إيتسوكوشيما، الذي يتألقُ بهيبتِه وجلالِه، يُستخدمُ في الأبحاثِ الرسميةِ والوثائقِ الأكاديمية، بينما يشيعُ اسمُ مياجيما في السياحةِ والإعلاناتِ، لما فيه من يُسرٍ وسهولةٍ تتلاءمُ مع حاجةِ العامةِ.
وقد اختارت هيئةُ المسحِ الجغرافي اليابانية اسم إيتسوكوشيما، فيما آثرت وزارةُ البيئةِ ووزارةُ الغاباتِ اسمَ مياجيما، مما يعكسُ تنوعَ الاستخدامِ وفقًا للغاياتِ والاختصاصاتِ.
تغيرات التسمية عبر العصور
في عام 1889 (明治22年)، أُطلق على الجزيرةِ اسم "بلدية إيتسوكوشيما (厳島町)"، ليتبدل بعد الحربِ العالميةِ الثانية إلى "بلدية مياجيما (宮島町)" في عام 1950 (昭和25年). وبينما ظلَّ اسمُ إيتسوكوشيما حاضرًا في الخطاباتِ الأكاديميةِ والرسمية، هيمن اسمُ مياجيما على السياحةِ والإعلاناتِ لجذبِ الزوارِ وإبرازِ الجانبِ الجمالي والطبيعي للجزيرة. ومع ذلك، تظهرُ "إيتسوكوشيما" في السياقاتِ التي تُبرزُ البُعدَ التاريخي والقدسيةَ الروحيةَ.
شواهد تاريخية على استخدام الاسمين
لقد جاء ذكرُ الجزيرةِ في نصوصٍ قديمةٍ تحملُ بين سطورها دلائلَ على تداخلِ الاسمين وتنوعِ استخدامهما، ومنها:
- "高倉院嚴島御幸記" (رحلة الإمبراطور تاكاكورا إلى إيتسوكوشيما): وثيقةٌ كتبها ميناموتو ميتشيشينا عام 1180 (治承4年)، حيث ورد اسم إيتسوكوشيما في العنوان، لكن النصَّ أورد مياجيما أيضًا.
- "平家物語" (حكايات هييكي): استخدمت النصوصُ اسمَ إيتسوكوشيما بالكامل، مما يعكسُ البعدَ الديني والروحي للجزيرة.
- "安芸国厳島図" (خريطة إيتسوكوشيما في إقليم آكي): خريطة أعدها كايبارا إيكين عام 1720 (享保5年)، حملت الاسم الرسمي والتاريخي.
- "絹本淡彩宮島八景図" (ثمانية مشاهد من مياجيما): لوحة فنية لناجاساوا روشيتسو عام 1794 (寛政6年)، اختارت اسم مياجيما لتعبر عن جمال الجزيرة الطبيعي.
التمييز بين الاسمين في الفنون والأدب
في الفنون اليابانية التقليدية، برز الاسمان مع تباينٍ واضحٍ في استخدامهما، حيثُ كان إيتسوكوشيما يُستخدم للإشارة إلى المعبد، بينما يُختار مياجيما للدلالة على الجزيرة ككل.
- لوحة "紅毛油絵風 安芸の宮島" (الرسم الزيتي بأسلوب أجنبي: مياجيما في إقليم آكي): أبدعها أوتاغاوا كونيسادا عام 1825 (文政8年).
- لوحة "六十余州名所図会 安芸 厳島 祭礼之図" (مشاهد الولايات الستين: مهرجان إيتسوكوشيما في آكي): من توقيع أوتاغاوا هيروشيغي عام 1854 (嘉永6年).
- لوحة "諸国名所百景 安芸宮島汐干" (مشاهد رائعة من الأقاليم: مياجيما عند انحسار المد): أبدعها أوتاغاوا هيروشيغي الثاني عام 1860 (安政6年).
انتشار اسم "مياجيما" في العصر الحديث
مع انطلاقِ عصر ميجي (明治) وتطورِ السككِ الحديدية، شاع اسمُ مياجيما بشكلٍ ملحوظٍ، حيثُ ظهر في تسمية محطة القطار مياجيما-غوتشي (宮島口) بدلًا من إيتسوكوشيما-غوتشي (厳島口)، مما عكس تحولًا ثقافيًا نحو استخدام الأسماء الأسهل والأكثر شيوعًا.
الغموض والتوثيق العلمي إنَّ جزيرة إيتسوكوشيما (厳島) تحوي بين أرجائها صفحاتٍ من التاريخ المغمور، فبينما كثرت الأبحاثُ حول معبدها العظيم، ظلَّ تاريخها الأصيل وتراثها الشعبي مستترًا خلف حجبٍ من الغموض. ورغم المحاولات العلمية لاستكشاف ماضيها، فإنَّ بعض الجوانب تبقى غير مكشوفة، وكأنها تنتظر الأجيال القادمة لتستخرج كنوزها.
من عصور البداية: الإنسان والأرض
حين بدأت البشرية تُعمِّر البرَّ الياباني في العصر الحجري القديم، كانت جزيرة إيتسوكوشيما جزءًا من اليابسة، متصلةً بمحيطها. وقد كشفت الحفريات في شاطئ شيمورو-هاما (下室浜) عن أدواتٍ حجريةٍ تُنسب إلى العصر الحجري القديم المتأخر، ومنها سكينيات حجرية، دلَّت على أنَّ البشر قد عبروا إلى هذه الجزيرة في بدايات استيطانهم.
وفي العصرين جومون ويايوي، مع ارتفاع منسوب البحر وتحوُّل الجزيرة إلى كيانٍ مستقل، استمر البشر في العيش عليها، حيثُ أظهرت التنقيبات في مواقع مثل أوكاوا-أورا (大川浦) وأوتوكورا-أورا (御床浦) أوانيَ فخارية وأدواتٍ تعكس مهاراتٍ حرفيةً متقدمة.
الانفصال والتشكل الجغرافي
لقد انفصلت إيتسوكوشيما عن البر الياباني بفعل ارتفاع مياه البحر خلال حقبة جومون البحرية، لتصبح جزيرةً قائمةً بذاتها. ومن بين الآثار التي بقيت شاهدةً على تلك الفترة، أدواتٌ حجرية وأوانٍ فخارية تعكس تفاعل الإنسان مع بيئته الجديدة، حيث اعتمد على صيد البحر وزراعة اليابسة.
جبل مياسان: موضع الإيمان والتقديس
في أعالي جبل مياسان (弥山)، تبرز كتلٌ صخريةٌ هائلةٌ يُرجَّح أنَّها كانت مواضع للعبادة، حيثُ بدأ الإيمان بعبادة الجبال بالظهور مع نهايات عصر المدافن الكبرى. وقد أظهرت الحفريات على سفوح الجبل آثارًا تؤكد وجود طقوسٍ دينية منذ تلك العصور، إذ عُثر على أدواتٍ تُستخدم في الطقوس، مثل الرماح الحديدية والأواني الفخارية المزينة.
عصر المدافن الكبرى وصناعة الملح
مع بداية عصر كوفون، أصبحت الجزيرة مركزًا لصناعة الملح، حيث كشفت الحفريات في مواقع مثل أوكاوا-أورا وسُيا-أورا عن أوانٍ كانت تُستخدم في عملية إنتاج الملح. كما وُجدت قطعٌ أثرية، مثل مرآة برونزية مزخرفة (瑞花双鳥八稜鏡)، يُعتقد أنَّها استُخدمت في طقوسٍ دينية، مما يدل على أن الجزيرة كانت موطنًا للصناعة والعبادة معًا.
حقبة هييان: بين الشعر والطقوس
في عصر هييان، حملت الجزيرة اسم أونغا نو شيما (恩賀の島)، وهو اسمٌ يعكس قداسة المكان وجلاله. وقد ورد ذكر الجزيرة في أشعارٍ تعكس روح تلك الفترة، ومن أشهرها:
إري أومي نو/ فُوتا أورا كاكيتِي/ توشيما نارو/ ناكا ني/ كا فُوكَاكي شيما وا/ نانا أورا
أي: في الخليج، تحيط الجزر الصغيرة، وفي وسطها جزيرةٌ تفوح منها أعظم العطور.
تأسيس معبد إيتسوكوشيما: الطقوس والمجد
يُقال إنَّ معبد إيتسوكوشيما قد أُسس في عام 593م، حين أمر الحاكم سايكي كوراموشي ببنائه استجابةً لوحي الإلهة إيتشيكيشيما-هيمي (市杵島姫). وقد ورد ذكر المعبد لأول مرة في السجلات الإمبراطورية عام 811م، ليصبح لاحقًا أحد معابد اليابان الكبرى. وفي أواخر عصر هييان، بدعمٍ من عائلة تايرا (平氏)، أُعيد بناء المعبد بهندسةٍ معمارية فريدة تُجسد انسجام الإنسان مع الطبيعة.
حقائق وشواهد مدعومة بالبيانات
- العصر الحجري القديم: اكتشاف أدوات حجرية في شاطئ شيمورو-هاما.
- عصر جومون: العثور على فخار وأدوات حجرية في أوكاوا-أورا وأوتوكورا-أورا.
- عصر كوفون: صناعة الملح وطقوس دينية تشمل استخدام المرايا البرونزية.
- عصر هييان: توثيق معبد إيتسوكوشيما وتحوله إلى مركز روحي عظيم.
جزيرة إيتسوكوشيما (厳島): مجدُها في ظلِّ سيادةِ كييوموري وذروةِ الحضارات
في السنةِ الثانيةِ من حقبةِ كيوأن (1146م)، تقلَّد تايرا نو كييوموري أمرَ ولايةِ آكي، وهو ابنُ تايرا نو تاداموري، الذي خلَّد اسمه ببناءٍ وعمرانٍ، فكان كييوموري وريثًا لعزٍّ وثروةٍ ونفوذ. ولم يزل يُمعن في بناء نفسه حتى بلغ منزلةَ القيادةِ العليا بعد انتصارهِ في تمرد هييجي، حينها شمرَ عن ساعدِ الهمَّةِ وأعاد بناءَ معبد إيتسوكوشيما، فجعل منه درةً تتلألأُ على ماء البحر.
وقد كان بناؤه على طراز شيندن-زوكوري، مشيدًا بالأناقةِ والرُّقي، وزين المعبد بعظمةٍ تزيدُ عن سابقه، حتى صار المعبد العائم مهيبًا كأنما يُحاكي قصورَ الملوك، ليُقال إنَّ جلالهُ لا يُطاول.
الكنوزُ والفنونُ: شاهدُ هيبةٍ ورمزُ عزّ
أدخل كييوموري إلى المعبد رقصات البوغاكو من معبد شيتينّوجي، وقدَّم إليه هدايا تُقارع عروش الملوك، فكان من بين ما أهدى: الدروعَ الباسلةَ، والسيوفَ القاطعةَ، ونصوصًا منقوشةً، هي "هييكي نو كيو" (平家納経).
وما اكتفى بذلك، بل أضاف إلى أملاك المعبد أراضيَ من إقليم سايكي، فصار المعبدُ لا يُعدُّ مكانًا للعبادةِ فحسب، بل بمحيط من القوةِ والثراء.
سيادةُ البحرِ والتجارةُ مع الصين
لم تكن غايةُ كييوموري بناءَ معبدٍ فحسب، بل جعل البحرَ مسلكًا، وفتح أبواب اليابان للتجارةِ مع أسرة سونغ الصينية. وأسس موانئ، منها ميناء هاكاتا، أول ميناء صناعي في اليابان، وميناء أونو-دونوماكو، الذي صار مركزًا للتجارةِ في البحر. وقد جعل من بحر سيتو الداخلي شريانًا يربط اليابان بالعالم، وسخر الإله إيتسوكوشيما العظيم ليكون حامي هذا الطريق.
وأُثر عن كييوموري أنه شقَّ مضيق أوندو في يومٍ واحدٍ، إذ قيل إنه "دعا الشمس بمروحة لتعود إليه حتى ينجز العمل قبل مغيبها"، فصارت هذه القصةُ حديثًا في محافل القوم.
الجزيرة مركزًا للثقافة والرفعة
ما لبثت الجزيرةُ أن أصبحت مهوى أفئدةِ النبلاء والأباطرة، ومنهم الإمبراطور غو شيراكاوا والإمبراطور تاكاكورا، الذين زاروا المعبد وأقاموا فيه طقوسهم. ومع حركة التجارة، جلبت السفن السونغية إلى الجزيرة نفائسَ الصين، من تحفٍ ومخطوطاتٍ، حتى صارت الجزيرةُ ملتقىً للثقافةِ والدين.
الاكتشافات الأثرية: شواهدٌ على العظمة
في الأعوام 1990-1991، كشفت الحفريات عن بقايا منشآتٍ يُرجَّح أنها بُنيت في عهد كييوموري لإدارة شؤون المعبد. وفي مقبرة كيونوزوكا (清盛塚)، اكتُشفت أوانٍ خزفية، ومرايا، وسيوفٌ، وأدوات طقسية، مما يبرهن على عظمة المعبد وأهمية الجزيرة كموئلٍ للعبادة والتجارة.
جزيرة إيتسوكوشيما في عهد إيدو: مركز ديني وتجاري تحت إدارة هيروشيما
في حقبة إيدو، اكتسبت جزيرة إيتسوكوشيما مكانةً بارزة باعتبارها واحدةً من المناطق الأربع التي خضعت مباشرةً لإدارة إقطاعية هيروشيما، إلى جانب هيروشيما، ميهارا، وأونوميتشي. وتحت إشراف مكتب ميياجيما، حظيت الجزيرة بحمايةٍ خاصةٍ لتنشيط التجارة وصناعة الملاحة، مما ساعد على ازدهارها كوجهة دينية وتجارية.
كانت الجزيرة تُدار فعليًا من خلال أربع جهات رئيسية:
- معبد إيتسوكوشيما، المسؤول عن الإشراف على المعابد داخل الجزيرة وفي أنحاء إقليم آكي.
- معبد دايشوين، الذي تولى تنظيم شؤون الكهنة والمساعدين الروحيين.
- معبد دايغانجي، المعني بإعادة بناء وترميم المرافق الدينية.
- مكتب ميياجيما، الذي تعاون مع رؤساء التجارة والسجلات للإشراف على إدارة شؤون الجزيرة.
واشتهرت الجزيرة آنذاك بنشاطها التجاري المزدهر، حيث توافدت الوفود والزوار إلى معابدها، مما ساهم في خلق سوقٍ نابضةٍ بالحياة على امتداد الطرق المؤدية إلى المعبد، وقد صُوِّر ذلك في الرسومات التاريخية التي أظهرت المحال التجارية على جانبي الطرق، مكتظةً بالناس.
الفنون والترفيه في إيتسوكوشيما: إشعاع ثقافي وديني
حافظت الجزيرة على تقليد رقصات البوغاكو منذ عهد تايرا نو كييوموري. وفي عام 1563م، جلب موري موتوناري عروض مسرح نو إلى الجزيرة، ما شكّل انطلاقةً جديدةً لفنون الأداء. استمرت هذه التقاليد بالازدهار، حيث أصبحت الجزيرة مركزًا رئيسيًا للعروض المسرحية والفنون الشعبية، بما في ذلك الكابوكي والسومو.
ويُذكر أن الكاتب إيهارا سايكاكو وصف الجزيرة في كتابه "أوكيو زوشي" بأنها إحدى أبرز مراكز الفنون في الغرب الياباني، إلى جانب كونبيرا وجيبيتسو، مما يعكس تأثيرها الثقافي الكبير.
إبداع اقتصادي: ظهور "الشاموجي" كرمز سياحي
حين لاحظ الراهب سيشين من معبد كوميوين أن الجزيرة تفتقر إلى موارد اقتصادية مستقرة، ابتكر فكرة تسويق "الشاموجي" (杓子)، وهي ملعقة خشبية تُستخدم في تقديم الطعام. استوحى تصميمها من آلة البيوا الموسيقية المرتبطة بالإلهة بينزايتي.
أضحت الشاموجي سلعةً رمزية للجزيرة، مع إضافة عبارات تمنٍّ ونقوش دينية عليها، مما جعلها هديةً تذكاريةً شديدة الشعبية. ولا تزال الشاموجي حتى اليوم رمزًا لجزيرة ميياجيما، حيث تُستخدم في تشجيع فرق رياضية مثل فرق البيسبول في محافظة هيروشيما.
دور الراهب سيشين في تطوير الجزيرة
لم يقتصر إسهام سيشين على ابتكار الشاموجي، بل أطلق مشروعات بنية تحتية لخدمة سكان الجزيرة وزوارها. من بين أعماله:
- حفر بئر سيشين تسوروي لتوفير المياه العذبة.
- بناء مراسٍ حجرية تُسهِّل رسو القوارب الصغيرة.
نالت جهوده احترام السكان، حتى لقبوه بـ"المحسن العظيم لميياجيما". ولا تزال لوحة تذكارية تُعرف بـ"سيشين دايتوكو" قائمة بجوار معبده، تخليدًا لإرثه.
الجزيرة خلال نهاية عهد الشوغونية: ميدان السياسة والتفاوض
مع اقتراب نهاية حقبة إيدو، اشتد الصراع بين عشيرة تشوشو والشوغونية التوكوغاوية. وخلال حملة تشوشو الثانية في عام 1866م، أصبحت المناطق المحيطة بالجزيرة ساحة للقتال. وفي شهر أغسطس من العام نفسه، عُقدت محادثات السلام بين الجانبين في معبد دايغانجي على جزيرة إيتسوكوشيما.
مثّل الشوغونية في المحادثات كاتسو كايشو، فيما مثل عشيرة تشوشو كل من هيروساوا ماسومي وإينو كاورو، وانضم إليهم كاتسورا كوجيرو (لاحقًا كيدو تاكايوشي).
وثّق كاتسو كايشو في مذكراته "هياكا سيوا" تفاصيل تلك الاجتماعات، مبرزًا حادثة طريفة حينما أخبر امرأة كانت تُرتب شعره قائلًا: "لا أدري متى يُقطع رأسي، لذا أريد أن أبدو لائقًا حتى في موتي". أثارت كلماته ذعرها، لكنها عكست واقع المرحلة المتوتر.
عصر كاماكورا: سقوط المجد في ظلال الفتن
إنَّ جزيرة إيتسوكوشيما قد شهدت بعد سقوط عشيرة تايرا في معركة دان نو أورا (1185م) تحولًا من مجدٍ باذخٍ إلى عهدٍ طغت عليه الفتن. ففي زمن عشيرة ميناموتو، أُحيط معبد إيتسوكوشيما برعايةٍ جديدة، لكن الفوضى السياسية عصفت بتلك الرعاية، فأصبحت الجزيرة شاهدةً على تقلب الأحوال بين العناية والإهمال.
وفي عام 1221م، حين اشتعل تمرد جوكييو، وقف آل سايكي، كهنة الجزيرة الوراثيون، إلى جانب الإمبراطور غو توبا، فجاءت الهزيمة لتسلبهم مناصبهم، وتؤول إدارة المعبد إلى فوجيوارا نو تشيكا-ساني بأمرٍ من البلاط العسكري. ولم يلبث أن حلَّ بالمعبد حريقان عظيمان في عامي 1207م و1223م، كأنما جرت عليه سنن التحول والابتلاء، فرغم دعم البلاط الإمبراطوري لإعادة بنائه، بقي المعبد يعاني تدهورًا استمر حتى عصور الحروب.
عصر الاستنارة الثقافية: نورٌ يشقُّ ظلمات النسيان
ومع تراجع الجزيرة في أحضان الإهمال، ظلت شعلة الإيمان تتوقد فيها. ففي عام 1302م، زارتها الإمبراطورة غو فوكاسا-إن ني-جو، وسجلت في كتابها "توهوازو غاتاري" وصفًا لحفل خريفي في معبد إيتسوكوشيما، فقالت فيه: "إن الجلال في هذا المعبد يفوق الوصف، والبذخ فيه كأنما تحفه الملائكة".
وفي عام 1300م، نُقلت إدارة معبد ميزو-شو-جي من ضفة البر الياباني إلى الجزيرة نفسها. ومع هذا النقل، بدأت الجزيرة تتحول إلى مركزٍ حضري، حيث استقر كهنة المعبد وأتباعهم، فكانت تلك النواة الأولى لظهور التجمعات السكنية.
وفي عام 1538م، عبر الراهب سونكاي البحر إلى شبه الجزيرة الكورية، في رحلة لطلب التريبيتاكا الكورية (مجموعة النصوص البوذية). ورغم أنه لم يوفق في جلبها، عاد ومعه لوحة شهيرة تُعرف بـ**"مناظر شياو شيانغ"**، وسجل يومياته عن الرحلة، التي أصبحت مرجعًا لدراسة اللغة الكورية الوسطى.
عصر الحروب الإقطاعية: ميدان الدماء والقداسة
مع دخول الجزيرة في عصر الحروب الإقطاعية، أصبحت مسرحًا للصراعات بين القوى المتنازعة. فكانت نقطة استراتيجية حيوية على الطريق المائي بين آكي وسواو. وفي عام 1555م، خاض موري موتوناري معركة فاصلة على أرضها ضد تاكا هارو من عشيرة أوتشي، فيما عُرف بـمعركة إيتسوكوشيما. وقد حسمت المعركة لصالح موري، مما جعله من أعظم أمراء الحرب في اليابان.
ورغم النصر، شعر موري بالخزي لاستخدام الجزيرة المقدسة ساحةً للقتال، فتوجه بعد الحرب إلى إعادة إعمارها وترميم المعبد. وفي عام 1571م، اكتملت الترميمات الكبرى للمعبد، مما وضع أسس شكله الحالي.
شواهد التاريخ: حروفٌ منقوشة في الصخر والماء
لقد كشفت الحفريات الحديثة عن دلائل ناطقة بتاريخ الجزيرة. ففي الأعوام 1990-1991م، عُثر في موقع بودايين على بقايا مبانٍ يُعتقد أنها شُيدت في القرن الثاني عشر لإدارة شؤون المعبد. وعلى مقربةٍ من المعبد، اكتُشف كيونوزوكا، حيث وُجدت أنابيب نحاسية للكتابات البوذية، وأوانٍ خزفية، ومرايا وسيوف، مما يعكس أهمية الجزيرة كمركز ديني وثقافي.
عهد هيديوشي: البناء الشامخ والوفاء للأرواح في السنة الخامسة عشرة من حقبة تينشو (1587م)، وقد بلغ تويوتومي هيديوشي ذروة سلطانه متقلدًا منصب كانباكو تايجو دايجين، أمر ببناء قاعـة البوذا الكبرى (大経堂) على جزيرة إيتسوكوشيما. أراد بهذا البناء تخليد ذكرى الذين سقطوا في المعارك، متخذًا من جزيرة القداسة موئلًا للسلام الأبدي وموضعًا للعبادة والتأمل.
صُممت القاعة لتعكس هيبة الحاكم وذوقه الرفيع، فقد اختيرت أعمدة ضخمةٌ، وعوارض عريضةٌ، وسُقفت بألواح مذهبةٍ لتغدو رمزًا للفخامة والجلال. غير أن الأجل حال دون إتمام هذا المشروع العظيم، فبقي سقفها مكتملًا فوق المقعد المقدس وحده، وظلت الجدران بلا ألواح، وكأنما أُريد لها أن تبقى شاهدةً على حلمٍ لم يكتمل.
واليوم، تُعرف القاعة باسم "سن جو كاكو" (千畳閣)، أو "قاعة الألف حصير"، إذ تبلغ مساحتها ما يتسع لوضع 857 حصيرًا من نوع "تاتامي". وفي أعقاب حركة "هدم البوذية" (廃仏毀釈) في بداية عهد ميجي، أصبحت القاعة مزارًا تابعًا لمعبد هوجوكو المرتبط بـإيتسوكوشيما جينجا.
الجزيرة على خرائط العالم: شهادة الأهمية الدولية
في عام 1595م، ورد ذكر جزيرة إيتسوكوشيما على أول خريطة أوروبية لليابان، المعروفة بـ**"خريطة تيسيرا"**، والتي نُشرت في مدينة أنتويرب (بلجيكا الحالية)، عندما كانت تحت حكم الإمبراطورية الإسبانية. ورد اسم الجزيرة على الخريطة باسم "Itoqulchima"، رغم أن الخريطة لم تتضمن سوى أسماء الأقاليم الكبرى والموانئ والجزر ذات الأهمية البالغة. وهذا دليلٌ على مكانة الجزيرة البارزة في ذلك العصر.
الاكتشافات الأثرية: شواهد على مجد الماضي
كشفت التنقيبات الأثرية عن بقايا تعود إلى حقب مختلفة من العصور الوسطى وحتى عصر إيدو. ومن بين أهم الاكتشافات:
- موقع بودايين: بقايا منشآت يُعتقد أنها أُنشئت لخدمة المعبد وإدارته.
- موقع مونوموشي: آثارٌ تكشف عن نمط الحياة الثقافية والاجتماعية للسكان.
الطهارة والمحرمات
جزيرة إيتسوكوشيما (厳島)، التي كتب اسمها بكانجي 厳 (إيتسوكو) بمعنى القداسة و島 (شيما) بمعنى الجزيرة، لم تكن مجرد قطعة من الأرض، بل اعتُبرت جسدًا مقدسًا للآلهة. ولهذا، نسج أهلها حولها أعرافًا صارمة، بعضها طواه الزمن، وبعضها لا يزال حيًا في الذاكرة.
كان المصدر الأساسي الذي سجل هذه الأعراف كتاب "مذكرات تاماموري فوساأكي" (棚守房顕覚書) الذي كُتب عام 1580م (السنة الثامنة من عهد تينشو). الكتاب، الذي دونه أحد قادة الكهنة في معبد إيتسوكوشيما، وثّق بدقة أعراف الجزيرة وسجلًا حيًا لعلاقتها بالقداسة.
الطهارة: نبذ النجاسة ومنع الاقتراب
لأن الجزيرة بأكملها كانت تُعد موضعًا مقدسًا (神域: شينئيكي)، كان أي شيء يرتبط بـالنجاسة (穢れ: كيغاري)، كالدم والموت، مرفوضًا رفضًا قاطعًا.
وفقًا لما جاء في "مذكرات تاماموري"، إذا مات أحد سكان الجزيرة، يُنقل جثمانه فورًا إلى منطقة أكازاكي (赤崎) على الضفة المقابلة من اليابسة، حيث تُقام مراسم الدفن. يُذكر أن أكازاكي تقع قرب ما يعرف اليوم بمحطة ميياجيما-غوتشي (宮島口駅). وكان أهل الميت يُمنعون من العودة إلى الجزيرة حتى تنقضي فترة الحداد.
كما أن الجزيرة لم تعرف بناء القبور أو تخصيص أراضٍ للمقابر، فلا يوجد فيها أي قبر أو شاهد حتى اليوم. وحتى النساء الحوامل، كن يُجبرن على مغادرة الجزيرة إلى الضفة الأخرى عند اقتراب موعد الولادة، إذ يُقال في الكتاب: "إذا أنجبت المرأة طفلها، تُنقل هي والطفل على الفور إلى اليابسة. وبعد مئة يوم من تطهير الدماء، يُسمح لها بالعودة."
أما النساء أثناء الحيض (月経: غيكّي)، فكان عليهن العيش في أكواخٍ صغيرة خارج المنازل، تُسمى "أساياما (あせ山)"، أي "جبل الدم". ووفقًا للمذكرات: "كانت الأكواخ تُقام على التلال شرق وغرب البلدة، وتعيش فيها النساء خلال فترة الحيض منعزلات عن عائلاتهن."
العمل والأرض: محرمات الزراعة والنسيج
لأن الجزيرة كانت تُعد جسدًا للإلهة المؤنثة (御神体: غوشينتاي)، كان حرث الأرض (耕作: كوساكو) باستخدام الأدوات الحديدية ممنوعًا. إضافة إلى ذلك، مُنع النسيج (機織り: هاتاوري) وغسل الأقمشة (布晒し: نونو-ساراشي)، إذ اعتُبرت هذه الأنشطة تدنيسًا لقداسة الجزيرة.
سجلت المذكرات: "لا يُزرع في الجزيرة أي نوع من الحبوب، ولا يُنسج فيها القماش أو يُغسل." ولتعويض نقص الإنتاج، كان أهل الجزيرة يعتمدون على البضائع التي يُحضرها التجار عبر القوارب من اليابسة. استمر هذا التقليد حتى ما بعد الحرب العالمية الثانية، حين كانت الأسواق في بلدة هاتسوكايشي (廿日市) تلبي احتياجات السكان.
العصر الحديث:
عصر ميجي: الفصل بين الشنتوية والبوذية
مع بداية حقبة ميجي عام 1868م، وصدور مرسوم فصل الشنتوية عن البوذية، انتقلت اليابان إلى مرحلةٍ من التحولات الدينية والاجتماعية الكبرى. وقد أُثير جدلٌ واسعٌ حول مدى تأثير هذه السياسة على المعابد والطقوس التقليدية. على إثر ذلك، شهدت البلاد حركة "هدم البوذية"، التي اجتاحت جزيرة إيتسوكوشيما نفسها، حيث أغلقت غالبية معابدها، ولم يتبقَّ سوى سبعة معابد كبرى.
أما تماثيل بوذا وغيرها من الآثار التي كانت موجودة في معبد إيتسوكوشيما وقاعة الألف حصير، فقد أُزيلت أو أُهملت، وأثارت هذه القرارات تساؤلاتٍ عن مصير تلك المقتنيات، إذ يُقال إن بعضها نُقل إلى معابد أخرى، بينما فُقد البعض الآخر في ظروفٍ غامضة.
إعادة بناء "البوابة الكبرى" وتأثيرها
في عام 1876م، أُعيد بناء البوابة الكبرى (أوتوري) لمعبد إيتسوكوشيما، التي كانت قد تضررت بسبب تقادم الزمن. وتُعدُّ هذه البوابة الحالية التي تعلو مياه البحر من بقايا تلك الحقبة. ومع ذلك، يظل هناك تساؤلٌ حول مدى دقة التصميم المُعاد بناءه، إذ يرى بعض الباحثين أن هذه النسخة ربما لم تُطابق النسخة الأصلية تمامًا.
إيتو هيروبومي وعلاقته بجزيرة إيتسوكوشيما
اشتهر إيتو هيروبومي، أول رئيس وزراء لليابان، بزياراته المتكررة إلى جزيرة إيتسوكوشيما. تشير السجلات إلى إيمانه الشديد بآلهة الجبل الثلاثة ميزان سانكي دايغونغين، وهو ما دفعه لتكريس لوحات مكتوبة بخط يده علّقها في معبدي دايغونجي وميزاندو. كما يُنسب إليه غرس تسع شجرات صنوبر في الجزيرة، والتي ما زالت قائمة إلى اليوم.
ومع ذلك، تختلف الآراء بشأن دوافعه لزيارة الجزيرة. يرى البعض أن زياراته كانت تعبيرًا عن إيمان روحي عميق، بينما يشير آخرون إلى أن هذه الزيارات ربما كانت تحمل أبعادًا سياسية، تهدف إلى تعزيز الشرعية السياسية عبر الاقتراب من الموروث الديني والثقافي لليابان.
الحكايات الشعبية أضافت بُعدًا آخر لعلاقته بالجزيرة، حيث تربط إحدى الروايات بين زيارة له وإلهامه لفكرة حلوى كيك الموموجي (أوراق القيقب). إلا أن هذه الرواية تظل موضع جدل نظرًا لافتقارها إلى أدلة تاريخية موثوقة.
رمزية الجزيرة للبحرية الإمبراطورية
مع إنشاء الأكاديمية البحرية الإمبراطورية في جزيرة إيتاجيما القريبة، أضحت إيتسوكوشيما رمزًا ذا أهمية خاصة للبحرية اليابانية. أصبح طلاب الأكاديمية يعتبرون الجزيرة مكانًا مقدسًا يعكس ولاءهم للإمبراطور. وشملت تدريباتهم على الجزيرة أنشطة مثل تسلق جبل ميزان والسباحة لمسافات طويلة.
بعض الوثائق التاريخية تشير إلى أن هذه الأنشطة كانت تهدف إلى غرس قيم الطاعة والانضباط بين الجنود، بينما يرى آخرون أنها جاءت لتعزيز مكانة الجزيرة كرمز وطني. ورغم تعدد التفسيرات، يتفق المؤرخون على أن الربط بين القداسة والطاعة العسكرية كان أداة فعالة لترسيخ الروح الوطنية في ذلك الوقت.
في ظل البلديات: بداية عهد جديد
لما كانت سنة 1889م (السنة الثانية والعشرون من عهد ميجي)، وأُقيم نظام البلديات في أرض سايكي، أُعلن تأسيس بلدية إيتسوكوشيما، وقد ضُمّت الجزيرة كلها تحت لواء هذا النظام الجديد. وكأنما استجابت الجزيرة لنداء النظام الحديث.
القلعة والجند: الدور العسكري للجزيرة
وفي سنة 1897م (السنة الثلاثون من عهد ميجي)، شُرع في بناء قاعدة المدفعية المنخفضة في تاكانوسو، وكانت هذه الخطوة إيذانًا بأن تُصبح الجزيرة جزءًا من سياجٍ عسكري يقي البلاد غارات العدو، ويحفظ ساحل هيروشيما من الغوائل. وما لبثت أن أضيفت إليها قاعدة المدفعية المرتفعة في العام الذي تلاه، لتكتمل بذلك منظومة الحماية.
بيد أن هذه القواعد لم تدم طويلًا، إذ أُلغيت في عام 1926م (السنة الخامسة عشرة من عهد تايشو)، لكن آثارها لا تزال قائمة.
تاج الجمال: تصنيف الجزيرة موقعًا تاريخيًا وطبيعيًا
وفي سنة 1923م (السنة الثانية عشرة من عهد تايشو)، أُدرجت جزيرة إيتسوكوشيما ضمن قائمة المعالم التاريخية والمواقع الطبيعية الوطنية، وكان ذلك إقرارًا بما تحمله من إرثٍ خالدٍ يجمع بين القداسة والجمال. ومنذ ذلك الحين، شُرع في حمايتها ورعايته من عبث العابثين ومن نسيان الأيام.
اليوم المعاصر
عدلمرابض الجند وموجات الحديد حين اشتدت أنواء الحرب العظمى الثانية، واستباحت النيران حُدود البحار، تحولت مياه هاشيرا شيما جنوب جزيرة إيتسوكوشيما إلى معاقل تموج بالعتاد. هناك، رست سفن أسطول الاتحاد، وتمترست بوارجهم تُهيئ نفسها لهول المعارك. واحتشدت الجيوش تحمي مدنًا جوارها، مثل كوريه، التي كان في موانئها ترسانةٌ بحريةٌ كبرى تضج بصوت المطرقة والسندان، وهيروشيما التي باتت معقلًا لـالجيش الخامس والجيش الثاني.
كانت الجزيرة تشهد تدافع الرجال، يجرّون المدافع على اعالي جبال مياسان.
مشهد الفن: بين تحالف الإمبراطوريات
وفي عام 1936م (السنة الحادية عشرة من عهد شوا)، وقفت الجزيرة في مرأى عدسات العالم، حين جرى تصوير الفيلم الياباني-الألماني المشترك "الأرض الجديدة". هناك، على صخورها التي شهدت قديم الزمان، أراد المخرجون أن يجعلوا من الجزيرة رمزًا لمعانقة الشرق والغرب، يكتبون على أمواجها أن الفن يجمع ما فرقته الجغرافيا.
كارثة هيروشيما
ثم جاء يوم 6 أغسطس عام 1945م، يومٌ اسودّت فيه السماوات واحترقت فيه الأرض تحت وطأة القنبلة الذرية التي أُلقيت على مدينة هيروشيما. أضاءت السماء ضوءًا خاطفًا كأنها شمسٌ ثانية أُضرمت، وانطلقت ألسنة اللهب تهدم كل شيءٍ في طريقها. انفجرت البيوت، وتهاوت الأبنية.
رغم أن جزيرة إيتسوكوشيما كانت بعيدةً عن المركز، إلا أن رياح الكارثة بلغت شواطئها، فتهاوت زجاج النوافذ، وتزلزلت أركان المنازل، واهتزت القلوب خوفًا. حين دُحرت اليابان في الحرب العظمى الثانية عام 1945م، غدت جزيرة إيتسوكوشيما (厳島) تحت سيطرة القيادة العامة للقوات المتحالفة (GHQ) بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والاتحاد السوفييتي والصين. وكانت هذه القوات في الواقع امريكية صرفة.
وفي 5 ديسمبر 1947م، زارها الإمبراطور شوا ضمن جولاته في اليابان المنهكة، حيث أقام في نُزُل إيواسو. كانت هذه الزيارة بمثابة اعتراف ضمني بأن الجزيرة، بما تمثله من تاريخٍ حافل، ظلت ركنًا من أركان الهوية اليابانية.
أما في عام 1954م، فقد شهدت الجزيرة زيارةً خارجية شهيرة، حين وطئت أقدام مارلين مونرو وزوجها لاعب البيسبول الشهير جو ديماجيو أرضها كجزء من رحلتهم في شهر العسل.
التسمية الجديدة وإعادة إحياء التراث
في عام 1950م، أُدرجت الجزيرة ضمن حديقة سيتو الداخلية الوطنية، لتصبح رمزًا للحفاظ على الطبيعة والجمال. وفي ذات العام، تغير اسم بلديتها من 厳島町 (إيتسوكوشيما-شو) إلى 宮島町 (مياجيما-شو). الكانجي 宮 (ميا) الذي يعني القصر أو المعبد، أُضيف ليعكس هويتها الروحية المرتبطة بمعبد إيتسوكوشيما الشهير.
أما في عام 1952م، فقد اكتملت الترميمات الكبرى (昭和大修理) لهياكل معبد إيتسوكوشيما، الذي ظل صامدًا أمام عواصف الزمن. هذه الترميمات أبرزت فن العمارة اليابانية التقليدي المكتوب في تفاصيل الكانجي المنحوت على أعمدته وأبوابه.
البحر بين التلوث والصراع
شهدت مياه الجزيرة المحيطة، في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، تدهورًا كبيرًا بسبب التلوث. وبلغ الأمر ذروته حين أظهرت قياسات خفر السواحل باستخدام قرص أبيض بقطر 30 سم، أن شفافية الماء لم تتجاوز 20 سم. كان البحر، الذي يُشار إليه بكانجي 海 (أومي)، يئن تحت وطأة مخلفات المصانع والنفايات البشرية.
العواصف والعمران: اختبار الصمود
وفي 27 سبتمبر 1991م، اجتاح الجزيرة إعصار مدمر (الإعصار رقم 19) ترك خلفه دمارًا هائلًا. سقطت غرفة زاراكو (左楽房) التابعة للمعبد، والمصنفة ضمن الكنوز الوطنية، وانهار مسرح نوه (能舞台)، الذي يُعد جزءًا من الإرث الثقافي.
أعاصير تزلزل الأرض وتقوض الجلال
حين هبت ريح الإعصار رقم 18 (台風18号) في عام 2004م (السنة السادسة عشرة من عهد هييسيه)، اشتدت وطأته على معبد إيتسوكوشيما (厳島神社)، فتكسر ما كان شامخًا وسقط ما كان راسخًا. انهارت غرفة زاراكو (左楽房)، ومسرح نوه (能舞台)، والمنصة المسطحة (平舞台)، والمنصة العالية (高舞台)، وقاعات التطهير (祓殿)، والجسر الطويل (長橋)، وأجزاء من الرواق المحيط (廻廊).
كانت هذه الكارثة إيذانًا بأن جزيرة إيتسوكوشيما تواجه خطرًا وجوديًا، لا سيما مع ارتفاع منسوب مياه البحر المحيط بها. وباتت الأمطار الغزيرة تُغرق شواطئها، فيما بدأت قاعات المعبد تهتز تحت وطأة المدّ،
التقارير ربطت بين هذه الظواهر وبين الاحتباس الحراري العالمي (地球温暖化)، إذ أضحت الجزيرة نموذجًا حيًا يُقارن بمدن غارقة كـالبندقية في إيطاليا.
التغير الإداري: دمج البلديات وتغيير الهوية
في 3 نوفمبر 2005م (السنة السابعة عشرة من عهد هييسيه)، أُعيد رسم الحدود الإدارية، حيث دُمجت بلدية ميياجيما-شو (宮島町) مع بلدية أونو-شو (大野町) لتصبح جزءًا من مدينة هاتسوكايشي (廿日市市).
وبذلك تغيّر العنوان الرسمي لمعبد إيتسوكوشيما (厳島神社) من "سايكي-غن ميياجيما-شو 1-1" (佐伯郡宮島町1-1) إلى "هاتسوكايشي-شي ميياجيما-شو 1-1" (廿日市市宮島町1-1). هذا التغيير كان علامة على انضمام الجزيرة إلى إدارة أوسع نطاقًا، لكنه أثار تساؤلات حول ما إذا كان ذلك سيؤثر على هويتها التاريخية والروحية.
السياسة والدبلوماسية: إيتسوكوشيما في قلب العالم
في عام 2016م (السنة الثامنة والعشرين من عهد هييسيه)، ومع انعقاد قمة G7 إيسي-شيما (伊勢志摩サミット)، اجتمع وزراء خارجية الدول السبع في معبد إيتسوكوشيما في يومهم الأول. كان المعبد شاهدًا على هذه اللحظة الفريدة، حيث التقت الهوية اليابانية مع أجندة العالم الغربي السياسية.
وفي عام 2023م (السنة الخامسة من عهد رييوا)، استضافت جزيرة إيتسوكوشيما زعماء العالم خلال قمة G7 هيروشيما (広島サミット). بعد زيارتهم لمعبد إيتسوكوشيما، انتقل القادة إلى نزل إيواسو (岩惣) التاريخي، حيث عقدوا جلسة "الدبلوماسية والأمن" (外交・安全保障) في عشاء عمل، ليصبح المكان مركزًا عالميًا لرسم ملامح السياسة والأمن بين اقطاب العالم.
جزيرة إيتسوكوشيما (厳島): الثقافة، المرافق، والسياحة بين إرث الكانجي وعمق الجغرافيا
احتفالاتٌ تُزهر في السماء: مهرجان الألعاب النارية "宮島水中花火大会"
في كل عام، تحتضن جزيرة إيتسوكوشيما (厳島) في 11 أغسطس مهرجانًا مهيبًا للألعاب النارية يُعرف بـ**"مهرجان الألعاب النارية تحت الماء في ميياجيما (宮島水中花火大会)"**، حيث تتراقص الألوان فوق مياه الجزيرة العذبة، مستقطبةً الزوار من كل مكان. الكانجي 水中 (سويتشو) يعكس الطبيعة المائية لهذه الفعالية، والتي أصبحت رمزًا للجزيرة وشعبيتها.
عراقة الثقافة: المرافق والمعابد
إلى جانب معبد إيتسوكوشيما (厳島神社)، تنتشر في الجزيرة معابد عريقة مثل داي شوان (大聖院)، إضافة إلى مؤسسات ثقافية بارزة مثل:
- متحف كنوز معبد إيتسوكوشيما (厳島神社宝物館): الذي يحتضن مقتنيات تاريخية ثمينة.
- الأكواريوم المائي في ميياجيما (宮島水族館): الذي يُظهر الحياة البحرية.
- متحف التاريخ والفلكلور في ميياجيما (宮島歴史民俗資料館): الذي يعرض حياة السكان القدماء.
- محطة التجارب النباتية التابعة لجامعة هيروشيما (広島大学大学院理学研究科附属自然植物実験所): التي تُبرز الجوانب العلمية للطبيعة.
- مركز الحرف التقليدية في ميياجيما (宮島町伝統産業会館): الذي يُعيد إحياء الفنون التقليدية.
السياحة والزيارة: وجهة عالمية ذات طابع خاص
يزور الجزيرة سنويًا أكثر من 3 ملايين شخص، وفق إحصائيات النقل البحري لعام 2009م (平成21年)، حيث يصل الزوار عبر ميياجيما سانباشي (宮島桟橋) في طريقهم إلى معبد إيتسوكوشيما.
ومع ذلك، فإن التحديات قائمة، حيث تنتشر الغابات البدائية (原生林: غينسيين) التي لم تُمسَّ بالتطوير بسبب قيمتها البيئية والثقافية. ورغم ذلك، فإن المغامرة في هذه الغابات قد تكون محفوفة بالمخاطر، مما دفع الشرطة المحلية (広島県警察廿日市警察署) ورجال الإطفاء (宮島消防署) إلى إصدار تحذيرات للمتسلقين.
اختبار المعرفة: "امتحان ميياجيما"
منذ عام 2007م (平成19年)، تنظم غرفة التجارة والصناعة في هاتسوكايشي (廿日市商工会議所) اختبارًا سنويًا يُعرف بـ**"امتحان ميياجيما (宮島検定)". يختبر الامتحان معرفة المشاركين بتاريخ الجزيرة وثقافتها وبيئتها، حيث يحصل الناجحون على بطاقات اعتماد. كما أصدرت الغرفة كتابًا يُعرف بـ"كتاب ميياجيما (宮島本)"**، الذي يُعد مصدرًا أساسيًا للتحضير للامتحان.
ضريبة زيارة ميياجيما: تنظيم السياحة والحفاظ على البيئة
مع زيادة أعداد الزوار، فرضت مدينة هاتسوكايشي (廿日市市)، في 1 أكتوبر 2023م (令和5年)، ضريبة زيارة تُعرف بـ**"ضريبة زيارة ميياجيما (宮島訪問税)"**. يهدف هذا الرسم إلى تقاسم عبء التكاليف بين الزوار مع الحفاظ على الجزيرة.
تفاصيل الضريبة:
- تُفرض الضريبة على كل من يدخل الجزيرة عبر السفن (船舶: سينباكو).
- يُعفى منها سكان الجزيرة، وطلاب المدارس، وذوو الإعاقة.
- تبلغ قيمة الضريبة 100 ين لكل زيارة أو 500 ين سنويًا.
تُضاف الضريبة إلى سعر تذكرة العبّارات، ولكن في حال استخدام تذاكر شاملة كـ**"تذاكر الشباب 18 (青春18きっぷ)"**، يُطلب شراء تذكرة إضافية لتغطية الضريبة.
نظام النقل: شبكة متصلة تربط الأرض بالمقدس
عدلتمثل جزيرة إيتسوكوشيما (厳島) نموذجًا متكاملًا لأنظمة النقل التي تربطها بالعالم الخارجي، مع حفاظها على خصوصيتها المقدسة.
السكك الحديدية (鉄道: تيتسودو)
عدلأقرب المحطات إلى الجزيرة هما محطة جيه آر ميياجيما-غوتشي (JR宮島口駅) ومحطة ميياجيما غوتشي لترام هيروشيما (広電宮島口駅). من هاتين المحطتين، تنطلق العبّارات نحو الجزيرة عبر ميياجيما سانباشي (宮島桟橋)، حيث تأخذك الرحلة البحرية في غضون عشر دقائق فقط.
النقل البحري (船: سين)
عدلتقوم شركتا جيه آر ميياجيما فيري (宮島連絡船) وميياجيما ماتسوداي كيشين (宮島松大汽船) بتسيير رحلات منتظمة بين البر الرئيسي والجزيرة. تتميز مسارات العبّارات بمرورها القريب من بوابة توريئي (鳥居) الشهيرة أثناء المد العالي، مما يُضفي على الرحلة بُعدًا روحانيًا.
أما عشاق الفخامة، فيمكنهم الاستمتاع برحلات بحرية تُعرف بـ**"رحلات الغداء عبر البحر الداخلي (瀬戸内海汽船)"، أو التنقل عبر خطوط التراث العالمي (世界遺産航路) التي تربط الجزيرة بمواقع أخرى ذات قيمة تاريخية كـقبة هيروشيما (原爆ドーム)**.
النقل البري (車: كورما)
عدلنظرًا للطبيعة الضيقة لطرق الجزيرة، تُفرض قيود على حركة السيارات، مثل تحديد السرعة بـ20 كم/ساعة في المناطق الحضرية و30 كم/ساعة في المناطق الداخلية. تُحظر حركة السيارات داخل الأسواق التجارية بين 10:30 صباحًا و5 مساءً، مما يعكس اهتمام الجزيرة بحماية بيئتها المقدسة من التلوث.
النقل الداخلي في الجزيرة: التواصل بين الروح والطبيعة
عدلللتنقل داخل الجزيرة، تتوفر خيارات متعددة تشمل:
- التلفريك (ロープウェイ: روبو-ويي)، الذي ينقل الزوار من محطة موميجيداني (紅葉谷駅) إلى قمة جبل مياسان (獅子岩駅).
- العربات اليدوية (人力車: جينريكشا) التي تضفي تجربة تراثية على الزوار.
الثقافة والفنون: الموروث الفني الغني لإيتسوكوشيما
عدلالفنون الجميلة (美術: بيجوتسو)
عدلتتجلى الجزيرة في لوحات فنية مثل "مناظر إيتسوكوشيما الثمانية" التي رسمها الفنان 谷原麋鹿 في القرن التاسع عشر. الأعمال الفنية التي تُظهر إيتسوكوشيما (厳島神社) دائمًا ما تربط بين قداسة المعبد وجمال الطبيعة.
الموسيقى (音楽: أونغاكو)
عدلأُشيد بالجزيرة في "أغاني السكك الحديدية (鉄道唱歌: تيتسودو شوكا)" التي نظمها الشاعر أويادا تاتسوكي (大和田建樹) عام 1900م. خصص لها أربع مقاطع، ما يعكس قيمتها التاريخية والروحية:
- "تأملوا البوابة الكبرى (鳥居)، واستشعروا قدسية الجزيرة."
- "مررنا سريعًا عبر بحيراتها نحو موطن الإلهة (市杵島姫)."
- "مشاهد البحيرة تعكس أضواء الفوانيس كأنها نجوم."
- "في معركة جزيرة إيتسوكوشيما (厳島の戦い)، أظهر القائد موري موطناري (毛利元就) شجاعة نادرة."
.